مختصر خطبتي الحرمين 14 رمضان 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

ورمضانُ هو شهرُ الخيرات، فيه تُصفَّدُ الشياطين، وتُغلَّقُ أبوابُ النِّيران، وتُفتَّحُ فيه أبوابُ الجِنان، والقرآنُ يُتلَى، والملائكةُ تتنزَّل. إنه شهرُ الرحمةِ والخيرِ والبركةِ والغُفران، شهرُ ضياءِ المساجِد وذِكرِ الرحمن، شهرُ العظمة والجمال والبهاء، والتدبُّر والإنابة والدعاء، مَن صامَ نهارَه إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم مِن ذنبِه، ومَن قامَ ليلَه إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم مِن ذنبِه، فيه ليلةٌ هي خيرٌ مِن ألف شهر، مَن قامَها إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم مِن ذنبِه.

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ ماهر المعيقلي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "نفَحاتُ شهر رمضان"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان المُبارَك، وأنه موسِمٌ للخيرات والبركات، فهو أيامٌ معدُودات تنقضِي سريعًا، فعلى المُسلم أن يغتَنِمَ كل لحظةٍ فيه بطاعة الله تعالى، وهو شهرُ التوبة والأَوبَة إلى الله - جلَّ وعلا -، مُذكِّرًا بفضلِ الجِهادِ والرِّباطِ في سبيلِ الله لاسيَّما في هذا الشهر العظيم.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: معاشر المؤمنين: أُوصِي نفسِي وإياكم بتقوَى الله - عزَّ وجل -، فهي وصيَّةُ الله تعالى للأولين والآخرين.

 

وأضاف الشيخ: بالأمسِ القريبِ ابتهَجَت قلوبُنا بدخُول شهر رمضان، وها هو اليوم قد انقَضَى منه شَطرُه، واكتَمَلَ بدرُه، وما هو إلا كما قال الله - عزَّ وجل -: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) [البقرة: 184]، تُصامُ تِباعًا، وتنقَضِي سِراعًا. فتزوَّدُوا - يا عباد الله -؛ فإنَّ خيرَ الزاد التقوَى.

 

وقال حفظه الله: شرَعَ الله لنا صيامَ رمضان لغايةٍ عظيمةٍ، وهو الحكيمُ - جلَّ جلالُه، وتقدَّسَت أسماؤُه -، فرمضان مدرسةٌ خُلُقيَّة، وإصلاحٌ وتزكِية، يمتنِعُ فيه المرءُ عن بعضِ المُباحات فضلًا عن المُحرَّمات؛ طاعةً وامتِثالًا لأمرِ الله، وتحقيقًا لتقواه.

 

ورمضانُ - يا عباد الله - هو شهرُ الخيرات، فيه تُصفَّدُ الشياطين، وتُغلَّقُ أبوابُ النِّيران، وتُفتَّحُ فيه أبوابُ الجِنان، والقرآنُ يُتلَى، والملائكةُ تتنزَّل. إنه شهرُ الرحمةِ والخيرِ والبركةِ والغُفران، شهرُ ضياءِ المساجِد وذِكرِ الرحمن، شهرُ العظمة والجمال والبهاء، والتدبُّر والإنابة والدعاء، مَن صامَ نهارَه إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم مِن ذنبِه، ومَن قامَ ليلَه إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم مِن ذنبِه، فيه ليلةٌ هي خيرٌ مِن ألف شهر، مَن قامَها إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم مِن ذنبِه.

 

وبيَّن الشيخ أن أبواب الخير في هذا الشهر كثيرةٌ: صيامٌ وقيامٌ، وصِلةٌ للأرحام، وكفالةٌ للأيتام، وصدقةٌ وبِرٌّ وإحسانٌ، وعِيادةٌ للمرضَى، وتلاوةٌ للقُرآن، وإطعامٌ للمساكِين. فتفقَّدُوا - يا عباد الله - حالَ إخوانِكم المُسلمين، وأعِينُوهم على أمورِ دينِهم ودُنياهم، وتلطَّفُوا في ذلك؛ فإن منهم مَن قال الله فيهم: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [البقرة: 273].

 

وشهرُ رمضان وإن كان موسِمًا لسائر الخيرات، إلا أنه للقرآن في رمضان مزِيَّةٌ وخصوصيَّةٌ، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185]. ولذلك كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجوَدَ بالخير من الرِّيح المُرسَلة، وكان أجوَدُ ما يكون في رمضان حين يلقَاه حبريلُ فيُدارِسُه القرآن، فيتدبَّر آياتِه، ويقِفُ عند مواعِظِه، ويتأمَّلُ أسرارَه وأحكامَه.

 

وقال وفقه الله: وإذا كان هذا فضلُ الصائِمِين في رمضان؛ فإن المُرابِطِين على الثُّغور أكبَرُ فضلًا وأعظمُ أجرًا، فهنيئًا للمُرابِطِين على ثُغور بلاد الحرمين الشريفين، نعم، هنيئًا للمُرابِطِين على ثُغور بلاد الحرمين الشريفين؛ لما اجتمَعَ لهم مِن فضلِ الزمانِ والمكان، وقد وردَت البِشاراتُ العظيمةُ بما أعدَّه الله تعالى للمُرابِطِين في سبيلِه. ففي "صحيح مسلم" عن سَلمان - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «رِباطُ يومٍ وليلةٍ خيرٌ مِن صيامِ شهرٍ وقِيامِه، وإن ماتَ جرَى عليه عملُه الذي كان يعملُه، وأُجرِي عليه رِزقُه، وأمِنَ الفتَّان» أي: أمِنَ فتنةَ القبرِ وعذابَه.

وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "المُرابطةُ بالثُّغور أفضلُ مِن المُجاوَرَة في المساجِدِ الثلاثة، كما نصَّ على ذلك أئمةُ الإسلام عامَّة، وهذا مُتَّفقٌ عليه بين السَّلَف".

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على التوبة فقال: هذا أوانُ التوبة والاستِغفار، والأَوبَة والانكِسار، فمَن لم يتُب في شهر رمضان، فمتى يتُوب؟! ومَن لم يرجِع عن الذُّنوبِ والخطايَا في شهر الغُفران، فمتى يرجِع ويَؤُوب؟! ومَن لم يتعرَّض لنَفَحات أرحَم الراحمين في شهر الرَّحمات، فمتى يتعرَّضُ لذلك؟!

 

روَى الطبرانيُّ بسنَدٍ حسنٍ، عن أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «افعَلُوا الخيرَ دهرَكم، وتعرَّضُوا لنَفَحات رحمةِ الله؛ فإن لله نفَحَاتٍ من رحمته يُصيبُ بها مَن يشاءُ مِن عبادِه».

 

قال ابنُ رجبٍ - رحمه الله -: "وما مِن هذه المواسِم الفاضِلَة موسِمٌ إلا ولله –تعالى- فيه وظيفةٌ مِن وظائِفِ طاعتِه، يُتقرَّبُ بها إليه، ولله فيه لطيفةٌ مِن لطائِفِ نَفَحَاته يُصيبُ بها مَن يعودُ بفضلِهِ ورحمتِه عليه".

 

فالسعيدُ مَن اغتنَمَ مواسِمَ الشهور والأيام والساعات، وتقرَّبَ فيها إلى مولاه بِما فيها مِن وظائِفِ الطاعات، فعسَى أن تُصيبَه نَفحَةٌ مِن تلك النَّفَحَات، فيسعَدُ بها سعادةً يأمَنُ بعدها مِن النَّار وما فيها مِن اللَّفَحَات. فهذه نَفَحاتُ الرحمن قد تنزَّلَت، وهذه نسَمَاتُ الجِنان قد هبَّت، وجديرٌ بالعاقِلِ أن يُشمِّرَ ويجتهِد، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "شرفُ العبودية لله تعالى"، والتي تحدَّث فيها عن العبوديَّة لله تعالى، وأنها شرفٌ لا يُضاهِيها شرفٌ؛ حيث ذكرَ أن الله تعالى وصفَ عبادَه في غير موضِعٍ مِن القرآن الكريم بنِسبةِ المُؤمنين إلى نفسِهِ بقولِه تعالى: (يَا عِبَادِيَ)، كما بيَّن أنه وردَ أيضًا على لِسان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروِيه عن ربِّ العزَّة - جلَّ وعلا - وصفُ المُؤمنين بالعبوديَّة.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله قائلاً: اتَّقُوا اللهَ سِرًّا وجَهرًا؛ تغنَمُوا وتسعَدُوا دُنيًا وأُخرى.

 

وأضاف الشيخ: في هذه الأيام والليالي نرَى العبوديَّة تتجلَّى في أبهَى صُورها ومعانِيها، مُتعةُ الصيام، ولذَّةُ القرآن، وجمالُ القيام، صَدقةٌ وإنفاق، وألسُنٌ تلهَجُ بذِكرِ الرحمن، خضَعَت لله الجوارِحُ والمشاعِرُ والقلوبُ. عبادةٌ طوعِيَّة بمحبَّةٍ قلبيَّة تُفضِي إلى سعادة الدنيا والآخرة؛ فالعبادةُ لا تُفارِقُ المُسلمَ أينما حلَّ وفي أي وقتٍ كان، في كل مراحل حياتِه حتى يُوافِيَه الأجلُ المحتُومُ وهو على حالٍ حسنةٍ.

 

وقال حفظه الله: يطرَبُ القلبُ، وتسمُو الحياةُ حين يطرُقُ السمعَ وصفُ الله لخلقِه: (يَا عِبَادِيَ)، ومَن انضوَى تحت هذا النداء، ونالَ هذا الشرفَ (يَا عِبَادِيَ) فقد فازَ فوزًا عظيمًا. (يَا عِبَادِيَ) تسكُبُ السَّكِينةَ في القلبِ، وتُؤمِّنُ مِن الخوف، وهي علامةُ رِضا الربِّ وفضلِه وإنعامِه.. يصِفُ اللهُ خلقَه بـ"عبادِي"؛ ليُؤنِسَ وحشَتَهم، ويُبشِّرَهم بأنَّه قريبٌ، وليبسُط المرءُ حاجتَه، ويبُثَّ هُمومَه، ويرفع شَكوَاه إلى ربِّه ومولاه، قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة: 186].

 

وقال وفقه الله: (يَا عِبَادِيَ) تشرَحُ الصُّدور، وتلفِتُ النَّظرَ إلى رحمةِ الله التي سبَقت غضَبَه، ورأفَتَه بعبادِه ولُطفَه بهم، يُنادِي الله تعالى المُؤمنين بقولِه: (يَا عِبَادِيَ)؛ ليتفيَّؤُوا ظِلالَ عبادتِه على أي أرضٍ وتحت أي سماء، قال تعالى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) [العنكبوت: 56].

 

وتابع فضيلته: (يَا عِبَادِيَ) كلمةٌ رقراقةٌ تُحفِّزُ على العمل، وبها نادَى الخالِقُ عبادَه المُؤمنين ليُعلِّمَهم آكَدَ العبادات وعِمادَها، وأجَلَّ الطاعاتِ وأفضَلَها، قال تعالى: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ) [إبراهيم: 31].

 

وأوضح الشيخ: حين يسمَعُ المُؤمنُ وصفَ الله لخلقِه بـ "عبادِي" يشعُرُ أنه يأوِي إلى رُكنٍ شديدٍ، وحِصنٍ عَتِيدٍ، وحمايَةٍ له مِن كل شيطانٍ مَرِيدٍ، فالقلبُ المُتَّصِلُ بالله الذي غمَرَت حياتُه العبادةَ والمحبَّةَ لا سُلطانَ للشيطانِ على ذلك القلبِ، ويستحِقُّ أن ينالَ العِصمةَ، وعلى عتَبَتِه يبطُلُ كَيدُ الشيطان.

 

وبيَّن الشيخ أن: (يَا عِبَادِيَ) عبارةٌ طيبةٌ، وأسلُوبٌ لطِيفٌ، ولمسَةٌ حانِيةٌ تستوعِبُ كلَّ المُذنِبِين والمُقصِّرِين إذا تابُوا وأنابُوا، قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53]. هؤلاء الذين يُنادِيهم ربُّهم بقولِه: (يَا عِبَادِيَ) مِن صِفاتِهم: حِرصُهم على قِيام الليل والاجتِهاد فيه، قال الله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) [الفرقان: 63، 64].

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على قيام الليل فقال: ومِن أفضل الأعمال في هذا الشهر الكريم: قِيامُ الليل، قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَن قامَ رمضان إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبِه». وقد كان قِيامُ الليل دأبَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه.

 

ومِن صِفاتِ عباد الرحمن: التوازُن في الإنفاقِ، فلا إسرافَ ولا تقتِيرَ، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان: 67]، والإسرافُ في شهر رمضان المُبارَك وغيرِه منهِيٌّ عنه، فإنفاقُ الأموال على هذه النِّعم، ومِن ثَمَّ إهدارُها أمرٌ يُنكِرُه الشرعُ ويُحرِّمُه، قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31].

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات