البحرين وإشكاليات الحوار المستعصي

ادارة الموقع

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

 

 

 

د.عمران الكبيسي

 

ملتقى الخطباء: ليس من الموضوعية أن يقفز السياسي البارع على الواقع، ويتجاهل الحقائق شأنه شأن من لا يسمع ولا يرى، ومما لا شك فيه أن البحرين تعيش أزمة سياسية مستعصية، يخطئ من يظن أن حلها يمكن أن يأتي على يد طرف من الأطراف المشاركة في الحوار حاليا، فقد برهنت التجارب أن أطراف الحوار القائم تدفع به إلى الصراع وليس إلى توافق حاسم، مع إن خطورة القضايا المطروحة ليس بصعوبتها، أو صعوبة إيجاد رؤية توافقية لتذليلها، وإنما لاستحالة إيجاد أرضية لقواسم مشتركة في ظل الاصطفاف المذهبي الحاد تجعل الحل في مصلحة الوطن، وليس في مصلحة فئات ترى خطوة أي طرف نحو الأمام تنازلا عن حقوق وثوابت فئة لا يمتلك المحاور حق التنازل عنها لحساب الطرف الآخر، فيكرس معادلة مذهبية صعبة، ما يأتيني لا يرضيني، وما يرضيني لا يأتيني.

استمرار الحوار بهيكليته القائمة غير قادرة على التفاهم مادام الحوار قائما على أساس فئوي طائفي مغلف بإطار سياسي كاذب، وكل طرف يحتال على الآخر لكسب الوقت بالالتفاف بشتى السبل على قرينه باعتباره طرفا مناوئا لا أخا شريكا في المصيبة فضلا عن المكاسب، غابت الوطنية وغيبت، وغاب عنصر الانتماء الذي يسمح بإيجاد غطاء وطني وأفق لمطالب كل طرف في ظل مطالب الطرف الآخر، والحقيقة التي يجب الاعتراف بها، لم تعد الوفاق ولا تجمع الوحدة الوطنية بأطيافه، يمثلان كل أطراف الطيف البحريني في انتمائه العربي الإسلامي، ولا باعتبار مملكة البحرين دولة مستقلة تعيش ضمن ائتلاف خليجي استطاع رغم كل الخلافات بناء إطار لنظام سياسي والتزام لا يسمح لأي دولة خليجية بتخطيه. وهو ما لم تدركه كل الأطراف ولا تريد أن تؤمن به، وهذه إحدى الإشكاليات المستعصية.

كما لم يعد الخلاف قائما على برامج أو إصلاحات وإجراءات حكومية ينبغي اتخاذها لصالح المجموع وتصحيح الأخطاء أو تعديل المسار، وإنما حرب اقتناص كراسي واقتسام مناصب ومكاسب غنائم تمهد مبدئيا لاجتثاث الطرف الآخر والقفز عليه، فالنوايا سيئة وانعدام الثقة بات سيد الموقف، وبدا الإطناب بالمطالب أقرب إلى القطيعة منه إلى توخي الوئام والالتئام. وفي اعتقادنا بات الحل الذي تتحاور عليه الأطراف الطائفية، والجمعيات السياسية القائمة على أصول مذهبية أو الخاضعة لها غير مجد، لأن تنازل أي فئة يعد تفريطا بحق المذهبية الضيقة للمجموعة، ونحن نعرف اشد خصام، وأعصى قطيعة تلك التي تكون بين المتفقهين بالمذاهب ولاسيما إذا كانت خلف تخريجاتهم منافع ومصالح يظن زعما أنها من أصول الدين وهي ليست كذلك، فالدين أوسع من المذاهب مجتمعة، لسنا ضد تحكيم الدين، وازعم بحمد الله لنفسي أني من أهله واسمع للعلماء في مجال اجتهادهم وحقل اختصاصهم، وأؤمن بأن جزءا من السياسة يتداخل مع الدين، وأن جزءا من الدين يدخل في مجال السياسة. ولكن لأولي الأمر نصيب في اتخاذ القرار، وعن عثمان بن عفان قولته: “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن” أي أن الله يزجر بقوة السلطان الصالح من المفسدين ما لا يستطيعه الدعاة بدعوتهم, و يصلح الله بالسلطان الصالح ما لا يستطيعه حاملو القرآن من غير أصحاب الحل والعقد.

نقولها بصراحة الطائفيون المتمذهبون هم من أثار الأزمة، وأصبحوا غير قادرين على لمها ولا راغبين بحلها بعد أن شخصنوها بقميص عثمان، فالحل يسحب البساط من تحت أقدامهم. فهم مرتبطون بتيارات شعبية منّوها بوعود تفوق حيز الممكن، والتراجع عنها يسحب غطاء التأييد الشعبي، فضلا عن ارتباطات خارجية مشبوهة تورطوا معها بأداء مهمات مفروضة عليهم، ولذلك ينبغي أن لا نعول على الحل المذهبي ولا السياسي الفئوي، المتذرع بالكثرة العددية حجة فمعيارهم لا يعد حجة، في ظل التغيير الديموغرافي الذي يغذيه نظام الاستعانة بالأيدي العاملة الوافدة الذي يلغي كل ادعاء، ولذلك ينبغي إسكات دعاة المذهبية والفئوية وتحييدهم، وأن يعول في الحوار على أصحاب المصالح الذين ارتبط تاريخهم وحياتهم بالوطن، من المثقفين والاقتصاديين التجار وأصحاب الأعمال والصناعة والمقاولين وعمد الأسر البحرينية يتحاورون على أسس وطنية لا فئوية ولا مذهبية، فهم وحدهم من يستطيعون الضغط على الرؤوس الطائفية إذا أيقنوا أن وجودهم ومصالحهم أول من يهدده الضياع، والوطن اليوم بحاجة إلى برامج ومواطنين يعملون، ليطعموا الناس ويسقوهم وليس لدعاة المذهبية.

وليفهم الجميع أن الخليج على غناه يحتاج إلى الاستقرار الذي يوفره نظام الحكم الأسري، والمسؤول في مثل هذا النظام لا يعد فردا بذاته، وإنما جزء من الكيان الجمعي للأسرة العريقة التي يقوم عليها التوازن الاجتماعي، وأن النظام الخليجي لن يفرط ولن يسمح بأي تغيير غير طبيعي لا يخدم المصالح الخليجية.

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات