صوم الدجاجة والدّيك!

ادارة الموقع

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

 

 

د. محمد بن عبدالعزيز الشريم

 

أحياناً، يتوجه أحدُ الأشخاص الكبار نحو طفل بسؤاله: “هل أنت صائم؟” فيبتسم الصغير خجلاً، فيتبرع الكبير بالجواب قائلاً: “صوم الدجاجة والدّيك!” أو “صايم من وراء الزّير!”، كما يقال في بعض المناطق. تساؤل بريء في الغالب لكنه يحمل أبعاداً لا أعلم إن كانت قد خطرت في بالكم.

 

سؤال الطفل الصغير عن الصيام ليس له أي مبرر، ولا ترتجى منه أي فائدة! بل إنه قد يوحي للطفل بشكل غير مباشر أنه كان من المفترض أن يصوم، ولكنه مقصر لأنه لم يفعل! خاصة وأننا نرى بعض الأسر تهتم كثيراً بتعويد أطفالها على الصيام، وربما بشيء من الضغط أو التحفيز المبالغ فيه.

 

شعور الطفل في مثل هذه الحالات إما أن يكون سلبياً لأنه لم يُجب على السؤال بالإجابة التي تدل على الإيجابية والتميز، كما يحب الأطفال عادة أن يظهروا أمام الآخرين. وربما شعر بالتبلد تجاه هذه العبادة العظيمة التي تعلّم شروطها في المدرسة ولكنه يرى من حوله يطالبونه بتطبيق شروط لم تنطبق عليه بعد. وطبعاً هناك أطفال قد يمر عليهم السؤال ولا يتوقفون عنده أصلاً أو يفكروا فيه.

 

الحرص على أداء الأطفال للعبادات المتناسبة مع أعمارهم مهم ولا شك، لكن الأهم منه هو تربيتهم على الاهتمام بالعبادة نفسها ومحبة القيام بها ابتغاء لمرضاة الله تعالى، وليس لإرضاء الناس أو نيل إعجابهم أو الحصول على ثنائهم ومديحهم.

 

الضغط على الطفل ليصوم قبل وجوب الصيام عليه أمر غير مستحب ويخالف مقاصد الشريعة، وكذلك أيضا الثناء المبالغ فيه على الطفل حينما يصوم. الضغط قد يجعل الطفل لا يحب الصيام ويشعر بأنه تعذيب له أو حرمان للنفس من المحبوبات أو المشتهيات، في وقت لم يبلغ فيه الحلم ويصبح واعيا بأهمية الصيام ووجوبه عليه. أما الثناء المبالغ فربما جعل الطفل أسير إعجاب الآخرين، مما قد يولد في نفسه الرغبة في البروز أمامهم بأنه صائم؛ لأن محفزه الأكبر هو نظرتهم له! فيكبر الطفل ولما تترسخ في نفسه أهمية الصيام كعبادة خالصة لله تعالى.

 

ولعله من المعروف لدى الجميع أن الصيام عبادة اختصها الله تعالى دون سائر العبادات بأنها له سبحانه وتعالى. عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “قال اللَّه عز وجل: كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به” رواه البخاري. لكن تحويل هذه المكانة المميزة للصوم إلى درجة أدنى تتمثل في إظهار الطفل صائما أمام الناس بدرجة مبالغ فيها، قد تجعله يألف التظاهر بالطاعة دون القيام بها، وهو ما يخشى أن يكون مدخلا إلى النفاق، أو إلى نقص الإخلاص في العبادة عموماً.

 

ما أجمل الهدي النبوي الذي لم يُروَ فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم استباق التكليف عن السن المناسبة لأدائها. ولكن الطفل ينشأ في جو إيماني تمارس فيه العبادات بطمأنينة وسكينة، ثم تأتي فترة التعليم والتدريب، فلا يصل الطفل سن الوجوب إلا وقد أدرك أهمية العبادة، وتحفزت نفسه للقيام بها من تلقاء نفسه، دون ضغط أو تحفيز غير مناسب لطبيعة الطفل وخصائص عمره ونموه العقلي والنفسي والجسدي.

 

لا تحرموا أطفالَكم لذة العبادة باستعجالكم الشيء قبل أوانه، فالشارع الحكيم أعلم وأحكمُ من البشر جميعاً. ولو كان في التبكير في أداء تلك العبادات مصلحة راجحة لأرشدنا إليها القرآن الكريم أو السنة النبوية. نسأل الله تعالى أن يبارك لنا جميعاً في هذا الشهر الكريم، ويرزقنا صدق العبادة فيه على الوجه الذي يُرضيه سبحانه، وأن يرزقنا فيه القبول والعتق من النار.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات