دور الداعية في محاربة الشائعات

عبدالرحمن الطوخي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

بسم الله رب العالمين

 

الحمدُ لله المُبدِئ المعيد، الغني الحميد، ذِي العفو الواسِع والعِقاب الشديد، مَن هداه فهو السعيد السديد، ومَن أضلَّه فهو الطريد البعيد، ومَن أرْشده إلى سُبل النجاة ووفَّقه فهو الرشيد، يَعْلم ما ظهرَ وما بطَن، وما خَفِي وما عَلن، وما هَجُن وما حَسُن، وهو أقربُ إلى الكلِّ مِن حبل الوريد.

 

 

قسَّم الخلْق قِسمين، وجعَل لهم منزلتَيْن، فريق في الجنة وفريق في السَّعير، إنَّ ربَّك فعال لما يُريد:﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46].

 

 

أحمده وهو أهْلُ الحمد والتحميد، وأشْكُره والشكر لدَيْه مِن أسباب المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْده لا شريكَ له ذو العرْش المجيد، والبطْش الشديد، شهادةً تكْفُل لي عنده أعْلى درجات أهْل التوحيد، في دار القرار والتأبيد.

 

 

 

وأشْهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه البشير النذير، أشْرَف من أظلَّت السَّماء، وأقلَّت البِيدُ، صلَّى الله عليه وسلَّم تسليمًا كثيرًا وعلى آله وأصحابه أُولي العوْن على الطاعة والتأييد، صلاةً دائمةً في كلِّ حين تنمو وتَزيد، ولا تنفد ما دامتِ الدنيا والآخِرة ولا تَبيد.

 

 

 

أما بعد:

 

فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - أنْعم على الإنسان بنِعمٍ لا تُعدُّ ولا تُحْصى، ومن أجَلِّ هذه النِّعم نِعمة اللِّسان، ترجمان الجَنان، كاشِف مخبَّآت الصُّدور، زارع الضغينة والفِتنة في الصُّدور، تُسلُّ السيوف وتُدقُّ الأعناق بكلمات، تقوم صِراعات وتثور فِتنٌ بكلمات، تضيع أوقات، وتُشاع اتِّهامات، وتُقذف محصناتٌ غافلاتٌ مؤمنات بكلمات، تُهدم حصونٌ للفضيلة وتُزْرَع الهمومُ والحَسَرات بكلمات!

 

 

وفي المقابل تستيقظُ الضمائر، وتحيَا المشاعر، وتلين الجلود، وتحيَا القلوب، وتَذرِف العيون، ويَسعد المحزون، وتعلو الهِمم بكلمات، إنَّما هي شجراتٌ طيِّبات، تُؤتِي أُكلَها كل حين بإذن الله ربِّ الأرض والسموات[1].

 

 

 

لذا فقد استعنتُ بالله - عزَّ وجلَّ - في كتابةِ هذا البحث، الذي اقتضتْ طبيعتُه أن يأتي في مقدِّمة، وثلاثة فصول، وخاتمة:

 

المقدمة.

 

 

الفصل الأول: ويشتمل على سبعة مباحث:

 

المبحث الأول: تعريف الإشاعة في اللغة.

 

المبحث الثاني: تعريف الإشاعة في الاصطلاح.

 

المبحث الثالث: تاريخ الإشاعة.

 

المبحث الرابع: أنواع الإشاعة.

 

المبحث الخامس: من أمثلة الإشاعة.

 

المبحث السادس: مِن مقاصد الشريعة (حفظ العِرْض).

 

المبحث السابع: خطر الإشاعة وأثرها في المجتمع.

 

 

 

الفصل الثاني: ويشتمل على ستة مباحث:

 

المبحث الأول: الشائعات مِن أين تَنطلق وكيف تنتشر؟

 

المبحث الثاني: الشائعات وموقف المسلم منها.

 

المبحث الثالث: ما الفائدة مِن ترويج الإشاعة؟

 

المبحث الرابع: أكاذيب الشائعات.

 

المبحث الخامس: الإنترنت وترويج الشائعات.

 

المبحث السادس: المرجفون في المدينة.

 

 

 

الفصل الثالث: ويشتمل على خمسة مباحث:

 

المبحث الأول: الضوابط الشرعيَّة في نقْل الأخبار والتثبت فيها.

 

المبحث الثاني: الحَذَر من الإشاعات وقت الفتن.

 

المبحث الثالث: عقوبة نشْر الشائعات.

 

المبحث الرابع: التصرُّف الحكيم تجاه الإشاعات.

 

المبحث الخامس: منهج الداعية في محاربةِ الشائعات.

 

 

 

الخاتمة.

 

 

المقدمة

 

إنَّ الكلمة مسؤوليةٌ لا بدَّ أن نعي كيف نتعامل معها، فرُبَّ كلمة نابية أدَّتْ إلى خصومة، وربَّ كلمة جافية فرَّقتْ شملَ أُسرة، ورُبَّ كلمة طاغية أخرجتِ الإنسان مِن دِينه - والعياذ بالله - ولكن رُبَّ كلمة حانية أنقذتْ حياة، وربَّ كلمة طيبة جمعتْ شملاً، وربَّ كلمة صادِقة أدخلتْ الجنة - جعَلني الله وإيَّاكم مِن أهْلها - ولأهميَّة الكلمة وأثَرها؛ قال رسولُ الله: ((مَن كان يُؤمِن بالله واليوم الآخر، فليقلْ خيرًا أو ليصمُتْ))[2].

 

 

 

هذا الحديثُ الشريف لو فَقِهه الناس، وصدَقوا النيَّة في التعامُلِ معه، لتجنَّبوا الكثير من المآسي، وكثيرًا ما يُفسِد الودَّ بين الناس كلمةٌ نابية مؤذية، ليستْ في محلِّها، تنفذ كما ينفذ السَّهمُ المسموم، فتُفرِّق ما كان مجتمعًا، وتُفسِد ما كان صالحًا.

 

 

إنَّ حالَنا في كثير من الوجوه مريض، لأنَّ الكثير منَّا إذا تكلَّم لا يَتكلَّم إلا في سوء، لا يتكلَّم إلا في اللغو والزُّور، لا يتكلَّم إلا في الكَذِب والنِّفاق والتملُّق، لا يتكلَّم إلا مغتابًا أو نَمَّامًا، أو همَّازًا أو لَمَّازًا، أو داعيًا إلى فِتنة أو بغضاء، ولا يسكُت حين يسكت إلا عن خيرٍ؛ يسكتُ عن المنكر، يسكتُ عن الشرِّ، يسكت عن الظُّلم والآثام، وإنَّ البغي والانحراف والفساد، والبدع والفجور، ما قويتْ واشتدَّ عودها إلا حين سكَتَ أهلُ الإصلاح، وأُخْرِس صوتُ الحق.

 

 

 

غير أنَّ صلاح اللسان في عُرْف فقهاء الأمَّة وأطبائها إنما هو وَلدُ صلاح النفوس والقلوب، فهيهات هيهات أن تَصلُحَ الألسنة والقلوبُ مريضة! ومتَى يستقيم الظلُّ والعود أعوج؟! وما اللِّسان إلا ترجمان القلوب.

إِنَّ الكَلاَمَ لِفِي الفُؤَادِ وَإِنَّمَا

جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الفُؤَادِ دَلِيلاَ

 

 

 

وما أرْوعَ ابن المعتز في حِكمته القائلة: "الحكمة شجرةٌ تَنبت في القلْب، وتُثمِر في اللِّسان"! وهذا الرَّبْط بين القلْب واللِّسان هو المقصود لا مَحالة.

 

 

في الحديث الشريف: ((لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيم قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه))[3]، كانت هذه مقدِّمة لا بدَّ منهاكمَدخلٍ لموضوع بحْثِنا.

 

 

الفصل الأول

 

المبحث الأول: تعريف الإشاعة في اللغة:

 

قال في "اللسان" تحت مادة "شيع": "شيعت فلانًا اتبعتُه، وشايعَه: تابعه وقوَّاه، ويقال: شاعك الخيرُ؛ أي: لا فارَقك، ومنه: تشييع النار بإلْقاء الحَطَب عليها، وشيَّعه: خرَج معه عندَ رحيله ليُودِّعه، وتشيَّعَ في الشَّيْء: استهلَك في هواه، والشيوع: ما أُوقد به النار، يقال: شيَّع الرجلَ بالنار: أحْرَقه، والمشيَّع: العجول، والشِّياع: صوْت قصَبة الراعي وشبابته، وأشاع بالإبل وشايَع بها وشايعها مشايعة: وأهاب، بمعْنى واحد: صاح بها ودعَاها، وشاع الشيب: ظهَرَ وتفرَّقَ، وشاع الخبر: ذاع، وأشاع ذِكْرَ الشيء: أطارَه، أشعتُ المال: فرقتُه، والشاعة: الأخبار المنتشِرة، ورجل مِشياع؛ أي: مِذياع لا يكتم سرًّا، وشاع الصدع في الزجاجة: استطار"؛ ا.هـ مختصرًا[4].

 

 

وقال الراغبُ في "المفردات": شيع: الشياع: الانتشار والتَّقوية، يقال: شاع الخبرُ؛ أي: كثُر وقوي، وشاع القوم: انتشَروا وكثُروا، وشيعت النار بالحَطب: قويتها، والشيعة: مَن يَتقوَّى بهم الإنسان وينتشرون عنه، ومنه قيل للشجاع: مشيع، يقال: شِيعة وشِيَع وأشياع؛ قال - تعالى -: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ﴾ [الصافات: 83]، ﴿هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: 15]، ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ [القصص: 4]، ﴿فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ﴾ [الحجر: 10]، ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ﴾ [القمر: 51][5]؛ ا.هـ.

 

 

المبحث الثاني: تعريف الإشاعة في الاصطلاح:

 

الإشاعة: مِن شيع، الذيوع والانتشار، إشاعة الخبر: إيصالُه إلى سمْع كلِّ الناس[6].

 

 

وهناك أيضًا عِدَّة تعريفات:

 

منها: كل قضية أو عِبارة مقدَّمة للتصديق تَتَناقل من شخصٍ إلى شخص، دون أن تكونَ لها معاييرُ أكيدة للصِّدْق.

 

 

 

وقيل: هي اصطلاحٌ يُطلق على رأي موضوعي معيَّن؛ كي يؤمنَ به مَن يسمعه، وهي تنتقل عادةً من شخص إلى آخَر عن طريقِ الكلمة الشفهيَّة، دون أن يتطلَّب ذلك مستوًى من البرهان أو الدليل.

 

 

 

ومن التعاريف أيضًا: أنَّها بثُّ خبر من مصْدرٍ ما في ظرْف معيَّن، ولهدفٍ ما، يَبغيه المصدر دون عِلم الآخرين، وانتشار هذا الخبر بيْن أفراد مجموعة معيَّنة.

 

 

أو هي: الأحاديثُ والأقوال والأخبار التي يتَناقلُها الناس، والقصص التي يَرْوُونها دون التثبُّت مِن صحَّتها، أو التحقُّق مِن صِدْقها.

 

 

 

أو هي: النبأ الهادِف الذي يكون مصدرُه مجهولاً، وهي سريعةُ الانتشار، ذات طابِع استفزازي أو هادئ حسبَ طبيعة ذلك النبأ[7]؛ا.هـ.

 

 

 

المبحث الثالث: تاريخ الإشاعة:

 

إنَّ تاريخ الإشاعة قديم قِدَم هذا الإنسان، وقد ذُكِر في كتاب الله - عزَّ وجلَّ - نماذج مِن ذلك منذ فجْر التاريخ وبقِراءة في تاريخ الأنبياء - عليهم السلام - وقَصصهم، نجد أنَّ كلاًّ منهم قد أُثير حوله الكثيرُ مِن الإشاعات مِن قِبل قومه، ثم يبثُّونها ويتوارثونها أحيانًا، ولا شكَّ أنَّ تلك الإشاعاتِ كان لها الأثرُ في جعْل بعض المعوقات في طريقِ دعوة أولئك الأنبياء والرُّسل.

 

 

 

فهذا نوحٌ - عليه السلام - اتُّهِم بإشاعة مِن قومه بأنه يُريد أن يتفضَّل عليهم؛ أي: يتزعَّم ويتأمَّر، ثم يُشاع عنه أنَّه ضال؛ ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأعراف: 60]، وثالثة يُشاع عنه الجُنون؛ ﴿وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِر﴾ [القمر: 9].

 

 

 

وهذا نبيُّ الله هود - عليه السلام - يُشاع عنه الطيْش والخِفَّة كما قال - تعالى -: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [الأعراف: 66]، ومَرَّة يُشاع عنه أنه أُصيب في عقْله؛ ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ*إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ﴾ [هود: 53 - 55].

 

 

 

ثمَّ هذا موسى - عليه السلام - يَحمِل دعوةَ ربه إلى فرعون وملئِه وقومه، فيملأ فِرعون سماءَ مصر ويُسمِّم الأجواء من حوله بما يُطلق عليه مِن شائعات، فيقول: ﴿إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ [الأعراف: 109 - 110]، ومما قال فرعون أيضًا: ﴿أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى﴾ [طه: 57]، وبرغم هذه الأراجيفِ والأباطيل والشائعات مِن حوْل موسى - عليه السلام - فإنَّ الحقَّ ظهَر، واكتَسَح في يوم المبارَزة وما صَنَع السَّحَرة، وأُلْقي السحرة ساجدين، فبُهت فرعونُ أمام هذا المشهد، لكن أسعفتْه حيلتُه ودهاؤُه بأن يلجأ من جديد إلى تلفيق الإشاعات، فنسَب إلى موسى أنَّه كان قد رتَّب الأمور مع السَّحرة، وأنَّ سجودهم وإيمانَهم محضُ تمثيل واتفاق؛ لمآرب يُحقِّقونها جميعًا؛ ﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 123]، وقال سبحانه: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ [طه: 71].

 

 

 

إذًا يتبيَّن لنا مِن خلال هذه الأمثلة أنَّ الإشاعة موجودةٌ مع وجود هذا الإنسان، وستبقَى ما بقِي هذا الإنسان؛ لأنَّ مِن طبيعة النفْس الإنسانية أن تُصاب بالأمراض، كالحَسَد والبُغْض والكُره، والنِّفاق وغيرها، والإشاعة أحدُ الوسائل التي يُعبِّر بها الإنسان، بل يُفرِّغ الإنسان به عمَّا في نفْسه تُجاهَ الآخرين.

 

 

 

المبحث الرابع : أنواع الإشاعة:

 

تختلف الإشاعةُ حسب اختلافِ الشَّخْص المنقول عنه، أو الأشخاص المنقول عنهم.

 

 

 

"فتارة تكون الإشاعة مَدْحًا، وتارة تكون ذمًّا، وتارة تكون خليطًا بيْن النوعين، وتارة تكون غريبةً؛ أي: في سياق وقائعها، حتى تكونَ في عداد المستحيلات، لكن تَلقُّف الناس وتناقلهم لها جعَل المستحيل أمرًا ممكن الوقوع"[8].

 

 

 

الذين يَنشرون الإشاعاتِ تختلف مشاربُهم وهِممُهم في الإشاعة، فقد تكون إشاعة يُروِّج لها أصحابُها بطريقة ذكية تَروج على أناس فيُصدِّقونها، وأخرى غبيَّة تكون عليهم بُوقَ فِتنة وخراب، والله المستعان.

 

 

 

والإشاعة الذكية: هي الإشاعةُ التي يتمُّ إطلاقها من قِبل محترفين وتكون ممكنة، مِثلَ أن تصدر إشاعة زِيادة رأس مال شرَكة بمَنْح أسهم مجَّانية؛ بناءً على دراسة هذه الشَّرَكة من نواحٍ، منها الناحية المالية حين تكون هناك احتياطياتٌ كافية في الشركة تدعم هذه الإشاعةَ، وتساعد على رفْع رأس المال، أو تكون الشَّرِكة تنمو وتُخطِّط للتوسُّع أو دِراسة القِطاع الذي تَنتمي له الشَّرِكة من حيث النموُّ، وهذا ممكن حتى في ظلِّ عدمِ وجود احتياطي، ويكون بإصدار أسهُم اكتتاب، أو تصدر إشاعة اندِماج بيْن شركتين، نشاطهما مكمِّل أو مطابق أو هناك عَلاقةٌ مشتركة بيْن أعضاء مجلس الإدارة، أو كِبار المُسهِمين بيْن هاتين الشركتَين.

 

 

 

وهذا النوع من الإشاعات قد يُصدِّقه رئيسُ مجلس إدارة الشركة نفسِها، لدرجة أنَّه من ممكن أن يفكر فيه وينفذه؛ ليتحوَّل من إشاعة إلى واقع.

 

 

 

والإشاعة الغبيَّة: وهي تقريبًا عكس الإشاعة الذكية، مثلاً: تصدر إشاعة غبيَّة بأنَّ هناك شركةً سوف تمنح أسهمًا مجانية، وهذه الشركة أصلاً ليس لدَيْها احتياطيات، وعليها ديون كثيرة، أو إصدار أسهم اكتتاب لشركة مفلسة لم تُحقِّق أرباحًا في حياتها، وهذا حُلم المسؤولين عن الشركة، ولكن لا أعتقد بأنَّ المسهِمين وصَلوا إلى هذا الغباء لحرْق أموالهم، أو أن تصدرَ إشاعة اندماج مثلاً بيْن شركتين لا علاقة بينهما، ولا يُكمِّلان بعضهما، مثلاً: إشاعة اندماج سابِك مع المواشي، أو استحواذ المواشي على سابك.

 

 

 

والإشاعة المدروسة: أو الإشاعة المسرَّبة، وهي في الحقيقة الكَنْز والسلاح ذو الحدَّين، وهو معلومات جوهريَّة مؤثِّرة سوف تحدُث وتؤثِّر على المركز المالي للشركة، يتمُّ تسريبها قبْلَ إعلانها، وكلَّما كان لها بُعدٌ إستراتيجي بعيدُ المدى، كانتِ الفائدة منها قويَّة، بالذات للاستثمار بعيدِ المدى، ولكن - كما أشرتُ - هي سلاح ذو حدَّيْن حيث إنَّ وصولها في الوقْت المناسِب مهم جدًّا، وكلَّما تأخَّرت، كانتْ فائدتها أقلَّ، وطريقة التعامُل معها يجب أن تكونَ ذكية؛ لأنَّها قد تستخدم في التخلُّص مِن الأسهم أحيانًا، بالذات إذا كانتْ أهميتها أقلَّ، بالإضافة إلى أنَّ طريقة تسريبها مهمَّة، حيث إنَّها إذا تسرَّبت بقصد من المسؤولين في الشركة، فإنَّها تكون مصيدةً للمُسهِمين، أمَّا إذا صدرتْ بطريقة أخرى، وتسريبٍ خارجٍ عن إرادةِ المسؤولين في الشَّرِكة، فإنَّها قد تكون الفائدةُ منها أكبرَ إذا كانت إيجابيَّة حسبَ نوْع الإشاعة[9].

 

 

 

المبحث الخامس: من أمثلة الإشاعة:

 

إنَّ الأمثلة كثيرةٌ جدًّا على الشائعات، ولكن سأقْتَصِر على بعض الأمثلة في زمن النُّبوَّة، وأمَّا في عهْد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه ومَن بعدَهم، فعلى سبيل المثال:

 

حين أُشِيع بأنَّ مشركي مكة قدْ أسلموا، رجَع مَن رجَع مِن المهاجرين هِجرةَ الحبشة الأولى، وقبل دُخولهم عَلِموا أنَّ الخبر كذب، فدخَل منهم مَن دخل، وعاد مَن عاد، فأمَّا الذين دَخلوا فأصاب بعضهم مِن عذاب قريش ما كان هو فارًّا بدِينه منه.

 

 

 

وفي معركةِ أُحد عندَما أشاع الكفَّارُ أنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قُتِل، فَتَّ ذلك في عَضُد كثيرٍ من المسلمين، حتى إنَّ بعضهم ألْقَى السلاح وترَك القتال.

 

 

 

وفي حمراء الأسد بعْدَ غزوة أُحد مباشرةً تأتي الشائعة: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾ [آل عمران: 173].

 

 

 

ومِن أعظم الشائعات التي هَزَّت المجتمع الإسلامي بأكمله، وجعلتْه يصطلي بنارها شهرًا كاملاً، إضافةً إلى أنها كلَّفت أطهرَ النفوس البشرية على الإطلاق وأطهرَ البُيوت، رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبيوته آلامًا اللهُ يَعلم قدرَها: شائعة الإفْك، التي أطلقَها رأسُ النِّفاق عبدالله بن أُبيِّ بن سلول - لعَنَه الله - فراجتْ وماجتْ في المجتمع المدني؛ فمِنهم من تلقَّاها بلسانه، ومنهم من سَكَت، ومنهم مَن ردَّها، وقال: ﴿مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: 16].

 

 

 

وبعدَ عهْد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانتِ الشائعةُ السببَ الأول والرئيس في قتْل الخليفة الراشد المهدي عثمانَ بنِ عفان - رضي الله عنه - تَجمَّع أخلاطٌ من المنافقين ودَهْمَاء الناس وجَهَلَتِهم، وأصبحتْ لهم شوكة، وقُتِل عُثمانُ - رضي الله عنه - إثْرها؛ خليفةالمسلمين، بعدَ حِصاره في بيته وقَطْعِ الماء عنه، بل كان مِن آثار هذه الفِتنة أنْ قامت حروبٌ بين الصحابة الكرام، كمعركة الجمل وصِفِّين.

 

 

 

فمَن كان يتصوَّر أنَّ الإشاعةَ تفعل كلَّ هذا؟! بل خرجتْ على إثْرها الخوارج، وتزندقت الشِّيعة، وترتَّب عليها ظهورُ المرجئة والقدرية الأولى، ثم انتشَرتِ البِدع بكثرة، وظهرتْ فِتن وبدعٌ وقلاقل كثيرة، ما تزال الأمَّة الإسلامية تُعاني من آثارها إلى اليوم[10].

 

 

 

المبحث السادس: من مقاصد الشريعة (حفظ العرض):

 

فإنَّ تحريم النَّيْل من عِرْض المسلِم أصل شرعي متين، عُلِم بالضرورة من دين الإسلام، و"حفظ العِرْض أحد الضروريات الخمس التي شُرِعت من أجلها الشرائع، ولقد خطَب رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ دِماءَكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام؛ كحُرْمة يومكم هذا، في شَهْرِكم هذا، في بلدكم هذا إلى يومِ تَلْقَوْن ربَّكم، ألاَ هل بلغت؟))، قالوا: نعمْ، قال: ((اللهمَّ فاشهد))[11].

 

 

 

والأعراض: جمع عِرْض: "وهو موضِع المدْح والذم مِن الإنسان، سواء كان في نفسه أو في سَلَفه، أو مَن يلزمه أمرُه، وقيل: هو جانبه الذي يَصونه مِن نفْسه وحَسَبه، ويحامي عنه أن ينتقص ويُثلب"؛ ا.هـ[12].

 

 

 

العِرْض فرْعٌ عن النفْس الإنسانية، والعِرْض هو أحدُ الصِّفات الأساسيَّة للإنسان، التي تُميِّزه عن بقية الحيوان، وهو ما حرَص عليه العرَبُ، وجاء الإسلام فأقرَّه[13].

 

 

 

وقد شدَّد الإسلام على حُرمة الاستطالة في عِرْض المسلِم، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((وإنَّ أرْبَى الرِّبا استطالةُ الرجل في عِرْض أخيه المسلِم بغير حق))[14].

 

 

 

إنَّ العِرْض أعزُّ على النفس مِنَ المال وغيره، حقيقةٌ لا تُدْحَر، وحُجَّةٌ لا تُنقض، أفلا نعقِل؟! فأين المفر؟! وبيَّن - عليه الصلاة والسلام - أنَّ ((كل المسلِم على المسلم حرامٌ؛ دَمه وماله وعِرْضه))[15].

 

 

المبحث السابع : خطر الإشاعة وأثرها في المجتمع:

 

الإشاعات ظاهرةٌ مِن جملة الظواهر التي تظهر في المجتمعات، وهو موضوعٌ مهم، يهمُّ المجتمعاتِ بشكل عام، كل المجتمعات، الإسلامية وغير الإسلامية، لكن أهميتها للمجتمعات المسلِمة أشدُّ، وما أكثرَ الإشاعاتِ التي تُطلق في أوساطنا ونَسمَعها هذه الأيام! إشاعات مَقصودة، وإشاعات غيْر مقصودة، فلا تكاد تُشرق شمس يوم جديد إلا وتَسمع بإشاعةٍ في البلد، مِن هنا أو مِن هناك!

 

 

 

فكَمْ للشائعات من خطرٍ عظيم في انتشارها، وأثرٍ بليغ في ترويجها!

 

 

 

الشائعات يا عبادَ الله، تُعتبر من أخطر الأسلحة الفتَّاكة والمدمِّرة للمجتمعات والأشخاص، فكم أقلقتِ الإشاعةُ من أبرياء، وكم حطَّمتِ الإشاعة مِن عظماء، وكم هدَّمتِ الإشاعة مِن وشائج، وكم تسبَّبتِ الشائعاتُ في جرائم، وكم فكَّكتِ الإشاعة من علاقات وصَداقات، وكم هزَمتِ الإشاعة من جيوش، وكم أخَّرتِ الإشاعة في سَيْر أقوام!

 

 

 

لخطرِ الإشاعة، فإنَّنا نرى الدول - دول العالَم كلها - تهتمُّ بها، والحُكَّام رؤساء الدول يَرْقبونها معتبرِين إيَّاها، بل إنَّ كثيرًا مِن دول العالم تُسخِّر وحدات خاصَّة في أجهزة استخباراتها، لرصْد وتحليل ما يُبثُّ وينشر من إشاعةٍ في دولتها، بانين عليها توقُّعاتِهم للأحداث، سواء على المستوى المحلِّي أو الخارجى.

 

 

الفصل الثاني

ويشتمل على مباحث

 

المبحث الأول: الشائعات من أين تنطلق وكيف تنتشر؟

 

كثيرةٌ هي الشائعات في هذا الزمان، انتشرتِ انتشارَ النار في الهشيم بشكلٍ لافت للنظر، وهي لا تستثني جانبًا من الحياة، أو أمرًا مِن الأمور، بل تطال كافةَ المجالات، حتى لدَى الأطفال الصِّغار أصبحتْ هناك شائعات تتناول اهتماماتِهم بشأن موعِد فتْح المدارس، أو تغيير موعِد الإجازة، وغير ذلك، وأحيانًا كثيرة يُوقِن المرء أنَّ تلك الشائعات لا تَنطلق بصورة عشوائية، بل هي صناعة مُتْقَنة ومنظَّمة، ولها خبراؤها وأوقاتها المناسبة، وهناك مكاسبُ ومصالحُ تتحدَّد بموجب تلك الشائعات، والملاحَظ أيضًا أنَّ الشائعات تَنطلق بقوَّة تفوق أحيانًا قوةَ الحقائق، وتجد المناخ المناسِب لسريانها وتصديقها.

 

 

تُرَى مِن أين تكتسب الشائعاتُ قوتَها؟ ومَن يقف وراءَها في الغالب؟ وما هي المصالحُ والمكاسب التي يُمكن أن تُجنَى من ورائها؟ ولماذا تَسْري بسرعة مذهلة؟

 

إنَّ الإجابة على هذه الأسئلة تجعل المرءَ يُوقِن أنَّ الشائعات لا يفعلها إلا منافقٌ، والمنافق هو الذي يُحدِّث بكلِّ ما سمعه، وينقُل كل ما سمعه، فقد ذكَر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أنَّ مِن آيات المنافِق الثلاث: أنَّه إذا حدَّثَ كذَب[16].

 

 

فالمنافِق يكذب لنقْل الشائعات، يكذب، وعلينا أن نتبيَّن ذلك وألا نُصغي لهذه الشائعات.

 

 

 

إنَّ الشائعاتِ أكثر ما تَنطلق من أناس قلَّ خوفُ الله في قلوبهم، ولا أدلَّ على ذلك ممَّا نشاهده ونسمعه، فلا نصدِّق شيئًا من هذه الشائعات حتى نعرضَها على كتابِ الله وسُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

 

 

أمَّا كيف تنتشر، فهذا لأنَّ الشرَّ ينتشر بسرعة، والخراب ينتشر بسرعة، وأي شيءٍ فيه صلاح يتأخَّر نشرُه! أما الشيء الذي فيه مصائب، وفيه فسادٌ، وفيه شرٌّ، فهو ينتشر انتشارَ النار في الهشيم، وغيرها مِن الأمور؛ فما ذاك إلا لأنَّ الشرَّ له أناس يُسهِمون في نقله، يُسهِمون في نشْره بما أوتوا مِن أدوات وما أوتوا مِن مقدرات وغيرها، فلا بدَّ أن نهتمَّ، فالشائعات لا نُصدِّقها مهما كانت الشائعة، وعلينا بالتثبت كما أمَرَ الله تعالى، وأمَرَ به النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

 

 

المبحث الثاني: الشائعات وموقف المسلم منها:

 

إنَّ المسلِم في الحديث الذي أَعنيه هو مَن تمسَّك بأخلاقِ الإسلام باطنًا، وسُنَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ظاهرًا، فطفحتْ عليه، فلا يكاد يُعرَف إلا بها؛ رَوَى البخاري في "الأدب المفرد" عن عليٍّ - رضي الله عنه - قال: "لا تكونوا عُجُلاً مذاييع بُذُرًا؛ فإنَّ مِن ورائكم بلاءً مبرحًا مكلحًا، وأمورًا متماحِلة رُدُحًا"[17].

 

 

وعن أبي وائل - رحمه الله - قال: قال عبدالله بن مسعود: قولُوا خيرًا تُعْرَفُوا بِهِ، واعْمَلوا بِه تكونُوا مِنْ أهلِهِ، ولا تكونُوا عُجُلاً مَذَايِيعَ بُذُرًا[18].

 

 

 

"مذاييع": قال ابن الأثير في "النهاية": مَذَايِيعَ: من المذْياعِ، وهوَ الَّذي إذا سمعَ عنْ أمرٍ بفاحشةٍ أو غيرِهَا، ذَكَرَهَا وأَشَاعَهَا.

 

 

 

بذرًا؛ أي: تَبْذُرُونَ؛ يعني: تُفشونَ السِّرَّ؛ ا.هـ[19].

 

 

 

فموقف المسلِم من الشائعات:

 

1- ألاَّ يعجلَ عندَ سماعه لأمرٍ مِنَ الأمور فينشره ويُذيعه بيْن الناس، وبالذات في وسائلِ النَّشْر كالجوالات ونحوِها، ويقول: "انشر تؤجر"! وما أدراه أنه يُؤجَر، قد لا يؤجر، بل يأثم؛ لأنَّه افتأتَ على أمْر الله - عزَّ وجلَّ - قال - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].

 

 

2- إنْ كان لها تعلُّق بالشرع، نظَر في فتاوى العلماء، إنْ كانوا قد أفتَوا فيها، أو ينتظر فتواهم ولا يعجل، فيكون له رأيٌ، فيكون له دَوْر في الإخلال والفساد في البلد؛ قال - تعالى -: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].

 

 

 

ويقول: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [النساء: 83].

 

 

 

قال في "تفسير الجلالين": ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ﴾ عن سرايا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بما حصَل لهم ﴿مِنَ الأَمْنِ﴾ بالنصر، ﴿أَوِ الخَوْفِ﴾ بالهزيمة، ﴿أَذَاعُوا بِهِ﴾ أفشوه، نزَل في جماعة من المنافقين أو في ضُعفاءِ المؤمنين كانوا يَفْعلون ذلك، فتضعُف قلوب المؤمنين ويتأذَّى النبيُّ، ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ﴾؛ أي: الخبر ﴿إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ﴾؛ أي: ذوي الرأي مِن أكابر الصحابة؛ أي: لو سَكتوا عنه حتى يُخبَروا به، ﴿لَعَلِمَهُ﴾ هل هو ممَّا ينبغي أنْ يُذاع أو لا؟ ﴿الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ﴾ يتبعونه ويَطلبون عِلمه، وهم المذيعون ﴿مِنْهُمْ﴾ مِن الرسول وأُولي الأمْر، ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ بالإسلام، ﴿وَرَحْمَتُهُ﴾ لكم بالقرآن، ﴿لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ﴾ فيما يأمرُكم به مِنَ الفواحِش ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾.

 

 

 

المبحث الثالث: ما الفائدة من ترويج الإشاعة؟

 

لا بدَّ في كلِّ زمان ومكان مِن خفافيش الظلام، يبثُّون سمومَهم بين الناس؛ حتى يفسدوا عليهم حياتَهم، ولذا فإنَّ مروِّج الإشاعة لا يخلو مرادُه مِن مقاصد عِدَّة:

 

الأول: النُّصح؛ بمعنى أنَّ ترديده لتلك الإشاعة في مجلسِه أو مجالسه إنَّما هو بدافع الحِرْص على نُصْح ذلك المشاع عنه.

 

ولستُ بصَدد بيان صحَّة هذا الأسلوب مِن خطئه، فهذا سيأتي بحثُه، إنَّما الشاهد: أنَّ هذه طريقة بعضِ الناس في ترويج الإشاعة بدعْوَى النُّصح للمُشاع عنه - كما يزعم.

 

 

 

الثاني: الشَّماتة، وذلك بأنْ يكون الدافِع والمُحرِّك لنشْر الإشاعة وترويجها بيْن الناس إنَّما هو الشَّماتة بصاحِبها والوقيعة فيه - عياذًا بالله مِن هذا.

 

 

 

الثالث: الفُضول، وهذا حالُ أغلب المروِّجين للإشاعة، فإنَّ إصغاء السامعين لحديثه، وشخوصهم بأبصارِهم إليه، وتشوُّقهم لسماع كلِّ ما يقول - دافعٌ من أعظمِ الدوافع لنقْل الإشاعة، هذا إن سَلِم - ولا يكاد إلا مِن رَحِم الله - من الزيادة في الكلام؛ بُغيةَ تشويقهم وتعلُّقهم بما يقول.

 

 

 

الرابع: قطْع أوقات المجالس بذِكْرها، فمِن المعلوم المشاهَد أنَّ كلاًّ من الحاضرين، أو أغلبهم في المجلس يُريد أن يُدْلي للمشاركة في الكلام والنِّقاش - ولو كان عقيمًا - ويرى السكوتَ نقصًا في حقِّه، فتراه يذكُر هذه الإشاعة بقصْد المشاركة في الحديثِ بغضِّ النظر عن ما يترتَّبعليه نقله ذاك؛[20] ا.هـ.

 

 

 

المبحث الرابع: أكاذيب الشائعات:

 

عُلماء النَّفْس والاجتماع يُؤكِّدون أنَّ الخُواءَ الفِكري، والفَراغ النفسي، وإهمال التربية الصحيحة، والانسياق وراءَ شُبهات العقل وشهواتِ النفْس، واعتياد الناس على اللهو وعدم الجِدِّ في الأمور، كل ذلك يؤدِّي إلى خَلَل في وعْي المجتمع وإدراكه، ممَّا يجعله فريسةً للشائعات، ومرتعًا خصبًا لمروِّجي الأكاذيب، ودُعاة التهويل والتضليل، وتُؤكِّد الدِّراسات النفْسيَّة أنَّ الصحَّة النفسية للإنسان لا تتحقَّق بالمنصب ولا بالمال، ولا بتحقيق جميع الرغباتِ التي يتوق إليها، وإنَّما تتحقَّق بالصفاء الرُّوحي، والرَّزانة الفِكرية، وأفضل طريق لتحقيقِ هذه الرَّزانة، وذلك الصفاء (طريق الدِّين الصحيح)، الذي يَسْمو بالنفْس البشريَّة، ويمنحها الأمانَ والاطمئنان، والراحة والهدوء.

 

 

 

يقول الأستاذ عبدالرحمن النحلاوي - حفظه الله -: "إنَّ المبدأ التربويَّ الذي طرحتْه التربية الإسلامية منذ أكثرَ من أربعة عشَرَ قرنًا لا يعترف بوجودِ فراغ، ولا يترك للنفْس الإنسانية أيَّ مجال للشُّعور بالفَراغ، إنَّ التربية الإسلامية تُربِّي الناشِئَ على أن ينظرَ إلى كلِّ ساعات الحياة ولحظاتها على أنَّها أمانةٌ في عنقه"[21]؛ ا.هـ.

 

 

 

ويبَّن الدكتور عبدالرحمن العشماوي - أثابه الله -: أنَّ المجتمع المسلم في زَمانِنا هذا بحاجة إلى جهودٍ كبيرة لانتشاله مِن كثيرٍ مِن العادات المنحرِفة المسيطرة عليه، سواء أكانتْ عاداتٍ متوارثةً قديمة كالحسَد، والطمع، والحِقد، والأنانية التي تنتشر بين كثيرٍ من المسلمين، وربَّما أصبحتْ إرثًا سيئًا ينتقل من الآباء إلى الأبناء، أم كانتْ عاداتٍ جديدةً مكتسبة أفرزتْها سُهولةُ الاتصال بالآخَر، الذي يملك قوةَ التأثير ووسائل التوصيل، ويَملِك أسلوبَ التأثير المدروس، كالتهاون بالقِيَم والأخلاق، والشك في ثَوابِتنا وأصول مبادِئنا، والانسياق وراءَ شهوات النفْس الفتَّاكة التي تدعو إليها وسائلُ الإغراء المنتشِرة في هذا الزَّمَن ممَّا لا يخفَى على أحد منَّا، وهذه العادات السيِّئة إذا استحكمتْ في البشَر وصاحبَها قوةٌ في الطرْح والعَرْض من مروِّجيها، وضعْفٌ في الطرح والعَرْض من المُصلحين الذين يُواجهونها، فلا شكَّ أنَّها ستكون من أوَّل أسباب تخلُّفِ المجتمع البشري وانهزاميته، وهذا هو الجوُّ الملائم لانتشار الأكاذيب والشائعات بيْن الناس.

 

 

 

ذلك لأنَّ ضَعْف الوازِع الدِّيني، وشعور الإنسان بإمكانية التفلُّت مِن أخلاقه الفاضِلة وقِيَمه الرَّاسِخة، وحُصوله على المُتْعَة (الوقتية) التي تتحقَّق للنفس حينما تمارس شهواتِها وأهواءَها، كل ذلك يجعل الإنسانَ ضعيفًا أمامَ الانحراف، منساقًا وراءَ مَن يُزيِّن له الهوى واللهو، وعندَ ذلك تَعْمَى بصيرته، ويثقل عليه الحقُّ والخير، فيجد نفسَه منساقًا إلى محاربةِ الإصْلاح والمصلحين، والضيق والتبرُّم بما يقولون، وعندَ هذا المنعطف تدخُل المجتمعات البشريَّة إلى دوامة الأهواء، وسيطرة الأكاذيب والشائعات.

 

 

 

والمتأمِّل الواعِي الصادِق لما يجري في كثيرٍ من مجالسنا ومناسباتنا الاجتماعيَّة من أحاديثَ غير موثَّقة تبثُّها وكالة أنباء (يقولون)، وهي وكالة منتشرة انتشارًا عجيبًا، وسبب انتشارها سُهولة الإسناد إليها، والرِّواية عنها دون ضوابطَ، ولا رقيب ظاهر يُوقِف الرُّواةَ عن وكالة (يقولون) عندَ حدِّهم، ويكشف خطأَهم، ويُحذِّرهم مِن الوقوع في براثنِ هذه الوكالة الوهمية.

 

 

 

إنَّ الانشغال بإشاعة الأخبار السيِّئة، وتضخيم أخطاء الناس، والحِرْص على تصيُّدِها ومتابعتها، والتفكُّه بعَرْضها في المجالس - يشيع الاضطرابَ والقلقَ في النفوس، ويكون مِن باب إشاعةِ الشعور بالإحباط واليأس عندَ كثيرٍ من الناس، ومِن باب نشْر الفِتنة وتهوين نقْلها بيْن الشباب، وربَّما قاد ذلك إلى تهوين ارْتكابِها في نفوسهم.

 

 

 

وتحت شعار "حدَّثني مَن أثِق به" وهو شعارٌ مُضلِّل، يُحدِّثك أناسٌ بأخبار تكتشف فيما بعد أنَّ تلك الأخبار غيرُ صحيحة، أو أنها وصلتْ إليك بعدَما زاد عليها الناقلون أضعافَها، وبعد أنْ وجَّهوها وأوَّلوها وحَكَموا ظلمًا على نيَّات أصحابها، وكل ذلك مع الأسَف يأتي تحتَ شعار: "حدثني من أثق به".

 

 

 

وما أرْوَع ما رُوي عن الأحنف بن قيس ومعاوية - رضي الله عنهما - حيث قال معاوية: يا أحنف، حدَّثَني عنك الثقةُ بكذا، وأخبره بكلام غيرِ لائق نُقِل عنه، فقال الأحنف: يا أميرَ المؤمنين، الثقة لا يُحدِّث، نَعَم (الثِّقة) ليس مغتابًا ولا صاحِبَ نميمة، والمجتمع الواعي الحضاري لا يَسْمح لمرضى النفوس مِن أهل الغِيبة والنميمة ومروِّجي الشائعات أنْ يَعْبثوا به وبطمأنينته واستقراره، فلو أنَّ كلَّ واحد منَّا واجهَ مَن ينقل إليه كلامًا بكلمة (اتَّقِ الله)، لاستراحَ المجتمع من ضغْط الشائعات وتأثيرها السَّلبي في النفوس[22].

 

 

 

المبحث الخامس: الإنترنت وترويج الشائعات:

 

وفي هذه الأجواءِ المُكفهرَّة، ومع التقدُّم المتعاظِم في وسائلِ الاتِّصال يجِب الحذَر، ثم الحذرُ عمَّا يُشيعه أصحابُ الشائعات، وتتناوله آلاتُ الإعلام، وتتناقله وسائِلُ الاتِّصال وشبكات المعلومات مِن شائعاتٍ وأراجيفَ في عصرِ السَّماء المفتوحة، والفضاءات التي تُمطِر أخبارًا، وتُلقِي أحاديثَ وتعليقاتٍ لا تقف عند حدٍّ.

 

 

لا بدَّ مِن التَّمييز بيْن الغَثِّ والسَّمين، نحن نعيش اليوم واقعَ كثيرٍ من الإشاعات التي تسوق الأماني على شَكْل أخبار، تنشرُها مواقعُ ومنتديات على شبكة الإنترنت؛ لتبثَّها للناس على أنَّها بشائر، فتتلقَّفها قلوبُ الطيبين على أنَّها حقائق لا تقبل الشكَّ، جاءتْ من مصادرَ موثوقة، ولئن ثبتَ وقوعُ شيء من ذلك، فقدْ بقي الكثير منه ركامًا من الشائعات يستطيع مَن شاء أن يقول لنا: إنْ هذا إلا اختلاق[23]!

 

 

 

إنَّ المتأمِّل يدرك أنَّ كثيرًا من وسائلِ الإعلام العالَميَّة - وتبعًا لذلك العربية - بالغتْ في تغطيةِ بعض الأحداث، وتدخَّلتْ في تحليلها بطريقة غير موضوعيَّة، تَنمُّ عن انحياز سافِر، وفقدان للموضوعية مكشوف، وتتشفَّى بالتزيُّد والتهويل، وما هو عنها بغريب، فإنَّ المصداقية في هذه الوسائل غيرُ متوفِّرة، خصوصًا حين تتدخَّل عواطفُها ورغباتها.

 

 

دعْ عنك أنَّ الموضوعيَّة الإعلاميَّة أصبحتْ إحدى ضحايا هذه الحرْبِ القائمة، وتنكَّرتِ الدوائر الغربية للدروس المثالية التي كانتْ تُلقِّنها الآخرين.

 

 

لكن هذا لا يَعني المجادلةَ في الحقائق المادية، ولا نُكرانَ الأوضاع الحِسيَّة القائمة، ولا مقابلة ذلك الانحياز السافِر بمبالغاتٍ وظنون.

 

 

وهنا نقِفُ أمامَ حقائق نذكِّر بها أنفسنا، والخيرين الذين يتلقَّفون هذه الأخبار، ويُبشِّرون بها غيرَهم بنيَّات طيبة، وقلوب سليمة، ونَعِظ بها أولئك الذين اختلقوا هذه الإشاعاتِ وتَولَّوا ترويجها[24]:

 

1- أنَّ علينا أن نكون يَقظين في تلقِّي هذه الأخبار، وألاَّ يشفعَ لقَبولها ملاقاتُها لرغباتنا وأمانينا، فلَنا منهجية في التثبُّتِ يَنبغي أن تكونَ مطردة فيما نحبُّ ونكره، فليس صحيحًا أن نُشكِّكَ في الخبر المصوَّر من أرْض المعركة، ونُثير تساؤلاتِ الشك والرِّيبة حولَه، مع أنَّ منتهاه الحسُّ، في حين يُنشَر خبرٌ عبرَ رسائل الجوالات، مصْدرُه بعض مواقع الإنترنت، وإذا كان هناك مَن يتقبَّل مثل هذه الأخبار، فليعلمْ أنَّ الناس لن يُصدِّقوه، فليحذرْ أن يجعل نفسَه عُرضةً للتكذيب، وقديمًا قيل: "مَن تتبَّع غرائب الأخبار كُذِّب".

 

 

2- علينا أن نَحْذر مِن جَهالة المصدر، وليس خبرٌ أهم مِن أخبار السنَّة النبويَّة، ومع ذلك فليس مِن منهج المسلمين قَبولُها من المجاهيل؛ ولذا فلا بدَّ من تلقِّي الأخبار من مصدر موثوق، فإنْ لم يكن موثوقًا، فلا أقلَّ من أن يكون معلومًا، بحيث ينال شرفَ الصدق، وتلحقه معرةُ الكذب، (وبئس مطية الرجل زَعموا)[25].

 

 

3- إذا كان هناك مَنِ استجازوا اختلاقَ هذه الإشاعات بأنواع التأويلات، فإنَّ علينا أن نرفضَ جعْل أنفسنا رواحلَ لنقلها، نُصَدِّقها ثم نُسَوِّقها؛ ((فمَن حدَّث بحديث يرى أنَّه كذبٌ، فهو أحدُ الكاذبين))[26].

 

 

4- ممَّا يتأوَّله هؤلاء الذين يَختلِقون تلك الإشاعاتِ أنها من الكذب في الحرْب، وهو مباح، ويتجاهلون ولا يجهلون أنَّ القَدْر المباح من الكذب في الحرْب هو الذي يُضلِّل الأعداءَ، وليس الذي يُسَوِّق الوهم ويُغَرِّر بالمسلمين.

 

 

إنَّ اختلاق الإشاعات وسُرعة تصديقها مهربٌ نفسي أمامَ واقع لا يرضاه المرءُ ولا يستريح إليه، وقديمًا قال أبو الطيِّب:

طَوَى الجَزِيرَةَ حَتَّى جَاءَنِي خَبَرٌ

فَزِعْتُ فِيهِ بِآمَالِي إِلَى الكَذِبِ

حَتَّى إِذَا لَمْ يَدَعْ لِي صِدْقُهُ أَمَلاً

شَرِقْتُ بِالدَّمْعِ حَتَّى كَادَ يَشْرَقُ بِي

 

 

فتجد النفسُ سلوتَها في تكذيب ما لا يروق لها، واختلاق الإشاعات وترويجها، إلاَّ أنَّها - في النهاية - تَرْضخ لسلطان الحقيقة القاهر، ولكن هذه الحيلة النفسيَّة لا تصلح أن تكون مهربًا لأتباع محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي علَّمهم فضيلةَ الصِّدق وأمرَهم بتحرِّيه، فقال: ((إنَّ الصِّدقَ يَهدي إلى البِر، وإنَّ البِرَّ يَهدي إلى الجَنة، ولا يزال الرجلُ يصدُق ويتحرَّى الصِّدق، حتى يُكتبَ عندَ الله صِدِّيقًا، وإنَّ الكذب يَهدي إلى الفُجور، وإنَّ الفُجور يَهدي إلى النار، ولا يزال الرجلُ يَكذِب ويتحرَّى الكذب، حتى يُكتَب عند الله كذَّابًا))[27].

 

 

المبحث السادس: المرجفون في المدينة:

 

إنَّ الأراجيفَ والشَّائعاتِ التي تنطلق مِن مصادرَ شتَّى، ومنافذَ متعدِّدة، إنَّما تستهدِف التآلفَ والتكاتُف، وتسعَى إلى إثَارة النعرات والأحقادِ، ونشْر الظنون السيِّئة، وترويج السَّلبيَّات، وتضخِيم الأخطاء.

 

 

الإشاعاتُ والأراجيف سلاحٌ بيَد المغرِضين وأصحابِ الأهواء، والأعداء والعُمَلاء، يَسلكُه أصحابُه لزعزعةِ الثوابِت، وهزِّ الصُّفوف وخلخلَة تماسُكها.

 

 

 

والمرجفون أعني بهم: هؤلاء الذين يَنشُرون الشائعاتِ الكاذبة، أو يُبالغون في تعظيمِ قُوَّة الأعداء وقُدراتهم، واستحالة هزيمتهم وكسْر شوكتهم؛ مِن أجْل تخذيل المؤمنين، وتخويفهم من أعدائهم، وقد لعَنَهم الله حيثُما وُجِدوا، وتوعَّدهم بأنْ يُسلِّط عليهم مَن يستأصل شأفتَهم، ويقطع دابرَهم، وقد بيَّن الله - تعالى - أنَّ هذا هو ديدنُ المنافقين في المواجهات التي تقَع بيْن المؤمنين والكافِرين، وتوعَّدهم على ذلك بالعَذاب الشديد، وحذَّر المؤمنين من السَّماع لهم وتصديقهم، وإشاعة تخويفاتهم وأراجيفهم، فقال - تعالى -: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً﴾ [الأحزاب: 60]، وقال - عزَّ وجلَّ - كاشفًا حقيقةَ هؤلاء المنافقين وأثَرهم في الإرْجافِ والتخويف، والتعويق والتخذيل، ونشْر الفِتنة بيْن المؤمنين: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [الأحزاب: 18]، وقال: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ [التوبة: 47].

 

 

فبيَّن أنَّ وجودَهم في صفِّ المؤمنين لا يَزيدهم إلا شرًّا وفسادًا، وضعفًا وهوانًا، وفِتنة وفرقة، ويعظُم البلاء حين يكون في المسلمين جهلةٌ بسطاء، يَسمعون لهؤلاءِ المنافقين المفتونين، فيتأثَّرون بإشاعاتهم، ويَستجيبون لتخويفاتهم، ويُصبحون أبواقًا لهم، وببغاوات يُردِّدون أراجيفهم، ويَنشرون فِتنتَهم؛ ولهذا قال - تعالى -: ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾، فيتولَّد من سعْي أولئك المنافقين، وقَبول هؤلاءِ الساذجين، مِن الشرِّ والبلاء، وتوهين عزائمِ المؤمنين وإرْعابهم ما هو مِن أعظمِ البلاء على أُمَّتهم، وأكبر المَدد لأعدائهم[28].

 

 

 

وقد أرْشدَنا الله تعالى إلى ما يجب علينا تُجاهَ هذه الشائعات التي تُخلُّ بالأمن، وتجلب الوَهن، وتُحقِّق مرادَ الأعداء في تركيعِ المؤمنين واستضعافهم، وكسْر شوكتهم، وتيئسيهم وقتْل رُوح المقاومة في نفوسِهم، فقال - سبحانه – ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾[ النساء: 83].

 

 

فأنْكر الله تعالى عليهم خوضَهم في الأمور العامَّة المتعلِّقة بالأمن والخوف، وإذاعتهم لأخبارِها، قبل أن يتبيَّنوا حقيقتَها، ويتأمَّلوا في آثارها وعواقبها، ثم حثَّهم على ردِّ الأمر إلى ولاةِ الأمر مِن العلماء والأمراء، فهُم بحسب فِقههم بالشَّرْع ومعرفتهم بالواقِع، أقدرُ على إدراك الحقائق، والنظر في عواقِب الأمور ومآلاتها، وما يَنبغي نشرُه وإعلانه، وما يحسُن السكوتُ عنه وكتمانه.

 

 

والإنسانُ لا يخسر بالسُّكوت شيئًا، كما يخسَر حين يخوض فيما لا يُحسِنه، أو يتدخَّل فيما لا يَعنيه، والسلامة لا يَعدِلها شيء، والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخِرِ، فلْيقلْ خيرًا أو ليصمت))[29].

 

 

الفصل الثالث

ويشتمل على أربعة مباحث

 

المبحث الأول: الضوابط الشرعية في نقْل الأخبار والتثبُّت منها:

 

كثيرٌ من الناس يتصوَّر أنَّ التثبُّت من صحة الخبر يتعلَّق بعدالة مَن رَواه، فإذا روى الخبرَ ثقةٌ سرعان ما يقطع أُولَئِكَ بصحَّة الخبر والجزم به، ومِن ثَم القيام بما يستدعيه ذلك الخبر؛ ولذلك عندما تناقش أحدَ هؤلاء في خبر رواه، سرعان ما يقول لك: حدَّثَني به الثقة، يقول هذا وكأنَّ الأمر يجب أن ينتهيَ عندَ هذا الحد، فلا مجالَ للطعْن في الخبر بعدَ ذلك، أو التشكيك فيه، أو حتَّى مجرَّد محاولة المزيد من البحْث والاستقصاء للتثبُّت والتَّبيُّن، ولو فعلت ذلك لأصبحتَ (في نظره) مُشكِّكًا في روايته، طاعنًا في عدالته، متعديًا لحدودِ الخُلُق والأدب تُجاهَه!

 

 

ومنشأ هذا الأمر هو الجهلُ بالمنهج الشرعي للتثبُّت والتبيُّن، وقصْره على أحد أفراده، مع عدم إدراك أهميَّة التثبُّت والتبيُّن، حيث يعتبر ذلك تنطعًا ومبالغة[30]؛ ا.هـ.

 

 

وجاء الأمر صريحًا بوجوبِ التثبُّت والتبيُّن في الأخبار عندَ رواية الفاسِق لها، حيث جاء في قراءة سبعيَّة متواترة: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: 6]، وفي قراءة أُخْرى سبعيَّة متواتِرة: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَثبَّتُوا﴾ [الحجرات: 6].

 

 

 

ولذلك قال الإمامُ الطبري: هما قراءتانِ معروفتان، متقاربتَا المعنى - ولم يقل مُتَّحدتَا المعنى - فبأيِّهما قرأ القارئ فمُصيب[31].

 

 

 

قال الإمامُ الحسن البصري - رحمه الله -: المؤمِن وقَّاف حتى يتبيَّن[32].

 

 

 

﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء: 36].

 

 

 

قال قتادة: لا تقلْ: رأيت، ولم ترَه، وسمعتُ ولم تسمعْه، وعلمت ولم تَعْلم.

 

 

 

قد يسمع الإنسانُ في العادة الصِّدق والكَذب، فإذا حدَّث بكلِّ ما سمع سيكون في بعضِ تحديثه كذب، وهذا معنى حديث: ((كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا - وفي رِواية إثمًا - أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ))[33].

 

 

 

لأنَّه يسمع الحقَّ والباطل، والصِّدْق والكذب، فإذا حدَّث بكلِّ ما يسمع فمعنى ذلك: أنَّه سيكون في حديثه كذبٌ ولا بدَّ.

 

 

 

ومَن حدَّث عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بحديث يُرَى أنه كذِب، فهو أحدُ الكاذبِين، أو الكاذبَيْن، قال المناوي - رحمه الله تعالى - في قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((كفَى بالمرء إثمًا أن يحدِّثَ بكلِّ ما سَمِع): "أي: إذا لم يَتثبَّتْ؛ لأنَّه يسمع عادةً الصِّدقَ والكذب، فإذا حدَّث بكلِّ ما سمع لا محالةَ يكذب، والكذب الإخبارُ عن الشيء على غيرِ ما هو عليه وإنْ لم يتعمد، لكن التعمُّد شرْطُ الإثم"[34]؛ ا.هـ.

 

 

 

ومِن ذلك أيضًا قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بِئس مطيةُ الرَّجُل زَعَموا))[35].

 

قال الخطابي[36]: "وإنما يُقال: "زعموا" في حديثٍ لا سندَ له، ولا ثبت فيه، وإنَّما هو شيءٌ حُكِي عن الألسن على سبيلِ البلاغ، فذَمَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن الحديث ما كان هذا سبيلَه، وأمر بالتثبُّت فيه والتوثُّق لِمَا يَحكيه مِن ذلك، فلا يردُّونه حتى يكونَ معزيًا إلى ثَبْت، ومَرْويًّا عن ثِقة".

 

 

وجاء في "عون المعبود" نقلاً عن اللمعات ما نصُّه: "والمقصود أنَّ الإخبارَ بخبرٍ مبناه على الشكِّ والتخمين دون الجزْم واليقين - قبيحٌ، بل ينبغي أن يكون لخبرِه سندٌ وثبوت، ويكون على ثِقة مِن ذلك لا مجرَّد حِكاية على ظنٍّ وحسبان، وفي المثل: ("زعموا" مطيةُ الكذب)" [37]؛ ا.هـ

 

 

وإذا نظرتَ إلى الحديث الآخر: ((إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عليكم عُقوقَ الأُمَّهات، وَوَأْدَ الْبَنَات، وَمَنْعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَال، وَإِضاعَةَ المالِ))[38].

 

 

فإنَّ قوله: ((وَكَرِهَ لَكُمْ قيلَ وقالَ)) كراهة تَداوُل أقاويل الناس، وتضييع الأوقات بذلك، وقدْ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا))[39].

 

 

 

وقال ابنُ الجوزي - رحمه الله -: ما اعتمدَ أحدٌ أمرًا إذا همَّ بشيء مثل التثبُّت، فإنه متى عمِل بواقعة من غيْر تأمُّل للعواقب، كان الغالِب عليه النَّدم، ولهذا أمر الإنسان بالمشاورة؛ لأنَّ الإنسان بالتثبُّت يطول تفكيرُه، فتُعرَض على نفسه الأحوال، وكأنَّه شاور، وقد قيل: خميرُ الرأي خيرٌ من فطيره.

 

 

 

وأشدُّ الناس تفريطًا مَن عمِل مبادرة في واقعة من غيْر تثبُّت ولا استشارة، خصوصًا فيما يُوجِب الغضَب، فإنَّه ينزقه طلب الهلاك، واستتبع الندَم العَظِيم، فاللهَ اللهَ، التثبُّتَ التثبُّتَ، في كلِّ الأمور، والنظر في عواقبها[40]؛ ا.هـ.

 

 

 

إنَّ التثبُّت منهجٌ شرْعي، ونُضْج عقلي، والعقْل الصريح يوافِق النقلَ الصحيح؛ ولذلك جاءَ في الأدب الصغير لابن المقفَّع: "أصل العقْل التثبُّت"[41]، وهذا صحيح، فالعقل سُمِّي عقلاً؛ لأنَّه يعقِل صاحبَه عن فعل ما لا ينبغي.

 

 

 

ولقد تميَّزتْ هذه الأمة بميزة فقدتْها الأمم السابقة، وهي ميزةُ وجود المنهج المتكامِل الشامل للتثبُّت من الأخبار، ممَّا حفظ علينا دِيننا، وهو مِن حفظ الله لهذا الدِّين إلى يوم الدين.

 

 

قال الشيخ العلامة عبدالرحمن السعديُّ - رحمه الله -: والتثبُّت في سماعِ الأخبار وتمحيصها ونقْلها، وإذاعتها والبناء عليها - أصلٌ كبير نافِع، أمَر الله به رسولَه؛ قال - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]، فأمر بالتثبُّت، وأخبر بالأضرار المترتِّبة على عدم التثبُّت، وأنَّ مَن تثبت لم يندمْ، وأشار إلى الميزان في ذلك في قوله - تعالى -: ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾، وأنَّه العِلم والتحقُّق في الإصابة وعدْمه، فمَن تحقَّق وعَلِم كيف يسمع، وكيف ينقُل، وكيف يعمل، فهو الحازِم المصيب، ومَن كان غير ذلك فهو الأحمقُ الطائش الذي مآلُه النَّدامة[42]؛ ا.هـ.

 

 

إنَّ مَن يتأمَّل في واقع الناس اليوم، وينظُر في الكَمِّ الهائل من الأخبار التي نسمعها في كلِّ يوم، ويرَى الاختلاف والتبايُن بيْن مصادر هذه الأخبار، يُدرك عظمةَ هذا الدِّين، وسُموَّ هذا المنهج الذي دعَا إليه الإسلام، وأمَر به القرآن، وحفظتْه السُّنَّة، وحُفظتْ به السنة.

 

 

 

ولذلك يقول سيِّد قطب - رحمه الله -: التثبُّت من كلِّ خبر، ومِن كل ظاهرة، ومِن كل حركة، قبلَ الحُكم عليها - هو دعوةُ القرآن الكريم، ومنهجُ الإسلام الدقيق، ومتى استقام القلْبُ والعقل على هذا المنهج لم يَبْقَ مجال للوَهم والخُرافة في عالَم العقيدة، ولم يبقَ مجال للظن والشُّبهة في عالَم الحُكم والقضاء والتعامُل، ولم يبقَ مجال للأحكام السطحيَّة، والفروض الوهمية، في عالَم البحوث والتجارِب والعلوم[43]؛ ا.هـ.

 

 

 

المبحث الثالث: الحذر من الإشاعات وقت الفتن:

 

أَوْلَى الشرعُ الشريف الفِتنَ[44] قدرًا عظيمًا من الاهتمام، وحفلتْ دواوين السنة بالنصوص التي تُحذِّر منها، وقلَّ أن يخلوَ ديوان منها مِن كتاب أو باب الفِتن؛ قال البخاريُّ - رحمه الله تعالى - في صحيحه "كتاب الفتن، باب ما جاء في قول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ وما كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُحذِّر مِن الفتن".

 

 

 

والفِتن واقعة في أمَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كوْنًا وقدرًا، ولا بدَّ مِن أن يقع ما أخبر به رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومِن ثَمَّ فلا بدَّ من التبصُّر بها، والاستعداد لها، والحذر منها، وبيَّن - صلَّى الله عليه وسلَّم – ((أنَّ السعيد لَمَن جُنِّب الفتن، ولَمَن ابْتُلي فصَبر))[45].

 

 

 

ومِن طبائع الفِتن أنها تتزيَّن للناس في مباديها؛ حتى تغريهم بملابستها والتورط فيها، وأنَّها أيضًا متى ما وقعتْ فإنَّها سرعان ما تتطوَّر وتخرج عن حدودِ السيطرة، وقديمًا قال بعض مشايخ الشام: مَن أعطى مِن نفسه أسبابَ الفِتنة أولاً، لم ينج آخرًا، ولو كان مجاهدًا[46]؛ ا.هـ

 

 

والفتنةُ إذا وقعتْ عجَز العقلاء فيها عن دفْع السُّفهاء، فصار الأكابر عاجِزين عن إطفاء الفِتنة وكفِّ أهلها، وهذا شأنُ الفِتن، كما قال - تعالى -: ﴿واتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: 25]، وإذا وقعتِ الفِتنة لم يسلمْ من التلوُّث بها إلا مَن عَصَمه الله.

 

 

 

"والفِتن إنَّما تظهر بالإشاعات والبواطيل، وتنتشِر بالقال والقيل، مع خفَّة عقْل في نقْلتها ورقَّة دِين، تمنعهم مِنَ امتثال أمرِ الله تعالى بالتثبُّت وترْك الاستعجال، وإنَّ اتِّقاء الغواية في الرِّواية، والتحرِّي والتثبُّت مِنَ الأخبار التي تتداولها الألْسن وقتَ الفِتن والحروب، أوْكَد مِن غيره من الأوقات؛ لأنَّها سلاحٌ فتَّاك قد يضرُّ أكثر ممَّا تضرُّ الأسلحة[47]؛ ا.هـ.

 

 

 

المبحث الثالث: عقوبة نشر الشائعات:

 

الشائعات السيِّئة، كلها محرَّمة مذمومة، وصاحِبها مذمومٌ مأزور، غير مشكور ولا مأجور؛ لأنَّها إنْ كانت مكذوبةً مزوَّرة، فإنَّ الكذب حرامٌ مجمع على تحريمه، بل هو مِن أكبر الكبائر وأشد المفاسِد، وهو آفة قاتِلة، ما انتشرتْ في مجتمع إلا قوضتْ دعائم استقراره، وهدَّمت أرْكانَ أمْنه، ونزعتِ الثقة بيْن أفراده، وليس هو مِن أخلاقِ الكرام، فضلاً عن الملتزمين بالإسلام، بل هو أساسُ النِّفاق وعماده، وشعاره ودِثاره.

 

 

 

ولله درُّ القائل:

إِذَا الْمَرْءُ أَخْطَأَهُ ثَلاَثٌ

فَبِعْهُ وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ رَمَادِ

سَلاَمَةُ صَدْرِهِ وَالصِّدْقُ مِنْهُ

وَكِتْمَانُ السَّرَائِرِ فِي الفُؤَادِ

 

 

 

وإنَّ الكذب حين يروج بيْن العامة ويُذاع في المجتمع، يتفاقَم ضررُه، ويتعاظم خطرُه، ويَهلِك بسببه كثيرٌ من الخلق، ولهذا كان عقابُ صاحبه أليمًا، وعاقبتُه خسارًا وبوارًا عظيمًا.

 

 

ومِن ذلك ما حَكاهُ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في رؤيا طويلة رآها، وفيها: ((فانطلقْنا فأتينا على رجلٍ مُستَلْقٍ لقفاه، وإذا آخَرُ قائمٌ عليه بكَلُّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحدَ شِقَّيْ وجهه فيُشَرْشِر شِدقَه إلى قفاه، ومنخرَه إلى قفاه، وعينَه إلى قفاه، ثم يتحوَّل إلى الجانبِ الآخَر فيفعل به مثلَ ما فعل بالجانب الأوَّل، فما يَفْرَغ مِن ذلك الجانب حتى يَصِحَّ ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثلَ ما فعَل في المرَّة الأولى))، ثم قال في آخِر الحديث: ((وأمَّا الرجل الذي أتيتَ عليه يُشرْشِر شِدقَه إلى قفاه، ومنخرَه إلى قفاه، وعينَه إلى قفاه، فإنَّه الرجل يغْدو مِن بيته فيكذب الكَذبة تبلغ الآفاق، فيصنَع به هكذا إلى يومِ القيامة))[48].

 

 

والنصوصُ في تحريم الكذب، وأنه يَهدي إلى الفجور، ثم إلى النار، وأنه ليس من خِصال المؤمن الصادق، بل هو مِن أظْهَرِ علامات الدعيِّ المنافِق - كثيرةٌ مشهورة.

 

 

 

وناقل الكذب والمروِّج له، سواء عَلِم أو شكَّ أنَّه كذب، أو أذاعَه مِن دون تثبُّت ولا تمحيص - هو أحدُ الكاذبين؛ لأنَّه مُعينٌ على الشرِّ والعُدوان، ناشرٌ للإثم والظلم، فليس كلُّ ما يُقال صحيحًا، وليس كل ما يُعلم يُقال، وليس كلُّ ما يُسمع يذاع، وفي الناس ظُلم وجهل، وفيهم حسدٌ وكيد، وفيهم تعجُّل وقلَّة مبالاة، والسلامة لا يعدلها شيء.

 

 

 

وحَذَّر مِن إلْقاء الكلام على عواهنه مِن دون تأكُّد من ثبوته وصحَّته، أو نظَر في مآلاته وعواقبه، ومدى تحقُّق الخير فيه مِن عدمه، فقال: ((إنَّ العبد ليتكلَّم بالكلمة ما يتبيَّن ما فيها، يَهْوِي بها في النار أبعدَ ممَّا بين المشرِق والمغرِب))[49].

 

 

 

وأمَّا إنْ كانت الشائعة صحيحةً واقعة، لكن في إذاعتها مفسدةٌ وأذًى، فإنَّ ذلك محرَّم أيضًا، وليس ذنبٌ - بعد الشرك - أعظمَ تحريمًا، وأسوأ عاقبة، وأعجَل عقوبة مِن أذية المسلِم والإضرار به، والاستطالة في عِرْضه، وتتبُّع عوراته؛ فعن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا معشرَ مَن آمَن بلِسانه، ولم يدخلِ الإيمان قلبَه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تُعيِّروهم، ولا تتبعوا عوراتِهم، فإنَّه مَن اتبع عوراتِهم يتَّبع الله عورتَه، ومَن يتبع الله عورته يَفْضَحْه ولو في جوْف بيته))[50].

 

 

ويزداد الأمر شناعةً وسوءًا، إذا كان في نشْر هذه الواقعةِ إشاعةٌ للفاحشة، وتحريضٌ عليها، وتهوينٌ لشأنها في النُّفوس؛ قال الله تعالى متوعدًا مَن يفعل ذلك:﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19].

 

 

 

وإذا كان مُجرَّد الرِّضا بشيوع الفاحِشة بين المؤمنين والمحبَّة لذلك، موجبًا للعذاب الأليمِ في الدنيا والآخِرة، فكيف بمن يخوض فيها، ويعمل على نشْرها، وإذاعة أخبارها؟!

 

 

 

المبحث الرابع: التصرُّف الحكيم تجاه الإشاعات:

 

ما هو التصرُّف الحكيم الذي يَنبغي على المسلِم عندَ سماع الشائعات فعلُه؟

 

1- أنْ يُقدم حسن الظن بأخيه المسلِم، وهو طلَب الدليل الباطني الوجداني، وأن ينزل أخاه المسلم بمنزلته، وهذه هي وَحْدةُ الصف الداخلي: ﴿لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: 12].

 

 

2- أنْ يطلب الدليل الخارجي البُرهاني؛ ﴿لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور: 13].

 

 

3- ألاَّ يتحدَّث بما سَمِعه ولا ينشره، فإنَّ المسلمين لو لم يَتكلَّموا بمِثل هذه الشائعات لماتتْ في مهدِها ولم تجدْ مَن يُحيها إلا مِن المنافقين: ﴿ولَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا﴾ [النور: 16].

 

 

4- أن يَرُدَّ الأمر إلى أُولي الأمر، ولا يشيعه بيْن الناس أبدًا، وهذه قاعدة عامَّة في كلِّ الأخبار المهمَّة، والتي لها أثرُها الواقعي، كما قال - تعالى -: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 83].

 

 

 

والشائعات إذا حُوصِرتْ بهذه الأمور الأربعة، فإنَّه يُمكن أن تُتفادَى آثارُها السيئة المترتبة عليها، ولكن ليس الإشكالُ في هذا، بل الإشكال أنَّ هناك فريقًا من المؤمنين يَرْضَون أن يَستمعوا لمثل هذه الإشاعات، هذا فضلاً عن فريقٍ من أصحاب القلوبِ المريضة التي تحبُّ البَحْث، ونشْر مثل هذه الأمور، وقد بيَّن الله ذلك بقوله - تعالى -: ﴿وفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ [التوبة: 47]؛ أي: للمنافقين المغرِضين، وهذا هو الداءُ الكبير، وهو أنْ يرضى فريقٌ من الناس بالاستماع إلى مِثل هذه الشائعات، وإلى كلامِ المنافقين والمغرِضين.

 

 

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "فأخْبَر أنَّ المنافقين لو خَرَجوا في جيْش المسلمين ما زادوهم إلاَّ خبالاً، ولكانوا يَسْعَون بينهم مسرِعين، يطلبون لهم الفِتنة، وفي المؤمنين مَن يقبل منهم ويستجيب لهم: إمَّا لظنٍّ مخطئ، أو لنَوْعٍ من الهوى، أو لمجموعهما"[51].

 

 

 

5- عدم سَماع ما يقوله الكذَّابون، والمنافِقون، والمغتابون، وأصحاب القلوب المريضة، وعدم الرِّضا بذلك، كما هو منهجُ السَّلف - رضوان الله عليهم[52].

 

 

المبحث الخامس: منهج الداعية في محاربة الشائعات:

 

إِنَّ على الدعاة في كلِّ مكان أن يقوموا بواجِبهم في دحْض هذه المَوْجةِ التي - وللأسف - رَكِبها كثيرٌ من الناس بدوافعَ مختلفة، وألوان مختلفة؛ لذا فليس للداعية عُذْر إذا ما تضخَّم الأمرُ، وكثُر شرُّه بسبب الشائعات، والدُّعاةُ إلى الله قد غَفَلوا عن هذا الأمر، ولم يُعيروه اهتمامًا، لا سيَّما في جانب التوحيد، فيُشاع عَنْ بعض الناس أنَّه يطوف حولَ القبور، أو يَنذِر للمقبور، ثم يأتي الداعية يَسلُّ لسانَه على المنبر، وقَلمَه في الكتاب، على هؤلاء الذين أشْركوا - بزَعْمِه - وما فَعلوا شيئًا، ولكن لأنَّ بعض الناس أشاعَ عنهم هذه الفِرْية، ولم يتثبتِ الداعية، نعم نحن لا نُنكر أنَّ كَلمةَ التوحيد أصلُ الإسلام، وتوحيد الكلمة سرُّ بقاءِ الأمَّة، ولقد لَحِقَ المسلمين بفرقَتِهم مغارمُ فادِحة، تكاثر فيها الصَّرْعى والجَوعى، وخسِروا مواقفَ ومواقع لا تُعوَّض، تضارَبتِ الأقلام والإعلام، فتشوَّهت وتزعزَعت الثِّقة بالنَّفس، والخَيبَة والخسارُ لقومٍ لا يفيدون مِن تاريخِهم دروسًا، ولا يَأخُذون من أحوالِهم عِبَرًا، ولكن ليس هذا بعُذرٍ أن تُشاع اتهامات لأناسٍ هم منها بُرآء.

 

 

 

كفى تخاذُلاً، وكفَى ضياعًا، يجب أن يُؤخَذ مِن هذه المِحَن دروسٌ تمحو الفرقةَ، وتُوحِّد الصفَّ، وتردُّ المهابة، لن تكونَ السِّيادة ولا العزَّة ولا المَنَعة إلا حين نَكونُ في أنفسنا أكرمَ وأعْدلَ، وأعلمَ وأتْقى، وإذا تلاشَى العِلم والعَدلُ، والكرامةُ والتقوى، فالمصير معروفٌ، وسُنَّة الله غالبة.

 

 

وبثُّ الشائعات ورَواجها وقَبولُها لا يَلْتقي مع العِلم والعَدل والكرامةِ والتَّقوى، بل إنَّ ذلكم المسلكَ صورةٌ مِن صُوَر الفشَل والفاشلين، فترَى الفاشِلَ يَتلقَّف الشائعةَ ثُمَّ يَزيد عليها؛ سعيًا في إبراز نفسِه، وتصدُّرًا للمجالِس، وتمدُّحًا بالزُّور والتَّلفيق، بل قدْ يُبدي تظاهرًا بالغَيْرة على الأمَّة والرَّغْبة في الإصلاح.

 

 

وإنَّ ممَّا يحسُن التنبيهُ إليه في هذا البابِ وفي أجواءِ الأزماتِ: أنْ يُلاحِظ عقلاءُ القومِ، وأربابُ المسؤوليَّات، ومَن تمسُّهم الشائعاتُ ألاَّ يُبادِروا بالردِّ على الشائعات - والدعاة أولى الناس بذلك - بردودٍ غيرِ مدروسة، بل يحسُن التأنِّي والمشاورةُ؛ مِن أجل اتِّخاذ الموقف المناسِب، كما ينبغي تحرِّي الدِّقَّة وسلوك مسلَك العَقل والصِّدق مع القوَّة، ممَّا يزرَع الثِّقةَ، ويرسخ المصداقية، كما ينبغي إهمالُ الشائعات الخامِلة، فليس كلُّ شائعة تستحقُّ الردَّ.

 

 

الخاتمة

 

وبعد هذا البحثِ المتواضِع في أمر الإشاعة؛ هذا الأمر الذي زَعْزَع الثِّقة، وفرَّق القلوب، حتى إذا كادتْ أن تتآلف، أوقدتْ نارها، وشبَّ ضرامها - الإشاعة - وعلاَ دُخَانُها، فيظل الناس فترةً من الزمن ينتظرون بفارغِ الصبر جلاءَ هذه الغُمَّة وانقشاعها، حتى يستبينوا الأمر، حتى إذا استبانوا وهدأتْ نفوسُهم، لاح في الأُفق عارضٌ، فلما قَرُب أو كاد هو كسابقةِ أنباء وأنباء أجْلَبَتْ علينا بخيلها ورَجْلِها وركبها وركابها، وممَّن ظاهرها وأعان على تَرويجها وجريها ثُلَّةٌ من الناس، ترَكوا كثيرًا من واجباتهم، واشتغلوا بما نُهوا عنه، فلا من الأجْرِ غَنِموا، ولا مِن الإثم سلموا، فكم أقضُّوا مضاجِعَ أناس! وكم شغلوا آخرين عن واجباتِهم، بل كم أَثَّموا غيرهم!

 

 

فانظر - رعاك الله وسدَّد خُطاك - إلى واقِع أمَّتنا ماذا ترَى، وماذا تسمع؟

 

 

 

بل أهم مِن هذا كله: ماذا قَدَّم لنا الإسلام، ثم ماذا قَدَّمْنا له؟ ماذا قدمنا لأنفسِنا؟ وماذا قدمنا لبيوتنا؟ وماذا قدمنا لمجتمعنا؟

 

 

 

أسئلة تَتْرَا تطرح نفسَها بنفسها علينا جميعًا، وجوابي عني وعنك هو:

 

فِيكَ الخِصَامُ وَأَنْتَ الخَصْمُ والحَكَمُ

 

 

 

فنحن مسؤولون ومساءَلون فيا تُرى أترانا نحسُّ بهذه المسؤولية، ونقول ونفعل؟!

 

 

 

اللهم نَعَمْ، فأعِنَّا يا مولانا على ما حمَّلْتَنا، فإنك نعم المولى ونِعم النصير.

 

اللهمَّ إنَّا نسألك بأسمائك الحُسنى، وصفاتك العلى، أن ترزقَنا إخلاصًا نقيًّا في أقوالنا وأعمالنا، وفي سِرِّنا وعَلَنِنا.

 

اللهم ألِّف بيْن قُلوب المسلمين عامَّة، وبيْن شبابها خاصَّة، وأصْلح ذات بينهم، واجعلْهم يدًا واحدة، وكلمة واحدة، وصفًّا واحدًا، لا يقبل التزعزُعَ والتصدُّع.

 

 

 

دعوناك ربَّنا فأجبنا، واسْتَرحَمْناك فارحمنا، واستغفرناك فاغفرْ لنا.

 

 

أهم المراجع والمصادر

 

1- صحيح البخاري.

 

2- صحيح مسلم.

 

3- سنن أبي داود.

 

4- سنن ابن ماجه.

 

5- عون المعبود.

 

6- معالم السنن للخطابي.

 

7- فيض القدير للمناوي.

 

8- السلسلة الصحيحة للألباني.

 

9- صحيح الجامع للألباني.

 

10- أخي احذر الإشاعة، تأليف عبدالعزيز السدحان.

 

11- الإشاعة، تأليف ناصر الأحمد.

 

12- بصائر في الفتن، د/ محمد إسماعيل المقدم.

 

13- حرمة أهل العلم، د/ محمد إسماعيل المقدم.

 

14- لسان العرب.

 

15- معجم لغة الفقهاء.

 

16- مجموع الفتاوى لابن تيمية.

 

17- درء تعارض العقل والنقل.

 

18- الضوابط الشرعية في نقْل الأخبار، الشيخ محمد صالح المنجد.

 

19- المرجفون في المدينة، د/ عبدالعزيز الفوزان.

 

20- الموقف من الشائعات والأخبار على شبكة الإنترنت، للطريري.

 

21- الشائعات مِن أين تنطلق، مقال في مجلة الجزيرة.

 

[1] من مقدمة محاضرة للشيخ علي القرني - حفظه الله - (حروف تجر الحتوف).

 

[2] أخرَجه البخاري في صحيحه (5679)، ومسلم في صحيحه (92) من حديث أبي هريرة.

 

[3] أخرجه أحمد في مسنده، رقم (12819)، والبيهقي في شعب الإيمان رقم (8)، ومسند الشهاب (826)، والصمت لابن أبي الدنيا (9) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - وصحَّحه الألباني في الصحيحة (2841).

 

[4] "لسان العرب" (8/188)

 

[5] "المفردات"؛ للراغب الأصبهاني (ص: 274    ).

 

[6] "معجم لغة الفقهاء" (1/68).

 

[7] أخي احذر الإشاعة (ص: 6- 7) بتصرف.

 

[8] أخي احذر الإشاعة (ص: 7).

 

[9] مقال منشور على الشبكة العنكبوتية:

 

http://www.tadawul.net/forum/showthread.php?t=614

 

[10] انظر "الرحيق المختوم".

 

[11] أخرجه البخاري في صحيحه برقم (1664)، ومسلم برقم (3265) من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه.

 

[12] النهاية في غريب الحديث والأثر (3/208 - 209)، وانظر: فتح الباري (10/464).

 

[13] حقوق الإنسان محور مقاصد الشريعة (ص: 76)، بتصرف.

 

[14] رواه الطبراني في الأوسط عن البراء، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع.

 

[15] رواه مسلم في صحيحه رقم (4759)، وأبو داود (4259)، وابن ماجه (3931) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.

 

[16] أخرجه البخاري في صحيحه (33)، ومسلم في صحيحه (115).

 

[17] رواه البخاري في الأدب المفرد رقم (337)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد.

 

[18] رواه هنَّاد بن السري في الزهد، باب: مَن قال لا أتكلم إلا بخير، والزهد لوكيع، باب: مَن يخالف قوله عمله، والزهد لابن المبارك، باب: فضل ذكر الله.

 

[19] النهاية لابن الأثير (1/277).

 

[20] أخي احذر الإشاعة (ص: 7 - 8).

 

[21] التربية الإسلامية والمشكلات المعاصرة (ص: 159).

 

[22] مقال منشور للدكتور العشماوي على الشبكة العنكبوتية، بعنوان "أكاذيب الشائعات".

 

[23] بيْن حرب الإبادة وحرْب الإشاعة؛ خطبة للشيخ صالح بن حميد.

 

[24] الإشاعة، للشيخ ناصر الأحمد.

 

[25] رواه البخاري في الأدب المفرد (762 )، وأبو داود في سننه (4974)، وأحمد في مسنده (17075)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد مِن حديث ابن مسعود - رضي الله عنه.

 

[26] رواه مسلم في صحيحه رقم (1)، وأحمد في مسنده (18240) مِن حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه.

 

[27] متفق عليه من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه.

 

[28] بتصرف من مقال المرجفون في المدينة؛ للدكتور عبدالله الفوزان، منشور على الشبكة العنكبوتية.

 

[29] سبق تخريجه.

 

[30] الضوابط الشرعية في التثبت مِن الأخبار؛ للشيخ المنجد.

 

[31] تفسير الطبري (9/81).

 

[32] مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/382).

 

[33] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (5).

 

[34] فيض القدير (5/2).

 

[35] سبق تخريجه.

 

[36] معالِم السنن للخطابي (7/247).

 

[37]  عون المعبود (13/315).

 

[38] أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2277)، ومسلم في صحيحه رقم (4580) مِن حديث المغيرة بن شعبة.

 

[39] سبق تخريجه.

 

[40] صيد الخاطر (ص: 374).

 

[41] الأدب الصغير لابن المقفَّع (ص: 168).

 

[42] الفتاوى السعدية (ص: 66).

 

[43] في ظلال القرآن (4/ 2227) تفسير آية سورة الإسراء ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ...﴾ الآية [الإسراء: 36].

 

[44] أصل معنى الفتنة في اللغة على الابتلاء والاختبار - كما في مقاييس اللغة - وقد قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "وأما الفتنة التي يُضيفها الله سبحانه إلى نفسه، أو يضيفها رسوله إليه، كقوله: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ [الأنعام53]، وقول موسى - عليه السلام -: ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ﴾ [الأعراف 155]، فتلك بمعنى آخر، وهي بمعنى الامتحان، والاختبار، والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر، بالنِّعم والمصائب، فهذه لون، وفتنة المشركين لون، وفتنة المؤمِن في ماله وولده وجارِه لونٌ آخَر، والفتنة التي يُوقعها بيْن أهل الإسلام، كالفتنة التي أوقعها بين أصحابِ عليٍّ ومعاوية، وبيْن أهل الجمل وصفِّين، وبين المسلمين، حتى يتقاتلوا ويتهاجَروا لونٌ آخر، وهي الفتنة التي قال فيها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ستكون فتنة، القاعِد فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي))، وأحاديث الفتنة التي أمر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيها باعتزال الطائفتين، هي هذه الفتنة"؛ ا. هـ (169، 170 )، وقال الحافظ ابنُ حجر: "ويعرف المراد حيثما ورَدَ بالسياق والقرائن"؛ ا.هـ من فتح الباري، نقلاً من بصائر في الفتن د/ محمد إسماعيل المقدم.

 

[45] رواه أبو داود (4263)، وقال الألباني: إسناده صحيح على شرْط مسلم(الصحيحة 975).

 

[46] "بصائر في الفتن"؛ د/ محمد المقدم (ص: 15- 19).

 

[47] المصدر السابق (ص: 55).

 

[48] أخرجه البخاري في صحيحه (6640)، وأحمد في مسنده (20094)، والروياني في مسنده (836 )، وابن حبان (655)، من حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه.

 

[49] أخرجه البخاري في صحيحه (6122، 6123) ومسلم في صحيحه - واللفظ له - (5414) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.

 

[50] رواه أبو داود في سننه (4882)، وأحمد في مسنده (19801)، وأبو يعلى في مسنده (7423)، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب.

 

[51] درء تعارض العقل والنقل (1/283).

 

[52] بتصرف من الإشاعة، ناصر الأحمد.

 

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/37834/#ixzz4lvXVQph0

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات