القيم المعرفية والقيم الصحية والترويحية في أناشيد الأطفال

قحطان بيرقدار

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

بعد الحديث في المقالات السابقة عن كُلٍّ من القيم الدينية والوطنية والاجتماعية والإنسانية والشخصية، أتابع في هذا المقال الحديث عن بقية القيم التربوية في أناشيد الأطفال. وسأعرض فيه لكلٍّ من القيَم المعرفية من جهة، والقيم الصحية والترويحية من جهة أخرى، مع أمثلة عديدة من أناشيد الأطفال ألّفتُها حول هذينِ النوعين من القيم التي تعد من أهم القيم التربوية التي يجب على أناشيد الأطفال مواكبتها.

 

 

سادساً/ القيم المعرفية:

 

إن من أهم ما يدأب عليه نشيد الطفل هو تقديم المعلومة بطريقة سهلة سائغة تقدم المتعة والفائدة للطفل في آن معاً، وهنا تأتي القيم المعرفية التي تتضمن تعميق إيمان الطفل بالعلم وأهميته في تقدم الإنسانية، وتقدير العلم والعلماء والاكتشاف، وقد علمنا الدين الحنيف أن دروب العلم هي من أشرف الدروب، وكانت أول آية قرآنية نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي قوله تعالى: (اقرأ)، لذلك يجب على أناشيد الأطفال الإسهام في ترسيخ الدعوة القرآنية الأولى وحث الطفل على القراءة والتمسك بسبل العلم والمعرفة:

 

كمْ أهْوَى عِلْمَ الكيمياءْ

 

فيهِ أُجَرِّبُ كي أتَطَوَّرْ

 

أَمْزُجُ ما بينَ الأشياءْ

 

وأرَى النَّاتِجَ كيفَ سَيَظْهَرْ

 

  • •••

 

ها أنا أَجْلِسُ في مُخْتَبَرِي

 

وأمامي أكْثَرُ مِنْ دَوْرَقْ

 

هذا السائِلُ أصْفَرَ يَبْدُو

 

بِالتَّسْخِينِ سَيُصْبِحُ أزْرَقْ

 

  • •••

 

وأُجَرِّبُ وَفْقَ مُعَادَلَتِي

 

أكْتُبُ آرَائِي في الدَّفْتَرْ

 

إنْ لمْ أنْجَحْ بِمُحاوَلتِي

 

سَأُكَرِّرُها حتَّى أظْفَرْ

 

  • •••

 

بِالتَّجْرِيبِ أرَى أفكاري

 

صادِقَةً فَأُجَرِّبُ أكْثَرْ

 

أكْشِفُ آلافَ الأسرارِ

 

عِلْمِي يُصْبِحُ حَقَّاً أكْبَرْ

 

 

يقدم لنا النشيد السابق نموذجاً لكيميائي صغير يحب علم الكيمياء، وهو يعرض لنا تجربتَهُ في هذا المجال، والتي لا بد أن تتحول في المستقبل إلى مهنة عظيمة وعلم زاخر يعود بالنفع عليه وعلى أمته.

 

 

وهذا نشيد آخر يوضح لنا إسهامات العلماء المسلمين في الحضارة الإنسانية بما قدموه من اختراعات عظيمة في كل ميادين العلم:

 

طَوَّرَ كُلٌّ مِنهُمْ نَفْسَهْ

ورأينا في الدنيا شَمْسَهْ

بِعُلُومٍ شَتَّى نَتطوَّرْ

نَبْنِي أنفُسَنا، نَتحضَّرْ

 

  • •••

 

دَرَسُوا تَعِبُوا ثُمَّ ابْتَكرُوا

والخَيرُ بِحَقٍّ غايَتُهُمْ

 

كمْ بَذَلُوا جهداً كمْ صَبَرُوا

إبداعاً كانتْ رايَتُهُمْ ..

 

  • •••

 

اَلرَّازِيُّ طبيبٌ ماهرْ

 

والفِيزْيائِيُّ ابْنُ الهَيثَمْ

 

في الكيميَاءِ تأَلَّقَ جابرْ

 

مَعَهُ هذا العِلْمُ تَقَدَّمْ

 

  • •••

 

عُلَماءٌ خَدَمُوا البشَرِيَّهْ

صَنَعُوا الساعاتِ الرَّمليَّهْ

 

صَنَعُوا أدَوَاتٍ لا تُحْصَى

كمْ تَرَكُوا كُتُباً عِلْميَّهْ ..

 

 

فنشيد الطفل وإن كان لا يشبع نهم الطفل إلى المعرفة الكاملة حول الموضوع المطروق لكنه سيكون بالتأكيد محفزاً له على القراءة والاطلاع، فهو في النشيد السابق عندما سيعلم ما للعرب من إنجازات علمية سيقرأ أكثر في هذا المجال ليشبع نهمه إلى المعرفة.

 

 

سابعاً/ القيم الصحية والترويحية:

 

تقدم القيم الصحية نموذجاً لكل ما يجب اتباعه للحفاظ على الصحة من خلال الوقاية واتباع عادات صحية سليمة كالنظافة وممارسة الرياضة وآداب الطعام وغيرها.. وفي النشيد التالي نموذجٌ للطفل النشيط الذي يستيقظ باكراً ليبدأ نهاره بممارسة التمارين الصباحية:

 

شَمْسٌ بَعْدَ الفَجْرِ أَطَلَّتْ

 

تَسْكُبُ في الأَرْجَاءِ سُرُورَا

 

فَأَفَقْتُ نَشِيْطاً مُبْتَسِمَاً

 

لِلشَّمْسِ وقدْ شَعَّتْ نُوْرَا

 

  • •••

 

في الشُّرْفَةِ رَاوَحْتُ قَلِيْلا

 

كانَ هَواءُ الصُّبْحِ عَلِيْلا

 

وَبَدَأْتُ تَمارِيْنَ صَباحِيْ

 

بِنَشَاطٍ.. ما كُنْتُ كَسُوْلا

 

  • •••

 

يَتَحرَّكُ جِسْمِيْ بِنِظَامٍ

 

عَضَلاتِيْ تَتَقَوَّى أَكْثَرْ

 

أُنْجِزُ تَمْرِيْنَاً تَمْرِيْنَاً

 

وأَرَى وَجْهِيَ أَصْبَحَ أَنْضَرْ

 

  • •••

 

تِلْكَ تَمارِيْنُ سُوَيْدِيَّهْ

 

تَمْلأُ جِسْمِيْ بِالْحَيَوِيَّهْ

 

تَجْعَلُ أيَّامِيْ مُثْمِرَةً

 

أَدْرُسُ في جِدٍّ وحَمِيَّهْ

 

 

أما القيم الترويحية فهي التي تسهم في إبعاد الطفل عن الملل والإرهاق، ويدخل في ذلك ممارسة الهوايات وتنظيم الوقت، ولعل النشيد السابق يقدم الرياضة على أنها نموذج للقيم الصحية والترويحية معاً.

 

 

ولا بد من التأكيد على ضرورة عناية الأناشيد بهوايات الأطفال والتركيز على تنميتها، بل وتعريف الطفل على فنون جديدة تغريه بتعلمها واتخاذها كهواية ممتعة, والإسهام في تفجير مكامن الموهبة لديه ودفعه إلى إظهار طاقاته واستثمارها في مختلف المجالات، فهذا كله يساعد الطفل على الاستفادة من وقته بالشكل الأمثل فيما يمتعه ويسليه ويروح عن نفسه ويعود عليه بالنفع وعلى أمته ومجتمعه:

 

أنْ أحيا وأنا أبْتَكِرُ

هذا حقاً ما أنْتَظِرُ

أغْتَنِمُ الوقتَ بِإبداعي

كي يُشْرِقَ في رُوحي القَمَرُ

 

  • •••

 

قد لَمَعَتْ في ذِهْني فِكرَهْ

سأُعَبِّرُ عنها بِالشِّعْرِ

أو بِالقِصَّةِ فيها العِبرَهْ

أو أرسُمُها نهراً يَجْرِي

 

  • •••

 

في العِلْمِ أُقدِّمُ مُختَرَعاً

يَرْجِعُ بِالنَّفْعِ على الناسِ

هذا حقاً ما يَدْفَعُني

لأُواصِلَ دربيْ بِحَماسِ

 

  • •••

 

كُلٌّ مِنَّا ولهُ طَاقَهْ

فَلْيَكْشِفْها وَلْيَبتَكِرِ..

عندَكَ مَوْهِبةٌ خلاَّقَهْ

فَلْتَغنَمْها لا تَنتَظِرِ..

 

 

إن القيم المعرفية والقيم الصحية والترويحية من أهم القيم التي تنمي شخصية الطفل وتطور قدراته وتهذب ميوله وتفجر طاقاته بما تطرحه من مفاهيم تربوية جوهرية ومهمة، ولا بد من أن تُؤَسَّسَ هذهِ القِيَمُ عندَ الأطفال بكافة الوسائل، ولعل أناشيد الأطفال من أفضل الوسائل التي تؤدي هذه المهمة بالشكل الأمثل نظراً لقرب هذه الأناشيد من نفس الطفل ومحاكاتها لعالمه العميق الفسيح على رغم بساطته والبراءة التي تسود أجواءه.

 

 

في المقال اللاحق وهو المقال الأخير من سلسلة مقالات (القيم التربوية في أناشيد الأطفال) سأتحدث عن القيم الجمالية، وسأعرض لها من خلال عدد من جوانبها مع طرح عدد من الأناشيد الطفلية التي تواكب هذه الفئة من القيم التربوية والتي لا تقل أهمية عن جميع القيم التي تم عرضها في المقالات السابقة.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات