النظام السوري يقتل شعبه.. «إيران أولاً» أم «سوريا» أولاً؟

ادارة الموقع

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

 

 

 

 

عاموس يدلين

 

تقرير استراتيجي - مركز بحوث الأمن القومي

جامعة تل أبيب.

ملتقى الخطباء: النظام السوري للرئيس بشار الأسد يواصل ذبح أبناء شعبه، ورغم عشرات آلاف القتلى حتى الآن، ومئات القتلى كل اسبوع، تكاد الأسرة الدولية لا تفعل شيئا غير تصريحات التنديد الواهنة، المؤتمرات العقيمة والخطط التي لا صلة لها وعديم التأثير. قائمة المبررات لغياب عمل ناجع في سوريا طويلة، وتذكر بقدر كبير أيضا القائمة التي في أساس السياسة السلبية تجاه البرنامج النووي العسكري الايراني. في قلب المعارضة لعمل فاعل والنهج الحذر توجد الدروس من افغانستان ومن العراق. النهج السائد اليوم في الغرب بالنسبة للتدخل العسكري هو نهج حذر، بمثابة «اقعد ولا تفعل». ادعاء مركزي آخر ضد الفاعلية الاكبر في سوريا هو المس بالمعركة الأهم المتمثلة بوقف البرنامج النووي الإيراني. ومع ذلك واضح أن الآن بالذات، عندما يحذر مسؤولون كبار في نظام الأسد من أن تصفية المسؤولين في القيادة العسكرية على أيدي الثوار، سيؤدي الى أن يعمل الجيش بكل قوته وبلا كابح، وفي ضوء الهجوم على المناطق المدينية بالسلاح الرسمي والتخوّف من استخدام السلاح الكيماوي ضد المناطق التي يسيطر عليها الثوار، فان الأسرة الدولية ملزمة بالقيام بعمل ما قبل أن يكون فات الأوان.

يتعاطى هذا المقال مع الادعاءات المختلفة، ويفحص ثلاثة مواقف رائدة في محاولة تصميم السياسة حيال المسائل الهامة والاكثر الحاحا في الشرق الاوسط في صيف 2012:

1 - «الدبلوماسية، الحذر والاجماع»، ولاحقا نهج «اقعد ولا تفعل» - الامتناع عن الاعمال الناشطة وببروز في الساحتين، بسبب التخوّف من «النتائج غير المتوقعة» وانطلاقا من التوقع لنضوج الظروف لتغيير الأنظمة يتم من الداخل في الساحتين.

2 - «إيران أولا» - التخلي عن النشاط الفاعل في الساحة السورية حفاظا على «التركيز العالمي» في المعركة حيال إيران وانطلاقا من الفهم بان هذا هو التحدي الاستراتيجي الأهم بين التحديين.

3 - «سوريا أولا» تركيز الجهود السياسية على الساحة السورية من أجل اسقاط نظام الأسد، وهكذا أيضا اضعاف قوة إيران الاقليمية.

ويقترح المؤيدون للبدائل السياسية المختلفة حججا اخلاقية وعملية تعنى بمصالح الدول الغربية. هذه الحجج يحللها هذا المقال من أجل عرض البدائل الثلاثة بشكل مقارن، والإشارة الى البديل ذي الأساس الاخلاقي والواقعي الاقوى.

نهج «اقعد ولا تفعل»

يدعو مؤيدو هذه السياسة الى الامتناع عن تدخل ذي مغزى في الشؤون الداخلية لسوريا، أكثر من النشاط القائم الذي يتم بتواضع. بالنسبة لهم فان التدخل الخارجي الكثيف كفيل بأن يسفر عن آثار سلبية.

أولا، مثلما تفيد تجربة الدول الغربية في العراق وفي افغانستان، فان التدخل الأجنبي في الدول لا ينتهي مع اسقاط الأنظمة. فعلى الجهات الخارجية المتدخلة مسؤولية الانتقال الى نظام ديمقراطي، إعادة بناء الدولة والحفاظ على الاستقرار ضد الجهات التي تسعى الى ضعضعته مرة اخرى. والتدخل الغربي من شأنه أن يؤدي الى التفكيك التام لمؤسسات النظام، وتشديد الفوضى في الدولة، والمذبحة الطائفية. وتخشى الدول الغربية وعلى رأسها الرئيس الأميركي، من هذه الآثار، بينما لا يزال الفشل الذريع في استقرار العراق والانسحاب منه حديث العهد في الذاكرة، والانسحاب من افغانستان لم يستكمل بعد، ومصير ليبيا ما بعد اسقاط القذافي على أيدي الغرب لا يزال غامضا، والاقتصادات الغربية تتصدى لآثار الأزمة الاقتصادية العالمية. وبالتالي، فان المعارضين للتدخل في سوريا يسعون الى الامتناع عن «الغرق في الوحل» ومن أخذ المسؤولية عن مصير دولة إسلامية أخرى.

من المهم الإشارة الى أنه في ضوء امتناع تركيا عن حث معركة دولية عسكرية ضد نظام الاسد، فانه حتى العقيدة الاميركية نفسها المتمثلة بـ «القيادة من الخلف»، كما نفذت في ليبيا، هي ذات صلة أقل. فرغم تطلعات تركيا لتوسيع نفوذها الاقليمي ووقف قتل السُنة في سوريا، فانها تخشى من مواجهة ستضر بعلاقاتها السياسية والاقتصادية مع موردتي الطاقة الكبريين لها: روسيا وإيران. كما ان تركيا تخشى اشتداد التوتر بينها وبين منظمات الارهاب الكردية التي تعمل ضدها، كنتيجة لسقوط الاسد. ويعتمد فكرها في العلاقات الخارجية الى فلسفة «صفر مشاكل مع جيرانها»، واستخدام القوة كمخرج أخير.

حجة مركزية أخرى تعنى بشرعية العملية. فمطلب التدخل الأجنبي في سوريا لا يحظى بشرعية دولية مبدأ أساس في «عقيدة اوباما»؛ طالما لا يكون ممكنا انتزاع قرار في مجلس الأمن للامم المتحدة بسبب المعارضة الروسية والصينية، وطالما لا تستدعي الجامعة العربية علنا مساعدة غربية وتسمح بالتدخل في دولة إسلامية أخرى، مثل الاذن الذي أعطي في الحالة الليبية فلا شرعية دولية لتدخل غربي في الساحة الداخلية في سوريا، واحتمال أن تخرج الإدارة الاميركية عن مبدأ ضرورة «شرعية واسعة للعملية» منخفض.

إدعاء آخر يطرح هو أن المعارضة السورية لا تشكل بديلا عمليا وناجعا: فلا يوجد زعيم أو مجموعة تسيطر على أعمال المعارضة ومرشحة للحلول محل حكم الاسد بعد أن يسقط، لا حدودا جغرافية واضحة بين معارضي النظام ومؤيديه، من الصعب الوقوف على طبيعة الجهات المختلفة في المعارضة السورية وليست واضحة صلتهم بالغرب. في ضوء ذلك، يوجد ادعاء في أنه من الصعب التقدير من ينبغي تأييده، من أجل التأكد بان من سيحلون محل الأسد سيتعاونون مع الغرب ولن يكونوا اسوأ منه. اولئك الذين يعارضون كل عملية يدعون أنه خلافا للساحة الليبية، التي كان للغرب فيها شريك واضح قاد المعارضة للنظام، ففي الساحة السورية ليس هذا هو الحال، كما أسلفنا. وبالتالي، ينبغي السماح للسياقات الداخلية بان تتحقق، انطلاقا من التطلع بان تسمح بتبادل للحكم، دون تدخل خارجي من شأنه أن يفاقم الأزمة في الدولة.

حجة أخرى في صالح سياسة «اقعد ولا تفعل» هي أن التدخل الغربي في سوريا سيلحق ضررا، لان من شأنه بالذات أن يعزز النظام. التدخل الغربي سيشكل أداة دعائي بيد نظام الاسد، الذي سيدعي بان دولته تتعرض لهجوم من قوات أجنبية، والثوار مدعوون من الاميركيين والإسرائيليين، وأنه سحبت من يد الشعب السوري القدرة على تقرير مستقبله، وبالتالي فان من واجب النظام هو حماية سوريا من الاحتلال الغربي. في نهاية النهار سيوسع هذا التدخل أساس شرعية حكم الأسد، وسيمس بشرعية المعارضة السورية.

إضافة الى ذلك، وكتبرير مركزي حقيقي ضد التدخل، يعرض تحدي عسكري مركب في التصدي للجيش السوري جراء حجم القوات السورية، والسلاح المتقدم أكثر من ذاك الذي اضطرت الجيوش الغربية الى التصدي له في الساحة الليبية. أولا، خلافا لليبيا، ستجد القوات الغربية صعوبة أكبر في العمل بحرية في السماء السورية: سلاح الجو السوري يعد بضع مئات الطائرات، ويحوز الجيش السوري منظومات دفاع جوي روسية متطورة، لم يسبق للجيوش الغربية أن تصدت لها. ثانيا، ستضطر الجيوش الغربية الى العمل حيال دولة ذات مخزونات من السلاح الكيماوي والبيولوجي هي من الاكبر في العالم، والتي تحوز أيضا ترسانة واسعة من الصواريخ الباليستية والمقذوفات الصاروخية بعيدة المدى. ولما كانت مساحة سوريا أصغر بكثير من مساحة ليبيا، فمن المتوقع للجيش السوري أن شكل تحديا ذا مغزى للقوات الغربية التي ستحاول التدخل كي تضمن مناطق فاصلة أو «مناطق حظر جوي».

جملة الحجج التي طرحت وفي مركزها الحاجة الى الشرعية الدولية والائتلاف الغربي المتبلور، والتخوف من القوة العسكرية لسوريا يستخدمها اولئك المؤيدون لنهج «اقعد ولا تفعل». هذه الحجج طرحها صراحة الرئيس الاميركي باراك اوباما في مؤتمر صحفي في شهر آذار الماضي، في خطابه لتبرير سياسة الامتناع عن التدخل الاميركي في سوريا.

«إيران أولاً»

مؤيدو سياسة «إيران أولا» هم جزء من المعسكر المعارض للتدخل الأجنبي ذي المغزى في سوريا، ويضيفون الى الحجج التي طرحت أعلاه الآثار السلبية للتدخل الأجنبي في سوريا على المعركة الدولية ضد إيران. أولا، يدعون بان فتح جبهة سورية سيمس بزخم خطوة العقوبات على ايران. والانتباه العالمي سيصرف الى مسألة السياسة والاحداث في سوريا، والقدرة المحدودة على إدارة معركة في ساحتين بالتوازي ستمنح الايرانيين الوقت لمواصلة برنامجهم النووي العسكري. وقد ألمحت وزيرة الخارجية كلينتون بذلك عندما شرحت بان التصدي للتحدي الايراني اهم بكثير من الأزمة في سوريا. اضافة الى ذلك، فان وقوفا علنيا ضد الدعم الروسي لنظام الاسد من شأنه أن يعمق الشروخ بين اعضاء الـ P5 +1 ويمس باحد الانجازات الاهم في المعركة الدولية ضد إيران: انضمام روسيا والصين الى جانب الدول الغربية في طاولة المباحثات حيال القيادة الايرانية، بالنسبة لبرنامجها النووي العسكري. هذا التخوف مبرر في ضوء الثبات الذي أظهرته موسكو حتى الان في الدفاع عن حكم الاسد في تصويت الفيتو ثلاث مرات في مجلس الامن في الامم المتحدة، وفي ضوء المصالح الروسية في سوريا.

تخوف آخر هو أن يؤدي توسيع المعركة ضد الاسد الى انتقال الاحداث الى ما وراء الحدود السورية، والى حرب اقليمية. وسيشكل توسيع الدعم للمعارضة السورية تهديدا فوريا على حكم الاسد، وبالتالي مبررا لتدخل جهات اخرى معنية ببقاء النظام السوري الحالي، مثل ايران وحزب الله. ويحذر هنري كيسنجر في مقالة له من مغبة التدخل العسكري في سوريا، والذي من شأنه أن يؤدي الى مواجهة اقليمية. وتعزز تهديدات حزب بالله وحسن نصر الله بان الحرب في سوريا لن تبقى في حدود الدولة فقط، والناطق بلسان البرلمان الايراني بانه «اذا هاجم الغرب سوريا فستتضرر اسرائيل» الحجة في أن خطوة دولية ذات مغزى ضد نظام الاسد من شأنها أن تصعد التوتر بين إيران و«جريراتها» وبين حلفاء إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة وتؤدي الى نتيجة غير مرغوب فيها حرب اقليمية. ولما كان الغرب برئاسة الولايات المتحدة يسعى الى منع سيناريو حرب اقليمية في تصديه لمسألة البرنامج النووي العسكري لايران، فلا منطق في حث مثل هذا السيناريو بالذات حيال المسألة السورية، التي أهميتها أقل للمصالح الغربية والاسرائيلية في المنطقة.

«سوريا أولاً»

وتشير الحجج العملية والواقعية لمؤيدي النهجين المفصلين أعلاه بالفعل الى المخاطر الكامنة في التدخل الاجنبي، ولكن مراجعة أوسع للعلاقة بين المصالح الغربية في الساحة السورية وبين المصالح الغربية في الساحة الايرانية تفيد بانه بين البدائل المقترحة الثلاثة، فان اولوية التدخل في سوريا هي البديل الاكثر تفضيلا لتحقيق المصالح الغربية في المنطقة ومفهوم أنه ايضا البديل الأكثر أخلاقية.

على الغرب الواجب الاخلاقي لمحاولة وقف سفك الدماء الجاري في سوريا، والذي يقتل فيه مواطنون أبرياء من كل الطوائف كل يوم، وترتكب جرائم حرب على يد نظام وحشي في ظل الادعاء «بالسيادة» ومعالجة المشاكل الداخلية. في العام 2005 قررت الامم المتحدة بانه من المناسب ان تكون «مسؤولية الحماية» (Responsibility to Protect) معيارا مقبولا في القانون الدولي. وتقرر بانه اذا لم تستوف الدولة واجبها في حماية مواطنيها من الجرائم الفظيعة الجماعية، فان واجب الاسرة الدولية التدخل لدرجة استخدام وسائل الاكراه لوقف الفظائع. وقد شكل هذا القرار الاساس الاخلاقي للتدخل الدولي في ليبيا، وهو ملزم لزعماء الغرب، الذين من مهمتهم الدفاع عن القيم الغربية، العمل مع الجامعة العربية وفي اطار مؤسسات الامم المتحدة لحث حل مستدام وسريع يضع حدا لسفك الدماء في سوريا. اذا أتاحت روسيا والصين مثل هذه الخطوة، فانه يجدر ان تتم في اطار مجلس الامن في الامم المتحدة. ولكن اذا واصلت موسكو وبيجين الدفاع عن حكم الأسد الاجرامي حفاظا على مصالحهما في سوريا، فان «مسؤولية الحماية» ستكون أساسا لشرعية تدخل خارجي في سوريا.

حجج أخرى ثقيلة الوزن، فضلا عن المبرر الاخلاقي، تستدعي عملا اكثر نشاطا حيال سوريا. أولا، اسقاط نظام الأسد في سوريا سيمس بيقين وسيكسر الحلقة المركزية في محور طهران دمشق بيروت، وهكذا سيقلص النفوذ الايراني في الهلال الخصيب. سوريا هي اللاعب الذي يربط جغرافيا وسياسيا على حد سواء بين القيادة الايرانية وبين الفروع الايرانية في المنطقة: حزب الله ومنظمات الارهاب الفلسطينية. ويعد التوتر الذي نشب بين قيادة حماس في دمشق وبين نظام الاسد نموذجا للتحديات التي اضطر «محور الشر» الاقليمي للتصدي لها عقب استمرار الاضطرابات في سوريا. وقد ادعى وزير الدفاع السابق ايهود باراك في مقابلة مع شبكة «سي.ان.ان» بان سقوط الأسد سيضعضع موازين القوى الاقليمية بين حلفاء إيران وخصومها، وسيضعف النفوذ الايراني في المنطقة. ولما كانت إيران تسعى الى توسيع هيمنتها الاقليمية ونشر «الثورة الاسلامية» في المنطقة، فان المس بحلفها الاقليمي معناه حث الاستقرار الاقليمي. ويدور الحديث عن مصلحة غربية حيوية أيضا في سياق المعركة السياسية ضد البرنامج النووي الإيراني، وكذا في سياق حث المسيرة السلمية وفي سياق المساعي الغربية وحث الاستقرار في الشرق الاوسط، الذي يتميز في السنة والنصف الاخيرتين بانعدام الاستقرار.

ثانيا، على الغرب ان يوقف سفك الدماء قبل أن تتسع دوائر العنف وتتسبب بفقدان تام للسيطرة في الدولة. فاتساع دائرة العنف في سوريا يزيد أبعاد الصراع الطائفي داخل سوريا. وفي كل يوم تتواصل فيه المذبحة تضاف الى هذه الدائرة عائلات وعشائر مصابة، ستسعى الى الثأر من الطائفة العلوية على افعال النظام، بعد أن يسقط هذا. فلو أن الاسد غادر قبل سنة، لكانت المصالحة في سوريا واعادة بنائها اسهل بكثير. وكلما اتسعت دائرة العنف واستمرت، ستقل فرص تقليص سفك الدماء في سوريا في اثناء المواجهة مع نظام الاسد، وستتقلص القدرة على تحقيق الاستقرار، النظام العام وعملية الانتقال الى نظام ديمقراطي. بمعنى أنه كلما اتسعت وامتدت دائرة العنف في سوريا، فان سوريا تقترب من النقطة التي تتدهور فيها الى حرب اهلية في حجم وقوة يمزقان الدولة على أساس طائفي وديني ويمسان بقدرة اعادة البناء وتوحيد الدولة في اليوم التالي لسقوط نظام الاسد.

في هذا السياق، من المهم التشديد على أن الهوية الطائفية هي مسألة مركزية في الشرق الاوسط، وعليه فانها تشكل «برميل بارود» اقليمي من شأنه أن ينفجر كنتيجة لاحداث داخلية في سوريا. وتشير أحداث العنف الاخيرة في لبنان الى امكانية كامنة تفجيرية عالية في هذه الدولة، والى خطر انتقال التوتر الطائفي من سوريا الى دول المنطقة. ويعد اتساع دائرة العنف الى خارج حدود سوريا خطير جدا في فترة تتميز بعدم الاستقرار في الدول المجاورة لسوريا ايضا: الاردن، لبنان والعراق. وعليه، فان اولئك الذين يعارضون التدخل في سوريا خشية تصعيد الصراع داخل سوريا وخارج حدودها، يشجعون في واقع الامر سياسة تنطوي على خطر أعظم بتحقق هذا السيناريو، بغياب السيطرة على الاحداث. ويفترض التخوف من فقدان السيطرة على ما يجري في سوريا والتصعيد الاقليمي الكامن تدخلا غايته «اطفاء النار» طالما كان ممكنا عمل ذلك.

حجة أخرى في صالح التدخل الخارجي في سوريا هي ان الغرب مطالب بالعمل لمنع تصاعد احتمال استخدام مخزونات السلاح الكيماوي لدى الأسد وفقدان السيطرة عليه. هذا السيناريو الخطير من شأنه أن يتحقق اذا ما قدر الاسد وقادته بانهم يقفون امام هزيمة، فيستخدموا أسلحة الدمار الشامل كمخرج أخير، او ينقلوا سلاحا من هذا النوع الى منظمات الارهاب، كي ينفذوا المهمة بأنفسهم. احتمالية هذا السيناريو تزداد في ضوء «الضربة» التي تلقاها نظام الاسد عندما صفي خمسة من كبار رجالات اجهزته الامنية على ايدي الثوار. فضلا عن ذلك كلما فقد النظام قدرته على التحكم، ستتضرر قدرة الجيش السوري على حماية قواعده. ففرار الجنود كنتيجة للتمرد على نظام الاسد القمعي، الفوضى في سلسلة القيادة في الجيش السوري او الهجمات الناجحة لعناصر المعارضة على قواعد الجيش كل هذه يمكنها أن تؤدي ايضا الى وقع يصل فيه السلاح الكيماوي السوري الى عناصر ارهابية متطرفة تسعى الى استخدامه داخل سوريا، او على أهداف غربية. ادخال قوات الى سوريا، او الهجوم على مواقع اسلحة الدمار الشامل من الجو سيسمح بمعالجة هذا الخطر الهام.

إضافة الى ذلك، فان التدخل الغربي ذا المغزى في سوريا سيشكل إشارة الى استعداد الدول الغربية لحماية قيمها ومصالحها في الشرق الاوسط في وجه انظمة الطغيان. اشارة من هذا النوع «اقنعت» القيادة في إيران بوقف برنامجها النووي العسكري بعد أن اجتاحت الولايات المتحدة وحلفائها العراق لاسقاط نظام صدام حسين في العام 2003. ولكن، قبل تسع سنوات لم تكن المسألة الايرانية في مركز البحث الدولي. أما اليوم، عندما تنشغل الاسرة الدولية بأسرها في البرنامج النووي العسكري الإيراني، فان اشارة من هذا النوع كفيلة بأن تشكل حافزا مقنعا في نظر القيادة الايرانية لوقف برنامجها النووي العسكري او على الاقل الشروع في مفاوضاته جدية مع الدول الغربية للوصول الى اتفاق يضمن الطابع المدني للبرنامج وتكون فيه ضمانات ضد اختراق ايراني نحو القنبلة. ولا يتصدى الساعون الى منع المس بالمعركة الدولية ضد ايران من خلال التخلي عن المسألة السورية لهذه الحجة، في أن غياب الرد الغربي على سياسة الاسد الاشكالية من شأنه أن يفسر كضعف غربي، وفي نهاية الامر يشجع طهران على مواصلة التمترس في مواقفها، ومواصلة الاستفزاز وتطوير برنامجها النووي. وذلك في ضوء عدم قدرة الغرب على الرد بنجاعة وبتصميم على سلوك النظام السوري.

في سياق مسألة القيادة المستقبلية لسوريا، فان سياسة «سوريا اولا» تقترح ردا أفضل من رد السياسة التي يقترحها معارضو التدخل الغربي في سوريا. وبالذات لانه لا توجد جهة معارضة قوية بما فيه الكفاية في سوريا، يمكن العمل معها والثقة بها في اليوم التالي لسقوط الاسد، ثمة حاجة الى إعادة رسم خريطة العناصر العاملة في سوريا اليوم، وتعزيز العناصر التي يمكن التوقع باحتمالية عالية أن تعمل بالتعاون مع الغرب. مؤكد انه لا ينبغي ابقاء ذلك «بيد القدر». فصعود حماس في غزة وصعود الاخوان المسلمين في مصر يشيران الى الحاجة الى تأثير غربي يضمن الاستقرار ووجود قيم ديمقراطية في المستقبل، قدر الامكان.

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات