لا ينبغي...!

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

 

سلس نجيب ياسين

 

بحثتُ في أحد أهم أشكال الظلم؛ فوجدتها تتمثل في ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، فلما أرى الآخر عدوًا لي من دون سبب مقنع فهذا أمر غير معقول، فكيف لي أن أكرهك أو أصنفك أو أحتقرك بمجرد أنك تختلف معي ولم تؤذِني يومًا وبأيِّ شكلٍ من الأشكال. بل كان يجدر بي قبل أن أتبنى موقفًا منك أو عليك، مواجهتك بالاستفسار والحوار، وهل يعقل أن أتبنى موقفًا ضدك بمجرد أنك لا تنتمي لحيي أو مدينتي، أو ربما ديني وجنسي ولوني، أو حتى فكري وجماعة أصدقائي؟! بل إن أكبر احتقار للآخر يكمن في وجوب رؤيته يتبنى ما أتبنى من أعمال وأفكار وتوجهات وسلوكيات. إن هذا النوع من التفكير يولِّد تشتتًا وابتعادًا وحساسيات أكبر؛ بل ويخلق العديد من الصدامات، ولهذا فينبغي دائمًا رؤية الآخر من زاوية نظر مختلفة وواقعية، فهو -ومن دون شك- يخطئ، ولكنه يريد أن يعيش تفكيره ومعتقداته شخصيته سلوكياته مستندًا ربما على تاريخه، وهذا لا يعني أن أتركه يتمادى أو يداوم على أخطائه، فمن حقه علي النصح والإرشاد والتوجيه، وبكل الطرق والوسائل الحضارية المتاحة، ولعل أبرزها الحوار والتأني، واتباع المنهج العلمي والفكري الثقافي المتاح حسب المخاطب، والذي يمكن أن يكون فردًا أو حتى جماعة.

 

إن الاحتواء يجعلنا نبني فردًا ومجتمعًا قويًّا ومفهومًا وواضحًا، وبدون عقد لا نفسية ولا اجتماعية، ولعل حرية التعبير وإبداء الرأي والتفكير أهم دعائم احتواء الآخر، إلى أن تنتهي العملية بالتفهم والحل؛ ذلك أن تهميش وإقصاء الآخر يولدان آثارًا خطيرة، فمنهما ينشأ التطرف والعنف، وتجاوز الذات إلى ما لا يحمد عقباه، فلماذا نصنع عنفًا وأعداءً بمجانية كبيرة، فمعظم من ضيعتهم مجتمعاتهم إما كانوا مبدعين وناجحين كبارًا، وإما منحرفين متطرفين بشدة أكبر، ولذا فلا يحق لأيٍّ كان أن يسلب منك حقك أو ابتسامتك وشخصيتك، ولن نجعله يسرق أو يقتل أحلامك؛ فسوف ننصت لك، ونشد من أزرك، ونسعى دائمًا لمداواة جراحك.

 

ولهذا فنحن دائمًا لما نقرأ القرآن الكريم نجده يركِّز على الحوار مع الآخر، ولعل في سور ة البقرة آيات كثيرة، وفي قصص سيدنا موسى مع فرعون وبني إسرائيل كان الله -عز وجل- يأمره بالحوار، والنقاش بالحجة والبرهان قبل أيِّ شيء آخر، ونفس الشيء كان مع باقي الرسل والأنبياء، هذا إن لم نقل كل المتحضرين عبر التاريخ؛ فقد كان سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- فاتحًا لكل أبواب الحوار مع كلِّ الناس؛ مع بيته و زوجته وأصحابه وأعدائه من قريش وباقي القبائل بأهلها وملوكها؛ مستندًا في ذلك على انشراح للصدر، وسلامة في القول، والرد بتفهم وصبر وحكمة منقطعة النظير ..

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات