ترويج الإشاعات في عصر التقنيات

أحمد المنصوري

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

إذا كانت كثرة القيل والقال، وترديد الإشاعات طبيعة بشرية تلازم الكثير من الناس منذ الأزل، فإن الإعلام الجديد وتقنيات الاتصال الحديثة وسعت نطاق ممارسة هذه العادة غير الحميدة والضارة بالأفراد والمجتمعات. ففي السابق كانت المجالس والديوانيات والملتقيات الاجتماعية وجلسات المقاهي، وكذلك جلسات الشاي الصباحي لربات البيوت بيئات خصبة لنشر الإشاعات والقيل القال، ونقل الأخبار عن فلان وعلان.. أما الآن فقد تولت شبكات التواصل الاجتماعي، كالفيسبوك وتويتر وبرامج المراسلة الفورية وأشهرها «الواتساب» دور المجالس والديوانيات في كونها مجالس افتراضية خصبة يمارس فيها الناس عاداتهم في نقل الأحاديث والإشاعات، إما من باب حسن النية وفضول القيل والقال، أو لنوايا سيئة لدى بعض ضعاف النفوس، كالتشهير بالأشخاص أو الجهات، أو بغرض البلبلة والإخلال بالأمن والسلم المجتمعي.

 

في السابق، كانت الإشاعات تنشر على نطاق محدود في المجالس والديوانيات الواقعية، وتأخذ فترة طويلة أحياناً حتى تنتقل شفاهية عبر الاتصال المباشر من فم المرسل إلى أذن المتلقي، ومن فمه إلى أذن آخر.. أما اليوم في عصر «تويتر» و«الواتساب» فإن الإشاعة قد تلف الكرة الأرضية، وتنتشر لتبلغ عشرات الآلاف أو الملايين في غضون ساعات حسب درجة الإثارة في الإشاعة. وكثير ممن يستخدمون التقنيات الحديثة يستسهل الأمر بأنه لا يفعل أكثر من أنه نسخ الإشاعة ووضعها، كتغريدة في «تويتر» أو نشرها للمجموعة في برنامج التواصل الفوري، وهكذا تنتقل الإشاعة بين المجموعات وشبكات التواصل الاجتماعي، وتحقق انتشارها الكبير.

 

إن انتشار الإشاعات بصورة واسعة في المجتمعات هو إحدى سمات عصر «وفرة المعلومات» التي رافقت الثورة التكنولوجية وابتكار التقنيات الاتصالية الحديثة. فكل شيء يدور في هذا العالم الافتراضي يتم التعامل معه على أساس أنه معلومة بغض النظر عن صحته أو خطئه، وإذا ما كانت مفيدة أو غير ذلك. كما أن المعلومة لم يعد إنتاجها حكراً على جهة معينة أو شخص محدد يمتهن إنتاج المعلومات كالصحفيين أو المؤسسات الإعلامية وفقاً لمعايير محددة. فقد أصبح بإمكان أي شخص يمتلك الوسيلة المناسبة وبعض المهارات التقنية أن يكون بنفسه منتجاً وناشراً للمعلومة. وفي ظل هذه الوفرة المعلوماتية ولامحدودية مصادرها، فإن مشكلة شديدة التعقيد ظهرت حين أصبح من الصعب على من يتلقى هذا الكم من المعلومات أن يميز الصحيح من الخاطئ والجيد من الرديء، والحقيقة من الإشاعة.

 

البعض يخلص هذه المشكلة المجتمعية على اعتبار أن الإشاعة يُطلقها حاقد ثم ينشرها جاهل ويصدقها غبي. وإذا كانت هذه المقولة تصلح لوصف هذه الحالة في العالم الواقعي وفي المجالس والديوانيات التي يمارس الناس فيها الاتصال المباشر وتغلب عليهم الحيطة والتأني، فإن من التبسيط وصفها في فضاءات الإعلام الجديد لأنها حالة أكثر تعقيداً كما ذكرنا ذلك آنفاً. إن الحالة النفسية والسلوكية للأشخاص الذين يقومون بنشر الإشاعات بواسطة وسائل الاتصال الحديثة واستسهال نشرها دون التثبت من صدقيتها أو التحقق من مصدرها أمر يحتاج إلى دراسة معمقة لعادات وسلوك مستخدمي التكنولوجيا. فكثير ممن من ينشرون معلومات تصلهم عبر التطبيقات المختلفة في هواتفهم الذكية لا يتثبتون أساساً من مدى صدقية المعلومة، وما إذا كانت صادرة من جهة موثوقة، وهناك يتعامل مع الأمر على أنه مجرد ناقل لمعلومة وصلت إليه بغض النظر عن صحتها من خطئها، على اعتبار أن النقل المجرد لا يعني أنه يتحمل مسؤولية الخطأ في المعلومة، وهذا ظن خاطئ لأن ناقل المعلومة الخاطئة مدان مثل الذي حَدّث بها لأول مرة، خاصة إذا ثبت أن الغرض هو الإساءة والتشهير للجهة، أو الشخص الذي أُطلقت بحقه الإشاعة.

 

إن التقنيات الحديثة التي بين أيدينا قدمت لنا منافع لا تكاد تحصى، ولكنها في المقابل تشكل لمجتمعاتنا تحديات سلبية يتعين علينا أن نشخصها بدقة، ونوجد لها الحلول المناسبة والإرشادات التي لا غنى عنها لتوعية الناس حول الاستخدام الرشيد للتكنولوجيا.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات