مختصر خطبتي الحرمين 2 من المحرم 1439هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

عامٌ انقضَى، نقصَ مِن عُمر الدُّنيا وقرَّبَ الآجالَ ومضَى، خُتِمَت أعمالُه، وطُوِيَت صحائِفُه، فهنِيئًا لمَن اغتنَمَ فُرصتَه، وربِحَ وقتَه، وأصلَحَ عملَه. ألا وإننا قد دخَلنا في غُرَّة عامٍ جديدٍ يزِفُّنا إلى القُبُور، ويَحدُو بِنا إلى يوم البعثِ والنُّشُور، فجَديرٌ بمَن كان له قَلبٌ أو ألقَى السَّمعَ أن يغتَنِمَ فُرصةَ العُمر قبل النَّدَم، وقبل أن تجِفَّ المآقِي ويَفِيضَ الدَّمع..

مكة المكرمة:

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "عامٌ جديدٌ ووقفةُ مُحاسَبَة"، والتي تحدَّث فيها عن رحيلِ عامٍ واستِقبال آخر، مُبيِّنًا أن المُؤمن لا بُدَّ له مِن وقفةِ مُحاسبَةٍ إثرَ ذلك، كما ذكَّر المُسلمين بالموتِ وسكَرَاتِه، وأنه خيرُ واعِظٍ، ثم ذكَرَ في خُطبتِه الثانية ما أنعمَ الله تعالى به على أهل هذه البِلاد من النِّعَم الوَفيرة، وأعظمُها نعمةُ توحيد الله تعالى وتوحيدُ الكلِمة، والأمنُ والأمانُ، مُذكِّرًا بوُجوبِ شُكرِها.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى-، فقال: فأُوصِيكم ونفسِي بتقوَى الله تعالى.

 

وأضاف الشيخ: في توديعِ عامٍ واستِقبال آخر، يجدُرُ بالنَّفسِ أن تقِفَ وقفةَ مُحاسبة، وقفةَ صِدقٍ وتفكُّرٍ، واعتِبارٍ ومُساءَلة؛ فمَن حاسَبَ نفسَه في دُنياه خفَّ عليه حِسابُه في أُخراه، ومَن أهملَ المُحاسَبَة دامَت عليه الحَسرة.

 

وقال حفظه الله: وخيرُ مُذكِّرٍ، وأعظمُ واعِظٍ: ذِكرُ هادِم اللذَّات، ومُفرِّق الأحِبَّة والجماعات.. جديرٌ بمَن الموتُ مصرَعُه، والقبرُ مضجَعُه، والقِيامةُ موعِدُه، والجنةُ أو النارُ مورِدُه، جديرٌ به ألا يكون له تفكيرٌ إلا في المصير، والنظرِ إلا في العاقِبة؛ فالقبرُ مقرٌّ، وبطنُ الأرض مُستقرٌّ.

 

وتابع فضيلته: ذِكرُ الموتِ يُورِثُ تعجِيلَ التوبة، وقناعةَ القلبِ، ونشاطَ العِبادة، إما نِسيانُ الموتِ فيُورِثُ تسويفَ التوبة، وعدمَ الرِّضا بالكَفافِ، والكسلَ في العِبادة؛ فتفكَّرُوا في الموتِ وسكَرَاته، والكأسِ ومرارَتِه.

 

وبيَّن الشيخ أن أنجَع طريقٍ لذِكرِ الموتِ وأصدَقُها، التذكُّر المُفيد والمُرقِّق للقُلُوب، أنجَعُ ذلك وأصدَقُه: أن يذكُرَ المرءُ أقرانَه الذين مضَوا، فيتذكَّرُ مناصِبَهم وأحوالَهم وأعمالَهم وآمالَهم، كيف محَا التُّرابُ صُورَهم، وبدَّد أجزاءَهم؟!

 

وقال وفقه الله: وللمَوتِ سكَرَاتٌ وكُرُباتٌ وغَمَراتٌ، وقد قال نبيُّنا مُحمدٌ -صلى الله عليه وسلم- وهو في حالِ الاحتِضار: "لا إله إلا الله، إن للموتِ لسَكَرَات!"، وإذا نزلَ الموتُ تمنَّى المرءُ العودةَ إلى الدُّنيا؛ فإن كان كافِرًا فلعلَّه أن يُسلِم، وإن كان عاصِيًا فلعلَّه أن يتُوب.

 

وأكَّد فضيلته أن الموت حَتمٌ، فـ(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 26، 27].. الآجالُ مضرُوبة، والأيامُ معدُودة، والأرزاقُ مقسُومة، ولن يُعجِّلَ الله شيئًا قبل أجَلِه، ولن يُؤخِّرَ شيئًا بعدَ موعِدِه، ونعوذُ بالله مِن عذابٍ في النار، وعذابٍ في القَبرِ. فاحذَر - حفِظَك الله - أن يكون عُمرُك عليها حُجَّة، وأيامُك عليك شِقوَة. إن الموتَ لا يستمِعُ لصَرخَةِ ملهُوف، ولا لحَسرَة مُفارِق، ولا لرَغبَة راغِب، ولا لخَوفِ خائِف.

 

وأضاف الشيخ: ومِن وقَفَات المُحاسَبة، والنَّظر في العواقِب، والاعتِبار بالأحداث: الخَوفُ مِن مُضِلَّات الفتَن، فِتنٌ تتزيَّنُ أو تتسلَّلُ بألقابٍ مُغلَّفة، أو أقنِعةٍ مُزخرَفة، فيَمتَطِيها الأشرار، ويُفتَنُ بها الأغرار. ومما يستَحِقُّ التوقُّف والتأمُّل مِن هذه المُضِلَّات: ما تجلبُه الغفَلَات.

 

وختم الشيخ خطبته بالتذكير بوجوب حفظ الأمن ورفض دعاوى المناوئين فقال: لقد ذكرَ القُرآنُ الكريمُ نموذجًا عجيبًا حين جسَّدَ معيشةَ أقوامٍ ورغَدَ عيشِهم، وحياتَهم الفارِهَة، فضَجِرُوا مِن هذه النِّعَم الوافِرة، ومَلُّوا هذا العَيشَ الكريمَ، فتوجَّهُوا إلى ربِّهم بهذا الطلَبِ العجيبِ: (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [سبأ: 19]؛ نعوذُ بالله مِن الحَور بعد الكَور. أبَوا إلا أن يُجرِّبُوا حياةَ الدَّمار والتمزيق، والوبَال والنَّكال، والتفريقِ والشَّتات، والضَّياع والعذاب.

 

ما أشبَهَ الليلةَ بالبارِحة! حينما ترَى غافِلِين، أو أعداءً حاقِدِين يدعُون إلى حِراكاتٍ أو إلى تجمُّعاتٍ، وكأنَّهم ما علِمُوا - أو قد علِمُوا - أنها مُستنقَعٌ وبِيءٌ تغرَقُ فيه الشُّعُوب، وتكثُرُ فيه الأوبِئةُ والأمراضُ، وتُفتَحُ فيه الأبوابُ العريضةُ للتشرُّد والمُنكَرَات.

 

دعواتٌ تقُومُ على الإفسادِ، والخُروجِ على الجماعة والإمامة، ومُنازَعَة الأمر أهلَه، وذلك لا يحِلُّ في دينِنا ولو بشَطرِ كلِمةٍ. لا يُمكنُ لسَوِيٍّ أن يسعَى في خَرابِ بيتِه، وتمزيقِ وطنِه، وتشتِيت أهلِه، وتعريضِ دمِهِ وعِرضِه الخطر.

 

نعيشُ في النِّعَم الجِسام في زمنٍ كثُرَت فيه الفِتَن والمِحَن، والقتلُ والتشريدُ، والدمارُ والخرابُ. وما حالُ مَن حولَكم مِنكم ببعيدٍ ممن ذاقُوا وَيلَات الفِتَن، ومآسِي الخُروج، أعادَ الله لهم أمنَهم، وجمعَ على الحقِّ كلِمَتَهم، وردَّ عليهم غُربتَهم.

 

 

المدينة المنورة:

ألقى فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البعيجان - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "اغتنام فرصة العُمر"، والتي تحدَّث فيها عن قُدوم العام الجديد وتذكُّر انقِضاء الأعمار وقُرب الآجال، مُبيِّنًا ما يجِبُ على المُسلمين تجاهَ ذلك من اغتِنام أوقاتِهم في طاعة الله تعالى، كما ذكرَ فضلَ صيام يوم عاشُوراء واليوم الذي يسبِقُه.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله تعالى، فقال: اتقوا الله فإن تقواه أربح بضاعة، واحذروا معصيته فقد خاب عبد فرط في أمر الله وأضاعه.

 

وأضاف الشيخ: عامٌ انقضَى، نقصَ مِن عُمر الدُّنيا وقرَّبَ الآجالَ ومضَى، خُتِمَت أعمالُه، وطُوِيَت صحائِفُه، فهنِيئًا لمَن اغتنَمَ فُرصتَه، وربِحَ وقتَه، وأصلَحَ عملَه. ألا وإننا قد دخَلنا في غُرَّة عامٍ جديدٍ يزِفُّنا إلى القُبُور، ويَحدُو بِنا إلى يوم البعثِ والنُّشُور، فجَديرٌ بمَن كان له قَلبٌ أو ألقَى السَّمعَ أن يغتَنِمَ فُرصةَ العُمر قبل النَّدَم، وقبل أن تجِفَّ المآقِي ويَفِيضَ الدَّمع.

 

وقال حفظه الله: إن الزمنَ يمضِي، والعُمر يسيرُ، ولحظاتِ الحياة محصُورةٌ في مدًى قصير، والواجِباتِ مُتراكِمة، والحُقوقَ مُزدحِمة، والإنسانَ مسؤولٌ عن عُمره فيمَ أفناه، وشبابِه فيمَ أبلَاه، ومُحاسَبٌ على العُمر الضائِع، والزمنِ المهدُور، ومهمَا طالَ العُمر فإنه مدًى قصير.

 

وأكَّد الشيخ أنَّ أعظمَ المصائِبِ، وأجَلَّ الخُطُوب، وأفجَعَ الأهوال، وأفظَعَ الكُرُوب: الحسرةُ على ضياعِ الوقتِ وفواتِ الأجَل، ومُضِيِّ ساعات الزمانِ مِن غير عمل، تبدأُ حسرتُها وندامتُها مِن ساعة الاحتِضار، (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون: 99، 100].

 

وبيَّن فضيلته أن لحظات العُمر فُرصةٌ للعمل، ونعمةٌ تستوجِبُ الشُّكر، وإن مِن شُكر النِّعم: استِغلالَ نعمةِ الأوقات والعُمر في طاعةِ الله -عزَّ وجل-، وفقَ ما شرعَ على لِسانِ نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-. وفي المُقابِل فإن مِن كُفر النِّعم وأسبابِ البلاء والنِّقَم، والحسرة والنَّدَم: صرفُ نعمةِ الأوقاتِ والعُمر في معصِيَة الله، أو في غيرِ ما شرَعَ الله.

 

وبيَّن الشيخ أن مِن هَديِ نبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، ومِن مُكفِّرات السيئات، ومِن شُكرِ الله وتعظيمِه: صيام يوم عاشُوراء، وهو العاشِرُ مِن شهر مُحرَّم. ففي "صحيح مُسلم": أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "صِيامُ يوم عرفة أحتَسِبُ على الله أن يُكفِّر السنةَ التي قبلَه والسنةَ التي بعدَه، وصِيامُ يوم عاشُوراء أحتَسِبُ على الله أن يُكفِّر السنةَ التي قبلَه".

 

ولما بلغَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في آخر عُمره أن اليهودَ يتَّخِذُون عاشُوراء عِيدًا، فهَمَّ أن يصُومَ التاسِعَ والعاشِرَ مِن العام المُقبِل، فحالَت دُونَه المنِيَّة. فالأفضلُ أن يُصامَ قبله يومٌ خِلافًا لليهود، ومَن غُلِبَ فلا يُغلبَنَّ على صِيام العاشِر.

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من الفتن وضياع الأمن فقال: البِدعُ فتَن، والفتَن مِحَن، وشرُّ الأمور مُحدثاتُها، وكلُّ بِدعةٍ ضلالة، وكلُّ ضلالةٍ في النار، فاستمسِكُوا بالعُروة الوُثقَى والصِّراط المُستقيم، ولا تتبِعُوا السُّبُل فتفرَّق بكُم عن سبيلِه.

 

وإن ما يُدبِّرُه المُفسِدُون، ويُخطِّطُ له المُجرِمُون، ويُديرُه الماكِرُون الحاسِدُون مِن أعدائِنا وأعداءِ دينِنا وبِلادِنا إنما هي حمَلاتٌ إعلاميَّة، ودِعاياتٌ شيطانيَّة، وهجَمَاتٌ شرِسَة، ومُؤامراتٌ خبِيثَة تسعَى لتهديدِ أمَّتِنا، وتفكِيكِ وِحدتِنا، وإيقادِ الفتنةِ في بِلادِنا وبين صُفُوفِنا، وهَتكِ حُرمةِ الأشهُر الحُرُم، ونقضِ العهدِ ونَكثِ البَيعَة، والخُروجِ عن الطاعة، والفسادِ في الأرض.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات