الإعلام الإسلامي: النظرية والتطبيق

موقع الشبكة الإسلامية

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

قلنا في مقال سابق  عند الحديث عن نظرية إعلامية إسلامية أن أسس هذه النظرية – فيما نرى – ثلاثة: عرض الإسلام، تقديم الصراعات الدولية، من أحداث وأخبار على ضوء الإسلام، مواجهة مستمرة للجاهلية، للأفكار والمذاهب والآراء التي تناصب الإسلام العداء. وسنرى اليوم كيف أن هذه النظرية قمينة بالدراسة والنظر والتمثل من قبل الدعاة وحملة الأقلام المؤمنة منهم بالخصوص، وأن "الدعوة الإسلامية" اليوم مرهونة إلى حد بعيد باعتماد أسلوب إعلامي إسلامي يستفيد من الأساليب المعاصرة من غير إخلال بالمنهج الإسلامي العام.

وقد يكون من السابق لأوانه – عند البعض – التفكير في الأسس النظرية للمجتمع الإسلامي ما لم تقم دعائم هذا المجتمع في واقع الناس. وربما عد أي عمل من هذا القبيل ضربا من العبث، أو أشبه ما يكون بعملية استنبات البذور في الهواء كما يقول سيد قطب في فصل له بعنوان "فقه الحركة.. وفقه الأوراق" . ولكن على وجاهة هذا الرأي، لسنا نرى مندوحة من البحث في هذه الأسس النظرية، ومن ضمنها النظرية الإسلامية في مجال الإعلام والصحافة، باعتبارها تمهيدا عمليا لهذا المجتمع الذي وإن لم يكن قد وجد بعد، فإنه مكتمل الملامح والسمات في أذهان الدعاة الإسلاميين والمفكرين العاملين في حقل الفكر والدعوة الإسلامية. وبديهي أن يكون "التفكير النظري" في إيجاد المجتمع الإسلامي واردا في المرحلة الحالية كأسلوب من أساليب المواجهة العقائدية للجاهلية التي تحارب بالفكر، بقدر ما تشهر السلاح في وجه الإنسان المسلم أينما وجد. وعلى كل حال، فللمفكر دوره، ولا شك، في مقاومة الباطل ومقارعة الضلال ومحق الكفر والفسوق. وإذا جاز أن نقول – وهو جائز ولا شك – بقصور الفكر النظري أمام تحديات الجاهلية، بمنظماتها، وهياكلها، وتركيباتها المعقدة، أ فيكون ذلك موجبا للإذعان، و"إلقاء السلاح" – إن صح التعبير – في انتظار قيام المجتمع الإسلامي في صورة من الصور، وهو أمر مرتبط جزما بمشيئة الله سبحانه وتعالى أولا وآخرا؟!. أعتقد أن التعلق بمثل هذا الضرب من التفكير والتصور ليس في صالح الدعوة الإسلامية، ولا في صالح الحركة الإسلامية عموما، ولا في صالح العمل لإقامة المجتمع الإسلامي المنشود.

وانطلاقا من هذه القاعدة، نرى أن تكوين أجهزة إعلام إسلامي، وإنشاء صحافة إسلامية، أمر ملح وضروري تقتضيه المرحلة الضاغطة التي  يجتازها المسلمون. باعتبار أن "الإعلام لغة العصر" فإن الحقائق الكبرى ينبغي أن تقدم للناس بهذه اللغة. ومن هنا كان الإلحاح على "الإعلام الإسلامي" كصيغة للدعوة، وأسلوب للعمل، ووسيلة للحركة.

كيف يعرض الإعلام الإسلام؟

ويمكن أن نطرح السؤال بصيغة أخرى: كيف ينشئ الإعلام رأيا عاما إسلاميا؟. ولن نفهم مهمة الإعلام الإسلامي ما لم نعرف – بدقة – الأسس العامة لعملية عرض الإسلام إعلاميا، والتي تشكل – كما أوضحنا – الشق الأول من النظرية الإعلامية الإسلامية. وبديهي أن "العرض" هو غير "الدعوة". وأنت حينما تريد أن تدعو الناس إلى فكرة تؤمن بها حق الإيمان، مطالب أولا أن تعرض فكرتك، تقدمها للناس في قالب معين وبلغة مميزة، وهذه مرحلة أولى، وأنت مدعو بعد ذلك إلى الدخول مع الذين تواجه في عملية إقناع بالفكرة وتحبيب لها، مع ما يقتضي ذلك من نقاش وأخذ ورد ومقارعة الحجة بالحجة، وهذه مرحلة ثانية. فالعرض إذن هو غير الدعوة، بالمفهوم الذي نمهد له، أو إن شئنا قلنا، هو مرحلة من مراحل الدعوة التي لابد أن تجتازها، إن أريد لها أن تكون دعوة تؤتي أكلها. فإذا كانت مهمة "الإعلام الإسلامي" أن يعرض الإسلام ويقدمه للناس، فإن هذا العرض من شأنه أن ينشئ رأيا عاما إسلاميا، الذي يعتبر بطبيعة الحال النواة الأولى، بل الحجر الأساسي للمجتمع الإسلامي، فإذا تماسك هذا الرأي العام، وتفرع، ونضج، صار له مفعوله المحسوس في الواقع المعاش، وأصبح يوجه تيار الحياة توجيها قويا إلى أحكام الإسلام في كل ميادين الحياة.

إن مهمته الأساسية هي خلق تيار مضاد، ونقصد به التيار الإسلامي لمواجهة تيارات الجاهلية العاتية الهوجاء. ولعمري إنه لعمل يقوم أساسا على "العرض"، عرض الإسلام في أجلي صوره، الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وليس إسلام فلان أو علان. وبذلك تكون الطريق قد انفتحت أمام"الدعوة الإسلامية"، وهو طريق صعب وشاق على كل حال كما لا ينبغي أن يعزب عن أذهان الدعاة إلى الله في كل زمان ومكان. ولعل من الواضح أن الشق الأول من النظرية الإعلامية الإسلامية هو "عرض الإسلام بأسلوب إسلامي". وحقائق الإسلام الكبرى، وآراؤه، وحلوله للمشاكل، وطرق معالجته للمعضلات الإنسانية، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، كل ذلك يدخل في باب العرض المطلوب من الإعلام. إنه موقف متخاذل وذليل أن تبقى الشعوب الإسلامية تابعة للتيارات السياسية والحضارية، الصليبية، واليهودية، والشيوعية، وواجب الإعلام الإسلامي أن يعرض حلول الإسلام لمشاكل العصر، وهي وإن كانت من نتائج الجاهلية الحديثة ولابد للإسلام فيها، فلا مناص من معرفة رأي الإسلام الصريح في الخروج منها والتغلب عليها وتجاوزها إلى واقع إسلامي. ولن "يعرض" لنا هذا الرأي الصريح إلا إعلام إسلامي، يخضع لتوجيه وتخطيط إسلامي، ويخلق رأيا عاما إسلاميا.

إننا نواجه تحديا يهوديا صليبيا شيوعيا . وهو ثالوث خبيث يطرح نظريات – ذات أصل واحد، هو الأصل اليهودي – سياسية واقتصادية واجتماعية للاستهلاك العالمي. ويفرضها على الشعوب فرضا، فلا تجد مقابلا يغنيها عن الأخذ بهذه النظريات، فيقع الانحراف، وتقع الردة، وتتضخم الهوة بين الناس والإسلام. فأين نظريات الإسلام؟. وأين حلوله؟ ولنأخذ قضية فلسطين، على سبيل الإيضاح لا غير، فلا نجد "الحل الإسلامي" للقضية إلا في أذهان قلة من الإسلاميين، ونجد الرأي العام في الشعوب الإسلامية معبأ بمفاهيم شرقية أو غربية لا يجمعها إلا أنها جاهلية غير إسلامية البتة، روج لها، وعرضها على الناس إعلام جاهلي، كان ولا يزال يستغل الفراغ فيفسد العقول، ويوهن الإرادات، ويبث اليأس بين الشعوب تحت عناوين وأسماء ما أنزل الله بها من سلطان. وماذا كان ينتظر غير ذلك في غياب إعلام إسلامي يعرض حلول الإسلام؟.

 

كيف يقدم الإعلام الإسلامي العالم المعاصر؟

الشق الثاني من النظرية الإعلامية الإسلامية- فيما نرى – يقوم على تقديم الصراعات الدولية، من أحداث وأخبار على ضوء الإسلام، وتقديم العالم المعاصر – وهو عالم جاهلي لأنه لا يحتكم إلى الإسلام كما سنرى – إلى الرأي العام الإسلامي. وهي مهمة تفسير العالم وتقييمه بميزان الإسلام لتتضح صورة الجاهلية، وليتوطد الإيمان بالإسلام من خلال معرفة دقيقة وواقعية لهوية العالم الجاهلي.

الإعلام الإسلامي يقوم على قاعدة عقائدية وفكرية، ينطلق منها دائما لفهم العالم، وتنبع منها "الرؤية الإخبارية"  إلى الأحداث والملابسات والعوامل السياسية التي تكيف المناخ الدولي. والمقياس الإسلامي هو الأداة التي يتعامل بها الإعلام الإسلامي مع الأحداث المتجددة. والحقيقة الأولى التي يستوحي منها هذا الإعلام، هي الإيمان بخضوع العالم المعاصر لقوى متماسكة، متكافئة فيما بينها، تحركها إرادات الشر التي تبغي بالناس جميعا هلاكا ودمارا. إن تصور مخططات اليهودية العالمية عامل مهم لفهم العالم المعاصر. ومن ثم فالصراعات الدولية جميعا ترجع إلى محور واحد. ومن هنا يمكن فهم طبيعة  الجاهلية الحديثة. وعلى أساس هذا الفهم يقوم العالم المعاصر إعلاميا.

ومهمة الإعلام الإسلامي في هذا المجال، هي تقديم الصراعات الدولية على ضوء الإسلام ووفق قاعدته العقائدية بغية خلق رأي عام إسلامي على علم بما يجري حواليه، وعلى فهم دقيق لطبيعة العصر. ولنأخذ مرة ثانية قضية فلسطين على سبيل الإيضاح أيضا. فهناك بطبيعة الحال صراعات محمودة تدور حول هذه القضية الإسلامية، وهناك بالتالي مواقف دولية، ووجهات نظر واتجاهات متباينة حول القضية. وتجري كل يوم أحداث على الصعيد العالمي لها ارتباط من قريب أو بعيد بالقضية، فكيف يقدم الإعلام الإسلامي كل هذا الصراع المحمود على ضوء الإسلام ووفق قاعدته العقائدية؟!

هناك هدف أساسي من تقديم العالم الجاهلي للرأي العام الإسلامي، هو كشف الأهداف الشريرة الكامنة وراء الأحداث المحركة للسياسة الدولية، وفضح طبيعة المؤامرات المدبرة ضد الشعوب الإسلامية من طرف هذا المعسكر أو ذاك، وبالتالي تقديم صور حقيقية وليست تقريبية للجاهلية الحديثة.

 

1  العدد الرابع من هذه السنة. ص66.

2 "فقه الدعوة: موضوعات في الدعوة والحركة" اختيار أحمد حسن.

3 أصر دائما على هذا التعبير الذي ترتاح له نفسي. وإذا كان بعض الكتبة المسلمين، وبدافع من حسن نواياهم في الغالب، يستخدمون تعبير "الاستعمار والصهيونية"، فإني أرى أن كلمة الاستعمار قابلة للتحوير، وهي بالتالي مصطلح دخيل – بالمفهوم السياسي طبعا -.

4 نقصد بتعبير "الرؤية الإخبارية" طريقة تحليل الأخبار، وأسلوب التقييم، وهي عملية غربلة دقيقة تستند إلى قاعدة عقائدية نقصد بها الإسلام.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات