حلال لك وحرام على غيرك؟!

أ زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات:

اقتباس

انطلقوا وهم لا يتخافتون بل بمعصيتهم يجاهرون؛ يرمون بأنظارهم بين العورات ويوزعون بسماتهم على الحرمات وما علموا أن نظراتهم تلك زنا وخطواتهم زنا؛ إذ الزنا لفظ يعم كل جارحة بما اقترفته. بدلاً من أن تصبح سفيهًا تلاحقك دعوات المسلمين، وخبيثًا تطاردك لعائن الملائكة المقربين بإيذائك المؤمنين في أعراضهم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58].

 

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه والتابعين..

 

جمل ظاهره ولبس بنطاله الضيق القصير وفنيلته الملونة.. رجّل رأسه وأسقط منه شعيرات من هنا وهناك.. وضع نظارته العاكسة وركب سماعة هاتفه على أذنيه، وأمسك بيديه جوالاته المتعددة، غادر منزله وقد تلبس الإثم ظاهرًا وباطنًا، يتبختر في مشيته ويختال في خطواته وربه يقول: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ) [الإسراء: 37].

 

غادر وهو يحمل في قلبه ما لا يخفى على العليم الحكيم من الغدر والخيانة متناسيًا قوله: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) [الرعد: 10]، وأخفى في طويته ما لا يغيب على اللطيف الخبير من سوء النية وفساد الطوية متجاهلاً قوله: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14]، وكتم في سريرته ما الله مبديه وأمن قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة: 235].

 

اتصل بنظرائه فاجتمعوا، لكنه بئس الاجتماع، وتداعوا ويا لبئس التداعي لأنه تداع (عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) [المائدة: 2]، أمسك بعضهم بأيدي بعض، ولو سمعتهم وهم يتبادلون الكلمات الساقطة ويتناوبون الضحكات الهابطة لهالك ما تسمع، ولو اطلعت عليهم حين يميل بعضهم على بعض لوليت منهم أسفًا ولملئت عليهم حزنًا.

 

انطلقوا وهم لا يتخافتون بل بمعصيتهم يجاهرون؛ يرمون بأنظارهم بين العورات ويوزعون بسماتهم على الحرمات وما علموا أن نظراتهم تلك زنا وخطواتهم زنا؛ إذ الزنا لفظ يعم كل جارحة بما اقترفته، فقد ورد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل ابن آدم أصاب من الزنا لا محالة، فالعين زناها النظر، واليد زناها اللمس، والنفس تهوى وتحدث، ويصدق ذلك أو يكذبه الفرج" (السلسلة الصحيحة: 2804).

 

ولو قدّر أنك سألت أحدهم إلى أين يا فتى الإسلام؟! ولمن كل هذا الإعداد والتجهيز؟! لأجابك: ونس على قلوبنا.. نسلي على صدورنا!! وربما أجابك إلى الحديقة! يا للعجب! وهل لك من حاجة تربها على من فيها؟! ألست شابًا وهذه خاصة بالعائلات.. أمي وأمك وأختي وأختك وقل إن شئت: عرضي وعرضك؟!

 

ألم تعلم أن عائلات المسلمين تتجمع فيها مع ذويهن ونساءهم تتنزه بينها مع أهليهن؛ خرجوا ليغيروا طعم الحياة وروتينها، ومن ضيق البيوت ورتابتها إلى سعة المنتزهات وفسحتها؛ فجئت لتنغص طعمها وأقبلت لتعكر صفوها؛ بتتبعك فيها بنات المسلمين ومعاكستك نساءهم؛ حيث يقطع مساءه ذهابًا وإيابًا في مساراتها ويمضي ليلته في مداخلها ومخارجها، كل نظره وسمعه وخطواته حرام في حرام، لا أقول: بكل خطوة أو نظرة؛ بل بكل نبضة من نبضات قلبه إثم ووزر.

 

ألم يكن الأصل بك -يا مسلم- أن تستثمر نشاطك فيما ينفع في دنياك وأخراك وتستغل أوقاتك فيما يرفع ذكرك ويعلي مكانك؟! وتغتنم شبابك فيما فيه مصلحة نفسك ومجتمعك؟! بدلاً من أن تصبح سفيهًا تلاحقك دعوات المسلمين، وخبيثًا تطاردك لعائن الملائكة المقربين بإيذائك المؤمنين في أعراضهم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58].

 

لقد بحت أصواتنا على نساء الأقليات المسلمة التي تغتصب في أرض البوذيين، وتصبب جبيننا عرقًا على كرامة المسلمات حين تغتال في أرض سوريا على أيدي الرافضة العلويين وتفطرت قلوبنا كمدًا على حرماتنا التي تنتهك على أيدي المحتلين والمالكيين في بلاد الرافدين.

 

وللأسف أننا هنا لم نسلم منك في حدائقنا ومتنزهاتنا وأسواقنا بسلوكك هذا، فمن أين اكتسبت هذه الأخلاق السافلة؟! ومن أين جلبت هذه التصرفات الوقحة؟! تغنج وتسكع ورعونة وتميع، والعجيب أنك من أصلين مسلمين انحدرت منهما ونشأت في بلاد إسلامية ومنهجك التعليمي إسلامي وتاريخك إسلامي! فيا لهول النشأة ويا لفاجعة المطلع!

 

عجبًا! كيف نشأ هذا النشء؟! وكيف برزت هذه الفئات؟! وكيف ظهر هذا الجيل؟! وعلى ماذا تربى هذا الشباب؟!

 

أما تستحي -يا من هذه صفاتك- من أن بلاد المسلمين تستباح وأعراضهم تغتصب وديارهم تدمر ومقدساتهم تدنس، وأنت بهذه الحال تشاركهم صفاتهم وتشابههم صنيعهم بين ظهراني المسلمين!!

 

ألم تعلم -أيها الشاب- أن صنيعك الأهوج وسلوكك المنحرف دين عليك فانتظر قضاءه؟! وتصرفك الأرعن قرض عليك فارتقب وفاءه؟!

 

قل لي بربك: كيف يكون حلالاً لك وحرامًا على غيرك ومباحًا لك ومحظورًا على من سواك؟! ألا تخشى على عرضك؟! ماذا أنت صانع لو دارت بك الدوائر فكان عرضك هو الفريسة؟! وكان الصيد أمك أو أختك؟! تخيل لو كانت المستجيبة زوجتك أو ابنتك؟! أي سماء تظلك وأي أرض تقلك؟!

 

إن الزنـا دين إذا أقرضــته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

 

أرعن سمعك وقلبك أنبئك بنتائج هذا الدين وحصاد ذلك القرض ببياني في الأسطر التالية:

 

تحـدّث أحد الدعاة فقال: هذه قصة حقيقية واقعية قيدت بأحد أقسام الشرطة.

 

اثنان من الشباب.. اجتمعا على معصية الله.. يؤزهم الشيطان إليها أزًّا.. ويدفعهم عليها دفعًا والمصيبة أنهما متزوجـان.

 

أحدهما قام يومًا من الأيام بمغامرة! فبعد أن اتصلت عليه امرأة.. ونشأت بينهما علاقة محرمة واعدها في يوم من الأيام أنه سوف يسهر معها، وجاءت الفرصة ليخلو له الجـو في بيته.. اعتذر لزوجته أن لديه عملاً.. ولا بُد أن تذهب لأهلها.

 

وذهبت المسكينة وذهب الذئب الغادر إلى حيث واعد تلك المرأة، قالت له: نريد أن نجلس قليلاً في الحديقة ثم نذهب إلى البيت.. فوافق.

 

وبعد أن ذهبا إلى البيت.. طلبت منه أن يُحضر العشاء والشراب أولاً.. خرج من بيته إلى أحد المطاعم وأخذ معه شيئًا من الشراب.. وبينما هو في طريقه.. استوقفته سيارة المرور "الشرطة".

 

قالوا له: أنت قطعت الإشارة.. أوقف سيارتك واركب معنا، أوقف سيارته وركب معهم.. وبعد أن وصل إلى مركز الشرطة.. طلب الاتصال بصديق عزيز، أخذ زاوية من المبنى واتصل بأعز أصدقائه:

 

تكفى.. البيت فيه صيدة.. والعشاء في السيارة والسيارة في المكان الفلاني.. خذ العشاء ورح لبيتي وأكمل المشوار.. وإذا انتهيت من الفريسة رجعها بيتها.. أخـاف إن زوجتي تأتي للبيت ثم تصير فضيحة.

 

قال صديقه: أبشر... مادام فيه صيدة! انطلق الصديق الوفي إلى بيت صديقه العزيز!

 

فماذا رأى؟! وأي لطمة لُطمها؟! وأي صفعة تلقاها؟! يا لهول الفاجعـة! أتدرون من وجـد؟! وجـد زوجتـه هـو!! ومع مـن كانت تخلو وتسمر؟! مع أعـز أصدقائه!

 

صُعِق.. صرخ.. أنت طالق بالثلاث.. بالأربع.. بالألف!

 

وماذا يُفيدك هذا؟!

 

عفوا تعف نساءكم في المحْرَمِ ***وتجنبـوا مـا لا يليق بمسلـم

إن الزنـا دين إذا أقرضــته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

من يزنِ في قوم بألفي درهم *** في أهله يُـزنى بربـع الدرهم

من يزنِ يُزنَ به ولو بجـداره *** إن كنت يا هذا لبيبًا فـافهـم

يا هاتكًا حُـرَمَ الرجال وتابعـًا *** طرق الفسـاد عشت غيرَ مكرم

لو كنت حُرًّا من سلالة ماجـدٍ*** ما كنت هتـّـاكًا لحرمة مسلمِ

 

العظات لم تنته بعد؛ فالتاريخ يعيد نفسه ويجدد ذكرياته ويمنح عبره وعظاته، قصة وما أبلغها من قصة!! فإذا لم تجد معك الأولى وتؤثر في حياتك؛ فلا أظنن هذه تمر عليك بسلام.

 

صاحبها تاجر من مدينة الموصل في شمال العراق، والتي وقعت بالفعل مطلع القرن الماضي، وقد كان ذاك التاجر صاحب دين وخلق واستقامة، كثير العطاء في أبواب الخير من الفقراء والمحتاجين كما كان مهتمًا ببناء المساجد ومتبنيًا للمشاريع الخيرية.

 

فلما كبرت به السن وكان له ولد وبنت، وكان كثير المال ذائع الصيت، فأراد أن يسلم تجارته لابنه، حيث كان التاجر يشتري من شمال العراق الحبوب والأقمشة وغيرها ويبيعها في الشام ويشتري من الشام الزيوت والصابون وغير ذلك ليبيعه في العراق.

 

فبعد أن جلس مع ابنه وأوصاه وعرّفه بأسماء تجار دمشق الصادقين، ثم أوصاه بتقوى الله إذا خرج للسفر وقال: "يا بني: والله إني ما كشفت ذيلي في حرام، وما رأى أحدٌ لحمي غير أمّك، يا بنيّ حافظ على عرض أختك وذلك بأن تحافظ على أعراض النّاس".

 

وخرج الشاب في سفره وتجارته، وباع في دمشق واشترى وربح المال الكثير، وحمّله تجّار دمشق السلام الحار لأبيه التاجر التقيّ الصالح.

 

وخلال طريق العودة وقبيل غروب شمس يوم وقد حطّت القافلة رحالها للراحة، أما الشاب فراح يحرس تجارته ويرقب الغادي والرائح، وإذا بفتاة تمرّ من المكان، فراح ينظر إليها، فزيّن له الشيطان فعل السوء، وهاجت نفسه الأمّارة بالسوء، فاقترب من الفتاة وقبّلها بغير إرادتها قبلة، ثمّ سرعان ما انتبه إلى فعلته وتيقّظ ضميره، وتذكّر نظر الله إليه، ثمّ تذكّر وصية أبيه، فاستغفر ورجع إلى قافلته نادمًا مستغفرًا.

 

فينتقل المشهد إلى الموصل، وحيث الابن ما زال في سفره الذي وقع فيه ما وقع، حيث الوالد في بيته يجلس في علّيته وفي زاوية من زواياها، وإذا بساقي الماء الذي كان ينقل إليهم الماء على دابته يطرق الباب الخارجي لفناء البيت، وكان السّقا رجلاً صالحًا وكبير السن، اعتاد لسنوات طويلة أن يدخل البيت، فلم يُر منه إلا كلّ خير.

 

خرجت الفتاة أخت الشاب لتفتح الباب، ودخل السقا وصبّ الماء في جرار البيت بينما الفتاة عند الباب تنتظر خروجه لتغلق الباب، وما أن وصل السقا عند الباب وفي لحظة خاطفة زيّن له الشيطان فعل السوء، وهاجت نفسه الأمّارة بالسوء فالتفت يمينًا وشمالاً، ثمّ مال إلى الفتاة، فقبّلها بغير إرادتها قبلة، ثم مضى، كل هذا والوالد يجلس في زاوية من زوايا البيت الواسع يرى ما يجري دون أن يراه السّقا، وكانت ساعة الصمت الرهيب من الأب، ثم الاسترجاع أن يقول: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون)، ثم الحوقلة أن يقول: (لا حول ولا قوّة إلا بالله).

 

وأدرك أنّ هذا السّقا الذي ما فعل هذا في شبابه فكيف يفعلها اليوم، وأدرك أنّما هو دينٌ على أهل البيت، وأدرك أنّ ابنه قد فعل في سفره فعلة استوجبت من أخته السداد.

 

ولمّا وصل الشاب وسلّم على أبيه وأبلغه سلام تجّار دمشق، ثمّ وضع بين يديه أموالاً كثيرة ربحها، إلا أنّ الصمت كان سيد الموقف، وإنّ البسمة لم تجد لها سبيلاً إلى شفتيه، سوى أنّه قال لابنه: هل حصل معك في سفرك شيء؟! فنفى الابن، وكرّرها الأب، ثمّ نفى الابن، إلى أن قال الأب: "يا بني: هل اعتديت على عرض أحد؟!".

 

فأدرك الابن أن حاصلاً قد حصل في البيت، فما كان منه إلا أن اعترف لأبيه، ثمّ كان منه البكاء والاستغفار والندم، عندها حدّثه الأب ما حصل مع أخته، وكيف أنّه هو قبّل تلك الفتاة بالشام قبلة، فعاقبه الله بأن بعث السقا فقبّل أخته قبلة كانت هي دين عليه، وقال له جملته المشهورة: (يا بُنيّ: دقة بدقة، ولو زدت لزاد السقا)، أي أنّك قبّلت تلك الفتاة مرة فقبّل السّقا أختك مرة، ولو زدت لزاد، ولو فعلت أكثر من ذلك لفعل.

 

إنها لعظات وعِبر وذكرى لكل متأمل ومتذكّر؛ فتب أخي المسلم وتذكر يوم تبلى السرائر وينكشف ما في الضمائر وأنت يومها خائب وخاسر، ولا تدري حينها إلى أين أنت صائر إلى دار المفاوز والمكارم أم إلى دار البوائق والخسائر؛ واعلم أنك إن ضمنت على نفسك الستر في الدنيا بين أهلك ومجتمعك ولن يكون إذا تماديت في غيك؛ فلا أظنك تأمن فضيحة الغد على رؤوس الخلائق إلا أن يشاء الله.

 

اللهم لا تجعلنا عبرة لمن اعتبر، واجعل لنا في غيرنا عبرة ومدكر، اللهم أصلح شبابنا وردنا وإياهم وجميع المسلمين إلى الستر والصون والعفاف.

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات