اقتباس
وحين يفكر هؤلاء المعتدون بخلخلة الأمن في المملكة من خلال ثغر حدودي مهم، فمن المستفيد من هذا؟ أيُراد لسبل الحج والعمرة أن تنقطع، أم يُراد لمكاسب أهل السنة في بلاد الحرمين أن يبتلعها متربصون من أهل أهواء وريب، يفرحون بكل مصيبة، وينتظرون أدنى فرصة؟، أيُراد لبلادنا أن تتحول لبرك من الدماء تغص بها بلاد أخرى؟! ثم لا يدري القاتل والمقتول فيم قتل!!
حين نجد كمّا هائلاً من نصوص الكتاب والسنة تُعظم الدماء، وتنهى عن قتل الأبرياء بغير حق، من مثل قوله تعلى: ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»... فنحن واجدون كذلك في نصوص السيرة النبوية أحداثاً ومواقف عظيمة نهى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل المسلم، بل الذمي، والمعاهد، والمشرك بغير حق..
وهل بعد أن يلتقي المسلمُ بالكافر ـ في ميدان القتال ـ ثم يعلن المحاربُ شهادة التوحيد فيقتله المسلم على أنه متأول أو متعوذ أو متخوف من السلاح .. فيكون السؤال والجواب النبوي: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ أشققت عن قلبه؟ ماذا تصنع بلا إله إلا الله؟
الأمرُ غير هيّن، والتعجل في الأحكام ثم الأفعال منهج طالما حذرت منه نصوص شريعتنا الغراء .. تستحق من المسلمين عموماً والشباب خصوصاً العناية بها، ورعايتها ..
في الوديعة وشرورة فجع الناس في شهر الصيام والقرآن بحادث اعتداء وتفجير وقتل راح ضحيته أبرياء معصومون فبأي ذنب قتلوا؟، وما هي المصلحة والنتيجة من الاعتداء؟، وحين يختار المعتدون شهر رمضان فهذا فيه استهانة بحرمات الله، وعدم تعظيم لشعائره، حتى وإن لم يكن رمضان من الأشهر الحرم، وحين يقدم المفجرون من أرض اليمن، فهم يقدمون من أرض تعجُّ بالفتنة، ويُحاصر فيه أهلُ السنة، أوليس الحوثيون أولى بالمحاربة والمحاصرة؟
وحين يفكر هؤلاء المعتدون بخلخلة الأمن في المملكة من خلال ثغر حدودي مهم، فمن المستفيد من هذا؟ أيُراد لسبل الحج والعمرة أن تنقطع، أم يُراد لمكاسب أهل السنة في بلاد الحرمين أن يبتلعها متربصون من أهل أهواء وريب، يفرحون بكل مصيبة، وينتظرون أدنى فرصة؟، أيُراد لبلادنا أن تتحول لبرك من الدماء تغص بها بلاد أخرى؟! ثم لا يدري القاتل والمقتول فيم قتل!!
حين يختل الأمن يتقلص العلم، ويفتن العلماء، وتضيق سبل الدعوة، وينتشر المنكر، ويحل البلاء، وتعم الفوضى .. فإن رضي بذلك أغرارٌ فيأبى ذلك العقلاء والعلماء..
وحين يطالب هؤلاء المعتدون بالإفراج عن الموقوفين، أو يستنكرون منكرات بدأت تتسع دائرتُها في بلاد الحرمين، أو يتأذون من نفوذ أهل الريب والفساد .. فبكل تأكيد ليس أسلوب القتل والتفجير وإشاعة الفوضى هو الطريق للحل .. إن من حق كل ناصح أن يُطالب بالإفراج عن كل موقوف طالت مدتُه ولم يحاكم، أو حوكم وانتهت محكوميته ولم يخرج، ومن حق كل ناصح أن يستنكر تجاوز الحدود الشرعية، والأنظمة المرعية في بلادنا ـ من قبل فئة معينة ـ حتى طالت القضاة فحوكموا، ورجال الهيئات فحجموا، وأصبح التعليم يُتهم بالاختطاف؟ وهكذا من خروق أخرى في السفينة .. بكل تأكيد لا يصلح أن تُعالج بالتفجير وقتل الأبرياء .. (فما هكذا تورد يا سعد الإبل).
إنني أدعو العقلاء وأولي الأمر للتبصر بالأمر، وعلاج الفساد من جذوره، كما أدعو العلماء والدعاة للقيام بواجبهم الشرعي في البيان والتأصيل والتحذير حتى لا يتسلل هؤلاء مكانهم بالأمر والنهي دون تبصر فيقاد الشباب إلى حتفهم، وأرجو ألا تكون هذه المغامرات الخاطئة من قبل فئة ـ قليلة لا تسمع لصوت الناصحين من العلماء والعقلاء ـ ذات أثر على المعتقلين، أوعلى أحدٍ من الدعاة والمصلحين الذين يستنكرون هذه الأحداث، ويدينون مرتكبيها، وأدعو عموم الشباب للتعقل، والنظر في المآلات، وعدم المسارعة في الفتنة، وإسلام عقولهم إلى الآخرين..
إن أرواحكم أيها الشباب غالية، ودماء المسلمين معصومة، والجزاء في الآخرة عظيم، وأول ما يُقاضى فيه بين الناس يوم القيامة الدماء.. فأحضروا للسؤال جواباً، وللجواب صواباً..
والأمن الذي نعيشه ونتفيئ ظلاله مسؤوليتنا جميعاً، وهو خط أحمر ينبغي أن نقف جميعاً في وجه من يريد أن يخترقه، حتى وإن قُدّم لنا باسم الدين، أو بأسلوب الناصح الأمين ..
لقد منحنا الله عقولاً نميز بها، وأنزل علينا شريعة نتحاكم إلى نصوصها، ومن ألغى عقله أو عطل شيئاً من أوامر الله ونواهي رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما أنت عليهم بحفيظ، ولكن حق هؤلاء علينا الدعوة للرشد، والدعاء بالخير.
أما كيف نفذ هؤلاء المعتدون من الوديعة إلى شرورة، فهذا سؤال كبير؟ وهو مسؤولية غيرنا، وكما أن الواجب إقامة الحدود، فالواجب كذلك حفظ الحدود حتى تكون عصية على مثل هذه الاختراقات المخيفة.
إنني أنصح بتدارك الأمر وتقوية جبهتنا الداخلية، فالخطوب كثيرة، والمتربصون أكثر، ويد الله مع الجماعة، والرماح إذا اجتمعن أبين تكسراً، وإذا انفردن تكسرت آحاداً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه ..
أ.د سليمان بن حمد الأستاذ بجامعة القصي
12/9/1435هـ
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم