المغلوب يتبع الغالب

ادارة الموقع

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

 

 

هاشم الرفاعي

 

عبارة العلامة ابن خلدون تكاد تكون شعار لمرحلة الانهزام والتقليد التي يعيشها المجتمع العربي والإسلامي في التبعية والتقليد للحياة الغربية (الأمريكية على وجه الخصوص). المهزوم ثقافيا هو الذي لا يستطيع إنتاج قيمه ومبادئه العربية والإسلامية في واقع الحياة الحديث، و يستعيض عنها بمبادئ جاهزة مستوردة كما تستورد الملابس والسيارات والخردوات. نعيش كعرب ومسلمين واقع ثقافي واجتماعي صعب ومؤلم في التعاطي القيمي والأخلاقي مع الأشياء والأشخاص من حولنا، وأيضاً نحو نظرتنا للقيم والأخلاق بمثابة معايير حياتية، نفتخر بتراثنا وتاريخنا الأصيل وفي ذات الوقت نزهوا باستيرادنا من الغرب "المتحضر" قيم ومبادئ تحكم واقعنا وكأننا أمة مفلسة من محاولة إنتاج واقع ثقافي وقيمي جديد.

 

سن ابن خلدون عالم الاجتماع الأول عبارة غاية في العمق، أن المغلوب "ثقافيا، وعسكريا، مادياً، الخ" يتبع الغالب والمنتصر في حياته. حيث الانهزام يولد حالة من الشعور بالعجز عن محاولة إيجاد واقع جديد، واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي، بل يصل الأمر إلى أن المغلوب لا شعوريا يقتدي بالغالب والقوي ويفتخر بأن هذا التقليد هو وجه من أوجه التحضر وأن مجرد التقليد هو محاولة لسد الفجوة الثقافية التي مع الوقت تكون في وجه نظر المغلوب حالة حضارة! وهي فعلا حضارة لكن حضارة مزيفة، لا روح فيها، جوفاء لا تلامس جذور الواقع  وإشكالياته لأنها لم تخرج منه ولا تتوافق مع طبيعة الإشكاليات الموجودة.

 

الغرب أقام منظومة من القيم التي تتسق مع واقعه، ويحاول أن يصلح ويحدث واقعه إتساقاً مع الإشكاليات التي يعيشها، ينجح ويفشل في الاتساق والتكيف مع الواقع الجديد حسبما تكون التحديات التي يعيشها، الغرب ليس ملاكاً وليس شراً محض، بل هو واقع له ظروفه التي تحكمه منها ما هو إيجابي ومبهر ومنها ما هو سلبي ومحبط. مفيد ومهم لنا أن نتعلم كيف تطور الغرب وكيف يعالج إشكالياته عبر منظومات مؤسساتية وبحثية، وهو متفوق بمراحل فلكية عن واقعنا العربي والإسلامي في التعاطي القيمي مع واقعه وإشكالياته، لكن هذا التفوق لم يأت صدفة أو من العدم، بل هو جهود متراكمة من المعرفة والبحوث التي تعالج الإشكاليات بمنهجية علمية وتخضعها لعمليات تجريبية و رصديه مستمرة للتقييم و الملاحظة والتطوير.

 

للأسف أننا نستورد من الغرب الهوامش الثقافية لا المعرفة والمنهج العلمي ولا علوم الألة وأسرار الصناعة والتقنية وأدواتها، وللأسف أننا تستنزف الموارد المالية في ملاحقة آخر الصيحات الغربية والتقليعات الاستهلاكية ونغرق في بحر من الماديات لمدة عقود طويلة دون إدراك أننا نستورد المادة الاستهلاكية التي لا تصنع الفارق الحضاري، بل تكرس حالة الفشل والإخفاق والتخلف المادي الاستهلاكي. حتى عندما نستورد شيء من المعرفة والتقنية، نحن لا نحسن التعاطي معها، حيث لا نفهم أو بالأصح لا نريد أن نفهم كيف تعمل هذه التقنية، لكن المهم لدينا أنها تعمل، وكذلك المعرفة، نتحذلك بالمصطلحات دون فهم طبيعة تطورها وتراكمها التاريخي إلى ما وصلت إليه.

 

ليت لنا أن نستورد من الغرب قيم العدالة والمسؤولية في ما بين الشعب والسلطة، ما بين المسؤول وبين المال العام، في ما بين الأفراد أين كان والحق المساءلة. لكن كما ذكرنا أننا ننتقي من الغرب الإطار الهامشي من الثقافة والاستهلاك التقني. بالرغم من أننا نملك المصادر العدلية التي تنظم العلاقة بين الحاكم والشعب وبين كافة أطياف الشعب، لكن من الذي لديه القدرة على أن يحول هذه المصادر القيمية إلى واقع قانوني وثقافي في واقع العرب والمسلمين!

 

حالة المشهد العربي في التعاطي مع القيم العربية والإسلامية هي حالة أقل ما يقال عنها أنها تمر بمرحلة صعبة، حيث يشكك الكثير من المهزومين ثقافيا ومعرفيا في حقيقة المصادر الثقافية التي لدينا، ويشار في كثير من الأحيان أنها مجرد تاريخ له قيمته، لكن هي بضاعة بالية في الزمن الحاضر. وهذا رأي سائد عند كثير من أنصاف المثقفين من الكتاب وغيرهم. حالة الشك هي حالة صحية وعلامة وعي، لكن ما هي الطريقة التي يتم التعاطي بها مع الشك في المصادر الثقافية، هناك طريقين، الأول إخضاعها للمعرفة والإطلاع على أصول العلم وقراءة قدر معتبر منه ثم الحكم عليه، أي أن الحكم على شيء هو فرع من التصور المستقى من الاطلاع والقراءة. وهناك نوع آخر وهو الأكثر شيوعاً، هو إلغاء المصادر دون محاولة القيام بالحد الأدنى من القراءة والإطلاع، لأن النفس مجبولة على الركن والدعة إلى ما تهواه، ومحاولة السير في طريق يخالف رغبة النفس في استكشاف حقائق أو آراء قد تخالف ما تهواه هو لدى الكثير كفيل بكف النفس عن المحاولة، ويبقى فقط إطلاق الأحكام دون أي محاولة للقيام بدراسة أو قراءة جادة!

 

هناك الكثير من الاستفسارات والمحاولات التي كتبها مفكرين عرب ومسلمين لمحاولة ملامسة إشكالية العرب والمسلمين الحضارية، ومن أهمهم هو المرحوم مالك بن نبي الذي حاول رحمه الله في عدد من كتبه تشخيص علة العالم العربي والإسلامي، العلل الثقافية والاجتماعية والفكرية، التي هي أهم أسباب تخلفه، حيث يشير في كتابه شروط النهضة {بتصرف} أن الشعوب لا تتغير إلا بتحول نفسي يصبح معه الفرد شيئاً فشيئاً قادراً على القيام بوظيفته الاجتماعية، جديراً بأن تحترم كرامته، وحينئذ يرتفع عنه طابع "القابلية للاستعمار"، وبالتالي لن يقبل حكومة استعمارية تنهب ماله، وتمتص دمه، فكأنه بتغيير نفسه قد غير وضعه حاكمية تلقائيا إلى الوضع الذي يرتضيه. مالك بن نبي ص 31 شروط النهضة

 

الإصرار على فهم طبيعة إشكالياتها العربية والإسلامية ومحاولة إيجاد تحليلات معرفية رصينة هو من أهم الخطوات التي تقود  للتغلب على الإشكاليات الموجود، إما الرضوخ للواقع و الاستسلام للنمط الاستهلاكي معرفيا وثقافيا وصناعيا هو إطالة عمر الأزمة لعقود. يقول مالك بن نبي غير نفسك، تغير التاريخ.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات