مختصر خطبتي الحرمين 26 من ذي القعدة 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

الحجُّ عبادةٌ عظيمةٌ مِن أجلِّ العبادات، وقُربةٌ مِن أعظم القُرُبات، بل هو الرُّكنُ الخامِسُ مِن أركان الإسلام. فعلى المُسلم أن يُبادِرَ بأداء فريضة الإسلام إذا كان مُستَطِيعًا، ولا يُسوِّف ولا يتراخَى؛ فمِن الأخطاء الشائِعة: أن يبلُغ المرءُ سنَّ الثلاثين والأربعين بل أكثر وهو لم يحُجَّ، مع أنه قادِر، ولكنَّه يتشاغَلُ ويتقاعَسُ ويقول: تعبٌ وإرهاقٌ، وازدِحامٌ وكُلفَة! فيمتَنِعُ بسببِ ذلك.

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ فيصل بن جميل غزاوي -حفظه الله- خطبة الجمعة بعنوان: "فضلُ الأشهر الحُرُم وأيام العشر"، والتي تحدَّث فيها عن الأشهُر الحُرُم وما حبَاها الله تعالى به مِن التعظيم والتشريف، كما بيَّن فضلَ أيام العشر من ذي الحِجَّة وأنها أفضلُ أيام العام كلِّه، كما يجبُ على المُسلمين اغتِنامها بالعبادات ومُختلف الطاعات.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى-، فقال: اتقوا الله حق التقوى.

 

وأضاف الشيخ: إنَّ لله -تعالى- الحِكمةَ البالِغةَ فيما يصطَفِي مِن خلقِه ويختار، وليس لأحدٍ مِن الأمرِ والاختِيارِ شيءٌ،  ومِن هذا: تفضيلُ بعضِ الشُّهور على بعضٍ، فالله -سبحانه- قد اختَصَّ الأشهُرَ الأربعةَ بما لم يكُن لغيرِها، ونهَى عن الظُّلم فيها، وإن كان على كل حالٍ عظيمًا، وفي كل الشُّهور مُحرَّمًا، إلا أنه في الأشهُر الحُرُم أعظمُ خطيئةً ووِزرًا.

 

وقال حفظه الله: يأتي موسِمُ حجِّ بيتِ الله العتيق، الذي جعلَ الله قُلوبَ الناسِ تَهوِي إليه، وترِقُّ لذِكرِه، وتخشَعُ عند رُؤيتِه؛ إجلالًا لله وتعظيمًا لشعائِرِه. وها هي قوافِلُ الحَجِيج، وطلائِعُ وُفود الرحمن تتقاطَرُ على البيتِ العتيق مِن كل فَجٍّ عميقٍ، وتَفِدُ إليه مِن أصقاع الأرض البعيدةِ والقريبةِ، وكلما ازدادُوا لهذا البيتِ زيارة ازدادُوا له شوقًا، ولا يَقضُون مِنه وطَرًا. إنهم يَستَطِيبُون في سبيلِ الله التعبَ والمشاقَّ، ويَستَسهِلُون الصِّعاب.

 

وتابع فضيلته: هذا المُؤتمرُ العظيمُ والجمعُ الكبيرُ الذي يُرفعُ فيه شِعارُ التوحيد، يغِيظُ أعداءَ الدين، ويُعدُّ عقَبَةً كَؤُودًا في سبيل تحقيقِ مآربِهم، ونشرِ باطلِهم، وترويجِ مُعتقَداتهم الفاسِدة. لقد شرِقَت نفوسُهم، وحصِرَت صُدورُهم، وعلِمُوا أنهم مهما بذَلُوا مِن جهودٍ وأنفَقُوا مِن أموالٍ ليصُدُّوا عن سبيلِ الله، ويُخرِجُوا الناسَ مِن دينِهم لن يستطيعُوا تحقيقَ بُغيَتهم، وأنَّى لهم ذلك! وقد جعلَ الله للمُسلمين مِن أسبابِ التمكينِ والثباتِ والبقاءِ ما مِن شأنِه أن تضعُفَ وتخُورَ كلُّ مُحاولةٍ ووسيلةٍ تسعَى لإبادة المُسلمين واستِباحة بيضَتهم.

 

وأوضح فضيلته أن مما يتجلَّى في هذه الشعيرةِ العظيمة: أن الأمةَ تجتمِعُ في الحجِّ على توحيدِ الله تعالى، تجمعُهم رابِطةُ الدين والأخُوَّة في الله، وتتجلَّى مظاهِرُ الوحدة بكل أبعادِها. فالحُجَّاجُ والعُمَّارُ على دينٍ واحدٍ، ويعبُدُون إلهًا واحدًا، ووِجهتُهم واحِدة، وقِبلتُهم واحِدة، وشِعارُهم واحِد، وهم أيضًا في هيئةٍ وحالةٍ واحِدة، ونِداءٍ وهُتافٍ واحِد، ويقِفُون في صَعيدٍ واحِد، ويقُومُون بأداءِ عملٍ واحِد، وهم آخر الأمر مطلَبُهم ومقصِدُهم واحِد.

 

وقال وفقه الله: الحجُّ عبادةٌ عظيمةٌ مِن أجلِّ العبادات، وقُربةٌ مِن أعظم القُرُبات، بل هو الرُّكنُ الخامِسُ مِن أركان الإسلام. فعلى المُسلم أن يُبادِرَ بأداء فريضة الإسلام إذا كان مُستَطِيعًا، ولا يُسوِّف ولا يتراخَى؛ فمِن الأخطاء الشائِعة: أن يبلُغ المرءُ سنَّ الثلاثين والأربعين بل أكثر وهو لم يحُجَّ، مع أنه قادِر، ولكنَّه يتشاغَلُ ويتقاعَسُ ويقول: تعبٌ وإرهاقٌ، وازدِحامٌ وكُلفَة! فيمتَنِعُ بسببِ ذلك.

 

وختم الشيخ خطبته بالتذكير بفضائل العشر الأول من شهر ذي الحجة فقال: ها قد أظلَّتنَا أيامٌ مُبارَكة، أيامُ العشر الأول مِن شهر ذي الحِجَّة، أيامُ خيرٍ وفوزٍ وفلاحٍ؛ فمَن أدرَكَها وتعرَّضَ لنفَحاتها سعِدَ بها، إنها أفضلُ أيام الدنيا، كما أخبرَ الصادِقُ المصدُوقُ - صلى الله عليه وسلم -، وهي فُرصةٌ عظيمةٌ للتزوُّد والاغتِنام، وموسِمُها مُشتركٌ بين الحاجِّين والقاعِدين. يقولُ ابنُ رجبٍ - رحمه الله -: "لما كان الله -سبحانه- قد وضعَ في نفوسِ عبادِه المُؤمنين حَنينًا إلى مُشاهَدة بيتِه الحرام، وليس كلُّ أحدٍ قادِرًا على مُشاهَدته كلَّ عامٍ، فرَضَ على المُستطِيع الحجَّ مرَّةً واحدةً في عُمره، وجعلَ موسِمَ العشر مُشتركًا بين السائرين والقاعِدين".

 

فعلينا -عباد الله- أن نُرِي اللهَ مِن أنفُسِنا خيرًا، وخاصَّةً في الأيام العشر.. فيُشرعُ فيها كلُّ عملٍ صالِحٍ مِن التسبيحِ والتهليلِ والتكبيرِ، والذِّكرِ والاستِغفارِ، وقراءةِ القرآن، والصيامِ، والصدقةِ، والدعاءِ، وبِرِّ الوالدَين، وصِلةِ الأرحام، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المُنكَر، والتوبةِ إلى الله، والاهتِمامِ بالأعمال القلبية؛ ومنها: الصدق، والإخلاص، والصفح، والعفو، والتخلُّص مِن الحِقد والشَّحناء والبغضاء، وسائر المعاني المرذُولة التي لا يُحبُّها الله -عزَّ وجل-.

 

وإذا كانت المُسارَعةُ بالخيرات محمُودةً مطلُوبةً في كل آنٍ وحينٍ، وكل مكانٍ، فإن حُدوثَ ذلك في الأماكِن المُفضَّلة والأزمان الشريفة أكثرُ فضلًا وخيرًا، وأعظمُ أجرًا. فتعرَّضُوا - عباد الله - لنفَحات الجليل، واغتَنِمُوا أوقاتَكم، وافعَلُوا الخيرَ؛ فعسَى أن تُدرِكَ المرءَ نفحَةٌ مِن نفَحَات الكريم فيسعَد بذلك سعادةً ما بعدها شقاء، ويُصبِحَ مِمَّن طهَّرهم الله وزكَّاهم، وحباهم واجتَبَاهم، ورضِيَ عنهم وأرضاهم.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "فضائل الحجِّ وأحكامه"، والتي تحدَّث فيها عن شعيرة الحجِّ، وما اختصَّها الله تعالى به من الفضائل والأجور العظيمة، مُنبِّهًا مَن أكرمَه الله ووفَّقَه للحجِّ بوجوبِ تعلُّمِ أحكامِ الحجِّ وآدابِه، ثم ذكرَ أهمَّ ما ينفَعُ الحاجَّ ليكون حجُّه صحيحًا مقبُولًا بإذن الله، وبيَّن في آخر خُطبته شرَفَ أيام العشر من ذي الحجَّة وفضلَها وعِظَم العمل الصالح فيها.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله تعالى، فقال: فاتَّقُوا اللهَ بالقيام بما فرَضَ الله -عزَّ وجل- مِن أمرِه، والبُعد عما حذَّرَ اللهُ مِن نهيِه.

 

وأضاف الشيخ: الحجُّ إلى بيتِ الله الحرام كُتِب على المُسلم البالِغِ المُكلَّف في العُمر مرةً واحدةً، وما زادَ على ذلك فهو تطوُّعٌ. فمَن كتبَ اللهُ له الحجَّ، ووفَّقَه لأدائِه فرضًا كان أو تطوُّعًا، وقامَ بأعمالِه كاملةً؛ فقد منَّ الله عليه بالنعمة العظيمة، والمنزِلَة الرفيعة، والمغفِرَة الواسِعة، والأجورِ المُتنوِّعة. وحُقَّ لمَن تفضَّل الله عليه بالحجِّ أن يفرَحَ به أشدَّ الفرَح، قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].

 

وذكر فضيلته بعض ثواب الحج فقال: وقال - عليه الصلاة والسلام -: «مَن حجَّ لله فلم يرفُث ولم يفسُق؛ رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه» (رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-).

 

وقال حفظه الله: وثوابُ الحجِّ ومنافِعُه لا يُحصِيها إلا الله -عزَّ وجل-، ولم يعلَم الناسُ مِنها إلا القليل. فمَن قَبِلَ الله حجَّه فقد نالَ الأجُورَ الكثيرةَ، وشاهَدَ فيه المنافِعَ المُتنوِّعةَ الدينيةَ والدنيويةَ، وإن لم يقدِر على حصرِ هذه المنافِعِ.

 

وبيَّن فضيلته أن مِن بركاتِ الحجِّ: أن المُسلمَ ينقلِبُ بمغفِرَةِ الذنوبِ، إذا قُبِلَ مِنه، ويُحفَظُ بالحجِّ مِن الشيطان، ويضعُفُ كَيدُ الشيطانِ عنه بالحجِّ؛ لقولِ الله -تعالى- في قصةِ إبليس: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص: 82، 83]. فمَن أخلَصَ في حجِّه وعمِلَ بالسنَّة؛ نجَا مِن غِوايةِ الشيطان، ومَن سَلِمَ له حجُّه سَلِمَ له عُمرُه.

 

وحُقَّ للمُسلم أن يشكُرَ ربَّه -سبحانه- على تفضُّلِه عليه بالحجِّ، وتسخيرِه أسبابِه، وعلى توفُّرِ مرافِقِه وخدماته ومُتطلَّباته، وعلى تسهيلِ طُرُقِه في البَرِّ والبحرِ والجوِّ، وعلى توفُّر أسبابِ الرحمةِ والتنقُّل وتيسُّر الأرزاق، وعلى استِتبابِ الأمنِ والاستِقرار في الحرمَين الشريفَين في هذا الزمنِ الذي تمُوجُ فيه الفِتَنُ كمَوجِ البحار المُتلاطِم، وتَثُورُ فيه الحُروبُ كالبراكِينِ المُدمِّرة. ولله على عبادِه أن يحمَدُوه ويشكُرُوه على اختِيارِه المشاعِر المُقدَّسة لأعمالِ الحجِّ، وتعريفِها للمُسلمين؛ لتعظُمَ عبادتُهم، وتتضاعَف أجُورُهم فيها لفضلِها.

 

وبيَّن الشيخ أن على مَن وُفِّقَ وكُتِبَ له الحجُّ أن يتعلَّم أحكامَه وأعمالَه، ويعمل بها؛ ليكون حجُّه مبرُورًا، وأعظمُ أعمالِه أركانُه، وهي: نيَّةُ الدخول في النُّسُك بالإحرام، والوقوفُ بعرفة، وطوافُ الزيارة بعد ليلةِ مُزدلِفَة، والسعيُ. فمَن تركَ الوقوفَ فاتَه الحجُّ، ومَن تركَ رُكنًا فلا يتِمُّ الحجُّ إلا به.

 

وليحرِص المُسلمُ على السُّنن، وأعمالُ الحجِّ يوم النَّحر لا حرَجَ في تقديمِ بعضِها على بعضٍ. فيا بُشرَى مَن أخلَصَ النيَّةَ لله في حجِّه، واجتهَدَ في أنواع القُرُبات بكثرةِ الذِّكر والتلاوة، والإحسان، وبذل الخير، وكفِّ الشرِّ. وعلى المُسلم أن يبتعِدَ عن محظُوراتِ الإحرام، ولا يُعرِّض حجَّه للمُبطِلات.

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من أذية الحجيج فقال: وأما مَن جاءَ للحجِّ بنيَّةِ الأذِيَّةِ للمُسلمين، والإضرار بهم، أو إدخال المشقَّة عليهم، أو المكرِ بهم، أو تدبيرِ المكائِدِ لهم، أو ارتِكاب النَّشل، أو جَلبِ مُخدِّرات، أو ارتِكابِ مُوبِقاتٍ ومُحرَّماتٍ، فالله لهذا المُفسِدِ بالمِرصاد، فقد كفَى الله المُسلمين شرَّه، وأرداهُ عملُه؛ إذ هو مُحارِبٌ لله -عزَّ وجل- ولرسولِه - عليه الصلاة والسلام -، ومَن حارَبَ اللهَ ورسولَه فهو مخذُولٌ مخزِيٌّ هالِكٌ، وشواهِدُ التاريخ ظاهِرةٌ بذلك.

 

ومَن هو بهذه النيَّة السيئةِ حُرِمَ مِن أجُورِ الحجِّ ومنافِعِه، ورجعَ بالآثام الثِّقال التي لا تتحمَّلُها الجِبال، والله عليمٌ بما في القُلوبِ، يُعاقِبُ بالهَمِّ بالمعصِيةِ في البلدِ الحرامِ، فكيف بفعلِها؟! قال الله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج: 25]، وقال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19].

 

إن الله -تعالى- برحمتِه شرَعَ طُرُقَ الخير الكثيرة، وأبوابَ الأعمال الصالِحات، فمَن لم يُكتَب له الحجُّ في وقتٍ ما، فقد منَّ الله عليه بالتقرُّبِ إليه بجميعِ سُبُل الخير، والفضائل التي ينَالُ بها مثل ثوابِ الحجِّ والعُمرة.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات