مختصر خطبتي الحرمين 17 من ذي الحجة 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن التسليمَ لله ولرسولِه مقامٌ عظيمٌ، ومنزلةٌ جليلةٌ، وهو دليلٌ على صِدقِ الإيمان، وخُلوص النيَّة، وطهارةِ القلبِ مِن أدرانِ الشِّرك والوثنيَّة، والبِدعةِ الرَّدِيَّة، والمعصِيةِ الدنِيَّة. وهذه الثلاثةُ هي أصولُ الشرِّ، وركائِزُ البلاء والفساد. وحقيقةُ التسليم لله ولرسولِه أن يسعَى العبدُ سعيًا حثيثًا في تخليصِ قَلبِه مِن كل شُبهةٍ تُعارِضُ الخبرَ الإلهيَّ، أو شَهوةٍ تُخالِفُ الأمرَ والنهيَ، أو إرادةٍ تُزاحِمُ الإخلاصَ لله، أو اعتِراضٍ يُعارِضُ الشرعَ والقَدَرَ.

مكة المكرمة:

ألقى فضيلة الشيخ خالد بن علي الغامدي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التسليمُ لأوامرِ الله تعالى"، والتي تحدَّث فيها عن الحجِّ وما فِيه مِن التسليمِ لأوامرِ الله تعالى وأوامرِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، وظُهور ذلك بجلاءٍ في كلِّ مناسِكِ الحجِّ، مُبيِّنًا أهميةَ هذا التسليمِ في إيمانِ العبدِ، كما بيَّن أن جميعَ الأنبِياء وعلى رأسِهم مُحمدٌ وإبراهيم - عليهما الصلاة والسلام - أفضلُ النماذِجِ في التسليمِ للأوامرِ الإلهيَّة، كما بيَّن أن التسليمَ مِن أسبابِ سلامةِ القَلبِ، وطهارةِ النَّفسِ.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى-، فقال: فأُوصِيكُم ونفسِي بتقوَى الله سِرًّا وإعلانًا، حِلًّا وتِرحالًا؛ فالمُتَّقُون هُم أولياءُ الله حقًّا وصِدقًا.

 

وأضاف الشيخ: إن مِن رحمةِ الله بعبادِه المُسلمين: أن جعلَ لهم في كل عامٍ مواسِمَ للطاعاتِ والخيراتِ، يتزوَّدُون مِنها، ويقِفُون فِيها وقفاتٍ مع النَّفسِ والعقلِ والقلبِ للمُحاسبةِ والتذكيرِ والإرشاد، وليُصحِّحُوا المسارَ، ويتدارَكُوا ما فاتَ وفرَطَ مِن حياتِهم، ويتبصَّرُوا طريقَ سَيرهم.

 

وأكد الشيخ أن أعظمَ ما صلُحَت عليه عُقولُ وقُلوبُ أولِ هذه الأمة هو التسليمُ لله ولرسولِه -صلى الله عليه وآله وسلم-، وعدمُ مُعارَضَة نُصوصِ الوحيِ بشُبهةٍ أو شَهوةٍ، ولن تثبُت قدَمُ الإسلام في القَلبِ إلا على قاعِدةِ التسليم لله –تعالى-.

 

وأوضح الشيخ أن هذا التسليم القلبيّ والعمليّ قد ظهرَ في مناسِكِ الحجِّ في مواطِن كثيرةٍ؛ مِن وُقوفٍ بعرفة، ومَبيتٍ بمُزدلِفة ومِنَى، وطوافٍ، وسعيٍ، ورميٍ، وحَلقٍ، ونَحرٍ، وإحرامٍ، وكلُّها تشهَدُ أن أعظَمَ آثار الحجِّ وثِمارِه التي تغمُرُ المُسلمَ أن يتحلَّى بعبوديَّة التسليمِ لله ولرسولِه -صلى الله عليه وآله وسلم-، مُتذلِّلًا لربِّه، مُعترِفًا بعَجزِه وتقصيرِه، مُفتقِرًا إلى رحمةِ الله ورِضوانِه الذي بيدِه كلُّ شيء، وإليه تُرجَعُ الأُمورُ كلُّها.

 

وأكَّد فضيلته أن التسليمَ لله ولُزومَ غَرزِ النبيِّ -صلى الله عليه وآله وسلم- هو عُنوانُ الصدِّيقيَّة، وقاعِدةُ الولايةِ الربَّانيَّة، والاختِبارُ الحقيقيُّ لإيمانِ العبدِ وإسلامِه.. فمَن سلَّم عقلَه وقَلبَه وجوارِحَه لفاطِرِه ومولاه -سبحانه-، رضِيَ الله عنه وأرضاه، ورزقَه الحياةَ الطيبةَ، وعاشَ في حياتِه بنُورٍ مِن الله، على هَديِ رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فسَلِمَ مِن الآفاتِ والشُّرورِ والأنكادِ والهُموم؛ لأنه سلَّمَ لمولاه فسلَّمَه الله وحفِظَه وسدَّده.

 

وبين فضيلته أنه ليس هناك أحدٌ خيرًا وأفضلَ ممَّن سلَّم لله وأسلَمَ له، (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)؛ واقتِرانُ ذِكرِ نبيِّ الله إبراهيم -عليه السلام- هنا مع إسلامِ الوَجهِ لله دليلٌ على أن هذه هي المِلَّة التي يرضَاها الله ويُحبُّها، وأن خليلَ الله إبراهيم هو أعظمُ الأنبِياء بعد نبيِّنا مُحمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم-، الذين حقَّقُوا التسليمَ والاستِسلامَ لله.

 

وقال حفظه الله: مَن سلَّم لله أمرَه، ورضِيَ بشرعِه وقَدَرِه، ولزِمَ غَرزَ النبيِّ -صلى الله عليه وآله وسلم-، واقتفَى أثَرَه، ولم يعترِض ولم يتسخَّط، فلا يخافُ الضَّيعةَ ولا يخشَى، ولا خوفٌ عليه؛ فلن يضِلَّ ولن يشقَى. وذلك كلُّه قبَسٌ مِن آثار التسليمِ لله ولرسولِه -صلى الله عليه وآله وسلم-، الذي هو مِن أعظم مقاصِدِ تشريعِ عِبادة الحجِّ.

 

فيرجِعُ الحُجَّاج إلى دِيارِهم وقُلوبُهم مليئةٌ بعبوديَّة التسليم، بعد أن تعوَّدُوا عليها وألِفُوها طِيلةَ أيام الحجِّ، فيستقبِلُون حياتَهم مِن جديدٍ بصفحةٍ بيضاء مِلؤُها الرِّضا بالله ربًّا، ومُدبِّرًا، ومُشرِّعًا، وحاكمًا وإلهًا، والرِّضا بمُحمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- نبيًّا ورسُولًا، ويعبُدُون اللهَ على جناحَي الخَوفِ والرَّجاءِ، حُبًّا لربِّهم، وتسليمًا لأمرِه؛ حتى يأتِيَهم اليقينُ وهم على ذلك.

 

وأكَّد الشيخ أن التسليمَ لله ولرسولِه -صلى الله عليه وآله وسلم- مقامٌ عظيمٌ، ومنزلةٌ جليلةٌ، وهو دليلٌ على صِدقِ الإيمان، وخُلوص النيَّة، وطهارةِ القلبِ مِن أدرانِ الشِّرك والوثنيَّة، والبِدعةِ الرَّدِيَّة، والمعصِيةِ الدنِيَّة. وهذه الثلاثةُ هي أصولُ الشرِّ، وركائِزُ البلاء والفساد. وحقيقةُ التسليم لله ولرسولِه -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يسعَى العبدُ سعيًا حثيثًا في تخليصِ قَلبِه مِن كل شُبهةٍ تُعارِضُ الخبرَ الإلهيَّ، أو شَهوةٍ تُخالِفُ الأمرَ والنهيَ، أو إرادةٍ تُزاحِمُ الإخلاصَ لله، أو اعتِراضٍ يُعارِضُ الشرعَ والقَدَرَ.

 

فالعبدُ المُوفَّقُ المُسدَّدُ لا يُعارِضُ خبرَ الله الصادِقَ بشُبهةٍ حائِرةٍ زائِفةٍ، أو بِدعةٍ فاسِدةٍ، ولا يُنازِعُ اللهَ في أسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه بتأويلاتٍ وتحريفاتٍ فاسِدة، ولا يُخالِفُ أمرَ الله ونواهِيَه بشهواتٍ وأهواءٍ زائِغة، ولا يُزاحِمُ إرادةَ الله والإخلاصَ له بمُراءة الخلقِ والتسميعِ بأعمالِه وأفعالِه؛ ولا يعترِضُ على الله في حُكمه القَدَريِّ والشرعيِّ، فلا يتسخَّطُ ولا يَجزَع، ولا يرُدُّ شرعَ الله؛ فالتسليمُ على الحقيقةِ هو في تخلُّص العبدِ مِن كل هذه الآفات، وتربيةِ العقلِ والقلبِ والجوارِحِ على التسليمِ لله ولرسولِه -صلى الله عليه وآله وسلم- تسليمًا مُطلَقًا، بلا مُنازعات، ولا مُعارَضاتٍ، ولا شُكُوكٍ، ولا تأويلاتٍ، ولا تحريفاتٍ.

 

أيها المُسلمون: هذا هو القلبُ السليمُ الذي سلَّم لله، فسَلِمَ مِن فتنِ الشُّبُهات والشَّهوات، فلا يَقبَلُ الفِتنَ، وإذا عُرِضَت عليه فإنه يرُدُّها ويُنكِرُها.. وهناك القَلبُ الميِّتُ القاسِي، المطبُوعُ عليه، الذي كلما عُرِضَت عليه فِتنةٌ مِن فتنِ الشُّبُهات والشَّهَوات قبِلَها وتشرَّبَها، فتُنكَتُ في قَلبِه نُكتةٌ سَوداء.. وبينهما يوجد القَلب المريض وهو مُتقلِّبٌ، لا يثبُتُ على حالٍ، ولم يتمكَّن فيه الإيمانُ وصِدقُ التسليمِ لله ولرسولِه -صلى الله عليه وآله وسلم-، فتارةً يُجاهدُ نفسَه في التخلُّص مِن فِتنِ الشُّبُهات والشَّهَوات، فيكون مع أهلِ الإيمانِ، وتارةً يَقبَلُ الفِتنَ ويضعُفُ أمامَها، فيتخلَّقُ بأخلاقِ أهل المعاصِي والنِّفاقِ.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على مدافعة فتن الشبهات والشهوات فقال: إن مُدافعَةَ فِتن الشُّبُهات والشَّهَوات، ومُجاهَدَة النَّفس في ردِّها وإنكارِها أمرٌ ضروريٌّ ومُتحتِّمٌ لمَن أرادَ النجاةَ وسلامةَ قَلبِه، وطهارةَ نفسِه. وليس هناك أخطرُ على القَلبِ مِن استِيلاءِ فِتنِ الشُّبُهات والشَّهَواتِ عليه وامتِلائِهِ بهِما، وقَبُولِه لكلِّ فتنةٍ تُعرَضُ عليه.

 

وإن خُطورةَ تشرُّبِ القُلوبِ بفتنِ الشُّبُهات والشَّهَوات تكمُنُ في أنها تُفسِدُ على العبدِ تصوُّرَه للحقائِقِ والعُلُوم النافِعَة بالشُّبُهات والمُعارَضات والشُّكُوك، فتنحرِفُ عقائِدُه وأفكارُه، ويقَعُ في البِدعةِ والشِّركِ والإلحادِ، وكذلك هي تُفسِدُ على العبدِ قصدَه وإرادتَه بالشَّهَوات، فيخلُدُ إلى الأرض، ويتَّبِعُ هواه وشهَوَاته، وتأسِرُه مطامِعُه ولذَّاتُه.

 

المدينة المنورة:

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم -حفظه الله- خطبة الجمعة بعنوان: "العمل الصالح"، والتي تحدَّث فيها عن مُوجِبات قَبُول الأعمال عند الله تعالى، كما ذكرَ الأسبابَ التي تُؤدِّي إلى حبُوطِ العمل؛ لكي يعمل العبدُ على الحِفاظِ على عملِه من الحُبُوط والخُسران.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله تعالى، فقال: فاتَّقوا الله حقَّ التقوَى، واستمسِكُوا مِن الإسلام بالعُروة الوُثقَى.

 

وأضاف الشيخ: إفرادُ الله –تعالى- بالعبادة غايةُ الخَلقِ والأمر، وبِهِ عِمارةُ الأرض وسعادةُ البشَر، وهو -سبحانه- لا يقبَلُ إلا طيِّبًا، والعملُ الصالِحُ يرضَاه ويقبَلُه، وأصلُ قَبُول الأعمال: الإيمانُ بالله، والسعيُ في رِضوانِه، وعملُ الكافرِ في الآخرة لا يُقبَلُ ولو عمِلَ أيَّ عملٍ، وفي الدنيا يُطعَمُ بحسناتِ ما عمِل.

 

وقال حفظه الله: ومدارُ العِبادة على النيَّةِ والعملِ، وشرطُ قَبُولِها: إخلاصُ القَصدِ وحُسنُ العمل، فبالإخلاصِ صِحَّةُ الإرادة، وبالمُتابعَةِ استِقامةُ العمل، فالخالِصُ إذا كان لله، والصَّوابُ إذا كان على السُّنَّة. وصلاحُ القَلبِ أساسُ القَبُول، وصَلاحُ الأعمال بصلاحِ النيَّة، ومِلاكُ هذه الأعمال النيَّات، والمرءُ قد يبلُغُ بنيَّته ما لا يبلُغُ بعملِه، ورُبَّ عملٍ صغيرٍ تُعظِّمُه النيَّة، ورُبَّ عملٍ كبيرٍ تُصغِّرُه النيَّة.

 

وأوضح الشيخ أن: الثبات على العمل والمُداومَة على الطاعة دليلُ خيرٍ وتوفيقٍ. وهَديُه -صلى الله عليه وسلم-: المُداومةُ على العملِ، وإذا عمِلَ عملًا أثبَتَه، وكان يقولُ: "أحبُّ الأعمالِ إلى الله أدوَمُها وإن قَلَّ" (متفق عليه).

 

وأكَّد الشيخ أن صَلاح الجوارِحِ واستِقامتها ثَمرةُ قَبُول الطاعة ومحبَّة الله لصاحبِها، وشَأنُ المُؤمن الاجتِهادُ في العِبادة، واستِصغارُ عملِه؛ فإذا فرغَ مِن طاعةٍ وصَلَها بأُخرى غيرَ مُستكثِرٍ على ربِّه ذلك، ومَن شهِدَ حقيقةَ الربوبيَّة ومعنى العبوديةَّ، وعرَفَ ربَّه تبيَّن له أن بِضاعتَه مِن الأعمال مُزجاة، ولن يدخُل أحدٌ مِنَّا الجنةَ بعملِه، ولكن بفضلِ الله وكرمِه ورحمتِه، ولذا يأتي الاستِغفار عقِبَ الطاعة اعتِرافًا بالتقصيرِ وهذا هو حالُ عِبادِ الله المُخلَصِين؛ والمُؤمنُ يجمَعُ إحسانًا وخَوفًا.

 

وقال وفقه الله: والمُسلمُ يطمَعُ في القَبُولِ، ويسعَى لتحقيقِه وهو شديدُ الحَذَر مِن فسادِ العمل وحبُوطِه؛ إذ ليس الشأنُ في العملِ الصالِحِ فحسب، إنما الشأنُ في حِفظِه مما يُفسِدُه ويُحبِطُه، وأعظمُ ذلك: الشِّركُ بالله، وإرادةُ الدنيا بأعمال الآخرة؛ والموتُ على الرِّدة مُحبِطٌ للأعمال، وكراهِيةُ الدين يُحبِطُ عملَ صاحبِه؛ والكفرُ بآياتِ الله ولِقائِه مُوجِبٌ لفسادِ العمل؛ ومَن اتَّبعَ ما أسخطَ اللهَ وكرِهَ رِضوانَه جازاه الله مِن جنسِ فعلِه فأحبَطَ عملَه، وأعمالُ المُنافقِين سَرابٌ.

 

وختم الشيخ خطبته بالتذكير بأهمية العبادة فقال: فعملُ العِبادة أصلٌ في الدين، وحفظُها مطلَبٌ في الإسلام، ودوامُها إلى المَوتِ أساسٌ في الشريعة؛ وعلى المُسلم ألا يزهَدَ في أي عملٍ مِن الخير وإن كان يسيرًا، وأن يجتَنِبَ كلَّ سيئةٍ وإن دقَّت؛ فإنه لا يعلَمُ الحسنةَ التي يرحمُه الله بها، ولا يعلَمُ السيئةَ التي يسخَطُ الله عليه بها. ويجِبُ على المُسلم أن يسيرَ في جميعِ عِباداتِه بين الرَّجاء والخَوفِ، عامِرًا قلبَه بحُبِّ الله وحُسن الظنِّ به.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات