مختصر خطبتي الحرمين 19 من ذي القعدة 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

الحياءُ رأسُ خِلال المكارِم، ومنبَعُ الأخلاق، ومكمَنُ الفضيلة، مَن اتَّصَفَ به حسُنَ إسلامُه، وعلَت أخلاقُه، وهجَرَ المعصِيَةَ خجَلاً مِن ربِّه. إنه خُلُقٌ رفيعٌ يبعَثُ على فعلِ كل مَلِيح، ويصُدُّ عن مُقارَفَة كل قَبِيح، ويُبعِدُ عن فضائِحِ السيئاتِ وقَبيحِ المُنكَرات، إنه دليلٌ على كرَم السجِيَّة وطِيبِ النَّفس. الحياءُ يدفعُ الوقاحَةَ، ويصُونُ العِرضَ، ويغرِسُ العِفَّةَ في النفسِ، هو معدنٌ نفيسٌ لا تتحلَّى به إلا النفوسُ المحمُودة، وهو حِليةُ الأنبياء.

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ ماهر المعيقلي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "مقاصِدُ الحجِّ الكُبرَى"، والتي تحدَّث فيها عن الحجِّ وأنه شعيرةٌ عظيمةٌ عمِلَ بها الكثيرُ مِن أنبياء الله ورُسُله - عليهم الصلاة والسلام -، كما بيَّن أبرزَ مقاصِدِ الحجِّ.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى-، فقال: معاشر المؤمنين: فأُوصِي نفسِي وإياكم بتقوَى الله - عزَّ وجل -؛ فإنها العُدَّةُ والزاد، والمُدَّخرُ ليوم المعاد، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197].

 

وأضاف الشيخ: حُجَّاج بيت الله الحرام: هنِيئًا ما خصَّكُم الله به؛ حيث ورَدتُم بيتَه المُعظَّم، وقصدتُم رُكنَ الإسلام الأعظَم، آمِّين البيتَ العتيق، مُلبِّين مِن كل فَجٍّ عمِيق، فقَصدُ هذه البِقاع المُبارَكة بالحجِّ والعُمرة يرفَعُ الدرجات، ويغفِرُ الذنوبَ والسيئات. فها هي مكَّة وجلالُها، والكعبةُ وجمالُها، وهنا زمزم، والحِجرُ، والحجرُ الأسود، ومقامُ إبراهيم، والصفا والمروة، والمشعَرُ الحرامُ، ومِنَى، وعرفة.

 

وقال حفظه الله: إن الحجَّ شَعِيرةٌ عظيمةٌ؛ عظيمةٌ بعِظَم هذا البيتِ العتيق، تتابَعَ في قافلتِها أنبياءُ الله ورُسُلُه، فسارَ في طريقِها إبراهيمُ، وصالِحٌ، وهُودٌ، ومُوسَى، ويُونسُ، ومُحمدٌ، وغيرُهم مِن أنبياء الله تعالى وأصفِيَائِه - صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهم -. فكَم حجَّ هذا البيتَ مِن الأنبياء والمُرسَلين! وكَم تنقَّلُوا بين هذه المشاعِر مُهِلِّين ومُلَبِّين!

 

وبيَّن الشيخ أن توحيدَ الله - جلَّ جلاله، وتقدَّسَت أسماؤُه - أعظمُ مقاصِد الحجِّ وأجَلُّها؛ فما رُفِع هذا البيتُ العتيقُ إلا بالتوحيدِ ولأجلِ التوحيد، والتوحيدُ هو أساسُ الدين؛ وكما أمرَ الله تعالى بإخلاصِ العبادة له وحدَه، فإنه أمرَ بالإحسان إلى عبادِه، وتعظيمِ حُرُماتهم، والقِيام بحُقوقِهم، والرَّحمةِ والرِّفقِ بهم.

 

وأوضح فضيلته: أن تحصيلَ الأجر في النُّسُك لا يبلُغُ الكمال إلا بالرِّفقِ واللِّين؛ لأن الله تعالى يُعطِي على الرِّفقِ ما لا يُعطِي على العُنفِ. ولقد تمثَّل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أعظمَ معانِي التيسيرِ والرَّحمةِ في مقالِه وحالِه؛ ففي حجَّة الوداع مِن حديث جابرٍ - رضي الله عنه وأرضاه -، أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «نحَرتُ ههنا، ومِنَى كلُّها منحَر، فانحَرُوا في رِحالِكم، ووقفتُ ههنا وعرفةُ كلُّها موقِف، ووقفتُ ههنا وجَمعٌ كلُّها موقِف» (رواه مسلم). وفي يوم العِيدِ الأكبَر ما سُئِلَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن شيءٍ قُدِّمَ ولا أُخِّر، إلا قال: «افعَل ولا حرَج».

 

وتابع سماحته: ومِن صُور رِفقِه وجَميلِ خُلُقِه -صلى الله عليه وسلم-: لما بدأَ بالسعيِ في حجَّة الوداع ووصلَ إلى المروة، تنادَى الناسُ: أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجِدِ الحرامِ، فجاءُوا مِن كل حدَبٍ وصَوبٍ، حتى خرجَ العواتِقُ مِن البُيُوت كلُّهم يُريدُون النَّظرَ إلى وجهِهِ المُبارَك، فلما ازدَحَمُوا عليه، وكان -صلى الله عليه وسلم- كريمًا سَهلاً، لا يُضرَبُ الناسُ بين يدَيه، أمرَ براحِلَتِه فركِبَها حتى يرَوه كلُّهم؛ شفقَةً عليهم، ورأفةً ورحمةً بهم، فأتمَّ سَعيَه راكِبًا - بأبي هو وأمِّي -صلى الله عليه وسلم-.

 

وقال وفقه الله: وأما تحقِيقُ الأُخُوَّة الدينيَّة والرابِطة الإيمانيَّة فهي تتجلَّى في الحجِّ بأبهَى صُورِها، وأجمَل حُلَلها؛ فالحَجِيجُ يطُوفُون ببيتِ الله، ويجتمِعُون على صَعِيد عرفة، ويبيتُون بمُزدلِفة؛ فمعبُودُهم واحِد، وأعمالُهم واحِدة، ولِباسُهم واحِد، وقِبلتُهم واحِدة.

 

وأضاف فضيلته: ومِن مقاصِدِ الحجِّ الكُبرَى: إقامةُ ذِكرِ الله - عزَّ وجل -، بل كلُّ طاعةٍ إنما شُرِعَت لإقامةِ ذِكرِ الله، فأعظمُ الناسِ أجرًا أكثَرُهم فيها لله ذِكرًا. فمِن حِين أن يُحرِمَ الحاجُّ فهو في ذِكرٍ لله –تعالى- إلى أن يطُوفَ طوافَ الوداع. ففي "سنن أبي داود" مِن حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما جُعِل الطوافُ بالبيتِ وبين الصفا والمروة، ورميُ الجِمار لإقامةِ ذِكرِ الله».

 

وختم الشيخ خطبته بالثناء على دور المملكة في رعاية الحجيج وتنظيم موسم الحج، فقال: إن مِن أعظَم مقاصِدِ الشريعَة: اليُسرَ والتيسيرَ على عبادِ الله، خاصَّةً فيما يتعلَّقُ بعبادتِهم، وإن تيسيرَ الحجِّ على المُسلمين وخِدمةَ ضُيُوفِ ربِّ العالَمين يُعدُّ مِن أعظَم مقاصِدِ الشريعَة، وقد شرَّفَ الله تعالى بِه بلادَ الحرمَين المملكة العربية السعودية، باستِقبال ضُيُوفِه وعُمَّار بيتِه، فبذَلُوا الغالِيَ والنَّفيسَ في سبيلِ راحةِ حُجَّاج بيتِ الله الحرام، وزائِرِي مسجِدِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم-.

 

وإن رِعايةَ الحُجَّاج والمُعتمِرين والزائِرِين، والقِيامَ على أمنِهم، وحِمايةَ مصالِحِهم، وتيسيرَ سُبُل الخيرِ لهم، خاصَّةً في هذه الأيام المُبارَكة مِن الأعمال الصالِحة الجَلِيلَة التي اجتمَعَ فيها فضلُ الزمانِ والمكانِ. وإذا كان الدالُّ على الخَير كفاعِلِه، فكيف بالمُعِينِ عليه، والمُسهِّل لأسبابِه؟! فشكَرَ الله لوُلاةِ أمرِ هذه البلاد، ولكل العامِلِين في خِدمة حُجَّاج بيتِ الله الحرام، ولرِجالِ أمنِنا، وللمُرابِطِين على ثُغور بلادِنا، فطُوبَى لكل عينٍ سهِرَت لأجلِ راحةِ ضُيُوفِ الرحمن، وطُوبَى لكل عينٍ باتَت تحرُسُ الثُّغور لحفظِ الأمنِ وردِّ العُدوان، وهنيئًا لكُم هذه الخيرات والبركات، ومُبارَكٌ عليكم هذه الفضائل والحسنات.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البعيجان - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الحياءُ مِن الإيمان"، والتي تحدَّث فيها عن خُلُق عظيمٍ مِن أعظم أخلاقِ الإسلام، ألا وهو خُلُق الحياء، مُبيِّنًا فضلَه وعظيمِ منزلتِه، كما وجَّه بعضَ النصائِح للمُسلمات بضرورة حِفاظهنَّ على حيائِهنَّ، وتمسُّكهنَّ بعفَّتهنَّ وحِشمتهنَّ.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله تعالى، فقال: فأُوصِيكُم - عباد الله - بتقوَى الله - عزَّ وجل -؛ فتقوَاه عِزُّ الدنيا وزادُ الآخرة.

 

وأضاف الشيخ: إن الدينَ الذي نَنتَمِي إليه دينُ الأخلاق، ونبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- إنما بُعِثَ ليُتمِّمَ مكارِمَ الأخلاق، وثُلُثَي مساحَة العالمِ الإسلاميِّ إنما دخلَ في الإسلام بسببِ الأخلاق. وإن تاجَ حُلَ الأخلاق، وأجمَلَ المحاسِن على الإطلاق: خُلُق الحياء بالاتفاق.

 

وقال حفظه الله: الحياءُ رأسُ خِلال المكارِم، ومنبَعُ الأخلاق، ومكمَنُ الفضيلة، مَن اتَّصَفَ به حسُنَ إسلامُه، وعلَت أخلاقُه، وهجَرَ المعصِيَةَ خجَلًا مِن ربِّه. إنه خُلُقٌ رفيعٌ يبعَثُ على فعلِ كل مَلِيح، ويصُدُّ عن مُقارَفَة كل قَبِيح، ويُبعِدُ عن فضائِحِ السيئاتِ وقَبيحِ المُنكَرات، إنه دليلٌ على كرَم السجِيَّة وطِيبِ النَّفس. الحياءُ يدفعُ الوقاحَةَ، ويصُونُ العِرضَ، ويغرِسُ العِفَّةَ في النفسِ، هو معدنٌ نفيسٌ لا تتحلَّى به إلا النفوسُ المحمُودة، وهو حِليةُ الأنبياء.

 

وبيَّن الشيخ أن  الحياء شِعارُ الإسلام، «إن لكل دِينٍ خُلُقًا، وإن خُلُقَ الإسلام الحَياء»، «الإيمانُ بِضعٌ وسبعُون شُعبَة، والحياءُ شُعبةٌ مِن الإيمان»، والسِّرُّ في كَونِ الحياءِ مِن الإيمان: أن كُلًّا مِنهما داعٍ إلى الخير مُقرِّبٍ مِنه، صارِفٍ عن الشرِّ مُبعِدٍ عنه. والحياءُ بابٌ مِن أبوابِ الخَير؛ عن عِمران بن حُصَين -رضي الله عنه-، أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «الحياءُ لا يأتِي إلا بخَيرٍ». وقال: «الحياءُ خيرٌ كلُّه».

 

وأكَّد الشيخ أن الحياءَ صُورٌ ومراتِب، أعلاها: الحياءُ مِن الله؛ حيث تستَحِي أن يراكَ حيث نهاك، وقد خلَقَك فسوَّاك، وتستَحِي أن تستعمِل نِعَمَه عليك في معصِيَتِه. وقد حضَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على الحياءِ مِن الله فقال: «استَحيُوا مِن الله حقَّ الحياء».

 

حياءً مِن الملائِكة الكِرام، والحفَظَة الكاتِبِين أن يشهَدُوا عليك، (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 17، 18]. حياءً مِن الناسِ أن تَهتِكَ سِترَ الله عليك، وتُجاهِرَ بالمعصِيَة أمامَهم، «كلُّ أُمَّتِي مُعافَى إلا المُجاهِرين». حياءً مِن النفسِ ومِن الجوارِح؛ فإنها خُصَماءُ ستشهَدُ عليك، (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النور: 24].

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على التخلق بخلق الحياء في المجتمع وخاصة بين النساء، فقال: إننا نعيشُ مرحلَةَ أخلاقٍ حرِجَة، فتنُ آخر الزمانِ قد طغَت وكثُرَت، الشُّبُهات والشَّهوات قد فشَت وانتشَرَت، ما كان بالأمسِ معرُوفًا صارَ اليوم عند البعضِ مُنكَرًا، وما كان مُنكَرًا صارَ معرُوفًا مألُوفًا. تغَلغَلَ الغزوُ الأخلاقيُّ في داخلِ البيُوت عبرَ الأجهِزة والوسائِلِ التِّقنيَّة الحديثة، وفي هذا الجوِّ ونحن مُستهدَفُون يجِبُ تربِيةُ الناشئةِ وتحصِينُهم بعقيدةِ الإسلام وخُلُق الحياء مِن الله؛ فهما حِصنٌ حَصِينٌ، وحارِسٌ أمينٌ للتربية وتزكية النفوس، ومُراقبَة الله.

 

إن الحياءَ وإن كان مطلُوبًا في حقِّ الرِّجال، إلا أنه في حقِّ النساءِ أوجَب، وفي جانِبِهنَّ آكَد، إن المرأةَ تتعبَّدُ اللهَ بأخلاقِها، ترجُو الثوابَ، وتخشَى العِقابَ، وإن الحياءَ مِن أخلاقِها الدينيَّة والفِطريَّة، به تتستَّرُ في خِدرِها، به تأكلُ وتشرَبُ وتلبَسُ، به تتحرَّكُ وتخرُجُ وتمشِي. إن حياءَ المرأة المُسلِمة هو رأسُ مالِها، فيه عِزُّها، وبِه تحفَظُ كرامتَها. الحياءُ جِلبابُ الحُرَّة الأمين، وجمالُها الحَسِين، ودليلُ عِفَّتها المَتِين، وحِصنُها الحَصِين.

 

أيتها المُسلِمة! حِجابُ المرأة وحِشمتُها مِن دينِها ومِن أخلاقِها، فإذا انتكَسَت فِطرتُها، وتخلَّت عن دينِها، فألقَت الإزارَ، ورمَت الخِمار، وتبرَّجَت في مفاتِنِها؛ خسِرَت دينَها، وأضاعَت أمانتَها. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «صِنفان مِن أهل النَّار لم أرَهما ..»، وذكَرَ مِنهما: «.. نساءً كاسِياتٍ عارِياتٍ مُمِيلاتٍ مائِلاتٍ، رُؤوسُهنَّ كأسنِمةِ البُختِ المائِلَة، لا يدخُلنَ الجنَّةَ ولا يجِدنَ رِيحَها، وإن رِيحَها ليُوجَدُ مِن مسيرةِ كذا وكذا».

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات