شبكات التواصل الاجتماعي ورقمنة الإشاعة

محمد الأمين موسى

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

تتراوح الإشاعة بين كونها سلوكا نفسيا مبنيا على حاجة الإنسان إلى تداول المعرفة في شكل أخبار، مقترنة ببنية المنظومة الإدراكية للإنسان التي تتأثر بعوامل داخلية وخارجيها تجعلها تفتقر إلى الدقة الكاملة، وكونها عملا إجراميا يتغيّا تشويه الحقائق وإيذاء الآخرين، وكونها عملا اختباريا تلجأ له بعض الجهات لقياس مدى الاستعداد لتقبل بعض أو كل ما ورد في الشائعة.

 

تتسم الإشاعة بقابليتها للانتشار السريع و"التورُّم" والتحوّر أثناء هذا الانتشار، بسبب سرعة التمرير من متواصل إلى آخر، وبسبب النزعة التهويلية عند البعض.انطلاقا من هذا التوصيف، تبدو الشائعة كسلوك تواصلي إنساني مألوف يتكاثر وينمو في المجتمعات التي تهيء له البيئة الصالحة من حيث حرية تدفق المعلومات من مصادرها، ومدى ترابط العلاقات بين أفراد المجتمع، وضعف الوعي النقدي الذي يساعد على التحقق من صدقية المعلومات المتداولة.

 

تتسم الإشاعة بقابليتها للانتشار السريع و"التورُّم" والتحوّر أثناء هذا الانتشار بسبب سرعة التمرير من متواصل إلى آخر

 

لقد بدت شبكات التواصل الاجتماعي الرقمي كهدية لا تقدر بثمن لمروجي الشائعات المحترفين منهم والهواة، لأنها قدمت لهم فضاء عالميا فوريا يجعل الشائعة تنتشر انتشار الضوء. فبحكم أن شبكات التواصل الاجتماعي تتمدد في فضاءات الإنترنيت والويب الرحيبة، يصبح انتشار الشائعة رهينا بترميزها وإلقائها في أحد خلايا الشبكة أو إرسالها لأحد الأصدقاء فتبدأ رحلتها في كافة الاتجاهات.

 

إن تأثير البيئة الرقمية على الشائعة جدير بالنظر والدراسة، خاصة من حيث تطورها وتماهيها مع الحقيقة من ناحية الشكل على الأقل. ونستطيع هنا أن نشير إلى بعض السمات التي اكتسبتها الشائعة وهي ترتدي جلباب الرقمنة.

 

1- صناعة الشائعة الرقمية

لقد زودت البيئة الرقمية محترفي صناعة الشائعة ومروجيها بأدوات اشتغال تمكنهم من جعل الشائعة أكثر إقناعا وأقرب شبها من الحقيقة، إذ يستطيع صانع الشائعة أن يزوّر النصوص والصور ولقطات الفيديو وخامات الوثائق (الورقية والبلاستيكية والمعدنية وغيرها)، وربط ذلك بسياق تواصلي حقيقي شَهِد حدثا قد ينتج عنه أمرا مشابها لما ورد في الشائعة.

 

فقد رأينا كيف وصل الحال بمروجي الإشاعة في الواتساب لدرجة تزوير وثائق رسمية باسم رؤساء الدول، وتزوير مواد إعلامية باسم وسائل إعلام مرموقة، وتزوير نتائج وآراء علمية باسم علماء لا وجود لهم أو موجودين ولكن مُفترى عليهم.

 

2- الشائعة: من آفة التداول إلى آفة التمرير

كانت الشائعة التقليدية تكتسي صفاتها التي تميزها عن الخبر من الآفات المصاحبة للتداول والتي أشرنا إليها أعلاه بعدم دقة المنظومة الإدراكية عند تلقيها للمعلومة الواردة في الشائعة وما أسميناه بالنزعة التهويلية.

 

أما الشائعة الرقمية فهي غالبا ما تحتفظ بصيغتها الأولى من خلال آفة تواصلية أخرى ألا وهي التمرير Forward، وهو سلوك تواصلي يهدف إلى المشاركة في تلقي رسالة تواصلية يعتقد أنها تستحق جهد التلقي، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبار التمرير من السلوكات التعويضية التي تحل محل العجز عن ترميز وإنتاج الرسائل التواصلية الأصيلة فيكتفي "الممرر" بما يمكن تسميته ب"أجر المناولة".

 

يحتاج دحض الشائعة الرقمية إلى خبرات مهنية وتقنية غالبا ما لا تتوفر إلا عند وسائل الإعلام

 

وعندما تكون شبكة التواصل الاجتماعي الرقمي مثل شبكة الواتساب، التي يصعب فيها على المتواصل تتبع ما فاته من مداخلات، قد يتكرر تمرير الشائعة من لدن متواصلين آخرين الأمر الذي يوحي بمصداقية الإشاعة إلى أن يتم تكذيبها برسالة تواصلية أخرى حُظيَت بالتمرير.

 

3- صعوبة دحض الشائعة الرقمية

يحتاج دحض الشائعة الرقمية إلى خبرات مهنية وتقنية غالبا ما لا تتوفر إلا عند وسائل الإعلام، والذين يمتلكون ناصية تكنولوجيا المعلومات التي تمكنهم من معرفة مدى التلاعب بالوسائط التواصلية الرقمية (النص والصورة والصوت والحركة واللون).

فقد مكنت البرمجيات الاحترافية في معالجة النصوص والصور وتحرير الصوت والفيديو (مثل الفوتوشوب) المستخدمين من إتقان تزوير الوثائق والملفات لدرجة يصعب كشفها، خاصة إذا انطلق هذا التزوير من بعض الحقائق الفعلية.

 

4- مهارات تلقي الشائعة الرقمية

يلاحظ المتتبع للعمليات التواصلية التي تدور عبر شبكات التواصل الاجتماعي أن الشائعة الرقمية تزدهر وتتنوع لتشمل كافة المجالات الدينية والسياسية والعلمية والطبية والاجتماعية وغيرها، وهذا يستوجب من عامة المتلقين، اكتساب بعض المهارات اللازمة للتعاطي مع الشائعات.

 

وغالبا ما تتوفر هذه المهارات لدى الإعلاميين المحترفين الذين لهم قدرة على التحقق من مصدر الوثيقة أو المعلومة ومدى صدقيتها ومدى معقوليتها باعتبارهم الأكثر عرضة للتعامل مع تدفق المعرفة. وأول هذه المهارات تكمن في البحث عن مصدر إعلامي محترف أورد المعلومة أو الوثيقة ثم هناك مهارة التدقيق في الأخطاء التي قد ترد في الوثيقة مثل الأخطاء الأسلوبية أو السياقية أو المعلوماتية.

 

في الأخير، لابد من القول بضرورة تفادي إطلاق الشائعات الرقمية ظنا من البعض أنهم سيبقون مختبئين خاصة إذا كانت الشائعة من النوع الذي يعاقب عليه القانون. فلا إمكانية للاختباء في الفضاءات الرقمية.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات