القيم الإنسانية والقيم الشخصية في أناشيد الأطفال

قحطان بيرقدار

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

تحدثت في المقال السابق عن القيم الوطنية والقيم الاجتماعية في أناشيد الأطفال، ومثلت لها بعدد من الأناشيد الطفلية الموجهة إلى مرحلة الطفولة المتأخرة، وبينت علاقة جميع القيم التربوية بالقيم الدينية باعتبارها أم القيم التي تصدر عنها جميع القيم التربوية الأخرى على اختلاف تصنيفاتها.

 

أما في هذا المقال فسأعرض للقيم الإنسانية والقيم الشخصية في أناشيد الأطفال وسأقدم كما في المقالين السابقين نماذج عن هذه القيم من الأناشيد التي قمت بتأليفها مسبقاً وفي فترات متباعدة ومناسبات مختلفة.

 

  • رابعاً: القيم الإنسانية:

تُعَدُّ القيمُ الإنسانية من القيم الشاملة بعد القيم الدينية، وهي تضبط علاقة الطفل بالعالم ككل، وبالإنسان أينما كان، بصرف النظر عن جنسه أو عرقه أو لونه، والقيم الإنسانية تَعُدُّ الحضارةَ الإنسانيةَ كُلاً مُتكاملاً، لذلك نراها تدعو إلى بناءِ عالمٍ إنساني متكافئ ينبذ التمييز بكل أشكاله، وتسود فيه العدالة والمساواة والسلام، ويدخل في هذا الباب احترام عادات الآخرين وتقاليدهم والاعتراف بها، بل والتعرف إليها لأنها تندرج تحت عنوان الحضارة الإنسانية، ولعل ما تدعو إليه القيم الإنسانية موجود بقوة وبكافة أبعاده ومناحيه في الدين الإسلامي الحنيف، ولسنا في حاجة هنا إلى ذكر أدلة وشواهد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تدل على الدعوة إلى احترام الإنسان بكافة أبعاده أينما كان، ضمن جوٍّ إنساني نقيٍّ يقوم على الاحترام المتبادل في كافة الأمور:

في  العَالَمِ  بُلْدَانٌ شَتَّى

وشُعُوبٌ قدْ نَشَأَتْ  فِيهَا

ولِكُلٍّ مِنْهَا تَارِيْخٌ

مَحْفُوظٌ  ما   بينَ   بَنِيْهَا

  • • •

ولِكُلٍّ مِنْهَا عَاداتٌ

ومَهارَاتٌ وتَقالِيدْ

يَنْقُلُهَا  جِيْلٌ  عنْ   جِيْلٍ

مَهْمَا وَاكَبَ كُلَّ  جَدِيدْ

  • • •

هِيَ عَاداتٌ  ما  أكْثَرَهَا

تَتَنوَّعُ  بينَ البُلْدَانْ

فَالصِّينُ    لَهَا     هُوِّيَّتُهَا

وكَذَا الْهِنْدُ، كَذَا اليُونَانْ

  • • •

هِيَ أشْيَاءٌ  لَيْسَتْ  تُلْغَى

بِسِوَاهَا لا..  لا  تُسْتَبْدَلْ

كُلٌّ يَحْمِيْ هُوِّيَتَهُ

عنها   أَبَداً   لا   يَتَحوَّلْ

 

 

وهنا لا بد لنشيد الطفل من أن يُطلع الطفل على مساحة أوسع من العالم ليوسع ثقافته بتعريفه على ثقافة البلدان والشعوب وعاداتها, لذلك كان لا بد من الحديث عن شبكة الإنترنت كوسيلة تواصل لا غنى عنها في فتح نوافذ جديدة على هذا العالم الملون، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة ترشيد استخدام الإنترنت:

أَتَعَرَّفُ بِالإِنْتَرْنِتْ

آخِرَ ما  صَنَعَ  الإنسانْ

في كُلِّ مكانٍ في  الدُّنْيَا

أَتَجَوَّلُ   بينَ    البُلْدَانْ

  • • •

أَتَواصَلُ بِالإِنْتَرْنِتْ

مَعَ أبْنَاءِ الوَطَنِ  الْعَرَبِيْ

أتَحَدَّثُ  مَعَهُمْ  وأَرَاهُمْ

نَتَبادَلُ  أسْمَاءَ   الكُتُبِ

  • • •

لِيْ أصْحَابٌ في اليُونَانْ

في الْهِنْدِ وفي كُلِّ مَكانْ

نَتَرَاسَلُ بِالإِنْتَرْنِتْ

وَبِيُسْرٍ  في كُلِّ أَوَانْ

 

  • خامساً: القيم الشخصية:

ترتبط القيم الشخصية ارتباطاً وثيقاً بالقيم الأخلاقية النبيلة التي يدعو إليها الدين الحنيف كونها تشمل مجموعة من الضوابط الإيجابية التي تحكم سلوك الإنسان, لكنها تتميز بكونها تخص الطفل بشخصه وطبيعته والأسس التي يبني عليها سلوكه ومواقفه ونظرته إلى ذاته والعالم من حوله, ومن هذه القيم الشجاعة وضبط النفس والصبر والتأقلم والطموح والذكاء والمثابرة والشعور بالمسؤولية. فنشيد الطفل يجب أن يرسم مستقبلاً زاهراً مرهوناً بطموح الطفل ومثابرته واتكاله على الله عز وجل.

 

وفي هذا النشيد نموذج يدعو إلى التطلع نحو الغد والتخطيط له:

أَنْظُرُ  في  مِنْظَارِيْ  لِغَدِيْ

أَعْرِفُ  ماذا   أَعْمَلُ   فِيْهِ

لِيْ  أهدافٌ   ما   أَكْثَرَها

هَدَفٌ    وَالآخَرُ    سَيَلِيْهِ

  • • •

أَذْكُرُ  في  كُلِّ  اللَّحَظَاتِ

أنَّ   اليومَ    التَّالِيَ    آتِ

لا أَتْرُكُهُ لِيُفَاجِئَنِيْ

فَلَقَدْ   حَدَّدْتُ    مُهِمَّاتِيْ

  • • •

أَصْحُوْ أَتَمَرَّنُ بِنَشاطٍ

آكُلُ   أَسْتَمْتِعُ   بِفَطُورِيْ

في مَدْرَسَتِيْ أَجْلِسُ أُصْغِيْ

أَدْرُسُ  في   جِدٍّ   وسُرُورِ

  • • •

في المُسْتَقْبَلِ  سَوْفَ  أَصِيرُ

مِمَّنْ يُبْدِعُ  أَحْلَى  الأَدَبِ

هَدَفِيْ   فِيْ   عَيْنَيَّ   كَبِيرُ

فَأَنَا  أَحْمِيْ   لُغَةَ   الْعَرَبِ

 

يصور هذا النشيد مثالاً لطفل منظم ومثابر يطمح لأن يكون حامياً للغته العربية وباحثاً فيها، والطموح - كما هو مؤكد - شطرُ النجاح إذا ما أردف بالجد والمثابرة والتزام سبل الخير.

 

ويدخل في هذا الباب أيضاً نبذ السلوك الشخصي السيئ وذلك من خلال تسليط الضوء على مثالبه:

كُتُبٌ في الأرضِ مُبَعْثَرَةٌ

أَدَوَاتٌ شَتَّى وثِيابْ..

طَاقَةُ زَهْرٍ قُلِبَتْ فَذَوَتْ

مِفتاحٌ ضاعَ مِنَ البَابْ

تَحْتَ سَرِيرِ النَّوْمِ تَرامَى

صَحْنٌ مَكْسُورٌ.. أكْوَابْ

فَوضَى هُوَ طِفلٌ مِنْ فَوْضَى

يَعْرِفُهُ كُلُّ الأصْحَابْ..

  • • •

ذاتَ صَباحٍ

راحَ يُفَتِّشُ عنْ ثَوبِ المدرسَةِ الأزْرَقْ

فَتَّشَ في أَرْجَاءِ الغُرْفَهْ

في المَطْبَخِ.. حتى في الشُّرْفَهْ

وبَكَى، نادَى:

أُمِّيْ.. أُمِّي

قدْ أَتأخَّرُ عنْ مَدْرَسَتِي

ومُذَاكَرَتِيْ

قُولِيْ أينَ ثِيابِي أينْ؟

- يا وَلَدِيْ لا أَعْرِفُ أينْ

لوْ أنِّكَ عَلَّقْتَ ثِيابَكَ

لمْ تَصْرُخْ في يومٍ "أينْ"

كيفَ تَعِيشُ بِلا تَرْتِيبْ؟

أمْرُكَ في فَوْضَاكَ عَجِيبْ

رَتِّبْ هَذِي!

اِرْفَعْ هذي!

عَلِّقْ في خَزْنَتِكَ الثَّوبْ!

في المطبخِ فَلْتَضَعِ الكُوبْ.

وفِرَاشُكَ رَتِّبْهُ صَباحا

كي تحيا يومَكَ مُرْتَاحا

الرَّفُّ مُعَدٌّ لِلْكُتُبِ

رَتِّبْها تَنْجُ مِنَ التَّعَبِ

 

الطفل في هذا النشيد ليس كسولاً في مدرسته، إنه فقط غير منظم وفوضوي، والنشيد هنا يبين عاقبة الفوضى ويصور بعض المواقف والمآزق التي يواجهها الطفل الفوضوي، وهذا ما سيكون سبباً لابتعاد الطفل عن هذا السلوك في نشاطه وحياته.

 

إن تبني أناشيد الأطفال للقيم الإنسانية يعود بالنفع الكبير على الطفل ويعزز في ذاته الانفتاح على الآخرين مع عدم التخلي عن هويته وشخصيته التي تكونت في مجتمعه الذي يتمتع هو الآخر بهوية عامة مستقلة.

 

كما يؤدي تبني أناشيد الأطفال للقيم الشخصية إلى ترسيخ السلوك الحسن المنظم عند الطفل وترسيخ العادات الشخصية الإيجابية لديه، وهذه الأشياء لا بد من أن تسهم في تقوية شخصية الطفل ودفعه في دروب الحياة نحو المستقبل المشرق ليكون نافعاً لأمته ومجتمعه.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات