إلى الله تشتكي

ابتسام بنت بدر الجابري

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

هي جدتي وأمي

 

هي خالتي وعمتي

 

هي ابنتي وحفيدتي

 

هي صديقتي وجارتي

 

هي أنا وأختي

 

هي إلى الله تشتكي

 

تلك التي تخرج من بيت والديها إلى بيت ذلك الرجل الغريب عنها، ومن دفء حضنيهما إلى حضنه، فما يلبث أن يصبح لها الحياة، تجد فيه جمالها ولونها وطعمها.

 

يصبح هو سراج تلك الحياة، هو زوجها الحبيب؛ وَهُوَ راعيها المطاع؛ وَهُوَ طفلها المدلل، تسهر على راحته، وتخدمه بالليل والنهار، تفديه بروحها إن لزم، تتحرى في ذلك رضا الله ومن ثَم رضاه، تتبع نظراته وعباراته لتجد فيها رضاه.

 

قد تُعَانِي جفاء، قسوة، فقراً، سوء خلق، مشقة، قد تبذل له مالاً، قد تُخرج رضيعها لينام هو فهو طفلها الأكبر، قد لا تتذوق النوم كَثِيرَاً لكن حسبها أن حبيبها قد نام، قد تعمل وتكدح لتعينه، تسهر بالليل مع أطفالها، وتعمل بالنهار، ثم ترجع لتعمل في بيتها، لتستدرك ما فاتها في الدوام، تبحث في أنواع الطعام لترضيه، تسأل هذه وتلك عن أشكال الأطباق لتعجبه، تهتم بلباسه وطعامه وشرابه وبيته وولده وأهله ومن يحبه، ناهيك مَا قَدْ تفعله لتحصيل الزينة لتملأ عينيه.

 

صحبته أياماً وليالي، بل قد تكون صحبته عشرات الأعوام، بل قد تكون خمسين عاماً أو ستين عاماً.

 

بعد هذا كله ماذا كانت تنتظر غير الوفاء.

 

في زمن كزماننا قد تتلون البدائل، وتعرض الصور، وتتنوع الخيارات، وتزداد المغريات، فلا يفكر بعضهم إلا بأن صور الخيار متاحة، والبدائل كثيرة، نسي هنا كل معنى للوفاء.

 

بل قد يتجاوز الأمْر حد المعقول والمشروع فيوقع أحدهم صنوف الظلم على تلك الرفيقة، فيكسر ذاك القلب، وينقض ذاك العهد، ويرمي بها إن شاءت معلقة لا قسم ولا نفقة، وإن شاءت مطلقة فهي كبيرة، وإن شاءت البقاء فهي زوجة تتلظى مرارة الميل.

 

بعضهم قد ينسى تَمَامَاً تلك الصاحبة فيسيء في ألفاظه ومعاملته، وهذه الصاحبة كلما كبرت تقل أمامها الخيارات الجميلة، بل قد لا تريد غير ذاك الخيار، بينما البدائل لذلك الرجل مفتوحة، ولكن ثمة حقيقة قد تغيب عن ذلك الرجل، مع أنها حقيقة أنه وإن كانت كبرت الصاحبة، فلم تزدد أنت شباباً، ولن تراك البديل شاباً وسيماً بأي حال، ولا يعني حصول الرجل على البديل أو تفكيره فيه، الإساءة بأي صورة لتلك الرفيقة، فمعذرة قد لا أبالغ إذا قلت إنه قد حَصَلَ في بعض صفوف الرجال (وكذا في بعض صفوف النساء) ما هو كالجنون فيما يختص بالبدائل، وأنواع ومسميات لتلك العقود، والبيوت ليس مبناها الأشكال والألوان والأجساد، إنما تبنى بالرحمة والسكن والتفاهم والمودة، وقبل ذلك بتقوى الله.

 

لسان حال تلك الرفيقة الكبيرة:

 

أبلي شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي، ظلمني وجفاني، اللهم إليك أشتكي.

 

وأما تلك الرفيقة الشابة فلسان حالها:

 

أتيته أبتغي حباً ووفاءً، قبلته لا لأقاسي غلظة وجفاء، بذلت كل ما يمكنني لتحصيل رضاه، وكنت أرجو أن أحيا في ظلال وده إلى الممات، اللهم إليك أشتكي.

 

هكذا تلك الزوجة حين تتزوج، فليس للزوج نحوها إلا الوفاء.

 

قد سمع شكواها الرب اللطيف من فوق سبع سموات فلا تستهن بتلك الشكاة.

 

وأَوْصَى بها الحبيب صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند لحظة الوفاة.

 

وأَخِيرَاً ليس الكلام على عمومه فمن الرجال من ضُرب به المثل في الوفاء، وأحسن العهد، وتحمل البلاء، ومن النساء من نقضت العهد، ولم تحسن الوفاء.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات