مختصر خطبتي الحرمين 27 شوال 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

يُجمِعُ العُقلاءُ مِن بنِي الإنسان على أن الجماعةَ خيرٌ وهُدًى، وأن الفُرقةَ شرٌّ وضلالة، وأنه ما اجتمعَ قومٌ فتشرذَمُوا، وما تفرَّقَ قومٌ فأفلَحُوا، وإن شريعتَنا الغرَّاء قد راعَت مصلحةَ الجماعة أيَّما رِعاية؛ حتى إنها فتَحَت ذرائِعَ مصالِحها، وسدَّت ذرائِعَ مفاسِدها، وربما تجاوَزَت الراجِحَ في حقِّ الفرد لتُقدِّم عليه المرجُوحَ في حق الجماعة والأمة، ولذلكم كلِّه حسَمَ الإسلامُ الأمرَ في كل ما مِن شأنِه أن يُفرِّق جماعةَ المُسلمين، ويُحِدَثَ الشِّقاقَ بينهم، أو أن يقلِبَ اختِلافَ التنوُّع المُباح للجماعة إلى اختِلاف التضادِّ المُحرَّم عليها.

مكة المكرمة:

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "أهمية لزوم جماعة المُسلمين"، والتي تحدَّث فيها عن الجماعة والفُرقة، وأن الجماعة رحمةٌ وعِصمةٌ، والفُرقة هلاكٌ وضلالٌ، مُبيِّنًا عنايةَ الشرع المُطهَّر، واهتِمام السلَف الصالِح بهذا الأمر، ثم عرَّج على ذِكر خُطورة التجرُّؤ على الفُتيا بغير علمٍ.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى-، فقال: فإنَّ الوصيَّةَ المبذُولةَ لي ولكم هي تقوَى الله - جلَّ شأنُه -، ومُراقبتُه في السرِّ والعلَن، والغضبِ والرِّضا، والمنشَط والمكرَه؛ فالتقوَى خيرُ ما يتزوَّدُ به المُؤمن.

 

وأضاف الشيخ: يُجمِعُ العُقلاءُ مِن بنِي الإنسان على أن الجماعةَ خيرٌ وهُدًى، وأن الفُرقةَ شرٌّ وضلالة، وأنه ما اجتمعَ قومٌ فتشرذَمُوا، وما تفرَّقَ قومٌ فأفلَحُوا، وإن شريعتَنا الغرَّاء قد راعَت مصلحةَ الجماعة أيَّما رِعاية؛ حتى إنها فتَحَت ذرائِعَ مصالِحها، وسدَّت ذرائِعَ مفاسِدها، وربما تجاوَزَت الراجِحَ في حقِّ الفرد لتُقدِّم عليه المرجُوحَ في حق الجماعة والأمة، ولذلكم كلِّه حسَمَ الإسلامُ الأمرَ في كل ما مِن شأنِه أن يُفرِّق جماعةَ المُسلمين، ويُحِدَثَ الشِّقاقَ بينهم، أو أن يقلِبَ اختِلافَ التنوُّع المُباح للجماعة إلى اختِلاف التضادِّ المُحرَّم عليها.

 

وأكد الشيخ أنه ما انفرَدَ امرُؤٌ عن الجماعة إلا كان الغُرورُ قائِدَه، والاعتِدادُ بالنفسِ رائِدَه، وصارَ صيدًا ثَمينًا لكل صائِد، وإناءً مكشُوفًا لكل والِغ، وإنه ما انخرَطَ امرُؤٌ في الجماعة إلا كان عُضوًا مِن أعضاء جسَدِها الكبير؛ حتى إذا حلَّت بالعُضو شكوَى تداعَى بله سائِرُ الجسَد بالحُمَّى والسهر.

 

وبيَّن فضيلته أنه مع وَفرة النُّصوص النَّقلية، والأدلَّة العقلية على أهمية الجماعة، وخُطورة ما يخدِشُها، إلا أن في الناس مَن هو مُولَعٌ بحبِّ مُخالفتهم، والنَّأي بنفسِه عن رَكبِهم، لا تحلُو له الحالُ إلا حينما يمتازُ بمُعارضَة المجمُوع، لا يكادُ يُوافِقُهم على أمرٍ مِن الأمور، ليست غايتُه الحقَّ ولا العدلَ ولا الإنصافَ، وإنما غايتُه إحداثُ الإرباك والشَّرخ في المجمُوع؛ حتى يُصبِحَ حديثَ الناسِ، فيشغَلُهم بمُعارضاتِه ومُخالفاتِه، ولو كان ذلك فيما هو ممنُوعٌ أو مكرُوهٌ مِن حبِّ التفرُّد ووحشيَّةِ المُخالَفة. وهذا لعَمرُ الله مسلَكُ أهل الطَّيش والعِناد والمُكابَرة.

 

وأكَّد الشيخ أنَّ مِن أعظم ما يُمتحَنُ به أمرُ الجماعة، ويُعلَمُ به الصادِقُ في انتِمائِه مِن الكاذِب: عند اشتِداد الغِيَر ظهرَ نقيضُ زَعمه وما يحمِلُه في نفسِه مِن أثَرَةٍ أو إرجافٍ أو تخذيلٍ، وانسَلَّ مِن الجماعة كانسِلال الشَّعرة مِن العَجِين. فإن هذا وأمثالَه أشدُّ خطرًا على انتِظام الجماعة؛ لأن جسدَه بينهم، وقلبَه خارِجٌ عنهم، هو زيادةٌ في الكَمِّ، لكنه نقصٌ في الكَيف.

 

وقال حفظه الله: وإذا كانت الجماعةُ مما يُستأنَسُ بها على السلامة، وحُسن المسارِ، فإن السلامةَ قد تكونُ في الانفِراد إذا تشرذَمَ مجموعُها، وتلاشَت ركائِزُها، ومثلُ هذا نادِرُ الحُدوث، وفي حالِ حُدوثِه فإنَّ الشريعةَ الغرَّاء لم تجعَل مُواقِعِيها همَلاً، بل أرشدَتهم إلى ما فيه صلاحُ دينهم ودُنياهم.

 

وقال وفقه الله: وكما أوجَبَ الإسلامُ لُزومَ الجماعة، وحذَّرَ الفردَ مِن مُناكفتها أو النأْي بنفسِه عنها، كذلك أوجَبَ على الجماعة بمجمُوعها استِحضارَ عِظَم المسؤوليَّة، والتِزامَ شِرعة الله فيما تأخُذ وما تذَر، واشتِراكَها في الذِّمَّة التي يسعَى بها أدناها، وأن تُؤدِّيَ ما عليها.

وحذَّر الشيخ في ختام خطبته من تتبُّع الشواذ والغرائب فقال: إن مما ينبغِي التنويهُ إليه حالَ الحديثِ عن لُزومِ الجماعة وعدمِ الشُّذوذِ عنهم، هو الحديثَ عن حبِّ المُخالفَة في الأمور العلمية والثقافية ممن يدرُسُونها، أو ينتسِبُون إليها، أو يتتبَّعُون مسائِلَها عبر الصحافة والمُنتديات الثقافية، ووسائل التواصُل الاجتماعي، وذلكم بالشُّذُوذ في الفُتيا أو نشرِهما عما عليه عامَّةُ أهل العلمِ مِن الثِّقات وأهلِ التحقيقِ، وعدم النأْي بالنفسِ عن ضعيفِها، أو تتبُّع شواذِّها والمهجُور منها.

 

فإن مَن حملَ شاذَّ العلم لا يكون مُوفَّقًا ولا صفِيًّا، وإنما هو يحمِلُ شرًّا كثيرًا، كما ذكرَ ذلكم جمعٌ مِن سلَفِنا الصالِح. ونقَلَ الخطَّابيُّ عن بعضِ أهلِ العلمِ مُحذِّرِين مِن هذا الأمرِ قولَهم: "إن مِن الناسِ مَن يُولَعُ بالخلافِ أبدًا؛ حتى إنه يرَى مِن أفضلِ الأمور ألا يُوافِقَ أحدًا، ولا يُجامِعَه على رأسٍ، ولا يُواتِيَه على محبَّةٍ، ومَن كانت هذه عادتُه فإنه لا يُبصِرُ الحقَّ ولا ينصُرُه، ولا يعتقِدُه دينًا ومذهَبًا، إنما يتعصَّبُ لرأيِه، وينتقِمُ لنفسِه".

 

ولقد بكَى ربيعةُ بن أبي عبد الرحمن - شيخُ الإمام مالِكٍ - مرَّةً، فقال له رجُلٌ: ما يُبكِيكَ؟ فقال: "استُفتِيَ مَن لا علمَ له، وظهرَ في الإسلام أمرٌ عظيمٌ"، قال: "ولبعضُ مَن يُفتِي ههنا أحقُّ بالسَّجن مِن السُّرَّاق". فإذا كان هذا - يا رعاكم الله - هو قولَ ربيعة في القرن الثاني، وقولَ ابن القيِّم في القرن الثامِن، فماذا سيُقالُ عن زمانِنا هذا؟!

إلا إن الهُوَّة أشدُّ، والبَونَ شاسِعٌ، فالله المُستعان، وإليه المُشتكَى، وعليه التُّكلان، ولا حول ولا قوةَ لنا إلا بالله.

 

المدينة المنورة:

ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "كيف نحيا حياةً طيبةً؟"، والتي تحدَّث فيها عن الحياة الطيبة في الدنيا في ظلِّ طاعة الله تعالى وطاعةِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، واتباع الأوامرِ واجتِناب النواهِي.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله تعالى، فقال: أُوصِيكُم ونفسِي بتقوَى الله -جلَّ وعلا-؛ ففيها السعادةُ والحُبُور.

 

وأضاف الشيخ: راحةُ البال واطمِئنانُ النفسِ وسعادةُ القلوب مطالِبٌ لجميع الإنسانية، وغاياتٌ لكل البشرية، يسعَون لإيجادِها، ويتنافَسُون في تحصيلها. ألا وإنه مهما سعَوا إلى ذلك بشتَّى زخارِفِ الدنيا وشهواتها، فلن يجِدُوا إلى ذلك طريقًا، ولن يهتَدُوا إلى ذلك سبيلًا؛ ذلكم أن السببَ الحقيقيَّ للحياة الطيبة بمُختلَف صُورِها يكمُنُ فيما بيَّنه خالِقُ البشرية بقولِه -جلَّ وعلا -: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].

 

وقال حفظه الله: والحياةُ الطيبةُ عند المُحقِّقين من المُفسِّرين في هذه الآية: هي الحياةُ الدنيا، فضلاً عمَّا في الآخرة مِن السُّرور، والحُبُور، والبهجَة، والنَّعيم. إنه الإيمانُ بالله -جلَّ وعلا-، المُتضمِّنُ الاستِسلامَ لله بالطاعة الخالِصَة، والخُلُوِّ مِن الشرك، ذلكم الإيمانُ الذي يجعلُ الإنسانَ سعيدًا ظاهرًا وباطنًا، مُنشرِحَ الصدر مُطمئنَّ القلبِ، حتى ولو أصابَتْه الضرَّاءُ والبأساء، قلبُه دائمًا في نعيمٍ وبهجةٍ وسُرورٍ، بالإيمانِ بالله -جلَّ وعلا-، ومعرفتِه ومحبَّتِه، والإنابةِ إليه، والتوكُّل عليه، والإقبالِ على طاعتِه.

 

وأوضح الشيخ أن الإيمان بالله -جلَّ وعلا- الذي يجعلُ الإنسانَ سعيدًا بما أُعطِيَ في هذه الدنيا، راضِيًا بما رزقَه الله -سبحانه-، قانِعًا بما آتاه، يقولُ -صلى الله عليه وسلم- مُذكِّرًا بهذه الحقيقة: «مَن أصبحَ مِنكم آمِنًا في سِربه، مُعافًى في جسَدِه، عنده قُوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَت له الدنيا بحذافِيرِها» (رواه الترمذي وابن ماجَه).

 

وأكد الشيخ أنَّ الفلاح للعبدِ بما يتضمَّنُه هذا الفلاحُ مِن السُّرور والنعيم لا يكونُ إلا بما أخبرَ به -صلى الله عليه وسلم- بقولِه: «قد أفلحَ مَن أسلَمَ ورزقَه الله كفافًا، وقنَّعَه الله بما آتاه» (أخرجه مسلم). وفي هذا المعنى يقولُ أحدُ الصالِحين: "واللهِ إنا فِي سعادةٍ لو علِمَها أبناءُ المُلُوك لجالَدُونا عليها بالسيُوف". ويقولُ آخر: "إنه لتمُرُّ بي أوقاتٌ أقولُ: إن كان أهلُ الجنَّة في مثلِ هذا إنهم لفي عيشٍ طيبٍ".

 

وبيَّن فضيلته أنَّ في قلوبِ العباد شعَثًا لا يلُمُّه إلا الإقبال على الله -جلَّ وعلا-، وفي قلوبِهم وحشة لا يُزِيلُها إلا الأُنسُ به -جلَّ شأنُه-، وفيها حزَنًا -في هذه الدنيا- لا يُذهِبُه إلا السُّرورُ بتوحيدِه ومعرفتِه -عزَّ وجل-، وفيها نيران حسراتٍ لا يُطفِئُها إلا الرِّضا بأمرِه ونهيِه، وقضائِه وقدَرِه، وهكذا هي الدنيا. وفي القلوبِ فاقةٌ لا يسُدُّها إلا محبَّتُه - سبحانه -، والإنابةُ إليه، ودوامُ ذِكرِه -سبحانه وتعالى-، يقولُ -جلَّ وعلا-: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. ويقولُ -صلى الله عليه وسلم-: «أرِحنا يا بلالُ بالصلاة!» (رواه أبو داود بسندٍ صحيحٍ). إنه معنى «أرِحنا بالصلاة» لا "أرِحنا مِن الصلاة". ويقولُ -صلى الله عليه وسلم-: «وجُعِلَت قُرَّةُ عيني في الصلاة» (رواه النسائي، وصحَّحه جمعٌ مِن الحُفَّاظ).

 

فمَن أرادَ السعادةَ الدائِمةَ، والراحةَ التامَّةَ ظاهرًا وباطنًا، في القلبِ وفي الجوارِح، فعليه أن يضبِطَ نفسَه بأوامرِ الله -سبحانه-، وأن يعيشَ بطاعةِ الله -جلَّ وعلا- في جميعِ حياتِه، وشتَّى تصرُّفاته؛ فإنه سينقلِبُ مِن نعيمٍ إلى نعيمٍ في هذه الدنيا، وفي دار البرزَخ، وفي الدار الآخرة.

 

وحذر الشيخ من التعلق بالدنيا وشهواتها وما يسببه ذلك من الوهن والحزن فقال: فعلَّق قلبَك - أيها المُسلم - بالله -جلَّ وعلا-، أحسِن الظنَّ بربِّك، وكُن عبدًا نقيًّا تقيًّا طائِعًا؛ تكُن سعيدًا فرِحًا مسرُورًا.. وإن المحبوسَ مَن حُبِسَ قلبُه عن ربِّه، والمأسُورَ مَن أسَرَه هواه، والمهمُومَ مَن ضيَّع نفسَه في المعاصِي، والمغمُومَ مَن غمَّ نفسَه بظُلُماتِ المعاصِي والمُوبِقات. قال بعضُ العارِفين: "مساكِينُ أهل الدنيا خرَجُوا منها وما ذاقُوا أطيَبَ ما فيها"، قالوا: وما هو؟ قال: "محبَّةُ الله، والأُنسُ به، والشوقُ إلى لِقائِه، والإقبالُ عليه، والإعراضُ عمَّن سِواه". يقولُ ربُّنا -جلَّ وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف: 13].

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات