مختصر خطبتي الحرمين 28 رمضان 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

وكما انسَلَّ هذا الشهرُ مِن بينِنا، ووقَفنَا مِنه على عتبَةِ الخِتام، نعجَبُ لليالِيه كيف تصرَّمَت، ولأيامِه كيف فرَطَت؛ فإن هذا الخِتامَ مشهَدٌ مُتكرِّرٌ في كل طيَّاتِ الحياةِ وتصارِيفِها، فالنهاياتُ مكتوبةٌ على جَبين البدايات، والخواتيمُ هي أقدارُ المُفتَتَحات، حتى نصِلَ لخاتمةِ الخواتِيم، ونهايةِ النهاياتِ حين تُغادِرُ الحياةُ والأحياءُ هذا الكَون، ونُخلِّفُ وراءَنا كل ما كنَّا نَكدَحُ فيه ونتعَب، ونصطرِعُ لأجلِه ونَنصَب..

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "في وداع موسِمِ الخير"، والتي تحدَّث فيها عن وداعِ شهر رمضان المُبارَك، وأنه قد بقِيَت فيه ساعاتٌ لمَن فرَّط فيه؛ فالأعمالُ بالخواتِيم، مُبيِّنًا حالَ العُبَّاد مع قُربِ رَحِيلِ الشهر، ثم بيَّن في خُطبتِه الثانِية مُوجَزَ أحكامِ زكاةِ الفِطر، مع ذِكرِ أبرزِ آدابِ وأحكامِ صلاةِ العيدِ.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله - عبادَ اللهِ -، وأحسِنُوا في عبادةِ ربِّكم وأقيمُوا وجوهَكم له؛ فليس هناك أحدٌ أحسنَ دينًا ممَّن أسلمَ وجهَه لله وهو مُحسِنٌ واتَّبعَ ملَّةَ إبراهيم حنيفًا.

 

وأضاف الشيخ:  هنيئًا لكم خواتِيمُ هذا الشهر، وحمدًا لك اللهم أن بلَّغتَنا مِنه هذا القَدر، فاللهم تقبَّل منَّا كما بلَّغتَنا، وبارِك لنا كما أنعَمتَ علينا. ومِن بركات شهر رمضان: أنه لن يُعدَم مُسلمٌ منه خيرًا؛ صيامٌ وصلاةٌ وقُرآن، وصدقةٌ وبِرٌّ وإحسانٌ، فما بين مُستقِلٍّ ومُستكثِر، وما بين خيِّرٍ وأخيَر، فهو كسحابةٍ طافَت بقومٍ فما بين سَيلٍ ودِيمةٍ، وأقلُّهم لم يفُتْه الظلُّ أو رائِحةُ المطَر.

 

ولأن العِبرةَ بالخواتِيم، فلم يزَلْ في الشهر بقِيَّةٌ لمُستعتِب، بقِيَت ساعاتٌ قد تكونُ فيها ليلة القَدر، وفيها الليلة الأخيرةُ التي يتكرَّمُ الله على عبادِه بالمغفِرةِ وجَزيلِ الأجر؛ فجُهدُ ساعات تحلُو بها النِّهايات، ويكون بها الاستِدراكُ مِن الفوَات، وهذه الأمةُ مرحُومةٌ ومبسُوطةٌ لها المراقِي والبركات، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].

 

وقال حفظه الله: في هذه الليلة تمتزِجُ مشاعِرُ الفرَحِ والرِّضا بعبَرَات الوداع، وتختلِطُ دعواتُ الحمد والثناء الكثير بسُؤال المغفِرةِ على التفريطِ والتقصيرِ، وتسمَعُ الحامِدَ الباكِي، والضارِعَ الشاكِي، وتغلُبُ على العُبَّاد أحوالٌ وأحوالٌ، ويا ليلةَ الخَتم والوداعِ ما أشجاكِ! في ليلةِ الوداعِ يمُرُّ طَرفُ الشهر أمامَ عينِ العابِد، لا يدرِي كيف مضَت أيامُه، ولا كيف تقضَّت ليالِيه، ولا يدرِي أيَعُودُ إلى مثلِه أو لا يعُود. فيا سَعدَ مَن نالَ في هذا الشهر أمانِيه، وفازَ بالقَبُول والجنَّة، والمحرُومُ مَن حُرِمَ .. ويا ليلةَ الخَتم والوداعِ ما أشجاكِ!

 

وقال وفقه الله: وكما انسَلَّ هذا الشهرُ مِن بينِنا، ووقَفنَا مِنه على عتبَةِ الخِتام، نعجَبُ لليالِيه كيف تصرَّمَت، ولأيامِه كيف فرَطَت؛ فإن هذا الخِتامَ مشهَدٌ مُتكرِّرٌ في كل طيَّاتِ الحياةِ وتصارِيفِها، فالنهاياتُ مكتوبةٌ على جَبين البدايات، والخواتيمُ هي أقدارُ المُفتَتَحات، حتى نصِلَ لخاتمةِ الخواتِيم، ونهايةِ النهاياتِ حين تُغادِرُ الحياةُ والأحياءُ هذا الكَون، ونُخلِّفُ وراءَنا كل ما كنَّا نَكدَحُ فيه ونتعَب، ونصطرِعُ لأجلِه ونَنصَب.

 

وبيَّن فضيلته أن خواتِيم الأعمال ومآلات الأحوال هي المُغيَّباتُ التي وجَفَت لها قلوبُ الأنبِياء، وأمضَّت نفوسَ العُبَّاد والصُّلَحاء؛ لأن العِبرةَ بها وحسب، وما قبلَها إنما هو دليلٌ إليها لا يَقينَ بطَيِّ الصحائِفِ عليها. روى البخاريُّ - رحمه الله -، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الأعمالُ بالخَواتِيمِ».

 

إلا أنَّ الخواتِيمَ ميراثُ السوابِق؛ فمَن كانت حياتُه في الطاعةِ فتُرجَى له الخاتمةُ الحسنة، ومَن كان مُقيمًا على المعاصِي فإنه يُخشَى عليه، فإذا كان الشيطانُ مُتمكِّنًا مِنه في حالِ قوَّتِه وصحَّتِه، فكيف تكونُ حالُه حين الاحتِضار؟!

 

وتابع فضيلته: خِتامُ كل عملٍ هو تاجُه ورِتاجُه، والمجالِسُ تُختَمُ بكفَّارةِ المجلسِ والاستِغفار، وفي الجنَّة يُكرِمُ الله الأبرارَ بشرابٍ مِن الرَّحِيقِ المختُوم، فيكونُ آخرُ الكأسِ التي يشرَبُون مِسكًا يجِدُون طعمَه ورائِحتَه، وتبقَى حلاوتُه في أفواهِهم؛ ليعُودُوا إليه مرةً بعد مرةٍ، إنها الحلاوةُ في الخِتام.

 

وأشار الشيخ إلى أن: كلّ ما سبَقَ يجعلُ السائِرَ إلى ربِّه مُشفِقًا على خواتِيمِ أعمالِه، ونهاياتِ مآلاتِه، ولا يَركَنُ إلى جُهدٍ، ولا يُدِلُّ على ربِّه بعملٍ، وإنما يسألُ اللهَ القَبُولَ، ويرجُوه حُسنَ الخِتام؛ فكلُّ عملٍ صالحٍ بذَلتَه فحقيقتُهُ ليست منك؛ بل هو مَحضُ فضلٍ مِن الله إليك. والله شَكُورٌ، والله كريمٌ، وظنُّنَا في ربِّنا خير، ولن يُضيعَ عملَ عاملٍ.

 

وحيث العِبرةُ بالخواتِيمِ، فإن هذه الحقيقة تشرَعُ الأبوابَ، وتفتَحُ الآمال لمَن فرَّطَ في سالِفِ أمرِه. فكَم سبَقَ المُبطِئون إذا استَعتَبُوا! وكَم سُعِدُوا إذ استرجَعُوا! فما دامَت الأنفاسُ تتردَّدُ، والقلوبُ تخفِقُ، فإن كل اللَّحَظات مزاداتٌ مِن الخير، وسفائِنُ مِن البرِّ، ولن يمَلَّ مُؤمنٌ مِن خيرٍ حتى يكون مُنتهَاهُ الجنَّة.

 

وختم الشيخ خطبته ببيان بعض أحكام زكاة وعيد الفطر فقال: إن الله –تعالى- قد شرعَ لكم في خِتامِ شهرِكم زكاةَ الفِطر، وهي واجِبةٌ بالإجماعِ على القادِرِ عن نفسِهِ وعمَّن يعُول، كما أنها وجهٌ مُشرِقٌ في محاسِنِ هذا الدين العظيم؛ حيث العيدُ للغنيِّ والفقيرِ، والواجِدِ والمُعدَمِ، وحتى يكون عيدًا فلا بُدَّ أن يفرَحَ الجميعُ.

 

ويُسنُّ إخراجُ زكاةِ الفِطرِ عن الحَملِ ولا يجِبُ، ووقتُها مِن قبلِ العيدِ بيومٍ أو يومَين إلى ما قبلَ صلاةِ العيد. فاحرِصُوا على أدائِها - رحمكم الله - لمُستحقِّيها.

 

ثم أدُّوا صلاةَ العيد مع المُسلمين، واصحَبُوا إليها أولادَكم ونساءَكم؛ فهي شَعيرةٌ ظاهِرةٌ مِن شعائِرِ المُسلمين.

ويُسنُّ التكبيرُ ليلةَ العيد وصَبيحَةَ العيد حتى يدخُلَ الخَطِيبُ، ويُجهَرُ بالتكبيرِ في الأسواقِ والطُّرُقات.. فأعيادُ المُسلمين تميَّزَت عن أعيادِ الجاهلِيَّة بأنها قُربةٌ وطاعةٌ لله، وفيها تعظيمُ الله وذِكرُه بالتكبيرِ في العِيدَين، وحُضورُ الصلاةِ في جماعةٍ، وتوزيعُ زكاةِ الفِطر، وإظهارُ الفرَحِ والسُّرورِ على نِعمةِ الدين ونِعمةِ تمامِ الصيام. فابتَهِجُوا بعيدِكم، واشكُرُوا اللهَ على التمامِ، واسأَلُوه القَبُولَ وحُسنَ الخِتام.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "مدرسةُ شهر رمضان"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان وأنه مدرسةٌ عظيمةٌ نتعلَّمُ منها الكثيرَ مِن الدروسِ والعِبَر، وذكرَ بعضَ الأحكام المُتعلِّقة بآخر الشهر المُبارَك وما يتلُوه مِن أيامٍ؛ مِن زكاةِ الفِطر، وعيدِ الفِطر، وصِيام سِتَّة أيامٍ مِن شوال.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله قائلاً: أما بعد: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوَى، وراقِبُوه في السرِّ والنجوَى.

 

وأضاف الشيخ: سعادةٌ غامِرةٌ تملَأُ جوارِحَنا إذ بُلِّغنا هذا الشهر العظيم؛ فالألسنُ تلهَجُ بشُكر الله على نعمٍ منَّ الله بها علينا: نعمةُ بلوغ هذا الشهر وإتمامِه، نعمةُ التوفيقِ للصِّيام والقِيام، وما أجلَّها مِن نعمٍ في موسِمٍ لا تُستقصَى خيراتُه، ولا تُعدُّ نفَحَاتُه، ولا تنقَضِي نَسَماتُه.

 

وقال حفظه الله: رمضان مدرسةٌ تعلَّمنا في ظِلالِها دروسًا ناجِعة، ومواعِظَ بليغَة؛ فالرِقابُ خضَعَت، والقلوبُ خشَعَت، والعيُونُ دمَعَت، والنُّفُوسُ سكَنَت. رمضان رفعَ الهِمَم، وزكَّى النُّفوسَ، وغذَّى القلوبَ بالإيمان، فنزَغَاتُ الشيطان مصدُودة، ومنافِذُ الهوَى موصُودَة، ودوافِعُ الفُرقةِ والخِلافِ مأسُورَة.

 

وقال وفقه الله: هذه التربيةُ الإيمانيَّةُ تحُدُّ مِن الزهوِ بالنفسِ، والعُجبِ بالأعمال، وتجعَلُ العبدَ دائِمَ الافتِقار لربِّه، مُقيمًا على الانكِسارِ بين يدَيه، لا يتعاظَمُ بعملِه، ولا يُعجَبُ بجُهدِه. ومِن أشدِّ عقَبَاتِ القَبُول وموانِعِه: الاغتِرارُ بالنَّفس، والإعجابُ بالعملِ واستِكثارُه. وكيف يُعجَبُ المرءُ بعملِه ولا يدرِي ماذا يخرُجُ مِن كتابِه يوم القِيامة.

 

وأوضح فضيلته أن الله -سبحانه- يقبَلُ طاعة العباد كلما أقبَلُوا عليه صادِقين مُنِيبين راغِبِين، قال تعالى: (فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 87]؛ فما ظنُّكم بالربِّ العظيمِ الوَدُود، ذي العرشِ المجِيد، الفعَّالِ لما يُريد، قيُّوم السماواتِ والأرض؟! وإننا نظُنُّ بربِّنا غُفرانًا وعفوًا، ومُعافاةً وسِترًا، وهدايةً ونصرًا، ورِزقًا وتوفيقًا، وفرَجًا قريبًا وحُسن خاتِمةٍ.  قال ابن مسعُودٍ - رضي الله عنه -: "قسَمًا بالله ما ظنَّ أحدٌ بالله ظنًّا إلا أعطاه ما يظُنُّ". وإذا أنعَمَ الله على العملِ والعبدِ بالقَبُولِ حلَّت البركةُ فتضاعَفَت ثِمارُه، وازدهرَت آثارُه.

 

لئِن انقضَى شهرُ رمضان ففضلُ القِيام في كلِّ حِينٍ مُتاح، وأجرُ الصِّيام على مدارِ العامِ قائِم، وصَوتُ الداعِي إلى السماءِ مسمُوع، والمُوفَّقُ مَن قوَّى غرسَه، وتعاهَدَ ثمَرَه، وثبَّتَ قدَمَه بالمُداومَة على الطاعة.

 

وختم الشيخ خطبته ببيان بعض الأحكام المتعلقة بزكاة وعيد الفطر فقال: هناك أمورٌ يُستحبُّ فِعلُها أو قولُها في ليلةِ العيدِ ويومِه: يُشرعُ التكبيرُ مِن غُروبِ شمسِ ليلةِ العيدِ إلى صلاةِ العيد.

وزكاةُ الفِطر طُهرةٌ للصائِمِ مِن اللَّغو والرَّفَث، وطُعمةٌ للمساكِين، وتكونُ صاعًا مِن تمرٍ، أو شَعيرٍ، أو زَبيبٍ، أو أُرزٍ، أو نحوه مِن الطَّعام، عن الصَّغير والكَبير، والذَّكَرِ والأُنثَى، والحُرِّ والعبدِ مِن المُسلمين. وأفضلُ وقتٍ لإخراجِها قبل صلاةِ العيد، ويجُوزُ قبل يومِ العيدِ بيومٍ أو يومَين، ولا يجوزُ تأخيرُها عن صلاةِ العيدِ بغير عُذرٍ.

 

ويُستحبُّ الاغتِسالُ والتطيُّبُ للرِّجالِ قبل الخُروجِ للصلاةِ، وأكلُ تمراتٍ وِترًا قبل الذَّهابِ إلى المُصلَّى سُنَّةٌ نبويَّة، وتُستحبُّ التهنِئةُ بالعيدِ؛ لثُبُوتِ ذلك عن الصحابةِ - رضي الله عنهم -.

العيدُ مُناسَبةٌ للإحسانِ إلى الوالدَين وبرِّهما، وتقوِيَة الصِّلةِ مع الأقارِبِ والزَّوجَين والجِيران.

العيدُ مُناسَبةٌ لنَبذِ الشَّحناء والبَغضاء، والانتِصار على المشاعِرِ التي ينزَغُ بها الشيطان.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات