مختصر خطبتي الحرمين 12 من ذي القعدة 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

الصَّيفُ ولَهِيبُه يُذكِّرُهم بإخوانٍ لهم فُقراء مُتعفِّفِين، أو مُهجَّرين ومُشرَّدِين، أو لاجِئِين منكُوبِين، فرَّقَتْهم الحُروبُ، وأنهَكَتْهم النِّزاعات، مُحتاجُون لمَدِّ يدِ العَون والمُساعَدَة في هذه الأجواء الحارَّة الحارِقة، تتفقَّدُ أحوالَهم، وتقضِي حوائِجَهم، وتُعينُهم على تحمُّل ما يُعانُون بتوفيرِ أدواتِ التكييف والتبريد، أو إصلاحِها ودفع تكالِيفِها، وسَقيِ الماءِ البارِدِ، وحَفرِ الآبار؛ ففي كل كبِدٍ رَطبةٍ أجرٌ مِن الإنسانِ، والحيوان، والطير، واتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمرةٍ.

مكة المكرمة:

ألقى فضيلة الخطيب: الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "وقفاتٌ مع فصل الصَّيف"، والتي تحدَّث فيها عن عدَّة وقفاتٍ وتنبيهاتٍ في فصلِ الصَّيف والحرِّ الذي يعِيشُه الناسُ هذه الأيام، مُذكِّرًا بضرورة ربطِ هذه الأحوالِ ومُعاناةِ الناسِ في تجنُّبِ الحرِّ وشِدَّتِه بما يُلاقِيه الناسُ يوم القيامة، ثم ذكرَ عدَّةَ إشاراتٍ لحُجَّاج بيتِ الله الحرام.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى-، فقال: فأُوصِيكم ونفسِي بتقوَى الله، فاتَّقُوا اللهَ -رحِمَكم الله-.

 

وأضاف الشيخ: أثقَلُ الأحمال الذنُوب، وألَذُّ الطيباتِ العافِية، القلبُ يَلِينُ بذِكرِ الله، ويحيَا بتدبُّرِ كتابِ الله، ويسعَدُ بصُحبةِ الأخيار، ويشقَى بمُرافقةِ الأشرار، ومَن اشتغَلَ بعيُوبِ الناسِ تعذَّرَ عليه تركُ عيوبِ نفسِه.

 

وقال حفظه الله: والدنيا مِرآةُ الآخرة وضَرَّتُها؛ فكلُّ ما في الدنيا مِن سعادةٍ ولذَّةٍ ونعيمٍ يُذكِّرُ بنعيمِ الجنَّة، ولذِيذِ عيشِها. وما في الدنيا مِن ألَمٍ وشقاءٍ وبُؤسٍ يُذكِّرُ بعذابِ النار، وسُوءِ مَصِيرِ أهلِها - عِياذًا بالله مِن ذلك -. ولقد كان مِن سُننِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: تذكِيرُ أصحابِه بمَا يرَونَه مِن أحداثِ الدنيا بأحداثِ الآخرة. ففي "الصحيحين" مِن حديث أبي هُريرة -رضي الله عنه-، أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «نارُكم هذه التي يُوقِدُ بنُو آدم جُزءٌ مِن سبعِين جُزءًا مِن جهنَّم»، قالوا: واللهِ إن كانَت لكافِيَة! قال: «إنها فُضِّلَت عليها بتِسعةٍ وتِسعِين جُزءًا كلُّها مِثلُ حرِّها».

 

وقال وفقه الله: وأنتُم تعِيشُون هذه الأيام أيامَ الصَّيف، وتتَّقُونَه بما تستَطِيعُون .. تذكَّرُوا، واعتَبِرُوا، وبالعملِ الصالِحِ بادِرُوا. يقولُ أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "صُومُوا يومًا شديدًا حرُّه لحَرِّ يومِ النُّشُور، وصَلُّوا ركعتَين في ظُلمةِ الليل لظُلمةِ القُبُور".

 

ومِن عجائِبِ فَهمِ السلف الصالح في صِيامِ يوم الحَرِّ قولُهم: "إن السِّعرَ إذا رخُصَ اشتَراهُ كلُّ أحد"؛ يُريدُون: أن الصيامَ في الأيام المُعتَدِلة والبارِدَة ميسُورٌ لكلِّ أحَدٍ، أما صِيامُ يوم الحَرِّ فيحتاجُ إلى مُعاناةٍ ومُصابَرَة، ناهِيكُم - عباد الله - بمَن يرَى في الحَرِّ غنِيمةً لا تَفُوت! والمَشيُ إلى المساجِدِ أفضلُ مِن الرُّكوبِ ولو في شِدَّة الحَرِّ.

 

وأوضح فضيلته أنه إذا اشتدَّ الحرُّ فاسأَل اللهَ أن يَقِيَكَ حرَّ جهنَّم، وإذا كان اليوم بينَك وبينَ الشمسِ هذه المسافات العظيمة ومع هذا لا تُطيقُ حرَّها، فكيف إذا دنَت الشمسُ مِن الرُّؤوسِ يوم القيامة؟! وإذا بلغَ العرقُ مِنك مبلَغَه، فكيف إذا عرِقَ الجَبِينُ مِن سَكَرَات الموت؟! وكيف إذا غرِقَ الناسُ في عرَقِهم يوم القيامة كلٌّ حسَبَ عملِه، أين سيبلُغُ مِنك العرَقُ؟! أإلَى كعبَيك .. أم إلى رُكبتَيك .. أم إلى حِقْوَيك .. أم سيُلجِمُك العرَقُ إلجامًا؟!

 

وإذا ألهَبَ الحرُّ جَوفَك، واشتَدَّ ظمَؤُك، ثم شَرِبتَ ماءً بارِدًا، فهنِيئًا مرِيئًا، ثم سَلْ نفسَك: كيف تُسقَى يوم القيامة؟! فإن أقوامًا يرِدُون حَوضَ المُصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ويشرَبُون منه، وآخرين يُذادُون عنه ذَودًا، وأهلُ النَّار يستَغِيُثون فيُغاثُون (بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) [الكهف: 29].

 

وأضاف فضيلته: الصَّيفُ ولَهِيبُه يُذكِّرُهم بإخوانٍ لهم فُقراء مُتعفِّفِين، أو مُهجَّرين ومُشرَّدِين، أو لاجِئِين منكُوبِين، فرَّقَتْهم الحُروبُ، وأنهَكَتْهم النِّزاعات، مُحتاجُون لمَدِّ يدِ العَون والمُساعَدَة في هذه الأجواء الحارَّة الحارِقة، تتفقَّدُ أحوالَهم، وتقضِي حوائِجَهم، وتُعينُهم على تحمُّل ما يُعانُون بتوفيرِ أدواتِ التكييف والتبريد، أو إصلاحِها ودفع تكالِيفِها، وسَقيِ الماءِ البارِدِ، وحَفرِ الآبار؛ ففي كل كبِدٍ رَطبةٍ أجرٌ مِن الإنسانِ، والحيوان، والطير، واتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمرةٍ. ومَن كثُرَت ذنُوبُه، فعلَيه بسَقْيِ الماء، والله كتَبَ الإحسانَ على كل شيءٍ.

 

وتابع فضيلته: الصَّيفُ يُذكِّرُ بنِعمةِ الله بالماءِ البارِدِ والهواءِ البارِدِ حيثُما تحِلُّ، وحيثُما ترحَلُ، مما يسَّر الله لأهل هذا الزمان ما يُخفِّفُ عنهم هَجِيرَ الرَّمضاء، ويُطفِئُ لَهِيبَ القَيظِ في المنازِلِ، وفي الأسواق، والمساجِدِ، والمراكِبِ، والمكاتِبِ، والمدارِسِ، وفي كل المرافِقِ. فلله الحمدُ والمنَّة. فتأمَّلْ، واشكُرْ، واحذَر السَّرَف، والزَم الاقتِصادَ في الاستِهلاك؛ ليصِلَ الخيرُ إلى الجميع.

 

وختم فضيلته خطبته بالتذكير بدور المملكة في تنظيم شعائر الحج، وأوصى الحجيج فقال: المُسلِمون مِن جميعِ أنحاء الدنيا وهم يتوجَّهُون إلى هذه الديار المُقدَّسة، هذه البلادُ لا تسمَحُ باستِغلالِ الدينِ ومواسِمِ العبادة وتجمُّعات المُسلمين في المشاعِرِ المُقدَّسة لأغراضٍ مُسيَّسة.

 

المملَكةُ هي المُؤتمَنَةُ -بفضلِ الله- على ضيوفِ الرحمن وخِدمتهم ورِعايتهم، وهي مُلتزِمةٌ كذلك ومسؤولةٌ عن اتِّخاذِ كل التدابِيرِ الحازِمةِ والصارِمةِ للحِفاظِ على أمنِ البلاد وأمنِ الناسِ: المُواطِن، والمُقيم، والعاكِف، والبادِ، والحاجِّ، والزائِر، والمُعتمِر.

 

أمنُ البلاد وأمنُ المُقدَّسات لا يَسمَحُ بأيِّ عملٍ أو تصرُّفٍ يُعكِّرُ هذه الأجواءَ الإيمانيَّة، أو يضُرُّ بالمصالِحِ الخاصَّة، أو يَمَسُّ احتِرامَ مشاعِرِ المُسلمين، وهي تطلُبُ مِن الجميع تقديرَ ذلك، والتفرُّغَ للعبادة، واستِغلالَ أوقاتِهم أيامًا وساعاتٍ ودقائِق لينالُوا فضلَ الحرمَين الشريفَين، وبركتَها، لعلَّ الله أن يتقبَّل منهم، ويتجاوَزَ عن سيئاتِهم، ويمنَحَهم قَبُولًا إلى يومِ يلقَونَه.

 

 

المدينة المنورة:

ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التوبةَ التوبةَ يا عباد الله!"، والتي تحدَّث فيها عن التوبةِ مِن المعاصِي، والرجوعِ إلى الله تعالى، مُبيِّنًا حقيقةَ الدنيا الفانِية، ومُحذِّرًا مِن التمسُّك بها وتقديمِها على الآخرة الباقِية.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله تعالى، فقال: اتَّقوا الله؛ فتقواه زادُ الصالِحين، وأمانُ الخائِفِين.

 

وأضاف الشيخ: الدنيا قليلٌ يفنَى، ونعيمُ الآخرة جليلٌ يبقَى. الدنيا كالماءِ الذي علِقَ بإصبَعِ غامِسِها في البحر الزخَّار، والآخرةُ هي سائرُ البحر الخِضَمِّ الذي طغَت أمواجُه، وعَلَا هِياجُه. فكيف يُفرِّطُ في نعيمِ الآخرة مُفرِّط لأجلِ دُنيا دنِيَّة قد أفِدَ مِنها الترحُّل، ولم يَبقَ منها إلا حُمَةُ شرٍّ، وصُبابةُ كدَر، وأهوالٌ عِبَر، وعُقوباتٌ غِيَر، وأرسالُ فِتَن، وتتابُعُ زعازِعٍ، وتفريطُ خلَف، وقِلَّةُ أعوانٍ في عيشٍ مَشُوبٍ بالنَّغَص، ممزُوجٍ بالغُصَص.

 

وقال حفظه الله: هَب الدنيا في يدَيك.. ومِثلُها قد ضُمَّ إليك، فماذا يبقَى منها عند الموتِ لدَيك؟! في كل يومٍ عِبرةٌ بعد عِبرةٍ.. وفي الموتِ ناهٍ لو كُنتَ مِمَّن ينتَهِي، فحتَّى متى حتَّى متَى، وإلى متَى؟! لا ترعَوِي.. لا تنتَهِي.. لا تتَّقِي!

 

وأكد الشيخ أن الدهر ذُو عِبَر.. يجرِي بها قدَر.. مُلكٌ يُنزَع.. وعافِيةٌ تُرفَع.. وبلاءٌ يقَع.. وكلُّ مخلُوقٍ فإلى الفناء.. وكلُّ مُلكٍ فإلى انتِهاء. فما لِلعُيُونِ ناظِرةٌ ولا تُبصِر؟! وما لِلقلوبِ قاسِيةٌ ولا تُفكِّر؟! وما لِلنُّفُوسِ ناسِيةٌ ولا تذكُر؟! أغراهَا إنظارُها وإمهالُها.. أم بشَّرَها بالنجاةِ أعمالُها.. أم لم يتحقَّق عندها مِن الدنيا زوالُها.. أم شمَلَت الغفلةُ فاستحكَمَ على القلوبِ أقفالُها؟!

 

وقال وفقه الله: يا مَن فسَحَ لنفسِهِ المُدَّة.. ومدَّ لها المُهلَة.. أنَسِيتَ أننا بشَر.. يلُفُّنا قَدَر.. ونحن في سفَر.. نمضِي إلى حُفَر.. الموتُ يشمَلُنا.. والحشرُ يجمَعُنا.. فحتَّى متى لا ترعَوِي وتنتَهِي؟! حتَّامَا سمعُك لا يَعِي لمُذكِّرٍ.. وصَمِيمُ قلبِك لا يَلِينُ لعاذِلِ! ألم يَأْنِ أن تخشَع.. وأين التهجُّدُ؟! أفِي سَنةٍ كنَّا أم القلبُ جَلمَدُ.. تيقَّظْ أخِي واحذَر وإياك ترقُدُ.

 

فطُوبَى لمَن نفعَتْه التذكِرة.. وأيقَظَتْه العِظَة.. فجَدَّ ولم يغفُلْ.. وشمَّرَ ولم يغتَرَّ.. وبادَرَ ولم يُسوِّف.. وأخَذَ الحَيطَة.. وهجَرَ إخوانَ السُّوء.. وأنابَ وتابَ. ويا خسارَةَ مَن حجَبَه هواهُ.. وأغواهُ شيطانُهُ وأرداهُ.. فما ازدادَ إلا غفلةً وقسوةً وعلُوًّا واستِكبارًا.

 

وحذر فضيلته من الغفلة عن الآخرة: ويا مَن تتَّقُون السَّمُومَ وتفِرُّون مِن الهَجِير.. يا مَن تجزَعُون مِن حَمرَاء القَيْظ.. وحمارَّةِ الصَّيف.. يا مَن تحتَرِزُون مِن آفاتِ الحرِّ بالقُطنِ والكَتَّان والقُمصَان، وتتحصَّنُون مِن أشعَة الشمسِ بالغِيرانِ والأكنان، والأشجار والبيُوتِ والأشخاصِ المُظِلَّة، والسفَر إلى البلدِ البارِدَة: تصَوَّنُوا مِن نارِ جهنَّم بأداءِ الواجِبات، والمُحافظَةِ على الصلواتِ، وتركِ المعاصِي والمُنكَرَات؛ فهي أحرَى أن تفِرُّوا مِن حرِّها وسَمُومِها، وتحذَرُوا مِن جَمرِها ولهَبِها.

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من الفتن فقال: إنَّكم في عصرِ فِتنٍ تَتْرَى، وشُرورٍ تَتوالَى، فِتَنٍ يُرقِّقُ بعضُها بعضًا، قد ثَارَ نَقْعُها وآلَمَ وَقْعُها، في حياةٍ صاخِبَة تأخُذُ كلَّ مَن استشرَفَ إليها إلى الوراءِ في عقيدتِهِ وأخلاقِهِ، وتُرجِعُه القَهقَرَى في فِكرِه وسُلُوكِهِ.

 

فأيقِظُوا القلوبَ مِن مراقِدِ غفَلَاتِها.. واعدِلُوا بالنُّفُوسِ عَن موارِدِ شَهَواتِها، واحتَمُوا بظِلالِ الكتابِ والسنَّة، واعلَمُوا أنكم في أيامِ مُهَل، مِن ورائِها أجَل، يحُثُّها عجَل. فمَن لم ينفَعْه حاضِرُه، فعازِبُه عنه أعوَز، وغائِبُه عنه أعجَز، وإنه لا نومَ أثقَلُ مِن الغفلَة، ولا رِقَّ أملَكُ مِن الشَّهوَة، ولا مُصِيبةَ كمَوتِ القلبِ، ولا نَذِيرَ أبلَغُ مِن الشَّيبِ، ولا مَصِيرَ أسوَأُ مِن النَّار.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات