اقتباس
فإذا رأيت العبد يحب العلماء ويحب مجالس العلماء، ويحب أن يغشى حلق الذكر، ويحب أن يستمع آية تدله على خير أو تنهاه عن شر، ويحب أن يعرف ما الذي أمر الله به فيفعله، وما الذي نهى الله عنه فيجتنبه، فاعلم أن الله يحبه وأن الله يريد له الخير، وليس للإنسان قدر عند الله عز وجل إلا بهذا الدين، وأعلى الناس قدراً في هذا الدين بعد الأنبياء هم العلماء العاملون الأئمة المهديون..
خير ما يوصى به المسلم تقوى الله عز وجل، ومن اتقى الله فإن الله يعصمه ويوفقه ويسدده، وإذا أحب الله العبد بارك الله في وقته وبارك الله في عمره، والمسلم يخاف من امتداد الأجل، وطول العمر قد يكون لأمر لا يسر ولا تحمد عقباه، ومن هنا كان من السنة أن يستعيذ العبد من فتنة المحيا وفتنة الممات، فكم من إنسان أمل الحياة والبقاء إلى زمان لا خير فيه بكت فيه عيناه وتقَّرح فيه قلبه، ورأى فيه من شدائد الفتن والمحن ما الله به عليم.
أقبلت العطلة والله أعلم بما غيَّبت من الأقدار والأخبار، الله أعلم! كم فيها من رحمة تنتظر السعداء؟! وكم فيها من بلية ومصيبة تنتظر المبتلين والأشقياء؟! -نسأل الله العظيم رب العرش العظيم بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين أن يجعل ما وهب لنا من زيادة العمر زيادة لنا في كل خير، وأن يعصمنا فيها من كل بلاء وشر-.
خير ما تنفد فيه الأعمار ويمضي عليه الليل والنهار طاعة الله سبحانه وتعالى، ومحبته والسعي فيما يرضيه، وهذا هو المقصود من وجود الخلق:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِي} [الذاريات:56-57]، خير ما تنفق فيه الأعمار وأحب ما يمضي فيه الليل والنهار طلب العلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة» (صحيح مسلم:2699).
فأنت طالب علم ما جلست في مجالس العلماء وذاكرت طلاب العلم والفضلاء، وأنت طالب علم ما فتحت كتاباً تستفيد منه حكمةً أو تقرأ فيه أية أو يُشرح لك فيه حديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنت طالب علم ما أمضيت ليلك ونهارك في تقليب الصفحات، ومعرفة ما دلت عليه الآيات البينات وكنت تخوض في هذه الرحمات، فخير ما أنُفق فيه الليل والنهار وانقضت فيه الأعمار طلب العلم، وطلب العلم رحمة من الله سبحانه وتعالى ومنَّه وفضيلة إذا اصطفى الله عز وجل لها العبد فقد اختاره لخير الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (صحيح ابخاري:5027)، وقال صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» (صحيح البخاري:71).
فإذا رأيت العبد يحب العلماء ويحب مجالس العلماء، ويحب أن يغشى حلق الذكر، ويحب أن يستمع آية تدله على خير أو تنهاه عن شر، ويحب أن يعرف ما الذي أمر الله به فيفعله، وما الذي نهى الله عنه فيجتنبه، فاعلم أن الله يحبه وأن الله يريد له الخير، وليس للإنسان قدر عند الله عز وجل إلا بهذا الدين، وأعلى الناس قدراً في هذا الدين بعد الأنبياء هم العلماء العاملون الأئمة المهديون، -جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه هو أرحم الراحمين-.
وكذلك أيضاً خير ما ينفق فيه عمر الإنسان طاعة الله عز وجل، التي من أجَّلها وأحبها كثرة الصلوات، فالإنسان خلال الدراسة وأوقات الشغل قد لا يتيسر له أن يعبد الله، وأن يستكثر من الطاعة والنوافل فحبذا لو تكون العطلة وسيلة للتعود على قيام الليل وصيام النهار، وكثرة تلاوة القرآن فإن المسلم ينبغي له أن يغتنم فراغه قبل شغله، وإذا لم يتمكن في مثل هذه الأوقات الفارغة من استغلالها في طاعة الله فمتى يستنفذ عمره في طاعة الله ويستنفذ أجله في مرضاة الله سبحانه وتعالى، فيحرص طالب العلم الموفق وكذلك الإنسان السعيد على أن يهيئ من هذه العطلة مدرسة لطاعة الله جل علا..
أعرف من طلاب العلم من كان إذا جاءته العطلة لا يمكن أن تمر عليه ثلاث ليال إلا وهو خاتم لكتاب الله عز وجل، ومنهم من يأخذ على نفسه ألا تمر عليه هذه العطلة وقد فاته صيام الاثنين والخميس، أو فاته صيام الأيام البيض؛ لأنه قد يكون مشغولاً أيام الدراسة عن فعل ذلك بسبب ما، يكون من الإرهاق والتعب فينبغي على الإنسان في مثل هذه المواسم أن يعودَّ نفسه على الطاعة والبر، حتى إذا جاءت مواسم الشغل وعدم الفراغ ألف الخير وأحبه، والله عز وجل إذا شرح العبد للخيرات والباقيات الصالحات أحبه وأدناه ويسر له الطاعة، حتى في أوقات الشغل فمن بذل لله أوقات الفراغ في طاعته ومحبته ومرضاته ربما ثبَّت الله قلبه على الخير، فجاءت مواسم الشغل وأيام الشغل وهو ثابت على الطاعة لا يمكن أن يتركها ويدعها.
كذلك أيضاً من أحب ما أنفقت فيها الأيام والليالي بر الوالدين، فإن المسلم يحرص في هذه العطلة على السفر للوالدين وزيارة الوالدين وإدخال السرور على الوالدين، قال: "يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجْهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرةَ قالَ: «ويحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ» قُلتُ نعَم يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: «ويحَكَ الزَم رِجلَها فثمَّ الجنَّةُ» (صحيح بن ماجة:2259).
يسافر الإنسان إلى والديه ويدخل السرور إليهما ويقضي حوائجهما، ويستغل هذه الفترة من الفراغ في القرب من الوالدين، وإذا كان الوالدان في مدينة الإنسان نفسها فإنه يحرص أثناء العطلة على أنه لا يعلم حاجة لوالديه إلا فقضاها، ولا يعلم شيئاً يدخل السرور على والديه إلا فعله وتقدم بر الوالدين بعد أوامر الله، وما أمرك الله من الواجبات والفرائض لا تقدم على بر الوالدين شيئاً، وتحرص على القرب منهما ولو فاتك الأصحاب والأحباب، ولو فاتتك الزيارات والسفرات، تحرص على إرضاء الآباء والأمهات فذلك خير لك في الدين والدنيا، وفي الممات فما بر عبد والديه إلا أسعده الله ببره.
كذلك أيضًا خير ما تنفق فيه هذه العطلة زيارة القرابات من الأعمام والعمات والأخوال والخالات، تخرج إلى قرابتك يُنسأ لك في أثرك ويبسط لك في رزقك ويزاد لك في عمرك، وتنال مرضاة الله هي الرحم من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله، ويا لها من سفرة طيبة كريمة حينما تخرج من بيتك وأنت تريد أن تصل ذا الرحم، تصله لله وفي الله معك أبناؤك وبناتك إلى عمة أو خالة تُدخل السرور عليها، وتعلم أن عندها حاجة فتقضيها أو تصلها بمال أو دنيا حتى يبارك الله لك في عمرك، ويبارك الله لك فيما يكون من رزقك وما يحصل لك من عيشك.
كذلك أيضاً خير ما تنفق فيه هذه العطل الجلوس مع الصالحين، وزيارة الأخيار المتقين، خرج رجل من قرية إلي أخ له في الله يزوره، فأرسل الله له ملكاً على مدرجته وطريقه، فسأله: "إلى أين ذاهب؟"، فقال: "إلى هذه القرية"، قال: "ومالك فيها؟"، قال: "إن لي فيها أخاً في الله"، قال: "هل لك عليه من نعمة تردها عليه"، قال: "لا إلا أنه أخي في الله"، فقال: "إني رسول الله إليك أن الله قد غفر لك بممشاك إليه".
فمن خير ماتنفق فيه هذه العطلة زيارة الصالحين وزيارة العلماء ومجالستهم، مع رعاية حرمتهم ومناسبة الأوقات لزيارتهم ونحو ذلك، مما يشتمل فيه خير الدين من سؤالهم عن الأمور التي يحتاجها الإنسان، في صلاح دينه ودنياه وأخراه، فإن الله يجل من عبده أن يخرج من بيته لزيارة عالم يستفيد من علمه أو ورع يستفيد من ورعه وتقواه، فذلك خير ينال الإنسان بركته وفضله في دينه ودنياه وآخرته.
كذلك السفر في الطاعات كالسفر للعمرة خاصة مع اصطحاب الأبناء والبنات، ونحوهم من القرابات كالإخوان والأخوات، ومما يوصى به المسلم في هذه العطلة التوسعة على الأهل والتوسعة على الأبناء والبنات، وإدخال السرور عليهم في حدود المباح فالإسلام دين فيه خير للعباد في دينهم ودنياهم وآخرتهم، فالناس في مثل هذه العطل يحتاجون إلى شيء من إدخال السرور عليهم، فإذا كان الإنسان في بيت مع أهله وولده يحرص على إدخال السرور عليهم، وزيارة الأماكن التي لا يقع فيها في فتنة أو يأخذهم إلى عمرة، أو يأخذهم إلى شيء يعود عليهم بخير الدين والدنيا والآخرة.
اللهم إنا نسألك من العيش ما يرضيك عنا، نسألك اللهم أن تجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم منَّ بالعافية غدونا وآصالنا واختم بالصالحات آجالنا واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا..
-----------------
1) كلمة لفضيلة الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله المدرس بالمسجد النبوي، من درس سنن الترمذي في سؤال من درس رقم:50، من أبواب الطهارة عن كيفية قضاء الإجازة في الأشياء النافعة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم