هل حرية الكلمة خطر على المجتمع؟

ادارة الموقع

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

 

 

هاشم الرفاعي

 

ثمة نوع من الجدل الذي لا ينتهي حول حرية التعبير وحرية الكلمة، حدودها ومرادها والغاية منها و أضرار وفوائد هذه الحرية سواء كانت في كلمة أو كتاب أو جملة أو من هذا القبيل. في مجتمعنا العربي والخليجي بشكل خاص حرية الكلمة ربما هي لم تنل درجة من التفاهم أو التسامح أو حق إبداء الرأي إذا كانت على النقيض مما يؤمن به المجتمع أو فئة منه، وهذا النمط الذي يراد من خلاله تنميط المجتمع بذات القناعات والآراء والأفكار هو نمط غير واقعي وغير صحي بدرجة كبرى، فالرأي والقضية الواحدة لها وجهات نظر لدى أفراد المجتمع ومن الصعب جمع الناس على رأي واحد، لهذا طبيعة البشر هي التنوع والإختلاف في النظر للأمور كل من زاويته.

 

ماذا لو قال أحد في مجتمعنا رأي يخالف رأي الأكثرية، و يجهر برأيه في المجالس والمنتديات والصوالين الثقافية هل يكون رأيه وقناعته خطر على المجتمع،  لو أن أحد من الناس خرج برأي لم يسبق به أحد من العالمين من قبله، وقال شيء لا يصدقه العقل ولا المنطق وتنكره النفس ولا تطيق سماعه، هل يعتبر هذا الرأي خطر على المجتمع؟ وكيف يتم التعامل معه. الطريقة التقليدية السائدة التي تنشأ عليها مجتمعنا في الجزيرة العربية طوال العقود الماضية هو التنمر والإقصاء وإثارة الأرض ومن عليها لأجل إسكات أو قمع هذا الصوت، بغض النظر عن موقعه الفكري بين أطياف المجتمع. التعاطي مع حرية الكلمة بين عدد كبير الأطياف الفكرية والأفراد هو واحد، حتى أن هذا التعاطي أصبح سلوكاً شبه ثابت وتنشئة اجتماعية ودينية على هذا السلوك. لم تعد تطيق نفوسنا مجرد سماع وجهات نظر تختلف عن ما نؤمن به وتطمئن له نفوسنا.

 

 

 

سأضرب عدة أمثلة، ونحاول من خلالها أن نفهم حقيقة أثر حرية الكلمة على أرض الواقع، دينيا وسياسيا على سبيل المثال:

 

دينياً وربما حرية إبداء رأي ديني داخل المنظومة الدينية كالخلافات الفقهية والفكرية الدينية نحو القضايا هي الأكثر إشكالاً في مجتمعاتنا العربية، والغريب أن هذا الرأي إن كان من داخل المنظومة الدينية لا ينظر له بأنه اجتهاد من المحتمل أن يكون صواباً أو أن يكون خطاً، بل على عكس الأدبيات الدينية أن الإقصاء والتحريض التكفير إثارة الرأي العام حول هذا الفقهية أو المجتهد أو أي كائن كان هو نمط سائد في الخصومة الدينية، وللأسف أغلب الخصومات لا تتسم بالشرف ولا بدرجة معينة من التخلق بالأخلاق الحسنة في التعاطي مع المخالفين والمتخلفين، والمشاهدات على هذه كثيرة في واقعنا.

 

ماذا لو كان الرأي هو مخالف لكافة القناعات الدينية، أي أن الرأي يستخف ويقلل من الإسلام ويقدح في الذات الإلاهية و والأنبياء ويقول عنهم ما يعتبره المسلم هو كفر بالله وآياته ورسوله، كيف يمكن أن يتم التعاطي مع هذا النمط؟ بالعودة للقرأن الكريم نجد في سورة النساء هذه الأية الكريمة (  إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)، تشير الأية بوضوح إلى منطق عقلاني في التعاطي مع من يكفر بأيات الله ويستهزأ بها، وهو عدم الجلوس معهم، وإشترط العودة لذات المجلس هو خوضهم وحديهم في موضوع اخر غير الموضوع السابق. هذه الآية تبين لنا البون الشاسع الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية في التعاطي مع من لديهم قناعات مختلفة فضلا عن من هم لا يتفقون مع الدين في شيء، حيث أشار القرآن بعدم الجلوس في حال الحديث عن الدين باستهزاء و كفر بآيات الله، أن الأمر الإلهي هو كنوع من المقاطعة والإعراض عن هذه المجالس، والعودة مشروطة بتغير الموضوع! هل هذه الآية والحكمة الدينية لها من الواقعية شيء في واقعنا العربي؟ عندما رسمة الصحيفة الفرنسية رسوما مسيئة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هل كانت ردة فعل المسلمين منطقية؟  أو عندما يكتب أحدهم كتاباً يسخر من الإسلام وهي كتب كثيرة جدا، هل يستلزم كل ردات الفعل التي تحدث ضدها. الإسلام له أكثر من 1400 سنة ومر أمم وعقود وقرون بأحداث قد لا نعلم الكثير عنها، حاولت أن تنال من الإسلام، لكن هي الافكار من الصعب يتم التعاطي معها بمنطق القمع والإقصاء.

 

النقطة الثانية، حرية الكلمة سياسياً، الأنظمة السياسية ومن يعملون فيها هم بشر ولهم أخطائهم وزلاتهم التي لا تنتهي، ومن الطبيعي أن يكون لأفراد المجتمع سواء الخبراء والمثقفين والمواطنين لهم وجهات نظر نقدية على هذه البرامج أو أداء الحكومة، أو أداء رئيس الحكومة أو الحاكم ذاته. هل حرية الكلمة أو النقد لهذه المؤسسة السياسية أو الوزير أو الحاكم خطر حقيقي على المجتمع؟ على سبيل المثال لو أن زيد من الناس لديه قناعة مختلفة عن قناعة خطط التنمية الحالية لدولة عبيد هل قناة زيد تهدد دولة عبيد؟ هي مجرد قناعة أو رأي يعتمد على حجج ورؤى معينة والحديث عنها أمام الملأ هو لا يشكل تهديدا، بل هو مجرد رأي وربما يكون رأي عابر. لهذا عندما نشاهد الأنظمة العربية ترتبك من كلمات ومقالات وبيانات المثقفين أو حتى أفراد المجتمع هي يدل على أن ثمة إشكال حقيقي في معنى حق الكلمة ومعناها لدن هذه الأنظمة.

 

حرية الكلمة هي ظاهر صحية لأي مجتمع من المجتمعات، في المجتمعات المتقدمة الشعب والإعلام يرصد حركات الأنظمة التي تمثلهم عبر مؤسساتها كيف تعمل وكيف تتعاطى مع الإشكاليات التي تواجهها، والكلمة ربما تكون هو الرقيب الذي يصوب الخطأ ويعالجه، أما سياسات بعض الدول في تحاول أن تحد من حرية الكلمة هي للأسف تجني نتيجة عكسية لما تريد، لا أحد يخالف الطبيعية وينتظر ردة فعل طبيعية، وكل فعل له ردة فعل أخرى.

 

عندما يمنع الناس أو يتخوفون من الحديث عن إشكالية في العلن فإن هناك فضاء آخر يتشكل في الخفاء للحديث وربما يشوبه العديد من المخاطر، فالكلمة التي تقال بخوف هي كلمة وفكر مريض، لكن الكلمة التي تقال في وضح النهار هي كلمة طبيعية وصحية أكثر من التي تقال بوجل وخوف في الظلام. حرية الكلمة ليست خطر حتى مع الكلمات التي نختلف معها، من حق كل إنسان أن يقول ما يشاء ومتى ما شاء، هي قناعته الخاصة ومن حق الناس أن ينتقدوا هذا الرأي كرأي بعيدا عن التحريض والفجور في الخصومة وأيضا القمع للكلمة، التي هي مجرد كلمة وربما تكون كلمة عابرة لا أكثر. حرية الكلمة والنقد هي ظاهرة صحية وإن كانت هذه الكلمة تخالف رأي الأكثرية، وجود رأي يخالف رأي الأكثرية هو نمط صحي وعلامة رشد لهذا المجتمع، لنترك الجميع يتحدث بما يريد ولندع الناس تسمع ما تريد.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات