فراق (المشاعر)!

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

 

عبد المجيد المبارك

 

لك أن تفهم من كلمة المشاعر هنا ما تريد..

 

نعم.. إن فراق تلك المشاعر المقدسة.. شيء لا تستطيع المشاعر القلبية الحضور معه والوقوف عليه!

 

تلك الخطوات المودعة.. ثقيلة بطيئة..

 

أتعرف لماذا؟

 

لأن مشهد المشاعر يمشي معك..

 

نعم أنت تسير.. ولكن صورة الخيام تسير معك..

 

منائر الخيف بين عينيك..

 

وتلبية الحجاج ملء أذنيك..

 

أما الجوانح فما زالت تحركها أنفاس نسيم عرفات..

 

لفظة (الوداع) وحدها مؤثرة.. لا تمر على المرء دون استرجاع صور ألفتها وفارقتها..

 

فكيف لهذا التعبير أن يمر على الحاج مرور الكرام..

 

تأمله كما لم يكن قد طرق سمعك من قبل

 

((طواف الوداع))

 

يا للمواجد عنده فمودعٌ

 

....يرجو اللقاء وآخرٌ يتحسرُ

 

الوداع الوداع.. يا كعبة شرفها الله وعظمها..

 

الوداع الوداع.. يا كعبة جعلها الله قياما للناس..

 

ما أعظم هذا البيت الذي شرع الله لقاصديه تحية للقدوم وأخرى للوداع..

 

الكعبة.. أولى المحطات ووسطها وآخرها..

 

أرواحنا لها ظمأى كظمإ هاجر لزمزم..

 

ما ارتوينا بعد إنا لم نزل

 

.......ننعم العين بتكرار النظرْ

 

مشهد الجلالة.. أقصاه ومنتهاه.. في رؤية بيت الله.. مكتظا بحجاج بيت الله..

 

بالله عليك هات لي مشهدا يفوقه مهابة وجلالا وجمالا!

 

هذا الجمال والجلال يذهب بعقل الحاج وينسيه مشهد الوداع.. فيعيش تلك اللحظة بكل جوارحه.. ويجتهد غاية وسعه ألا يصرفه زحام أو رفقة عن استغلال لحظات المناجاة الأخيرة..

 

هاتوا لي سكينة الحاج المطرق بين الزحام.. فإنها تكفيني لطمأنينة عام كامل!

 

ولو كُشفت القلوب واستنصت الناس لتمتمات الطائفين.. لما رأيتهم لاهجين بغير لهج أبيهم إبراهيم

 

(((ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)))

 

هذه الدعوة هي التي تدوي الآن على جنبات البيت الحرام..

 

ربنا تقبل منا سفرنا ونصبنا

 

ربنا تقبل منا لبيك

 

ربنا تقبل منا الله أكبر

 

ربنا تقبل منا الخطوات

 

والصلوات

 

والجمرات

 

ربنا تقبل منا عرفات!

 

ألا إن ذلك اليقين الذين يحمله الحاج في قلبه يستحثه على الرجوع ليرى إجابة الله لدعواته في أقرب وقت..

 

أما المشهد الآخر الذي يتزاحم في قلب الحاج مع مشهد الوداع فيعتلجان طويلا.. هو مشهد الفرح بالتمام!

 

الفرح بالتيسر والاصطفاء والتوفيق..

 

فرحة الحاج هنا غريبة لمن لم يذقها..

 

تراه يحدث بها كل من يراه.. بل ربما رفع هاتفه واتصل بالواحد تلو الآخر يبشره بالتمام ويلهج أمامه بحمد الله..

 

جرب واسأل حاجا خارجا من المسجد الحرام عن أي أمر.. وحادثه عن أي أمر.. وأنا أتحداك ألا ينحني بالحديث بك ليحدثك عن التمام ويحمد الله أمامك!

 

هذه نشوة للفرح تغيب معها كل المشاهد

 

الحاج الذي كان يسير مثقلا بالحزن لفراق المشاعر صار التهلل سيمياء وجهه وإشراقة روحه..

 

الحاج الذي يردد مع نفسه الصباح

 

إن الـفـراق مـودِّعٍ ومـودَّعُ

 

...(والدمع بينهما عصيٌّ طيِّعُ)

 

صار يردد

 

لك الحمد رب البيت لما دعوتنا

 

تفضلت .. إنا لك بالحمد نختمُ

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات