وصف ابن بطوطة لمدينة القدس

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

سافرت إلى القدس فزرت في طريقي إليه تربة يونس ـ عليه السلام ـ وعليها بنية كبيرة ، ومسجد ، وزرت أيضـًا بيت لحم موضع ميلاد عيسى ـ عليه السلام ـ وبه أثر جذع النخلة ، وعليه عمارة كثيرة والنصارى يعظمونه أشد التعظيم ، ويضيفون من نزل به .

 

ثم وصلنا إلى بيت المقدس شرفه الله ثالث المسجدين الشريفين في رتبة الفضل ، ومصعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعرجه إلى السماء ، والبلدة كبيرة منيفة بالصخر المنحوت ، وكان الملك الصالح الفاضل صلاح الدين بن أيوب ، جزاه الله عن الإسلام خيرًا ، لما فتح هذه المدينة هدم بعض سورها ، ثم استنقض الملك الظاهر هدمه خوفـًا من أن يقصدها الروم فيتمنعوا بها ، ولم يكن بهذه المدينة نهر فيما تقدم وجلب لها الماء في هذا العهد الأمير سيف الدين تنكيز أمير دمشق .

 

المسجد الأقصى :

وهو من المساجد العجيبة الرائقة الفائقة الحسن ، يقال : إنه ليس على وجه الأرض مسجد أكبر منه ، وأن طوله من شرق إلى غرب سبعمائة واثنتان وخمسون ذراعـًا بالذارع المالكية ، وعرضه من القبلة إلى الجوف أربعمائة ذراع وخمس وثلاثون ذراعـًا ، وله أبواب كثيرة في جهاته الثلاث ، وأما الجهة القبلية منه فلا أعلم بها إلا بابـًا واحدًا ، وهو الذي يدخل منه الإمام ، والمكان كله فضاء وغير مسقف إلا المسجد الأقصى ، فهو مسقف في النهاية من إحكام العمل وإتقان الصنعة ، مموه بالذهب والأصبغة الرائقة ، وفي المسجد مواضع سواه مسقفة .

 

قبة الصخرة :

وهي من أعجب المباني وأتقنها وأغربها شكلاً ، قد توفر حظها من المحاسن ، وأخذت من كل بديعة بطرف ، وهي قائمة على نشز في وسط المسجد ، يصعد إليها من درج رخام ، ولها أربعة أبواب والدائر بها مفروش بالرخام أيضـًا محكم الصنعة ، وكذلك داخلها ، وفي ظاهرها وباطنها من أنواع الزواقة ورائق الصنعة ما يُعجز الواصف ، وأكثر ذلك مغشي بالذهب ، فهي تتلألأ نورًا وتلمع لمعان البرق ، يحار بصر متأملها في محاسنها ، ويقصر لسان رائيها عن تمثيلها .

 

وفي وسط القبة الصخرة الكريمة التي جاء ذكرها في الآثار ، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عرج منها إلى السماء ، وهي صخرة صماء ارتفاعها نحو قامة ، وتحتها مغارة في مقدار بيت صغير ارتفاعها نحو قامة أيضـًا ينزل إليها على درج ، وهنالك شكل محراب ، وعلى الصخرة شباكّان اثنان محكما العمل يغلقان عليها ، أحدهما هو الذي يلي الصخرة ، من حديد بديع الصنعة ، والثاني من خشب ، وفي القبة درقة كبيرة من حديد معلقة هنالك ، والناس يزعمون أنها درقة حمزة بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه .

 

بعض المشاهد المباركة في القدس الشريف :

فمنها بعدوة الوادي المعروف بوادي جهنم في شرقي البلد على تل مرتفع هنالك بنية يقال أنها مصعد عيسى ـ عليه السلام ـ إلى السماء ، ومنها أيضـًا قبر رابعة البدوية منسوبة إلى البادية ، وهي خلاف رابعة العدوية الشهيرة

 

وفي بطن الوادي المذكور كنيسة يعظمها النصارى ، ويقولون : إن قبر مريم ـ عليها السلام ـ بها وهنالك أيضـًا كنيسة أخرى معظمة يحجها النصارى ، وهي التي يكذبون عليها ، ويعتقدون أن قبر عيسى ـ عليه السلام ـ بها ، وعلى كل من يحجها ضريبة معلومة للمسلمين ، وضروب من الإهانة يتحملها على رغم أنفه ، وهنالك موضع مهد عيسى ـ عليه السلام ـ يتبرك به .

 

المصدر:رحلات ابن بطو

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات