آثار الإعلام على الطفل وكيفية الحد منها

أحمد إبراهيم عصر

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

 

مَن تَحكَّم في الإعلام يصبح لديه القدرة على التحكم في كل شيء فيما بعد، فلا يوجد أدنى شك أن للإعلام آثاره الكبيرة والضخمة على المجتمعات، ولو لم يكن كذلك لما قال وزير الإعلام النازي "جوزيف جوبلز" عنه: "أعطني إعلامًا بلا ضمير، أُعطِك شعبًا بلا وعي"، وهذا بالنسبة للإعلام عمومًا، فما بال تأثير الإعلام على عقول أطفالنا الذين يُمثِّلون مستقبلَ أمتنا؟ فلقد أجمع الخبراء على أن تأثير الإعلام على الأطفال له جانبان: أحدهما إيجابي، والآخر سلبي، وإنما كانت معظم الآراء على أن تأثيرات الإعلام السلبيَّة على الأطفال أكثر بكثير من إيجابياته، ومن ثَمَّ كان لا بد من معرفة هذه الآثار، ومعرفة الطرق والأساليب التي تُساعِدنا على حماية أطفالنا من خطر هذه الوسيلة.

 

 

 

في البداية يقول الدكتور أيمن سامي - أستاذ التربية -:

 

تتنوَّع الآثار السلبيَّة للإعلام ولشاشة التلفاز على الأطفال وَفْقًا لتنوُّع هؤلاء الأطفال، وتنوُّع اهتماماتهم، ووضْعهم الاجتماعي والأسري، ومن هذه الآثار السلبية التي يتركها الإعلامُ في أطفالنا إهدار الوقت وضياعه في غير محله، فإن جُلَّ ما يُعرَض على شاشات التلفاز من برامج خاصَّة بالأطفال وموجَّهة إليهم - أيًّا كان نوعها - قد تمكَّنت من إضاعة أوقات الأطفال في هذه السن التي يفترض أن تَنضَج فيها عقولهم، ووَفْقًا للعديد من الدراسات العربية وغير العربية، اتضح أن الأطفال يشاهدون التلفاز بمعدَّل يتراوح بين 23 و 28 ساعة في الأسبوع، وهي نسبة كبيرة قد يكون فيها شيء من المبالغة، إلا أنها تَدلُّ على أن أطفال العصر الحديث أصبحوا أسرى للتلفاز، ولا شك أن هذا يُخالِف شريعتنا التي اهتمَّت اهتمامًا بالغًا بالوقت وأهميته في حياة الفرد، وهذا يجعل أطفالَنا تنشأ على قيم هدَّامة، تتمثَّل في ضياع الوقت فيما ليس به نَفْع، لا سيما أن هؤلاء الأطفال هم مَن يُشكِّلون مستقبلَ الأمم فيما بعد، مؤكِّدًا على أن أخطر هذه الآثار السلبية يتمثَّل أيضًا في تَعرُّض الطفل للأمراض الجسدية من ناحية، والنفسية من ناحية أخرى؛ نتيجة تَعرُّضه لشاشات التلفاز لفترات طويلة، مثل: القلق، والاكتئاب، وتَرهُّل العضلات، وآلام المفاصل.. ونحوها، فضلاً عن شعور الطفل بالخوف، وازدياد ذلك الشعور بداخله؛ نظرًا لما يراه على شاشات التلفاز من مشاهد الدم والقتل والعنف ونحوها.

 

 

 

وأضاف "سامي":

 

من الآثار السلبية للتلفاز على الطفل أيضًا تبلُّد مشاعره تُجاه من حوله، وعدم مبالاته لكل من حوله، واتسامه بطابَع الفوضى في حياته بصفة عامة، فضلاً عن تَسرُّب إحساس الشك بداخله، وفقدانه الثقة في كل من حوله، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من المشاهد التي تُوضِّح أن اللجوء إلى التدخين، بل واللجوء إلى المخدرات سواء بتناولها أو بيعها، يُعَد أحد الأسباب التي تُساعِد الشخصَ على التخلص من مشكلاته، وهو ما يؤثِّر بالسلب على الطفل الذي قد يَنتهِج هذا النَّهجَ، مما يدفعه إلى التدخين، أو تَعاطي المخدِّرات، وغيرها، هذا إلى جانب قصص العِشْق والغرام، وكل تلك الصور التي تُعرَض في المشاهد المختلفة تُثير غرائز الطفل مُبكِّرًا، وتجعله يَصُب كلَّ اهتماماته منذ صِغَره في مِثْل هذه الأمور، التي يرفضها الشرع، مُضيفًا أن من أخطر الآثار التي تُخلِّفها شاشات التلفاز على الأطفال أنها تساعد على ضياع اللغة العربية السليمة والصحيحة لدى الأطفال، خاصة أن معظم الأفلام والبرامج التي يُقدِّمها التلفاز ويتعرَّض لها هؤلاء الأطفال تُقدَّم باللغات العامية، وغير الفُصْحى، مما يؤثِّر على فِكْر الطفل وتوجُّهاته، هذا إلى جانب تجميد عقل الطفل، وعدم دفْعه إلى الإبداع والابتكار، فضلاً عن انفصاله عن الحياة الحقيقية، وعدم قدرته على التعامل مع المواقف والتجارِب التي قد يُواجِهها في حياته الحقيقية.

 

 

 

ومن جانبه يقول الدكتور سعيد أبو العزم - أستاذ علم النفس التربوي -:

 

لا شك أن التلفاز آثاره السلبية على أطفالنا، وأن معظم الدراسات التي أجريت في هذا الاتجاه كان تركيزها كله منصبًّا على إبراز كلِّ ما هو سلبي لهذه الظاهرة، وقليلون هم مَن اهتموا بإبراز إيجابيات هذه الظاهرة، وإيجابيات تَعرُّض الأطفال للإعلام وللتلفاز بصفة عامة، وإذا ما أردنا أن نُسلِّط الضوء على إيجابيات إعلام الطفل، سنجدها تتمثَّل في عدة نقاط، من أهمها: أنها تُشبِع لدى الطفل بعضَ احتياجاته الأساسية، التي تتمثَّل في الحاجة إلى المعرفة، والحاجة إلى الجمال، وكذلك الحاجة إلى المغامرة والخيال، وهي حاجات من ضمن احتياجات أساسية أخرى يكون الطفل في حاجة إليها وَفْق ما حدَّده العلماء والمختصون التربويون، مشيرًا إلى أن إعلام الطفل وما يُقدَّم له فيه يساعده بنحو كبير على إشباع هذه الاحتياجات الثلاثة، بحيث يكون لدى الطفل إحساس باللون والإحساس بالإيقاع الصوتي، وتَناسُق الحركة...، وما إلى ذلك.

 

 

 

وأوضح "أبو العزم" أن هناك نوعًا من أفلام الرسوم المُتحرِّكة والبرامج المختلفة التي تُقدَّم للطفل، والتي تكون هادفة وتسعى إلى تنمية فِكْر الطفل ومداركه، ويساعد مضمونها على تعزيز القيم التربوية لدى الطفل من خلال أمثلة واقعيَّة للأخلاق الحميدة، من: الصدق والوفاء، ومساعدة الفقراء، واحترام الكبير.. ونحوها، فضلاً عن تعزيز الشعور الديني داخل نفوس الأطفال من خلال بعض المضامين التي تُحاكي سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وسير الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ومن خلال نشْر قيم الدين الإسلامي الحنيف في هذه الأعمال، مؤكِّدًا على وجود العديد من الإيجابيات التي يُقدِّمها إعلام الطفل الهادف، التي يمكن أن نستفيد منها في غَرْس قيم معيَّنة، وتنمية فِكْرِ ومدارك الأطفال.

 

 

 

تنظيم عملية مشاهدة الأطفال التلفاز:

 

وفي هذا الصدد يقول الدكتور خالد عبدالمقصود - خبير التنمية البشرية -: إن هناك بعض الأمور التي يجب أن نتَّبِعها إذا أردنا أن نُنظِّم عمليةَ مشاهدة التلفاز لدى أطفالنا؛ حتى نتفادى تأثيراته السلبيَّة، أو على الأقل الحد منها، وعلى الجانب الآخر لا نَحرِمهم من الاستفادة التي يمكن أن يُحقِّقوها من جراء متابعة مختلف البرامج الهادفة التي تُقدَّم على شاشة التلفاز، ومن أهم هذه الأمور الحرص كل الحرص من أن تتحوَّل مشاهدة الأطفال للتلفاز من مجرد مشاهدة للتسلية إلى إدمان هذه الوسيلة، بحيث يكون هناك عدد ساعات معيَّنة ومحدَّدة من قَبل داخل الأسرة لمشاهدة الأطفال للتلفاز، بحيث لا تتخطَّى مثلاً الساعتين، مع الحرص الشديد على تنفيذ هذا الأمر، حتى لا يعود بالسلب على الأطفال مشيرًا إلى أن التعامل مع التلفاز داخل الأسرة يجب أن يكون بحدود؛ حتى لا يَنظُر إليه الأطفال على اعتباره أحد أفراد الأسرة الذين يجب أن يكون معهم طوال الوقت، وإنما يجب أن يكون للتلفاز وقته المخصَّص، مثله مثل أي شيء آخر، وكذلك يَستخدِمه الوالدان كأداة من أدوات ترغيب الطفل في أداء ما عليه، على أن تكون مشاهدة التلفاز نوعًا من المكافأة له إذا فعل ما هو مطلوب منه.. وهكذا.

 

 

 

وأكد "عبدالمقصود" على ضرورة أن يكون هناك نوع من أنواع المراقبة على ما يشاهده الأطفال على شاشة التلفاز من برامج وأفلام، وأن يتدخَّل الوالدان في اختيار نوعيَّة البرامج التي تُساعِدهم على تنمية كلِّ ما هو إيجابي داخلهم، مُشدِّدًا على أن هذه الرقابة وهذا التنظيم لا يكون فقط بالنسبة للتلفاز، وإنما يتَّسِع ليشمل أيضًا غيره من الكمبيوتر والإنترنت ونحوهما، مشيرًا إلى أن هناك بعض الحالات التي تستدعي أن ندع الطفل هو الذي يُقرِّر ما يشاهده وما لا يشاهده، لا سيما إذا كان الطفل عاقلاً بدرجة كافية تُساعده على ذلك.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات