سلوكنا تجاه الإعلام

مالك الأحمد

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

 

 

من الطرائف - كما أذكر - قبل سنوات عديدة قمنا بدراسة عن مشاهدة برامج قناة المجد اكتشفنا أن 20% ممن يملك “دش المجد” كان يملك دشاً آخر مفتوحاً، بل اكتشفنا أن نسبةً يسيرة جداً كان لديها اشتراك في شبكة أوربت (أوربت/شوتايم حالياً) وعادة ما يكون الجهاز في غرفة النوم!

 

الأمر ليس ازدواجية في الشخصية ولا يعبر عن تعارض فكري بقدر ما هو قناعات تجاه تربية الأبناء وأيضاً ظروف المجتمع المحيط الذي يرى في وجود دش مفتوح فضلاً عن اشتراك في قنوات دون مراقبة انحراف سلوكي.

 

البعض أوضح لي شخصياً اهتمامه بالأخبار والحوارات السياسية والتي لا تغطيها قناة المجد بشكل جيد ما اضطره لإدخال دش عادي لمتابعة بعض القنوات الإخبارية مثل قناة الجزيرة، واضطر لوضعه في غرفة النوم حتى لا يُساء الظن فيه من الأقارب والأصحاب.

 

أنت تختار أصحابك وتحدد من تتعامل معه بشكل دوري، وهذا بالتالي ينعكس في نوعية المحتوى الذي تتلقاه منه سواء من إنتاجه كمواطن صحفي - وهذا نادر - أو ما اختاره لك صديقك من مادة إعلامية مقروءة أو مسموعة أو مرئية.

 

إذن هناك من يختار لك وبالتالي - بشكل غير مباشر - يصوغ عقلك، رغم أنه فقط وسيط إعلامي وليس منتج محتوى إعلامي!

 

تتابع برنامجاً معيناً؛ لأنه يناسب اهتماماتك أو ميولك أو حتى توجهاتك العاطفية والتي تحتاج إلى تغذية (متابعة الكثير من الفتيات للمسلسلات العاطفية التركية والكورية مثال) وهذا ما تشرحه نظرية الإشباع في الإعلام، والتي تؤكد أن الإنسان يختار من المحتوى الإعلامي ما يمثل حاجة شخصية مثله مثل الطعام والشراب فيتناول ما يحب ويهوى.

 

العقل الجمعي له دور في اختيارات الإنسان الإعلامية، فأحياناً مجاراة للمجموعة يضطر لمتابعة مسلسل أو يشاهد مباراة كرة قدم - رغم بُغضه لها - إلا أنه لا يستطيع أن يكون منعزلاً عن المجموعة إذا تحاوروا في الاستراحة عن مباراة الهلال والأهلي!

 

هل رأيت حلقة فيصل القاسم عن “التوسع الإيراني”؟

 

هل شاهدت مقابلة تركي الدخيل مع أردوغان؟

 

هل تابعت سلسلة علي الظفيري في حواراته الماتعة مع المشاهير في برنامجه “المقابلة”؟

 

هذه أسئلة يتعرض لها المهتم بالشأن السياسي والفكري، فإن كانت الإجابة بلا؛ سيقع في حرج ويُتهم بأنه غير متابع ولا مطلع، بالتالي تقل قيمته وسط المجتمع الثقافي، إذن لابد من “المشاهدة”!

 

يتابع الأطفال برامج الكرتون وهذا الطفل لا يحب العنف ويكره المقالب المزعجة، لكنه عندما يذهب إلى المدرسة يتناقش زملاؤه في الفصل عن ” توم وجيري ” أو “سبايدرمان”؛ فيضطر للمشاركة في النقاش، ثم يضطر أن يطالع لاحقاً بعض الحلقات حتى يعيش في الجو مع زملائه؛ حتى لا يعيش في انعزالية معرفية وثقافية.

 

شباب في استراحة يتبادلون آخر الأخبار عن برشلونة أو مانشستر أو مدريد، وصاحبنا لا يعرف عنها شيئاً فيلتزم السكوت؛ فيفاجأ بسيل من الأسئلة وكلمات السخرية لأنه بعيد عن الميدان، فيعزم في المرة المقبلة أن يتسلح معرفياً ويخرس الألسنة الناقدة!

 

في الإعلام الاجتماعي يتابع الإنسان من يهوى ومن لديه مادة معرفية تماثل اهتماماته فتجد محب اللغة والشعر يتابع الأدباء، وغاوي السياسة يتابع المواقع الإخبارية العربية والعالمية، وهاوي الرياضة يتابع حسابات ناديه المفضل أو الشخصيات الرياضية الشهيرة، وبعض الفتيات يتابعن أخبار الموضة وحسابات مشاهير سناب شات في هذا الميدان.

 

لكن انتظر هؤلاء الذي نتابعهم يمررون أفكاراً أخرى ويرسلون رسائل أخرى غير اهتمامهم الأول وتخصصهم الأساس ومن يتابعهم يتأثر ولا شك، وحتى في الجانب الأخلاقي وطريقة التعبير وصياغة المفردات تمثل تأثيراً عقلياً بالمتابع دون أن يدري ويشعر.

 

نعم نحن نختار المحتوى الإعلامي الذي نرغب ونشاهد البرنامج الذي نحب ونستمع للمقرئ الذي نعجب به ونقرأ للكاتب الذي يستهوينا لكن هذا جزء من الصورة وبعض الحقيقة.

 

في الواتس تضطر للنقاش في مواضيع ليست ضمن أولوياتك وتقرا مقالات خارج تخصصك وتطالع مقاطع ليست محببة لك، لكن تضطر لذلك كي تشارك في نقاش المجموعة وإلا صُنفت “عضو خامل”!

 

نغرف اليوم الكثيرَ من المادة المعرفية ونكتسب الكثير من السلوكيات ونبني الكثير من المواقف ليس بناءً على تحليل ودراسة وقناعة بل تأثراً بالمحيط الإعلامي، الذي بدأ يصوغ عقولنا ويوجه ثقافتنا من حيث ندري أو لا ندري.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات