نشأة التلفزيون وتطوره

موسوعة ويكيبيديا

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات:

تتكون كلمة تلفزيون في اللغة الإنجليزية من كلمتين هي: (تلي) و (فيجن) (Tele) (Vision) والأولى تعني (البعيد)، أما الثانية فتعني (رؤية) ولذلك فإن دمج هاتين الكلمتين تعني (مشاهدة البعيد) أي إن هذا الجهاز يحضر إلى منزلك الأشياء البعيدة لنشاهدها.

والحقيقة هي أن فكرة نقل الصورة المتحركة إلى المنازل عبر جهاز استقبال منزلي بشكل شبيه بإرسال الصوت والموسيقى عبر جهاز الراديو، كانت محل اهتمام عدد من العلماء في كل من بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى. ولكن الأفكار الناضجة القابلة للتطبيق لم تظهر إلا في منتصف العشرينيات في القرن العشرين.

وكانت المحاولات الأولى تنصب على إجراء الأبحاث لنقل الصور المتحركة من خلال تمديدات الأسلاك الناقلة بين محطة الإرسال ومحطات الاستقبال. وكان العنصر الرئيسي لتحريك التفكير في هذا الاتجاه هو نجاح العالم الألماني بول نبكو (Paul Nipkow) في عام 1884م في تجزئة الصورة عن طريق مسح الصورة تدريجياً بشكل لولبي مستمر ميكانيكياً، بواسطة أسطوانة مثقوبة عدة ثقوب تتجه من الطرف الخارجي إلى وسط الإسطوانة وعندما تدور الاسطوانة فوق الصورة دورة كاملة تكون قد قامت بمسح جميع الخطوط الموجودة في الصورة وعند نقل تلك الومضات الصادرة عن الثقوب يمكن إعادة تشكيل الصورة، على شكل ومضات كهربائية في أنبوبة زجاجية مفرغة من الهواء ومطلية بمواد كيميائية حساسة لسقوط الإلكترونات عليها (C.R.T)

ومع تطور جودة الأشكال التي أمكن تحقيقها من خلال أنابيب الأشعة الكهربائية (C.R.T) التي عرفت بشكل واسع في أبحاث الفيزياء الكهربائية منذ عام 1904 . تمكن العالم الأمريكي الروسي المولد فلاديمير زوريكن (V. Zworykin) في عام 1923 من تسجيل اختراع لأنبوب كاميرا يستطيع تجزئة الصورة الضوئية إلكترونياً ونقلها ليعاد استقبالها وإعادة بنائها. ولم يلبث العالم البريطاني جون بيرد (CJ. Baird) أن قام بالاستفادة من ذلك الاختراع وتقديم أول نظام عملي لنقل الصور في تجربة شهيرة ناجحة في لندن في عام 1926م.

تنبهت شركات الإعلام الأمريكية لأهمية أبحاث نقل الصورة واستطاعت قبل الحكومات إدراك آفاق مستقبلها في مجالي الدعاية التجارية والترفيه، فقامت كل من شركات (RCA) و (CBS)وجنرال إلكتريك بالتنافس في تمويل الأبحاث المتعلقة بهذا الاختراع ورعاية العلماء الموهوبين في هذا المجال، خاصة بعد أن نجح العالم إلين دومونت في تحسين حجم وكفاءة شاشات الاستقبال واختراع جهاز استقبال تلفزيوني منزلي يمكن اقتناؤه في المنازل وليس المعامل والمختبرات فقط.

وفي عام 1927م نجح أحد الباحثين في إرسال الصورة من العاصمة الأمريكية واشنطن إلى نيويورك عبر خط سلكي (كابل). في هذه الأثناء تمكن العالم الأمريكي فيلو فارنزورث (Philo Farnsworth) من إدخال تحسين جذري على نظام المسح الضوئي ضاعف من وضوح الصور المنقولة تلفزيونياً. لكن أول خدمة تلفزيونية في العالم ظهرت في ألمانيا عام 1935م وكانت أحد الإنجازات العلمية الكبيرة التي افتخر بها الألمان واستخدموها في استعراض تفوقهم على الآخرين خلال دورة الألعاب الأولمبية العالمية التي أقيمت في برلين في عام 1936م، إذ كانت الصور التلفزيونية تنقل من الملاعب الرياضية إلى صالات السينما وقاعات المشاهدة الجماعية في النوادي والفنادق لتشاهدها الجماهير (لكن المصادر الأمريكية والبريطانية تجاهلت آنذاك هذا الحدث تماماً نكاية في النظام النازي).

بعد ذلك دخلت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا في تنافس محموم لتطوير التلفزيون وجعله وسيلة إعلامية مؤثرة في الدعاية التجارية والسياسية وكذلك أداة ترفيه لا تقاوم، إذ بدأت في شكل متزامن تقريباً أبحاث تطوير محطات الإرسال والاستقبال في كل من لندن ونيويورك، فقامت شركة RCA ببثها التلفزيوني التجريبي في نيويورك عام 1930م، بينما بدأت الحكومة البريطانية من خلال ال BBC تجارب الخدمة التلفزيونية العامة المنتظمة في منطقة لندن اعتباراً من عام 1936م.

وخلال الفترة من عام 1930 وحتى عام 1939 حققت الشركات الأمريكية عدة نجاحات في مجال تطوير التلفزيون واستخدامه تجارياً في نقل المسرحيات وعرضها على الجمهور في عروض عامة في ساحات نيويورك وشوارعها، خاصة عندما أعلن عن مولد هذا الاختراع خلال المعرض الدولي الذي أقيم في مدينة نيويورك عام 1939م وقامت شركة RCA بتصوير الرئيس الأم.ريكي فرانلكين روزفلت وهو يفتتح المعرض ونقل صورته إلى أجهزة الاستقبال التلفزيوني الموزعة في مواقع مختارة في مدينة نيويورك. ولم يأت شهر شباط- فبراير من عام 1940م إلا وكان هناك شبكة تلفزيونية تغطي أجزاء كبيرة من مدينة نيويورك وكذلك بعض الأجزاء الأخرى من الولاية بعد أن نجح الأمريكيون في تحقيق فكرة التقاط الصورة ثم تقويتها وإعادة بثها.

لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939م أدى إلى شلل خطوات تطوير التلفزيون في ألمانيا وبريطانيا- وبعد دخول الولايات المتحدة الحرب في عام 1941م توقفت برامج تطويره في الولايات المتحدة أيضاً.

أما في الاتحاد السوفييتي فقد بدأ البث التلفزيوني في عام 1939 باستيراد معدات أمريكية الصنع من شركة (RCA) التي كانت مملوكة لمهاجر أمريكي يهودي من أصل روسي رأى أن يبادر إلى استثمار هذا الاختراع الجديد في موطنه الأصلي فقدم خدماته لستالين الذي رحب بها. ولكن إندلاع الحرب العالمية الثانية لم يتح الفرصة لازدهار هذا المشروع. وبعد الحرب استأنف السوفييت الخدمة التلفزيونية في عام 1946م دون معاونة أمريكية. وكان لدى ستالين الكثير مما يريد عرضه لجماهير الاتحاد السوفييتي للتأكيد على حكمة قراراته وصواب رأيه وقيادته السديدة، فقد كان الهدف الأول من إدخال التلفزيون إلى الاتحاد السوفييتي هدفاً سياسياً بحتاً.

ولكن بريطانيا وأمريكا لم تتمكنا من تجاهل إمكانيات هذه الوسيلة الإعلامية اقتصادياً ومستقبلها الواعد تجارياً. فلم تلبث الحرب أن وضعت أوزارها حتى عادت برامج تطوير البث التلفزيوني وتعميم استخدامه إلى أخذ موقع الصدارة في التخطيط الإعلامي في معسكر الحلفاء، بهدف تحقيق مكاسب مالية خيالية من خلال الاستثمار في تصدير معدات الإرسال وأجهزة الاستقبال تجارياً إلى مختلف دول العالم.

ولم يخف ذلك على عدد من الدول الصناعية الأخرى مثل إيطاليا وألمانيا وفرنسا والاتحاد السوفييتي فقامت هذه الدول أيضاً إما من خلال التعاون مع الشركات الأمريكية والبريطانية أو من خلال برامج وطنية ذاتية بالدخول في مجال أبحاث صناعة التلفزيون. ولم يتطلب الأمر كثيراً من الوقت، إذ مع إطلالة عقد الخمسينيات كان التلفزيون جهازاً مألوفاً في الأسواق ومنازل الطبقات العليا من المجتمع في الولايات المتحدة وأوروبا، لكنه بقي محصوراً في استراحات العمال والنوادي العامة وقاعات المشاهدة الجماعية في الدول الاشتراكية.

أما تعميم اقتنائه منزلياً (على مستوى العالم) فقد كان يواجه صعوبات مالية إذ كان ثمن أجهزة الاستقبال التلفزيوني في أوائل الخمسينيات خارج إمكانيات وميزانيات أسر الطبقة المتوسطة، كما أنه كان يواجه مشكلة فنية هي محدودية قوة محطات البث التي لم تكن تستطيع سوى تغطية دوائر لا يتجاوز قطرها بضعة أميال. ورأت الشركات الأمريكية على وجه الخصوص أنه لا سبيل إلى نجاح هذا الاختراع (التلفزيون) إلا من خلال إنتاج أجهزة الاستقبال بكميات تجارية كبيرة لجعلها في متناول الطبقة الوسطى اقتصادياً، وكذلك حل مشكلة إيصال البث لمقتني هذه الأجهزة خارج حدود المدن الكبرى، ولما كانت إمكانيات زيادة مدى البث تتناسب مع ارتفاع هوائي الإرسال وقوة إشارة المحطة فقد كانت المشكلة في المدن الكبرى شبه محلولة إذ عمدت شركة (RCA) الأمريكية إلى وضع هوائي الإرسال في نيويورك فوق مبنى (الإمبايرستيت) (ناطحة السحاب المشهورة التي كانت أعلى مبنى في العالم حتى ذلك الحين) فحقق ذلك تغطية تلفزيونية بقوة معقولة في نيويورك وضواحيها، وشجع الناس على اقتناء أجهزة التلفزيون. وتكررت تلك التجربة في مدن أخرى ببناء أبراج إرسال البث العالمية التي أصبحت رمزاً من رموز البث التلفزيوني..

وفي الولايات الأخرى عمدت الشركات الأمريكية، بمبادرات ذاتية أو بالشراكة مع مستثمرين محليين، إلى بناء مئات المحطات المحلية الصغيرة التي تعيد بث ما تنتجه المحطات الرئيسية في نيويورك، وقامت شركات إنتاج أجهزة التلفزيون المنزلية بالمساهمة في تمويل بناء تلك المحطات حتى تتضاعف أعداد مشتري أجهزة التلفزيون وبالتالي تتضاعف الأرباح.

وفي بداية الأمر تصارعت الشركات على حقوق البث وتردداته، مما جعل لجنة الاتصالات الفيدرالية FCC تتدخل لتقنين المواصفات القياسية والفنية لأجهزة البث والاستقبال (بهدف توفير أقصى حماية للمستهلك) وأيضاً توزيع مجالات البث وترددات الإرسال وتحديد شروط الحصول على رخص البث التلفزيوني… فكان ذلك إلى جانب نشوب الحرب العالمية الثانية من أسباب تعثر تقدم أبحاث التلفزيون في الأربعينيات.

لكن نهاية ذلك العقد وفي حوالي 1948م وبعد التخلص من آثار الحرب اندفعت الشركات الأمريكية والبريطانية بقوة لتقديم الخدمة التلفزيونية الملونة للمشاهدين بشكل عشوائي غير منظم يفتقد أبسط متطلبات التنسيق، ضاربة عرض الحائط بكل القرارات الصادرة عن الجهات الحكومية الرسمية التي لم تستطع السيطرة على سباق التنافس التجاري بين الشركات، وأدى هذا فيما بعد إلى تعدد أنظمة البث التلفزيوني الملون. ولكن انتشار التلفزيون الملون كان بطيئاً جداً، ثم لم تلبث فرنسا أن انضمت إلى ذلك السباق.

أيضاً كانت هناك منافسة أخرى محتدمة لإنتاج أجهزة تسجيل تستطيع أن تسجل الصورة المتحركة والصوت معاً على شريط يمكن استعادة عرض ما سجل عليه فوراً بدلاً من الاعتماد على الأفلام السينمائية في تسجيل البرامج (التي كان من أبرز عيوبها الوقت الذي تستغرقه الأفلام في التحميض وكذلك إمكانية تلف أو تعرض المادة المسجلة للتشويه والخلل دون معرفة المصور بذلك إلا بعد التحميض). ولم يتحقق ذلك إلا عندما قدمت شركة RCA الأمريكية في عام 1953م أول جهاز تسجيل (فيديو تيب) فكان حدثاً هاماً في تاريخ التلفزيون لكن شركة آمبكس أنتجت في عام 1956م جهاز فيديو تيب اكتسح كل ما سبقه ونال شهرة عالمية جعلته الجهاز المستخدم في الغالبية العظمى من محطات التلفزيون. في العالم.

ثم أطلت حقبة الخمسينيات، التي كانت العصر الذهبي في تاريخ تطوير التلفزيون وتحسين خدماته وبرامجه ومعداته، من أجهزة تسجيل وإرسال وهوائيات التقاط وأجهزة استقبال منزلية ذات وضوح ودقة في عرض الصورة والصوت… وحقق التلفزيون ظاهرة النزول إلى الأسواق (بكميات تجارية وأسعار معقولة في مطلع الخمسينيات) واكتسب شعبية كاسحة أخذت في سحب البساط من تحت أقدام الراديو والسينما على حد سواء. أما؟ لماذا فإن الإجابة ليست صعبة..

منذ الأيام الأولى لظهور التلفزيون في الأسواق تميز هذا الجهاز بقدرته على جذب انتباه المارة في شوارع نيويورك وميادينها وكان انبهارهم بقدراته يفوق كل التوقعات، فقد كان يرون فيه الجهاز الترفيهي الكامل الذي يجمع بين مزايا الراديو ومتعة الأفلام السينمائية بل كانوا يرون فيه المسرح والسينما المنزلية التي يستطيع كل إنسان أن يستمتع بمباهجها في إحدى غرف منزله بلا عناء. وكان له تأثير السحر في القضاء على أوقات الفراغ التي تمر بسرعة عندما يجهد الإنسان حاستي السمع والبصر في آن واحد في متابعة موضوع يعجبه.

وهكذا، مع إطلالة الخمسينيات ازداد عدد محطات التلفزيون من 17 - 45 محطة ارسال، وأصبحت الخدمة التلفزيونية متوفرة في حوالي 25 مدينة أمريكية وأصبحت التغطية التلفزيونية متوفرة ل 60% من الشعب الأمريكي بعد أن تم ربط شرق أمريكا بغربها بكابل محوري وتهافت الناس على شراء أجهزة التلفزيون فبيع منها في الولايات المتحدة حتى عام 1952م أكثر من 15 مليون جهاز. ومع هذا النمو غير المسبوق في طلب الخدمة التلفزيونية ارتفع عدد محطات البث في عام 1957 إلى أكثر من خمسمئة محطة معظمها تجارية(1).

أيضاً في الخمسينات بدأ التلفزيون ينتشر في دول مثل ألمانيا والدنمارك وهولندا، وبلغ عدد أجهزة التلفزيون في أوروبا عام 1954 مليون جهاز منتشرة في ثماني دول أوروبية، وقدر عدد المشاهدين الأوروبين آنذاك بحوالي 65 مليون مشاهد، وبلغ عدد المحطات 44 محطة تلفزيونية أوروبية.

ولكن التلفزيون ما لبث أن أثبت في عقد الستينيات أنه ليس فقط وسيلة ترفيه لكنه يمكن أن يكون أداة تعليمية أو منبراً ثقافياً أو سلاحاً إعلامياً دعائياً سياسياً فتاكاً. وإلى جانب ذلك كان له سلبيات عديدة على الترابط الأسري والمستوى الثقافي والمعرفي، بعد أن سرق وبدد الوقت الذي كانت الأسر تقضيه في لقاء بعضها البعض، والوقت الذي كان يمضيه الأفراد في القراءة والمعرفة، والتلاميذ في المذاكرة والتحصيل العلمي. وأصبح هو الجهاز الذي تعتمد الأمهات على سحره في تسكيت الأطفال وتسليتهم وإلهائهم حتى كاد أن يحتل مكانة المربيات المنزليات في بعض الدول.

المصدر: djanel - مدونة علوم الاعلام والاتصال

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات