إلى متى نقتل بسلاحنا مرتين؟

عمران الكبيسي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

 

 

 

 

عملا بقوله تعالى: * وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ? وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ* الأنفال60 كنا دائما وأبدا ندعو دولنا إلى شراء السلاح استعدادا للدفاع عن حياض الأوطان، ونؤثر استقطاع المال من لقمة العيش وكساء الشتاء لنعد أنفسنا لمعارك فاصلة ننازل فيها أعداء الأمة، ونحفظ كرامتنا، ولم نكن ندرك أن القوة في العلم والإيمان والصحة، وليس وقفا على السلاح، ولم يدر بخلدنا أننا سنقتل بسلاحنا وأموالنا مرة تلو أخرى، وهو ما يفاقم أسانا ويزيد أوجاعنا، ويقلب أهدافنا رأسا على عقب، فمن الجبن والبلاهة في العربية أن يقتل المرء بسلاحه، وعار ما بعده عار.

وليس أقسى على شعوب طوت السغب والتعب وشدت على البطون الأحزمة، لتشتري السلاح بعرق الجبين وتعب اليمين، تدافع به عن وطن الآباء والأجداد، وتصون العرض والأرض، وتدفع عن الثوابت العقدية والقومية، من أن تخدع بغفلة وتؤخذ على حين غرة من إرهابيين قتلة مرة وأخرى من رؤساء تجبروا واستكبروا وطغوا وبغوا، وبدلا من أن يوجه سلاح الأمة إلى معتد طامع جاءها غازيا من خارج الحدود، صوب إلى صدور الأبناء ورؤوس الأحفاد، شعوب قتلت بسلاح اشترته بدمائها، واقتطعته من لقمة أفواهها؟ فكم  كان تجاربنا قاسية مريرة عشناها مرة تلو أخرى، في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وفي الجزائر وليبيا ومصر والسودان والصومال. وهل من مأساة ومعاناة اكبر من معاناة شعوبنا  أعانها الله على ما ابتلاها؟

 وجاء في الحديث الشريف "لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ" فما بالك ونحن نقتل بأموالنا وسلاحنا مرات، شعوبنا تعرى وتجوع لتشتري السلاح نقدا بالمليارات، نشتريه بغالي الثمن ونحن نحني الرؤوس ونقبل الأيادي توسلا لنحصل عليه، وكم نعلم أننا نخدع من الغرب والشرق، بصفقات تصريف مخلفات من العوادم والقوادم وأجيال بارت وكسدت في مخازنهم وتجاوزها الزمن، أصبحوا بأموالنا يجددون مصانعهم في حين يؤثرون أصدقاءهم الصهاينة بما جد لديهم من سلاح متطور يدمر سلاحنا ويقتل أبناءنا ويهد مدننا، ونعود لنشتري ما تقادم تارة أخرى، ألم أقل إننا نقتل بسلاحنا مرات؟ تارة بيد أعدائنا، وأخرى بيد حكامنا وثالثة على يد أبنائنا المتطرفين، فمتى نتعظ؟

لقد كان الجند الأميركان في احتلال العراق يجمعون السلاح أكداسا ويسحقونه بأسرجة دباباتهم، وحملوا الدبابات والمدافع على الناقلات وصدروها للخارج كحديد خردة تباع بالأطنان لتجار الحروب وبسعر بخس، وقد دفع العراقيون فيه مليارات الدولارات. ورأينا كيف دمر السلاح الليبي، وكيف تدمر سوريا شعبا وجيشا ووطنا وهم يتفرجون علينا مسرورين، لأننا سنعود ثانية نخضع وننحني لنشتري ما كسد من تجارتهم وضاقت به نفوسهم، لا لنحاربهم به وإنما لنحارب بعضنا بعضا.

وبعد كل التجارب ما ظهر منها وما بطن تجلى لنا أننا بحاجة إلى سلاح العلم والثقافة والعقيدة أكثر من حاجتنا إلى سلاح الموت تقليديا كان أم نوويا، وما الذي أفدناه من كل صفقات السلاح التي ذهبت بأموالنا غير الغدر بنا، هذه اليابان بنت نفسها بنفسها، ولم نسمع أن الجيش الياباني كان جيشا خامسا أو سادسا، ولكنها اليوم تضاهي كل الأمم تقدما صناعيا ورقيا حضاريا، ويتميز اليابانيون بقوة التزامهم بالشعور الوطني والإحساس الصادق بالانتماء مما انعكس على كل تصرفاتهم في الإخلاص بالعمل والتجرد من أجل المجموع وإيثار العام على الخاص.

 السلاح اليوم سلاح العقل والبصيرة، فالعلم نور والجهل ظلام، سد الرمق وتنوير العقول أولى من شراء السلاح الآلي، حروب وصراع الأمم اليوم تدار بالعلم والاقتصاد وزادها المعرفة والذكاء والدهاء، والكلمة والإعلام فيها أمضى من فوهة البندقية، والتسلح مع الجهل والتخلف مع الفقر والقهر انتحار، والحليم الحكيم من اتعظ بأخطائه وتجاربه. وصدق المتنبي حيث قالك: الرأي قبل شجاعة الشجعان    هو أول وهي المحل الثاني 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات