مختصر خطبتي الحرمين 20 شوال 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن المروءةَ خُلُقٌ عظيمٌ، وإذا نزلَت في جَذرِ قلوبِ الرجالِ والنساءِ أثمَرَت وطابَت بها الحياة، وسعِدَت الأرواح، وهذَّبَت ما في النفوسِ مِن آفات الشُّحِّ المُطاع، والهوَى المُتَّبَع، وإعجابِ كلِّ ذي رأيٍ برأيِه. ولا تكادُ تجِدُ امرأً قد تمكَّنَت المُروءةُ مِن قلبِه ورسَخَت إلا كان لله عامِلاً عابِدًا مُطيعًا؛ لأنه يعلَمُ أن ارتِكابَ المُحرَّمات، والتساهُلَ في المُنكرات والرِّضا بها مِن أخطر خوارمِ المُروءة ومُفسِداتها.

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ خالد بن علي الغامدي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "خُلُق المُروءة"، والتي تحدَّث فيها عن الأخلاق العالِية، والشمائل الرفيعة، وحثِّ الإسلام على التخلُّق بها، وذكَرَ مِن بينها خُلُق المُروءة، مُبيِّنًا مكانتَه وفضلَه وفضلَ المُتمسِّكين به.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى-، فقال: فاتقوا الله -عباد الله- واخشوا يومًا تعرضون فيه على الله فيجزي كل نفس بما كسبت، فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره.

 

وأضاف الشيخ: مِن أعظم مقاصِدِ بِعثة المُصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يُتمِّمَ مكارِمَ الأخلاق وصالِحَ الآداب، ويُنشِئَ في الأمة النماذِجَ الأخلاقية الراقِيَة، والمُثُل والآداب السامِيَة التي تَكفَلُ الحياةَ الكريمةَ والسعادةَ، والعزَّةَ للفرد والجماعة. وإن فروعَ هذه الأخلاق الإسلامية الراقِيَة كثيرةٌ ومُتشعِّبة، ولكنها تجتمِعُ في أصولٍ عظيمةٍ، وأركانٍ متينةٍ، تلتَقِي فيها كلُّ الآداب النبوية والأخلاق المُصطفوية، وما تعارَفَت عليه العقولُ الصحيحةُ والعاداتُ الحسنة.

 

وقال حفظه الله: هذا وإن مِن أعظم هذه الأصول الجامِعة المانِعة: أصلاً عظيمًا يجتمِعُ تحتَه ما تفرَّق، وينتَظِمُ في سِلكِه ما تشعَّب، ألا وهو: المُروءةُ .. وما أدراكُم ما المُروءة؟! إنها منبَعُ الخيرات، ومُلتَقَى الآداب، وعِمادُ الحياة الشريفة الحُرَّة، وجِماعُ المحاسِنِ والكمالاتِ، وأساسُ الإنسانية، وكمالُ الرجولية. بها يتفاضَلُ الرجالُ والنساءُ، حتى عُدَّ ألفٌ بواحدٍ، ويرتفِعُ بها العبدُ في قلوبِ الناسِ وإن كان أقلَّ منهم مالاً وجاهًا.

 

وأوضح فضيلته: أن المُروءةَ هي أصلُ كلِّ خيرٍ وشرفٍ وفلاحٍ، وهي في حقيقتها الناصِعة: هيئةٌ راسِخةٌ في النفسِ، وملَكَةٌ تحمِلُ صاحِبَها على الاتِّصافِ بصِفات الجمالِ، والنَّقاءِ، والطُّهرِ، والعَفافِ، والكرَمِ، والبُعد عن جواذِبِ النفسِ التي تجذِبُها للتخلُّق بأخلاق العلُوِّ والفَخرِ من الكِبرِ والحسَدِ والبغيِ، والأذَى والفسادِ، أو الاتِّصافِ بصِفاتِ الهَوانِ والضَّعَة، مِن الحرصِ المذمُوم، والشَّرَه، والطمَع، والتكالُبِ على الحُطامِ والتوافِهِ.

 

فالمُروءةُ خُلُقٌ فاضِلٌ كريمٌ، وسطٌ بين طرفَين، وهي تدعُو النفسَ إلى التحلِّي بحِليةِ الإنسانية الرفيعة الشريفة، واستِعمال كل ما يُجمِّلُ العبدَ ويُزيِّنُه مِن الأخلاق والآداب وجميل العادات، والبُعد عن كل ما يُدنِّسُ نفسَه ويَشِينُها، ويجلِبُ لها اللَّومَ والعيبَ وإراقةَ ماء الوجهِ.

 

وأكد سماحته أن أعظم شخصيَّة تجلَّت فيها خِلالُ المُروءة هي شخصيَّة النبيِّ الأعظَم -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ فقد كانت حياتُه -عليه الصلاة والسلام- كلُّها قائِمةً على المُروءة ومعالِي الأمور وكرائِمِها مع كل الناسِ، حتى مع أعدائِهِ -صلى الله عليه وآله وسلم-، وما أندَى قولَه -صلى الله عليه وآله وسلم- وأروعَه حينما قال: «إن الله يُحبُّ معالِيَ الأمور وأشرافَها، ويكرَهُ سَفسافَها» (أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" عن الحُسين بن عليٍّ بسندٍ صحيحٍ).

 

بل قد حثَّ النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- على التسامُح مع أهل المُروءات، والعفوِ عن خطئِهم وعثَرَات أقدامِهم؛ لمُروءتِهم ونُبلِهم، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «تجافَوا عن عُقوبةِ ذوِي المُروءةِ»؛ أخرجه الطبرانيُّ عن ابن عُمر بسندٍ صحيحٍ. وقال أيضًا -عليه الصلاة والسلام-: «أقِيلُوا ذوِي الهيئاتِ عثَرَاتهم إلا الحُدود» (أخرجه أحمد وأبو داود عن عائشة - رضي الله عنها -).

 

وتابع الشيخ: إن المروءةَ خُلُقٌ عظيمٌ، وإذا نزلَت في جَذرِ قلوبِ الرجالِ والنساءِ أثمَرَت وطابَت بها الحياة، وسعِدَت الأرواح، وهذَّبَت ما في النفوسِ مِن آفات الشُّحِّ المُطاع، والهوَى المُتَّبَع، وإعجابِ كلِّ ذي رأيٍ برأيِه. ولا تكادُ تجِدُ امرأً قد تمكَّنَت المُروءةُ مِن قلبِه ورسَخَت إلا كان لله عامِلاً عابِدًا مُطيعًا؛ لأنه يعلَمُ أن ارتِكابَ المُحرَّمات، والتساهُلَ في المُنكرات والرِّضا بها مِن أخطر خوارمِ المُروءة ومُفسِداتها.

 

ثم إن أهل المُروءات أصحابُ هِممٍ عالِية، وإراداتٍ حازِمة؛ فإنه لم يُرَ أقعَدَ عن المكرُمات مِن صِغَر الهِمَم، فلذلك تجِدُهم يضرِبُون في كل خيرٍ بسَهمٍ، ويُسابِقُون في وجوهِ الإحسان، وهم يستعمِلُون مع الناسِ كلِّهم حُسنَ الأدبِ والخُلُقَ الحسنَ في القولِ والفعلِ، في الجِدِّ والمِزاحِ، في السرَّاء والضرَّاء، في السفَر والحضَر، في الحبِّ والكُرهِ، فلا يصدُرُ منهم إلا جميلُ القول والفعل.

 

ومِن نُبلِهم ومُروءتهم: أنهم يقومون بحوائِجِهم وحوائِجِ أهلِيهم ومَن يعُولُون، فليس مِن المُروءة أن يُضيِّعَ المرءُ نفسَه وأهلَه وعِيالَه، ولا أن يجعلَهم عالةً يتكفَّفُون الناسَ ويسألُونَهم. ولذلك فهم يحرِصُون على إصلاح أموالِهم، ويَنوُون في ذلك نيَّةً طيبةً مِن العفافِ والاستِغناءِ عن الناس، ونِعمَ المالُ الصالِحُ للرجلِ الصالِحِ. ومِن أجمل صِفاتِ أهل المُروءات: الحِلمُ والرَّزانة، والتثبُّت والتأنِّي والهُدوء، والبُعد عن الطَّيش والعجَلَة والنَّزَق والتهوُّر، وخِفَّة العقل عند حُلول الحوادِثِ والنَّوائِب.

 

وختم الشيخ خطبته بذكر أدب أهل المروءة فقال: والمُروءةُ تحمِلُ صاحبَها على صِيانة نفسِه وحِمايتِها مِن كل ما يَعيبُها، ويُزرِي بها عند الله وعند خلقِه في كل زمانٍ ومكانٍ، فتعلُو هِمَّتُه، ويصلُبُ عزمُه وحزمُه، ويبتعِدُ عن كل ما يخدِشُ الإيمانَ والحياءَ مِن الدَّنايا والرَّزايا. وإن مِن أدبِ أهل المُروءات: أنهم يُراعُون الأعرافَ والعادات الطيبة الحسنة عند الناسِ، ولا يُشهِرُون أنفسَهم بلِباسٍ أو مظهرٍ أو أمرٍ يُخالِفُون به أعرافَ الناسِ الطيبةَ التي تُخالِفُ الشرعَ؛ لأن مُجاراةَ العُرف الحسَن مِن الأمور المُعتبَرَة شرعًا، خاصَّةً إذا ترتَّبَ على المُخالفَة مفاسِد، فإنهم - أعني: أهلَ المُروءات - مِن أحرصِ الناسِ على تأليفِ القلوبِ، وتطيِيبِ النفوسِ، ومَدِّ بِساطِ الأُخُوَّة والمحبَّة، وتلك شِيَمُ الكِرام أهل المُروءات والنُّبل.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "المُتعةُ في حياةِ المُسلم"، والتي تحدَّث فيها عن استِمتاعِ المُسلم بما سخَّر الله له مِن المُتَع الحلال في الحياة، وما هي صُور المُتعة التي يُباحُ للمرء الاستِمتاعُ بها، مُبيِّنًا أن هذه المُتَع الدنيويَّة لو نوَى فيها العبدُ نيَّةً صالِحةً تكونُ سُلَّمًا له لبُلوغِ مُتَع الآخرة في الجنَة ونعيمِها.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله تعالى، فقال: فاتَّقُوا اللهَ تعالى؛ فتقوَى اللهِ سعادةُ الدنيا، وفوزُ الآخرة، فما سعِدَ إلا المُتَّقُون، وما خسِرَ إلا المُعرِضُون.

 

وأضاف الشيخ: جعلَ الله الأرضَ للإنسان مِهادًا وفِراشًا، وجعلَ له فيها مُستقرًّا ومتاعًا إلى حينٍ، وبارَكَ فيها وقدَّرَ فيها أقواتَها، سخَّر له ما في السماواتِ والأرض، وسخَّرَ الليلَ والنهارَ، والشمسَ والقمرَ، وسائرَ مخلوقاتِه لمنافِعِ العبادِ وأنواعِ مصالِحِهم. ومِن حِكَم تسخير المنافِعِ: تمكينُ المُسلم مِن الاستِمتاعِ بما أحلَّه الله، فيُمتِّعُ المرءُ نفسَه بطيِّباتِ الحياةِ ومتاعِها.

 

وقال حفظه الله: وقد دعا -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى إظهار ما في دينِ الله مِن فُسحةٍ لمُتَع الحياة التي ترفعُ طاقةَ النفس، وتُحفِّزُها للعمل. فحين شاهَدَ النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- الحبشَةَ يلعَبُون قال: «لِتعلَمَ يهودُ أن في دينِنا فُسحة».  ويقولُ عليُّ -رضي الله عنه-: "روِّحُوا القلوبَ ساعةً بعد ساعةٍ؛ فإن القلبَ إذا أُكرِهَ عمِي". قال عُمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه-: "كان القومُ يضحَكُون، والإيمانُ في قلوبِهم أرسَى مِن الجِبال".

 

وأكد الشيخ أن استِمتاع المُسلم بما سخَّره الله مِن المنافِعِ والخيراتِ يُبنَى على مبدأ التوازُن، ويُغذَّى بالاعتِدال، فتعيشُ الفِطرةُ فِطرتَها، وتستمتِعُ بما أباحَ الله، مع إشاعةِ السُّرور والبهجَةِ، خاصَّةً في مُناسبات الأعياد والأعراس. يُثابُ المرءُ ويُؤجَرُ حين يُمارِسُ مُتَع الحياةِ في إطار الشرع وقواعِدِ الدين.. وكلما زادَ قُربُ العبدِ مِن مولاه عاشَ مُتعةَ الحياة وتلذَّذَ بها؛ فالمُتعةُ ثمرةُ العمل الصالِح. وأعظم جالِبٍ للمُتعة: لُزومُ الاستِغفار الذي به تتحقَّقُ الخيراتُ، ويُدفَعُ به البلاء، ويُدَرُّ الرِّزقُ، ونُسقَى مِن بركاتِ السماء، وتُخرَجُ لنا بركاتُ الأرض، ونُمَدُّ بأموالٍ وبنِين.

 

وقال وفقه الله: المُتعةُ في حياةِ المُسلم رَحبةُ المعنى، واسِعةُ المفهوم، تنشَأُ مِن أهدافٍ سامِية، وترتبِطُ برِسالةِ الدين وأخلاقِه وآدابِه؛ بل إن المُتعةَ وسِيلةٌ لتأدِيةِ الرِّسالة، وليسَت غايةً تُطلَبُ لِذاتِها، وإلا أصابَت بالمُيُوعة والوَهَن والانحِراف. المُتعةُ في حياةِ المُسلم لا تحُدُّها زينةُ الحياة الدنيا، ولا تقتَصِرُ عليها؛ بل هي مُمتدَّةٌ إلى نعيم الجنَّة الذي يُنسِي كلَّ تعبٍ ومرارةٍ في الدنيا، فالمُسلمُ يُدرِكُ أن هذه الحياة الدنيا مهما طالَت فهي إلى زوالٍ، وأن متاعَها مهما عظُم فإنه قليلٌ ومُؤقَّتٌ؛ ولهذا كلما تذوَّقَ المُسلم شيئًا مِن نعيمِ الدنيا ومُتَعها، تبادَرَت إلى ذِهنه مُتعةُ الجنة ونعيمُ الآخرة، فحَثَّ الخُطَى شوقًا إليها، وطمعًا في بُلوغِ اعلَى درجاتِها.

 

الإيمانُ بالله، التوكُّلُ عليه، الصَّفحُ والعفوُ والتسامُحُ، غَرسُ الفرحة في نُفوسِ الضُّعفاء وقلوبِهم، ورسمها في عيونِهم وعلى وجوهِهم، السعيُ في حوائِجِ الناس مُتعةٌ وأيُّ مُتعةٍ. ومِن مُتعةِ الدُّنيا: مُتعةُ البَنِين والإخوة والأخوَات؛ فوُجودُهم أُنسٌ، وصلاحُهم غنيمةٌ، وتزهُو المُتعةُ بالنفسِ حين يُحقِّقُ المرءُ إنجازًا، ويعملُ نجاحًا، ويقطِفُ ثمرةَ تفوُّقٍ، كما يعيشُ أجَلَّ مُتعةٍ بعد الفراغِ مِن العبادة؛ فيفرَحُ في الصِّيامِ عند فِطرِه، وبالصلاةِ بعد أدائِها، وفي الحجِّ بعد أداءِ النُّسُك. وتتعمَّقُ المُتعةُ في حياةِ المُسلم بالرِّضا بالقضاء والقدَر، واليقينِ بالله تعالى في كل ما حكَمَ وأمَرَ.

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من الغفلة والانسياق وراء المتع الدنيوية، فقال: العاقلُ - عباد الله - يُقدِّرُ مُتعَ الدنيا بقَدرها، فلا يَغِيبُ عن ذِهنِه في أي حالٍ موعُودُ الله مهما بلَغَت زخارِفُ الحياة وراجَت.. والعاقلُ يحذَرُ المُتعَ الزائِفةَ التي تُورِثُ الحسرةَ والنَّدامةَ؛ فالمعصِيةُ عاقِبتُها ذُلٌّ وهمٌّ وألَمٌ، وما زالَت عن أحدٍ نِعمةٌ إلا بشُؤمِ المعصِية؛.. وأيُّ حسرةٍ أشدُّ مِن مُتعةٍ تُورِثُ غضبَ الله وسخَطَه؟!

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات