مختصر خطبتي الحرمين 5 من ذي القعدة 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

لم يُبرِز التأريخُ قضيَّةً تجلَّت فيها ثوابِتُنا الشرعيَّة، وحقوقُنا التأريخيَّة، وأمجادُنا الحضاريَّة مِثلُ هذه القضيَّة، وهي قضيَّتُنا الإسلاميَّةُ الأولى التي لا يجِبُ أن تُنسَى في جديدِ القضايا والصِّراعات. إنها قضيَّةُ أُولَى القِبلَتَين، وثالِثُ المسجِدَين الشريفَين، ومسرَى سيِّد الثَّقَلَين، قضيَّةُ الأقصَى المُبارَك التي لا يجِبُ أن تظلَّ في قلبِ كلِّ مُسلمٍ، ولا يُقبَلُ التنازُلُ والتغاضِي والمُساوَمَةُ عليها يومًا مِن الأيام.

مكة المكرمة:

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس -حفظه الله- خطبة الجمعة بعنوان: "فلسطين.. قضيَّةُ كلِّ مُسلم"، والتي تحدَّث فيها عن فلسطين والمسجد الأقصَى، وأنها قضيَّةُ القضايَا، وأن حِفظَ مُقدَّسات المُسلمين لاسيَّما الحرمَين الشريفَين والمسجِد الأقصَى هي مسؤوليَّة المُسلمين جميعًا، مُبيِّنًا فضلَ بيت المقدِسِ كما وردَ في الكتاب والسنة.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى-، فقال: فيا عباد الله: اتَّقُوا الله حقَّ تُقاتِه، وكُونُوا مِن أهل طاعتِه لا مِن عُصاتِه؛ تنالُوا الوُدَّ وعظيمَ بُشريَاتِه.

 

وأضاف الشيخ: لقد جاءَت شريعةُ الإسلام بأعظَم فُروضِها بعد التوحيد، وهي: الصلاة مُتوجَّهًا بها إلى بيتِ المقدِس، فكان أولَ قِبلةٍ للمُسلمين، فصلَّى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إليه ثلاثةَ عشر عامًا بمكة، وبعد الهِجرة إلى المدينة أيضًا سبعةَ عشر شهرًا؛ حتى نزلَ القرآنُ الكريمُ آمرًا بالتوجُّه إلى المسجِد الحرام، والذي ارتبَطَ ارتِباطًا أزلِيًّا إيمانيًّا وتأريخيًّا ورُوحيًّا بالمسجِد الأقصَى الشريف، فهما أولُ مسجِدَين وُضِعَا في الأرض لعبادة الله وتوحيدِه.

 

وقال حفظه الله: ولقد زادَ الإسلامُ هذا الارتبِاطَ وهذه الصَّلةَ قُوَّةً وعُمقًا؛ وكيف لا يرتبِطُ بها المُسلمون وهي أرضُ الأنبياء والمُرسَلين؟! وفي السنة الخامسة عشرة للهِجرة فتحَ المُسلمون بيتَ المقدِس، وقال البطارِقةُ: لا نُسلِّمُ مفاتِيحَ بيتِ المقدِس إلا للخليفة عُمر بن الخطَّاب، فإنا نجِدُ صِفتَه في الكُتب المُقدَّسة، وجاء عُمرُ - رضي الله عنه - مِن المدينة المُنوَّرة إلى بيتِ المقدسِ، وتسلَّم مفاتِيحَه.

 

وبيَّن الشيخ أنه: لم يُبرِز التأريخُ قضيَّةً تجلَّت فيها ثوابِتُنا الشرعيَّة، وحقوقُنا التأريخيَّة، وأمجادُنا الحضاريَّة مِثلُ هذه القضيَّة، وهي قضيَّتُنا الإسلاميَّةُ الأولى التي لا يجِبُ أن تُنسَى في جديدِ القضايا والصِّراعات. إنها قضيَّةُ أُولَى القِبلَتَين، وثالِثُ المسجِدَين الشريفَين، ومسرَى سيِّد الثَّقَلَين، قضيَّةُ الأقصَى المُبارَك التي لا يجِبُ أن تظلَّ في قلبِ كلِّ مُسلمٍ، ولا يُقبَلُ التنازُلُ والتغاضِي والمُساوَمَةُ عليها يومًا مِن الأيام.

 

وأكَّد فضيلته أنه ليس ما قامَت به الصهيونيَّةُ العالميَّةُ عبرَ التأريخ بخافٍ على أهل الإسلام، ولعلَّ ما شهِدَته الساحةُ الفلسطينيَّةُ على مدار الأيام الماضِية مِن أوضَحِ الدلائِلِ في شُبُوبٍ على سجِيَّةِ القَوم وما يُكِنُّونَه لأمَّتِنا ومُقدَّساتِنا! إنه لأمرٌ تبكِي له العيُون أسًى وأسَفًا، ولا مُساومَةَ البتَّة على شيءٍ مِن مُقدَّساتِنا، ولا تنازُلَ عن شيءٍ مِن ثوابِتِنا.

 

وقال وفقه الله: أيُّها الإخوة المُرابِطُون على ثرَى فِلسطين الصامِدة، أرضِ العِزِّ والشُّمُوخ والفِداء، والتضحِية والإباء! لَكَم نُخاطِبُكم مِن المكان الذي يُمثِّلُ حلقَةَ الوَصلِ بين أبناءِ هذه الأمة. فواللهِ الذي لا إله إلا هو؛ إنه ليُرمِضُنا ويُقِضُّ مضاجِعَنا أن أقصانَا أسِيرٌ بأيدِي البُغاة الطُّغاة العُتاة، فما نذكُرُ الأقصَى -أقَرَّ الله الأعيُنَ بفكِّ أَسْرِه، وقُربِ تحريرِه- إلا وتعتصِرُ قلوبُنا حسرةً وأسًى على ما جرَى له ويجرِي مِن هؤلاء الصهايِنة المُعتَدين. فضيَّتُكم قضيَّتُنا، وهَزَّةُ انتِفاضتِكم هَزَّةُ قُلوبِنا، ومُصابُكم مُصابُنا.

 

فصبرًا صبرًا - أيها المُرابِطُون -، لقد سطَّر جهادُكم المُبارَك بأحرُفِ العزِّ والنصرِ والشرفِ أروعَ النماذِج في التأريخ المُعاصِر. فبُورِكتُم مِن رِجالٍ، ولله درُّكُم مِن أبطالٍ، لقد أعَدتُم في الأمة الآمال، وصدَّقتُم الأقوالَ بالأفعَال. ثِقُوا بنصرِ الله لكم متى ما نصَرتُم دينَه، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47].

 

وأكد الشيخ أن مسؤوليَّةَ صلاح أحوالِ الأمة والخُروجِ بها مِن مآزِقِها مسؤوليَّةُ المُسلمين جميعًا، في خُطًى حثِيثَة في العقيدة والعلم، والعقل والحِكمة؛ ليتحقَّقَ للأمة وعدُ الله الذي لا يتخلَّف. وإننا لنأمَلُ أن تكون مصائِبُ الأمة سحابةَ صَيفٍ، عما قريبٍ تنقشِع، فالنصرُ للإسلام وأهلِه، فليَقَرَّ المُسلمون بذلك عَينًا، ومِن الله وحدَه نستلهِمُ النصرَ والتمكينَ.

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على دور المملكة  في نصرة قضايا الأمة، فقال: إنَّ مِن الثوابِتِ التي لا تقبَلُ الجدَل: ذلك الأمرُ المُتأصِّلُ والمُتجذِّر في سِياسة بلاد الحرمَين الشريفَين مُنذ تأسِيسِها وإلى اليوم، فهي لا تزالُ - حرسَها الله - صاحِبةَ الرِّيادة في تبنِّي قضايَا المُسلمين والأقصَى، والدفاع عنه ونُصرتِه قَولًا وعَملًا، لا تَألُو جُهدًا في كلِّ ما يخُصَّ الأقصَى وبيتَ المقدِس.

 

إنها المسؤوليَّةُ التي منَحَها الله لقادَة هذه البلاد المُبارَكة؛ مِن خدمة الحرمَين الشريفَين، ورِعاية قضايا الأمة الإسلاميَّة، يُؤكِّدُ ذلك ويُوطِّدُه تلك الجُهودُ الكبيرةُ التي بذَلَها خادمُ الحرمَين الشريفَين والأقصَى - وفَّقه الله وأيَّدَه - لرفع الضَّيم الذي طالَ المُسلمين في الأرض المُبارَكة، مسرَى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.

 

المدينة المنورة:

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "هذا خلقُ الله"، والتي تحدَّث فيها عن اختِصاصِ الله تعالى بخَلقِه وإيجادِه للمخلُوقات، وبيانِ عظمَتِه وقُدرتِه، مُمثِّلًا بخلقِ الله تعالى لعرشِه وما ميَّزَه به على سائرِ مخلُوقاتِه مِن المَيزات الكثيرة في ضَوء الكتاب والسنَّة، كما ذكر  في الخطبة فضلِ المسجِدِ الأقصَى وأهميته عند المُسلمين.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله تعالى، فقال: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوَى، وراقِبُوه في السرِّ والنجوَى.

 

وأضاف الشيخ: الله تعالى موصُوفٌ بصِفات الجلال، منعُوتٌ بنُعوتِ الجمال، كامِلٌ في ذاتِه وأسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه، لا سَمِيَّ له ولا نظيرَ ولا شبِيهَ له ولا مَثِيل، وليس في العلُوم أظهَرُ مِن كونِ الله خالِقًا، وهو أصلُ كل حقيقةٍ، فجميعُ الحقائِقِ تنتَهِي إلى خلقِه وإيجادِه، فهو الذي خلقَ وعلِمَ، ولهذا أقرَّت به جميعُ الأُمم، واحتَجَّ الله به على مَن أشركَ وكفَرَ، قال -سبحانه-: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)، قال جُبيرُ بن مُطعِم - رضي الله عنه -: "لما سمِعتُها كادَ قلبِي أن يطِيرَ". فربُّنا مُبدِعُ الخلقِ لا شريكَ له، قال تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)؟!

 

وقال حفظه الله: ولو اجتمَعَ مَن بأقطارِها على خلقِ أضعفِ مخلوقٍ لعجَزُوا عنه، فربنا خلَّاقٌ عليمٌ كلُّ ما في الوُجودِ مِن بديعِ صُنعِه، كثيرُ الخَلقِ لا مُنتهَى لخلقِه، ولا نظيرَ له فيه، ولم يزَل خالِقًا يخلُقُ ما يشاءُ، وهو الفعَّالُ لما يُريد، أتقنَ ما خلقَ، وأبدَعَ ما صنَعَ، وجميعُ الخلق بتقديرِه وتدبيرِه، وهم تحت قَهرِه وتسخِيرِه، وجعلَ لكل مخلُوقٍ قدَرًا معلُومًا، حكيمٌ في خلقِه، مُنزَّهٌ عن العبَثِ فيه، وكلُّ مخلُوقٍ فلله في خلقِه حِكمة، الكَونُ كلُّه شاهِدٌ بربوبيَّته، وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدلُّ على أنه واحِدٌ، وفي خلقِه -سبحانه وتعالى- دلائِلُ كثيرةٌ على أسمائِه وصِفاتِه، والمخلُوقاتُ كلُّها جمعًا ووحدانًا حُجَّةٌ لله على ألوهيَّته، وغايةُ الخلقِ كلِّهم: التألُّهُ لله وعبوديَّته، وكلُّ ما عُبِدَ مِن دُون الله فباطِلٌ لعجزِه أن يخلُقَ شيئًا.

 

وبيَّن فضيلته أن التفكُّر في المخلُوقاتِ عِظةٌ وعِبرةٌ، وفيه حادٍ إلى تعظيمِ الخالِقِ، ومُوجِبٌ لزيادةِ الإيمان، وأعظمُ المخلُوقات وأكبَرُها عرشُ الرحمن، وصَفَه الربُّ بالعظَمَة، فلا يعلَمُ قَدر سعَته وكِبَره إلا الذي خلَقَه، وهو مخلُوقٌ مربُوبٌ، والعرشُ غيبٌ لا نراهُ في الدنيا، وقد أخبَرَنا الله ببعضِ صِفاتِه؛ لتحقيقِ الإيمانِ بالله وعلُوِّه على خلقِه، فعرشُ الله -عزَّ وجل- كالقُبَّة فوقَ العالَم، وله قوائِمُ وجوانِبٌ، وكان العرشُ على الماءِ قبل خَلقِ السماواتِ والأرض، هو أعلَى المخلُوقات وأرفعُها، وهو سقفٌ لها، خصَّه الله بالقُربِ فليس في الخلقِ شيءٌ أقرَب إليه مِنه، والله طيِّبٌ لا يَقرَبُ مِنه إلا طيِّبٌ.

 

خلَقَ الله العرشَ واختصَّه بالعلُوِّ والارتِفاعِ فوقَ جميعِ ما خلَقَ. وصَفَه الله بالمجدِ، ومَجدُه في عظمَتِه وعلُوِّ مِقدارِه. كريمٌ جامِعٌ لخِصالِ الحَمدِ لا أشرفَ في المخلُوقات مِنه، حسَنُ المنظَر بهِيُّ الشكلِ، هو أثقَلُ المخلُوقات وَزنًا، وبين يدَي العرشِ كُرسِيٌّ عظيمٌ، وهو كالمَرقاةِ إلى العرشِ، وما الكُرسيُّ ما عظَمَته إلى العرشِ إلا كحَلقةٍ مِن حديدٍ أُلقِيَت بين ظهرَي فلاةٍ مِن الأرض، وكلُّ يومٍ تسجُدُ الشمسُ تحت العرشِ لله، واختَصَّ الله العرشَ ببقائِه إذا فنِيَ الخلقُ، وليس داخِلًا فيما يُقبَضُ ويُطوَى يوم القِيامة، ولا يَفنَى باتفاقِ أهلِ السنَّة.

 

لئِن كان العرشُ عظيمًا كبيرًا، فالله -سبحانه- علِيٌّ عظيمٌ واسِعٌ كبيرٌ مُحيطٌ بكلِّ شيءٍ ولا يُحيطُ به شيءٌ، ظاهِرٌ ليس فوقَه شيءٌ، باطِنٌ لا يحجُبُه عن خلقِه شيءٌ، وعظَمَةُ المخلُوقات دليلٌ على عظمَتِه وكِبريائِه، شاهِدةٌ بعزِّه وجلالِه.

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على أهمية ومكانة المسجد الأقصى: ولمكانَةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وعظيمِ رسالتِه أُسرِيَ به مِن مكَّة إلى المسجدِ الأقصَى، ومنه عُرِجَ به إلى السماء السابِعة، وسمِعَ صَريفَ أقلامِ الملائكة الكتَبَة، واختارَ الله المسجِدَ الأقصَى مسرَى لنبيِّه ومنه عُرِجَ؛ إعلامًا بفضلِه وعلُوِّ قَدرِه، فهو مسجِدٌ بنَاهُ الأنبِياء، وهو أولُ القِبلَتَين، وثانِي مسجِدٍ أُسِّس في الأرض بعد المسجِدِ الحرام.

 

وهو أحدُ المساجِدِ الثلاثةِ التي لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إليها، وفيه صلَّى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إمامًا بالأنبياء والمُرسَلين، وقد بارَكَ الله فيه وفيما حولَه، قال -سبحانه-: (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) [الإسراء: 1].

 

حبُّه في قُلوبِ المُسلمين دِينٌ وإيمانٌ، وتعظيمُه مِن تعظيمِ الله، ومُنذُ أُسِري مسجِدُ الأنبياء والأحوالُ فيه مُحزِنة، والأخبارُ مُفجِعَة، والمصائِبُ فيه مُوجِعة: عبَثٌ بقواعِدِ بُنيانِه، وإحراقٌ له، ونهيٌ عن ذِكرِ الله وإقامة الصلاةِ فيه، وسَفكُ دماءٍ وأذِيَّةٌ للعابِدِين، وتبديلُ بيتِ الله الآمِنِ إلى موطِنِ خوفٍ ورُعبٍ.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات