مختصر خطبتي الحرمين 23 شعبان 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

فلله أقوامٌ يُبادِرُون الأوقات، ويَحفَظُون الساعات، ويُلازِمُون الطاعات، ويُسارِعُون في الخيرات؛ فمَن قدَّم شيئًا اليوم قَدِمَ عليه غدًا، ومَن لم يُقدِّم شيئًا قَدِمَ على غير شيءٍ، ومَن خافَ أدلَجَ، ومَن أدلَجَ بلَغَ المنزِل، ومَن جدَّ وجَد، ومَن سهِرَ في طلَبِ المعالِي ليس كمَن رَقَد، ولا مُستراحَ للمُشمِّرين إلا تحت شجَرَة طُوبَى، ومَن صحَّ إلى اللهِ فِرارُه فنِعمَ القرارُ قرارُه..

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الخطيب: الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "المسابقةُ إلى فعل الخير"، والتي تحدَّث فيها عن المسابقة والمُبادرة إلى فعرِ الخير، والحرصِ على عدم تضييع الأوقاتِ في المُباحات فضلًا عن المُحرَّمات، كما ذكرَ بعضَ النماذِج المُضيئة من أحوال الصحابة - رضي الله عنهم -، في تنافُسِهم في فعلِ الخير.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم - أيها الناس - ونفسِي بتقوَى الله، فاتَّقُوا اللهَ - رحِمَكم الله -؛ فخَيرُ النَّاسِ مَن تواضَعَ عن رِفعةٍ، وعفَا عن قُدرة، وأنصَفَ مِن قُوة، وزَهِدَ عن غِنًى.

 

وأضاف الشيخ: المرءُ بحُسن عملِه لا بطُول عُمره، ولقد عوَّضَ اللهُ أمةَ الإسلام عن قِصَر أعمارِها بركَةَ أعمالِها، ومواسِمَ خيراتٍ مِن نفَحَاتِ دَهرِها، في نفَحَاتٍ ومُناسبَاتٍ لا تتناهَى. يخرُجُ المُؤمنُ مِن عبادةٍ ليستَقبِلَ أُخرى، ومَن لا يُطيقُ عبادةً يَنتَقِلُ إلى غيرها، والمُؤمنُ كيِّسٌ فَطِنٌ، يعلَمُ أن أنفاسَهُ معدُودة، وأيَّامَه محدُودة، والحياةَ فُرَص فمَن أحسَنَ اغتِنامَها فازَ وسعَد، ومَن ضيَّعَ وفرَّط فلا يلُومنَّ إلا نفسَه.

 

وقال حفظه الله: المُسابقةُ إلى الخيرات خُلُقٌ عظيمٌ، ومسلَكٌ كريمٌ لا يتَّصِفُ به إلا الجادُّون المُشمِّرون، والمُسارعةُ إلى أعمالِ البِرِّ طبعٌ لا يتخلَّقُ به ولا يُهدَى إليه إلا مَن وهَبَه الله علُوَّ همَّة، وقُوَّةَ عزيمَة، مع سلامةِ قلبٍ، ورَجاحَةِ عقلٍ، وانشِراحِ صَدرٍ. المُسارعةُ والتنافُسُ مُجاهدةُ النَّفس للتشبُّه بالأفاضِل، واللُّحُوق بالأخيار، مِن غير إدخالِ ضررٍ على أحدٍ، أو النَّيلِ مِن حقِّ أحدٍ.

 

وبيَّن فضيلته أن مما يُعينُ على التنافُس في الصالِحات، والمُسارَعة إلى الخَيرات: معرفةُ قَدر الدنيا بالنسبةِ للآخرة. وصُحبةُ الأخيار، وعَدمُ التوسُّع في المُباحات، والحَزمُ والعَزمُ، وأخذُ الكتاب بقُوَّة، والإكثارُ مِن العباداتِ وقتَ الفراغِ. وإذا كان التأنِّي والتمهُّلُ مطلُوبًا في أمورِ الدنيا، فإن أعمالَ الآخرة مطلُوبٌ فيها المُسارَعةُ والمُبادرةُ والمُسابقةُ، قال - عزَّ شأنُه -: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84].

 

وتابع الشيخ: وأمامَكم شهرٌ كريمٌ، مَيدانٌ للمُسابقات والمُنافسات، مَن تقرَّبَ فيه بنافِلة كان كمَن أدَّى فريضةً فيمَا سِواه، ومَن فطَّر فيه صائِمًا كان له مثلُ أجره ولو فطَّرَه على تَمرةٍ أو مَذقةِ لَبَنٍ. فيه ليلةٌ خيرٌ مِن ألف شَهر، مَن قامَها إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبِه، ومَن صامَ شهرَ رمضان وقامَه إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبِه.

 

والخَيراتُ لا تُحصَرُ أنواعُها، ولا تُحدُّ أبوابُها؛ مِن صلواتٍ، وزكَواتٍ، وصدَقاتٍ، وصِيامٍ، وقراءةِ قُرآن، واعتِكافٍ، وتفقُّد ذَوِي الحاجاتِ والأرامِل والمساكِين وذوِي القُربَى ممَّن لا يسأَلُون النَّاسَ إلحافًا. ولا تنسَوا زِيارةَ المريض، والإحسانَ إلى الجار، وطلَبَ العلمِ، والدعوةَ إلى الله، وإغاثَةَ الملهُوف، وإنصافَ المظلُوم، وكفَّ الظالِم، ورِعايةَ الأولاد والأُسَر، وإعمارَ المساجِد، والقِيامَ بالمسؤوليات، وأداءَ الواجِبات، وكلَّ قولٍ حسنٍ وفِعلٍ حسنٍ.

 

معاشِرَ المسلمين: وانظُرُوا إلى هذه النماذِج العجِيبة مِن صحابةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: فهذا عمر بن الخطاب أراد أن يسابق أبا بكرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنهما- في مُبادراتِه ومُسارعاتِه في تجهيز غزوة العسرة فقال في نفسِه: "اليوم أسبِقُ أبا بكرٍ إن سبَقتُه يومًا" فجاءَ بنَصفِ مالِه، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أبقَيتَ لأهلِك؟»، فقال: "مِثلَه يا رسول الله"، وأتَى أبو بكرٍ بكلِّ ما عِندَه مِن مالٍ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أبقَيتَ لأهلِك؟»، فقال: "أبقَيتُ لهمُ اللهَ ورسولَه"، فقال عُمر: "لا أُسابِقُك إلى شيءٍ أبدًا".

 

وجاء عُثمان - رضي الله عنه - بألفِ دينارٍ وصبَّها في حجرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فجعلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُقلِّبُها بيدِه ويقولُ: «ما ضَرَّ عُثمان ما عمِلَ بعد اليوم!».

 

وقال وفقه الله: وما معنى: «بادِرُوا بالأعمالِ فِتنًا»؟ أي: سارِعُوا قبلَ وقوعِ الفِتَن، وما هي الفِتَنُ - رحِمَكم الله -؟ هي كلُّ ما شغَل عن طاعةِ الله، أو أوقَعَ في معصِيةِ الله، ولعلَّ حالَ أهلِ العصرِ وما شغِلُوا به من هذه المُشغِلات والآلات والأدوات مِن أعظم الشواهِدِ والمُخِيفات. ولهذا عظُمَت العبادة زمن الفِتَن؛ لصُعُوبتها ومشقَّتها، كما في حديث مقِل بن يسارٍ - رضي الله عنه -: «العبادةُ في الهَرجِ كهِجرةٍ إلَيَّ». قال النوويُّ - رحمه الله -: "وسبَبُ كثرةِ فضلِ العبادة زمنَ الفِتَن: لأن النَّاس يغفلُون عنها، ولا يتفرَّغُ لها إلا الأفراد".

 

فلله أقوامٌ يُبادِرُون الأوقات، ويَحفَظُون الساعات، ويُلازِمُون الطاعات، ويُسارِعُون في الخيرات؛ فمَن قدَّم شيئًا اليوم قَدِمَ عليه غدًا، ومَن لم يُقدِّم شيئًا قَدِمَ على غير شيءٍ، ومَن خافَ أدلَجَ، ومَن أدلَجَ بلَغَ المنزِل، ومَن جدَّ وجَد، ومَن سهِرَ في طلَبِ المعالِي ليس كمَن رَقَد، ولا مُستراحَ للمُشمِّرين إلا تحت شجَرَة طُوبَى، ومَن صحَّ إلى اللهِ فِرارُه فنِعمَ القرارُ قرارُه.

 

وختم الشيخ خطبته بالتعليق على قمة الأخوة والصداقة في المملكة فقال: إنها وَقفةٌ مع هذا الاجتِماعِ المُبارَك الذي يجمَعُ الأشِقَّاءَ والأصدِقاءَ، إنكم تجتَمِعُون في القلبِ النَّابِض للأمةِ العربيةِ والإسلامية: المملكة العربية السعودية، بلاد الحرمَين الشريفَين، حامِلَة لِواء الإسلام والاعتِزازِ بالدِّين، والذي يُؤمِنُ به هؤلاء القادَة مِن العرب والمُسلمين؛ فهي حاضِنةُ مُقدَّساتهم، وخادِمتُها وراعِيتُها والقائِمةُ عليها. وهي الدَّولةُ التي تنتَهِجُ سِياسَةَ الحَزمِ والعَزمِ وإعادةِ الأمل، وهي سِياسةٌ لا تخدِمُ الأمنَ الوطنيَّ فحسب، ولكنَّها تُمثِّلُ أمنَ العربِ والمُسلمين أجمعين، وهي رافِدُ الاستِقرار للعالَم كلِّه.

 

في هذه القِمَّة المُبارَكة ينبَغِي أن يكون الطَّرحُ واقعِيًّا، وأن تُوضعُ النِّقاط على الحُروف، والتأكيد على أن التدخُّلات المنطِقة كان لها الأثر السيِّئ في تفاقُم الصِّراعات الطائِفيَّة والدينيَّة والقوميَّة والعِرقيَّة، وغلَبَة المصالِح الجُزئيَّة والأُحاديَّة.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البعيجان - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "اغتِنامُ شهر الخيرات"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان المُبارك وما حبَانا الله تعالى فيه من خيراتٍ ونفَحَاتٍ، يجدُرُ بكل مُسلمٍ أن يحمَدَ الله تعالى إذ بلَّغَه بلُوغَ هذا الشهرِ، فينبغي عليه أن يغتَنِمَ أيامَه وليالِيه في طاعةِ الله تعالى.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكُم - عباد الله -، بتقوَى الله في السرِّ والنجوَى؛ فهي وصِيَّةُ الله للأولِين والآخِرِين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].

 

وأضاف الشيخ: لله نفَحَاتٌ وهِباتٌ، ومواسِمُ للخَير والطاعاتِ، تنزِلُ فيها الرَّحمات، وتعُمُّ البرَكات، ومن تلك المواسِمِ والأوقاتِ: شهرٌ تُغلَّقُ فيه أبوابُ النِّيرات، وتُفتَّحُ فيه أبوابُ الجِنان، وقد دنَا أجَلُه، واقتَرَبَ موعِدُه، ولم يَبقَ بينَكم وبينَه إلا أيامًا معدُوداتٍ. فيا باغِيَ الخيرِ! أقبِل، ويا باغِيَ الشرِّ! أقصِر.

 

شُدُّو المِئزَرَ، وإيَّاكم والتسويف، وإيَّاكم والخَوَر، غنما هي أيامٌ معدُودة، وساعاتٌ محدُودة، لا مجالَ فيها للهوِ واللَّعِب، ولا مجالَ فيها للكسَلِ والخُمُول، ولا مجالَ فيها للمعاصِي والسيِّئات؛ فالأعمالُ مُضاعفَة.

 

وقال حفظه الله: شرَعَ اللهُ صومَ رمضان، وفرَضَه عليكم لا للجُوع والعطَش، ولا للظَّمأ والنَّصَب، ولكن (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)؛ فالتقوَى غايَةٌ مطلُوبةٌ، فلا يتِمُّ التقرُّبُ إلى الله تعالى بتَرك هذه الشَّهَوات المُباحَة في حالةِ الصيام إلا مع التقرُّبِ إليه بتَركِ ما حرَّم - سبحانه -؛ فصُومُوا رمضان وصُونُوه، واتَّقُوا اللهَ واعلَمُوا أنَّكم مُلاقُوه.

 

وبيَّن الشيخ أن الصَّوم مِن أفضلِ القُرُبات، وأجَلِّ الطاعات، وأعظمِ المَثُوبات، وهو عبادةُ الصابِرين، وزادُ المُتَّقين، وذُخرٌ للفائِزِين، أجرُه كبيرٌ، وخَيرُه كثيرٌ، ونَفعُه ليس له نَظيرٌ، شِفاءٌ للأسقام، وصِحَّةٌ وقُوَّةٌ ودواءٌ للنُّفوسِ والأجسَام، وتربيةٌ للبدَن، وفَوقَ هذا طاعةٌ للربِّ، ومغفِرةٌ للذنبِ.

 

وقال وفقه الله: رمضانُ شهرُ مغفِرَة، تُعتَقُ فيه الرِّقاب، فتعرَّضُوا لنَفَحات الله وابذُلُوا الأسبابَ؛ فإنه جَوادٌ كريمٌ وهَّاب. فيا مَن فرَّطَ في رمضان مضَى .. وضاعَ عليه وانقضَى، فمَنَّ عليك بفُسحَةٍ مِن العُمر حتى أدرَكتَ رمضان، احمَد اللهَ على هذه النِّعمَة، وأقبِل على ربِّك قبل أن يأتِي الموتُ فجأة، ويَضِيعَ العُمرُ خَيبَة.

 

وأكَّد الشيخ أن عناء الطاعة يَفنَى، ويذهَبُ التَّعبُ والنَّصَبُ، وتبقَى لذَّتُها في الحياة، وأجرُها في الآخرة كنزٌ وذُخرٌ، ولذَّةُ المعصِيةِ تفُوتُ وتنتَهِي، ويبقَى شقاؤُها مدَى الدَّهر، وفي الآخرة عِقابٌ وخُسرٌ.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على المحافظة على نعمة الأمن ووحدة الصف فقال: إن العبادةَ تحتاجُ إلى طُمأنينةٍ وأمنٍ وسَكِينةٍ، والقلوبُ إذا فزِعَت وامتَلَأَت بالرُّعبِ والقَلَقِ تعذَّرَت الطُّمأنينةُ والخُشُوع، واختُلِسَ السُّجُودُ والرُّكُوعُ.

والله قد أسبَغَ علينا النِّعمَ في هذه البلاد، وأكرَمَنا بالأمنِ والإيمانِ، وجنَّبَنا الفِتنَ التي رأينَاها قد حلَّت بغَيرِنا في هذا الزمان، فأهلَكَت الحرثَ والنَّسلَ، وفرَّقَت الشَّملَ.

 

ويجِبُ علينا أن نقِفَ صفًّا واحدًا أمامَ مَن تُخوِّلُ له نفسُه أن يُهدِّدَ أمنَنا، وأن يزرَعَ الفتنةَ في صُفوفِنا ووحدَتنا، وأن يفُتَّ في عضُدِنا؛ فالمُستهدَفُ - معشرَ الإخوة - إنما هو عقيدتُنا ودينُنا، وكلَّما تهيَّأَ المُسلمون لموسِمٍ مِن مواسِمِ دينِهم حِيكَت لهم المكائِدُ للصدِّ عنه، وأُبرِمَت عليهم مُؤامراتُ الفِتنة.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات