(آه) لو فكرتُ قليلًا لما تصرفت هكذا مع طفلي .!

نايف القرشي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

 

كم هي المرات التي وقفنا فيها على زلات أبنائنا وأخطائهم فكانت ردود أفعالنا عبارة عن زلات وأخطاء أُخَرَ لا تتناسب والحدث؟

 

إننا، معاشر الآباء والأمهات، كثيرًا ما نقع فريسة اللحظة. نقول بعدها “آه” لو فكرنا قليلًا لما تصرفنا هكذا.

 

يقول “ستيفن. كوفي”: حينما وقع تحت يدي كتاب لفت انتباهي، فقلّبت في صفحاته، حتى وقعت عيناي على عبارة في صفحة، لشدة روعتها ظل رأسي يحمل سطورها في الذاكرة حتى الآن، بل إنها غيرت مجرى حياتي منذ لحظة قراءتي لها.

 

ترى! ما العبارة التي زلْزلت كيان ستيفن؟ : “بين المؤثر والاستجابة هناك مساحة من الفراغ. في ذلك الفراغ تكمن خبرتنا وقدرتنا على اختيار الاستجابة. في الاستجابة يكمن نمونا وسعادتنا” (العادات السبع, ص33)

 

المسافة التي تقع بين المثير والاستجابة التي هي ربما لحظات، إذا دربنا أنفسنا على استثمارها، والتفكير المنطقي أثناءها فسنختار أفضل الاستجابات ولاشك. علينا إذن أن نتوقف برهة من الزمن بين ما حدث وبين ردة فعلنا إزاء ما حدث كي نختار دومًا الاستجابة المناسبة.

 

المثير: هو السلوك أو المنبه الذي يؤثر علينا ويتسبب في ردة فعلنا.

 

الاستجابة: هي ردة فعلنا تجاه ذلك المثير.

 

المسافة: هي المدة الزمنية التي تقع بين المثير والاستجابة.

 

امتدح الله سبحانه وتعالى أولئك الذين يتحكمون في تلك المسافة بين المثير والاستجابة بضبط أنفسهم واختيارهم أفضل الاستجابات. قال تعالى ممتدحًا عباده المؤمنين: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين} [آل عمران:134].

 

عن أنس رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة، قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وعليه وقد أثّرت فيها حاشية الرداء من شدة جبذه، ثم قال: يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء” (صحيح البخاري / رقم : 6088)

 

وهذا عمر بن عبدالعزيز -رضي الله عنه- دخل المسجد في إحدى الليالي، وكان مظلمًا لا نور فيه، فعثر برجل نائم، فرفع الرجل رأسه إليه وقال: أمجنون أنت؟ فقال عمر بن عبدالعزيز : لا، فهم الشرطي الذي كان يصحبه بضرب الرجل، فقال له عمر: (لا تفعل إنما سألني أمجنون أنا؟ فقلت له لا). (طبقات ابن سعد, 402/3)

 

إنَّ الذين يبادرون باستجابة ليست هي الأفضل عند حدوث مؤثر (مثير) إنما يحرمون أنفسهم من نعمة الاختيار.

 

صوت الأذان (مثير)، وأفضل استجابة له بعد الترديد مع المؤذن التبكير في الذهاب للمسجد لأداء الصلاة جماعة.

السب والشتم (مثير)، وأفضل استجابة له الصبر والحلم والتجاهل.

وقوف كفيف على قارعة الطريق وحيدًا (مثير)، وأفضل استجابة له التوقف فورًا، والترجل من السيارة ومساعدته ليعبر الطريق.

 

غالبًا ما يتعجل الوالدان في التعامل مع تصرفات أبنائهم الخاطئة بناءً على نظرة قصيرة المدى، قاصرة الرؤية، بينما لو تأنوا قليلًا لتراءت لهم آفاقٌ أخرى، وأبعادٌ مختلفة تجعلهم أكثر ملامسة لخيوط المشكلة، وفك عقدها بدلًا من تعضيدها، فلحظة التفكير والتأمل ما بين وقوع المشكلة وحلها يشكل فرقًا كبيرًا في نوعية الحلول ومدى نضجها.

 

كم من علاقات انقطع عقدها بين أب وابنه، وبين أم وابنتها بسبب قِصر المسافة بين المثير والاستجابة، فإذا أردنا أن نحتفظ بعلاقات حميمية مع أبنائنا علينا أن نطيل الزمن بين المثير والاستجابة لكي تزيد عدد البدائل الممكنة لردة فعلنا.

 

على النابل أن يتأنى فالسهم متى انطلق لا يعود (الشيرازي)

 

ليس وحده طول المسافة بين المثير والاستجابة هو الذي يؤثر في ردة فعلنا، ومنحنا أفضل الاستجابات ولكن هناك عوامل كثيرة أخرى مصاحبة أيضًا منها: المستوى العلمي، والثقافي، والخبرة، والثقة بالنفس، ومستوى تقدير الذات، والأخلاق الحسنة، والطبع، والالتزام الديني وغيرها، وهذا ما يجعل ردود الأفعال تختلف من شخص لآخر.

 

حكمة :

إن الذي يؤثر علينا هو ردة فعلنا تجاه ما يُقال أو ما يحدث وليس ما يقوله أو يفعله الشخص الذي يؤثر علينا.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات