توليد اليقين للأزمات...!

حمزة آل فتحي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

من أصح وأروع الأدعية الماحية للحزن، والمورثة للأمل والتفاؤل: (ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصايب الدنيا)؛ أي اقسم وَهَبْ لنا.

واليقين يطلق ويُراد به -كما قال الجنيد رحمه الله- : (استقرارُ العِلْم الذي لا ينقلِب ولا يُحوَّل ولا يتغيَّر في القلْب).

والمسلمون في هذه الظروف العصيبة، وحالات الهوان والتسلط والتشرذم هم أحوج ما يكونون إلى (شعبة اليقين)، واستقرار القلب بالشرائع وحسن العمل، وأن العاقبة للمتقين.

والسبب لأن تراكم المصايب والأحزان يحمل العبد على التسخُّط واليأس وكراهية الاستقامة والتململ من العمل، وليس هذا بخلق أهل الإيمان (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [سورة الرعد].

وامتلاك اليقين من أسباب الثبات، وتتحطم عليه كل مقامع البلاء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأﻫﻞ اﻟﻴﻘﻴﻦ ﺇﺫا اﺑﺘﻠﻮا ﺛﺒﺘﻮا؛ ﺑﺨﻼﻑ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻓﺈﻥ اﻻﺑﺘﻼء ﻗﺪ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﺃﻭ ﻳﻨﻘﺼﻪ..).

أعظم وسيلة في توليد اليقين وتثبيته في القلب قراءة القرآن وتدبره والتخلُّق بمواعظه.

وذكر شيخ الإسلام أن اليقين يتحصل من تدبر القرآن، الذي هو مقصود التلاوة والتنزل، وبه الانشراح، وفقه الكتَاب ورسوخ المواعظ والبينات: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) [سورة محمد].

ويحصل أيضا من تدبر الآيات التي يضعها الله في الكون والآفاق والأنفس، وتثبت أن دينه حق، وأن شرعه صدق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من نحو : انتصار أهل الإيمان، وهزيمة مكذبي الإسلام وأعداء الرسل، واتساع بقاع الإسلام، وصدق نصوص الوحيين، وإقامة الحجة على أهل الإلحاد والزندقة.

وذكر ثالثًا: أنه يتوالد من العمل بموجب العلم، فقد قال تعالى (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون بِه لكان خيراً لهم وأشد تثبيتا...) [سورة النساء]. وفي العمل ترسيخ ويقين للأحكام الشرعية، وتقوية للإيمان، وتأسيس للصبر، وحماية للعقيدة، وتحدٍّ للباطل، وترقب للنصر، وحافز للعمل، وإغاظة للعدو، وتشجيع للكسالى.

وباليقين تهون مصايب الدنيا، وتصغر حوادثها، ويعظم التوحيد وتصلب قناته.

ويتوالد اليقين أيضا من مطالعة السيرة النبوية، والتفقه في دروسها، وتحفظ أحداثها التي تعلي من شأن الإيمان وتصبر وتقوي، وتشحذ وتحفز .

نحو صبره ورضاه عما حصل في مكة والطائف في القصة المشهورة، وانتظاره فرج الله ونصره (بل أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا).

وبمدارسة سير الأنبياء والمرسلين في نواحي القرآن، وما فيها من يقين فذ، وصبر شديد، ودعوة مستديمة (ولنصبرن على ما آذيتمونا) [سورة إبراهيم]. ولولا ما قبلها من اليقين والاستعداد للصمود والتحدي ما حصل ذلك الصبر والتحمل.

ويتولد اليقين أيضا بمعاينة آيات الله في الكون، وبدائع صنعه؛ كما قال تعالى(وفِي الأرض آيات للموقنين) [سورة الذاريات].

ومنها: تعلم محاسن الإسلام، وما وضعه الله من شرائع رائعة، وأحكام باهرة، وسنن فاضلة في هذا الدين المجيد.

وكذاك الدعاء والإخبات العبادي لله؛ فقد صحَّ دعاء (سلوا الله اليقين والمعافاة). أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني، رحم الله الجميع.

ومن نماذج اليقين الباهرة صبر الصحابة المبتلَين في مكة، وأتباعهم من الأعلام الأفذاذ أيام المحن والشدائد.

بلال صورة رائعة هو وصبره، واحتماله الشديد للظى المشركين واضطهادهم، وكان يردد: (أحد أحد).

وآل ياسر صبروا صبرًا متينًا، وماتت سمية أم عمار في أتون المحنة، ورفضت أن تلطخ فمها بنقد الدعوة حتى ماتت شهيدة رضي الله عنها.

ويقين المؤمنين في الأحزاب (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله...) [سورة الأحزاب].

ومن يقين بعض العباد الحكماء وهو علي -رضي الله عنه- أنه قال: (لو رأيت الجنة والنار ما ازددت يقينًا؛ لأني رأيتهما بعيني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..).

ويروى عن عامر بن عبد قيس -رحمه الله-: (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينًا).

وعن شقيق بن إبراهيم -رحمه الله- قال: (من أراد أن يعرف معرفته بالله، فلينظر إلى ما وعده الله ووعده الناس، بأيهما قلبه أوثق).

والأخبار في ذلك مستفيضة ولكنها تحتاج لجهد متين، وعبادة صادقة، وعلم نوراني يشعشع في القلب والجوارح (وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا) [سورة الشورى]. وتلكم الأجساد لا يحييها إلا نور ربها، ووحي خالقها، فهو لها كالماء للسمك، وكالهواء للكائنات، فهل لها من عوض، أو تجد لها من بدل..؟!

اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا، واجعلنا من عبادك الصادقين... والسلام.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات