الأمن في الأوطان

سامي بن خالد الحمود

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ المعنى الشامل للأمن 2/ خطورة الفكر التكفيري 3/ من أساليب المنافقين في مكرهم بالمسلمين 4/ أولى الناس بالأمن

اقتباس

عندما يذكر الأمن ومتعلقاته عند كثير من الناس اليوم، فإنما يفهمون منه الأمن على النفوس، وعلى الأموال والأعراض من الاعتداء، ويقصرونه على هذه الأمور فحسب، مع أن الأمن -بمفهومه الشامل- أشمل وأعم من هذا الفهم القاصر، فالأمن على الدين والعقيدة يحتل في الأهمية المرتبة الأولى، ثم يليه الأمن على الأنفس، ثم العقول، ثم الأعراض، ثم الأموال.

 

 

 

 

 

أما بعد: ما الذي سيَخْرُجُ به المتأمِّل للعالم اليوم؟ مخاوف ومزعجات، وقتل وجوع، وأمراض نفسية وأسرية واجتماعية، يحيط بها هلع على وجوه الكثير من الناس من جراء ما يهدد وجودهم وأعراضهم وأموالهم، وقبل ذلك دينهم، ويصاحبها حملة ماكرة خبيثة مضلِّلة من الكفار، وأذنابهم المنافقين، بالتلاعب بالمصطلحات، والتلبيس على الناس في معنى الأمن ووسائله، ومعنى الإرهاب وطرائقه.

وجاءوا بزخرف من القول ليصرفوا الناس عن الأسباب الحقيقية للمخاوف وذهاب الأمن، وجاءوا بأسباب أملتها عليهم أهواؤهم ومصالحهم؛ فجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً، وهكذا شأن شياطين الجن والإنس الذين أخبرنا الله -عز وجل- عنهم بقوله: (وكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام:112].

عباد الله: عندما يذكر الأمن ومتعلقاته عند كثير من الناس اليوم، فإنما يفهمون منه الأمن على النفوس، وعلى الأموال والأعراض من الاعتداء، ويقصرونه على هذه الأمور فحسب، مع أن الأمن -بمفهومه الشامل- أشمل وأعم من هذا الفهم القاصر، فالأمن على الدين والعقيدة يحتل في الأهمية المرتبة الأولى، ثم يليه الأمن على الأنفس، ثم العقول، ثم الأعراض، ثم الأموال.

هذه هي الضروريات الخمس التي جاء الإسلام بحفظها، ولا يتحقق الأمن في هذه الدنيا إلا إذا أمن الناس فيها.

عباد الله: وحتى نصل إلى الأمن الحقيقي الذي ينشده كل مسلم، يجب علينا أن نعرف أعداء الأمن والسلام ونحذرهم.

وقد تحدثت في الخطبة الماضية عن أهل الأهواء الضالين، من التكفيريين والتفجيريين والمفسدين، الذين يستحلون دماء المسلمين، ويفسدون في الأرض ولا يصلحون.

وأشير في هذه الخطبة إلى أفرح الناس بأعمال هؤلاء الضالين، وهم أعداء الدين من الكفار والمنافقين.

أما الكفار فمعلوم عداؤهم وحربهم للأمن والسلام، ولهم وسائل ماكرة كثيرة، منها أسلوب الغزو العسكري والإرهاب والقتل والتشريد والأسر وهتك الأعراض، وسلب الأموال، وهذا أمر واضح لا يشك فيه عاقل، والتاريخ وواقعنا المعاصر شاهدان على ذلك.

ويتواطأ معهم في ذلك المنافقون، بتولِّيهم للكفار، ونُصرتهم لهم، وفرحهم بانتصارهم على المسلمين. قال الله -عز وجل-: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [التوبة:107]، وقال تعالى: (بشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) [النساء:138-139].

ومن أساليب مكر الكفار والمنافقين الغزو الفكري للعقيدة والعقول والأخلاق، وهذا الأسلوب قد يكون أخطر من الأسلوب العسكري، لأن العداء العسكري بالتقتيل والتشريد والاحتلال العسكري للبلاد يستنهض الهمم، وينبه الغافلين، ويوقظ النائمين؛ أما الغزو الفكري العقدي على العقول والأخلاق فيسري في الناس وهم في غفلة عن ذلك، وبخاصة إذا اشتغل أكثر الناس بدنياهم ولهوهم وشهواتهم.

إنهم حرب على الإسلام بوصفهم له أنه عقيدة وجدانية بين العبد وربه في صلاته ومسجده وأذكاره وتسبيحاته، وأن لا دخل له في توجيه دفة الحياة الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما أنهم حرب على عقيدة الولاء والبراء بوصفها تثير العداء بين بني الإنسان، وهم حرب على شعيرة الجهاد بوصفها عدوان وكراهية وإرهاب وإكراه! وهو -حسب مكرهم وتضليلهم يتعارض مع سماحة الإسلام ورحمته!.

ومن أساليب مكرهم العدوانُ على أمن الأخلاق والأعراض بإثارة الشهوات، ونشر الرذيلة، وإفساد الأخلاق بما يقوم به الكفرة والمنافقون في وسائلهم الإعلامية المختلفة من مجلة وصحيفة ومذياع وتلفاز وقنوات فضائية وشبكات عنكبوتية، من نشر للعهر والفساد والإباحية التي تلهب الشهوة في نفوس المتعاطين معها، وتقود إلى الخبث والزنا، وفساد الأسر والبيوت والأعراض.

ومن عدوانهم على أمن الأخلاق والأعراض تلك الحملة الشعواء على المرأة ولباسها وحجابها وعملها والدعوة إلى تحررها، والتمرد على قوامة زوجها، إلى آخر هذه الصيحات العدوانية التي يريد أصحابها أن تكون المرأة سلعة رخيصة بيد الرجل يتمتع بها حيث شاء، كما يريدون أن يخلو البيت المسلم من مربية الأجيال، بحيث تترك أولادها وزوجها بلا سكن ولا رعاية لتعمل مع الرجل الأجنبي خارج بيتها.

ومِن عدوانهم على أمن الأخلاق والأعراض تلك الهجمة الشرسة من الكفار والمنافقين على أهل الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاولة تحجيمهم وتشويه سمعتهم، ولا يخفى ما في ذلك من حقد دفين، وغيظ شديد في قلوب المفسدين تجاه المصلحين، فيعادونهم ويضعون العقبات في طرقهم، ويسعون لتشويه سمعتهم.

قاتلهم الله أنى يؤفكون، وحمى الله البلاد مما يكيدون ويوعون، والله المستعان على ما يصفون، والحمد لله رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه...
عباد الله: من هم أولى الناس بالأمن؟ سؤال ذكره الله تعالى في كتابه، (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنعام:81]، ثم أجاب -سبحانه وتعالى- عن السؤال بقوله: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82].

إن الأمن والاهتداء في الدنيا والآخرة لا يكونان إلا لمن آمن بالله ووحده وأطاعه، ولم يلبس إيمانه بظلم، والناس يتفاوتون في الأمن والاهتداء، بقدر تفاوتهم في تحقيق الإيمان والخلوص من الظلم.

فإن خلص الإيمان من الشرك الأكبر الذي هو أعظم الظلم، وخلص من ظلم العباد، وخلص من ظلم العبد لنفسه بما دون الشرك من الكبائر والمعاصي وذلك باجتنابها أو التوبة الصادقة منها قبل الموت؛ فإن هذا الصنف من الناس يحصل على الأمن التام في الدنيا وعند الموت وبعد الموت في البرزخ ويوم القيامة.

وهم الذين وصفهم الله -عز وجل- بقوله: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل:32]، وبقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ) [فصلت:30-31].

عباد الله: ونحن نستشعر ضرورة الأمن في الحياة الدنيا، ونسعى لتحصيله لأنفسنا وأهلينا وأموالنا، ونؤكد على المحافظة عليه، والإبلاغ عن كل ما يعكر صفوه؛ علينا أن لا ننسى الأمن في الآخرة، بدءاً بالأمن في القبر، والسلامة من فتنته، ومروراً بالأمن يوم الفزع الأكبر، وانتهاءً بالأمن من عذاب جهنم بدخول الجنة دار الأمن والسلام.

فهل يا ترى ننعم بالأمن الحقيقي والسلام السرمدي يوم يبعث الله مَن في القبور، ويحصِّل ما في الصدور، (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ) [الروم:14]، فريق في الجنة آمنون سالمون منعمون أبد الآباد، وفريق في السعير معذبون مكروبون، يحيون فيها ولا يموتون، وما هم منها بمخرجين أبد الآباد، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت:40].

اللهم صل على محمد...
 

 

 

 

 

المرفقات

في الأوطان1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات