الحذر من نشر الإشاعات

بدر بن جزاع بن نايف النماصي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

جاء في معاجم اللغة:

"شيع: قال الليث: شاع الشيء يشيع مشاعًا وشيعوعةً فهو شائع: إذا ظهر وتفرق، وأجاز غيره شاع شيوعًا، وتقول: تقطر قطرة من لبن في الماء فتشيع فيه؛ أي: تفرق فيه، قال: ونصيب فلان شائع في جميع هذه الدار"[1].

 

شيع: (شاع) الخبر يشيع (شيعوعةً) ذاع، وسهم (مشاع) و(شائع)؛ أي: غير مقسوم، و(أشاع) الخبر: أذاعه"[2].

 

ويلاحظ من التعريفات اللغوية، تأكيدها على معنى الشيوع والانتشار والظهور في معنى الإشاعة، ولم يجد الباحث تعريفًا علميًّا دقيقًا، ومن خلال ما سبق من التعريفات اللغوية، وضع الباحث تعريفًا إجرائيًّا للإشاعة بأنها: (عبارات أو قضايا، قابلة للتصديق، تنتقل من شخص إلى شخص آخر بالكلمة المنطوقة، ولا تحمل معايير الصدق أو الكذب).

 

الإشاعة خطرها كبير على المجتمع المدرسي، تدمر المجتمع المدرسي، ومنه إلى المجتمع العام، وتهدم الأسر، وتفرق بين الأحبة، وتهدر الأموال، وتضيع الإنجازات.

 

ويتضح عظيم شرها في حادثة الإفك[3]: كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث شهرًا كاملاً وهو مهموم محزون، لم ينزل الوحي عليه ليبين له حقيقة الأمر، ولا يعرف عن أهل بيته إلا الطهر والعفاف!

 

وقد وجهت الشريعة الإسلامية عند حلول الإشاعات بعدة نقاط، كالتالي:

  • التثبت:

يقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]، وفي قراءة أخرى: ﴿ فَتَثَبَّتُوا ﴾.

 

ومن طرق التثبت: إرجاع الأمر لأهل الاختصاص:

يقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83]، قال الشيخ السعدي: "هذا تأديبٌ من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم: أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول، وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور، ويعرفون المصالح وضدها، فإن رأوا في إذاعته مصلحةً ونشاطًا للمؤمنين وسرورًا لهم وتحرزًا من أعدائهم فعلوا ذلك، وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة، أو فيه مصلحة ولكن مضرَّته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه؛ ولهذا قال: ﴿ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83]؛ أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة، وعلومهم الرشيدة"[4].

 

  • الناقل للإشاعة من الفاسقين:

في الآية السابقة يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]، فجعَل الله مَن نقل الخبر دون تثبُّت مِن الفاسقين، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّثَ بكل ما سمع))[5].

 

ث‌ - التفكر في عواقب الإشاعة:

وفي الآية السابقة يقول الله تعالى: ﴿ أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].

وقد وضع ابن مفلح المقدسي رحمه الله فصلاً قال فيه: "فصل في الزعم، وكون زعموا مطيَّة الكذب"[6].

 

ثم قال ابن مفلح المقدسي رحمه الله: "قال ابن الجوزي في تفسيره: كان ابن عمر يقول: زعموا: كنية الكذب، وكان مجاهد يكره أن يقول الرجل: زعم فلان، اقتصر ابن الجوزي على الكراهة عنده"[7].

 

قال ابن مفلح المقدسي رحمه الله: "وقال أبو داود: باب في قول الرجل: زعموا، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي قلابة قال: قال ابن مسعود لأبي عبدالله، أو قال أبو عبدالله لابن مسعود: ما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زعموا؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بئس مطيَّةُ الرجل))، قال أبو داود: وأبو عبدالله: حذيفةُ، واقتصر على هذا"[8].

 

قال ابن مفلح المقدسي رحمه الله: "والزعم بضم الزاي والفتح: قريب من الظن، قال في شرح مسلم في سجود التلاوة: الزعم يطلق على القول المحقق، وعلى الكذب، وعلى المشكوك فيه، وينزل كل موضع على ما يليق به، وقال في أول خطبة مسلم: كثُر الزعم بمعنى القول"[9].

 

[1] الأزهري، محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور. تهذيب اللغة. (مرجع سابق). ج3. ص40.

[2] الرازي، زين الدين، أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الحنفي الرازي. مختار الصحاح. تحقيق يوسف الشيخ محمد. المكتبة العصرية - الدار النموذجية، بيروت - صيدا. ط5. 1420ه / 1999م. ج1. ص171.

[3] البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري. الجامع المسند الصحيح. (مرجع سابق). باب ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾. ج6. ص101.

[4] السعدي، عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله السعدي. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. تحقيق عبدالرحمن بن معلا اللويحق. مؤسسة الرسالة. ط1. 1420هـ - 2000 م. ج1. ص190.

[5] مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري. المسند الصحيح المختصر. (مرجع سابق). باب: النهي عن الحديث بكل ما سمع. ج1. ص10.

[6] المقدسي، محمد بن مفلح. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج1. ص72.

[7] (المرجع السابق): ج1. ص72.

[8] المقدسي، محمد بن مفلح. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج1. ص74.

[9] (المرجع السابق): ج1. ص74.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات