مختصر خطبتي الحرمين 24 من رجب 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-08 - 1444/03/12
التصنيفات:

اقتباس

إن الناظِرَ إلى واقعِ المُسلمين اليوم ليَرَى ما يُورِثُ الحزنَ والأسَى؛ بسببِ ما يقعُ فيه كثيرٌ منهم، من المُخالفة لكتابِ الله وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، والجفاءِ لأوامرِهما، وارتِكابِ نواهِيهما، وهِجران السنَّة، ومُعارضَة النُّصوص الشرعيَّة بالمعقُولات والأذواق، والأقيِسَة والعادات..

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ فيصل بن جميل غزاوي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "خطورة الإعراض عن الوحي"، والتي تحدَّث فيها عن التمسُّك بالكتاب والسنَّة؛ فإن فيهما النجاةُ والفوزُ والفلاحُ في الدنيا والآخرة، مُحذِّرًا من مُخالفتهما والإعراض عنهما، ومُبيِّنًا مظاهرَ هذا الإعراضِ، كما تحدَّث عن بعضِ البِدع المُتعلِّقة بشهر رجب.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: اتقوا الله يا عباد الله؛ فإن تقوى الله سبيل النجاة.

 

وأضاف الشيخ: فمن رحمةِ الله بالعباد أن هداهم إلى صِراطه المُستقيم، وبيَّن لهم الحقَّ ليتَّبِعُوه، والباطلَ ليجتنِبُوه. وقد تكفَّل الله - عزَّ وجل - لمَن اتَّبعَ هُداه بألا يضِلَّ ولا يشقَى، فإما أن يتَّبِعَ المرءُ الحقَّ الذي أنزلَه الله، والهُدى الذي يهتدِي به الخلقُ، وإما أن يضِلَّ ويخسَر.

 

وبيَّن فضيلته أن الناظِرَ إلى واقعِ المُسلمين اليوم ليَرَى ما يُورِثُ الحزنَ والأسَى؛ بسببِ ما يقعُ فيه كثيرٌ منهم، من المُخالفة لكتابِ الله وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، والجفاءِ لأوامرِهما، وارتِكابِ نواهِيهما، وهِجران السنَّة، ومُعارضَة النُّصوص الشرعيَّة بالمعقُولات والأذواق، والأقيِسَة والعادات.

 

وإن الإعراضَ عن وحيِ الله تعالى له مظاهِرُ كثيرةٌ في واقعِ الأمة اليوم، فمِن ذلك:

تلقِّي الدين من غير أهلِه، بأن يأتِيَ أُناسٌ لا علمَ عندهم، وهم أبعدُ ما يكونون عن التمسُّك بالدين والالتِزامِ بشرعِ الله، فتُجعلُ لهم دِعاية، وتُضفَى عليهم الألقاب، ويُروَّجَ لفتاواهم، وهم ليسُوا بأهلٍ للفُتيا ولا الاجتِهاد، ومع ذلك يأخُذُ الناسُ عنهم، وينخدِعُون بهم، ويثِقُون فيهم، ولا يُميِّزُون بين من يُرشِدُهم وينصَحُهم، وبين من يُضلِّهُم ويُلبِّسُ عليهم.

 

ومن مظاهر الإعراضِ عن الوحيِ: تأويلُ النُّصوصِ على غيرِ حقيقتها، وتفسيرُها على غير مُرادِ الله، وهذه طريقةُ كثيرٍ من أهل الأهواء.

 

ومن مظاهر الإعراضِ عن الوحيِ: وضعُ النُّصوصِ رهينةً للمنطقِ البشريِّ، ومُحاكمتُها للعقلِ البشريِّ القاصِرِ، وهذا من أعظم الفساد أن يُقدِّم المرءُ الرأيَ والهوَى على الوحيِ والنَّقلِ.

 

ومن مظاهر الإعراضِ عن الوحيِ: اعتِقادُ أن الشريعةَ لا تفِي بحاجاتِ الناسِ في هذا العصرِ، وأن أحكامَها جامِدة، وأنها لا تصلُحُ للتطبيقِ في الواقعِ المُعاصِر، وهؤلاء يُريدون تنحِيةَ الشريعةِ عن الحُكم، واستِيرادَ المناهِج الغربيَّة، والقوانِين الوضعيَّة، فيا ويحَهم! أنَّى يُؤفَكُون!

 

ومن مظاهر الإعراضِ عن الوحيِ: تركُ بعضِ الكتابِ والسنَّةِ إذا كانت الأوامرُ تتعارَضُ مع المصالِحِ الشخصيَّة، أو تُفوِّتُ على المرءِ منافعَه الخاصَّة.

 

ومن مظاهر الأعراضِ عن الوحيِ: البُعدُ عن منهجِ الدينِ القَويمِ وصِراطِه المُستقيم، بالجُنوحِ إلى تفريطٍ وإضاعةٍ، أو إلى إفراطٍ وغلُوٍّ، مع أن الإسلام قد جاء آمِرًا بالاعتِدال والاقتِصاد والوسطيَّة في كلِّ أمرٍ.

 

ومن مظاهر الإعراضِ عن الوحيِ: عدمُ الاقتِصار في جانبِ العبادة على ما وردَ في الكتابِ والسنَّةِ؛ بل تجاوُزُ ذلك بالتعبُّد بالمُحدثات في الدين، وما لم يأتِ به الشرعُ المُبين، كالاحتِفال ببعضِ المواسِمِ والمُناسَبات، وإحياءِ ليالِيها بالقِيامِ، وصيامِ أيامِها، والصدقةِ فيها، وكثرةِ الذِّكر تقرُّبًا إلى الله.

 

وقال حفظه الله: يتعرَّضُ التمسُّكُ بالوحيِ لهجماتٍ شديدةٍ، ومُؤامراتٍ عظيمة، ويتقبَّلُ كثيرٌ من المُسلمين ما يُواجَهُون به من غزوٍ فكريٍّ، ودعواتٍ آثِمةٍ للانسِلاخِ من الدين؛ بسببِ ما هم فيه من الجهلِ والانغِماسِ في الشهواتِ، واتِّباع الهوَى، ويتأثَّرُون بما يُروِّجُ له الأعداءُ عبرَ الإعلاء المقروء والمسمُوم والمرئيِّ، وما يضِجُّ بكثافةٍ من دعواتٍ للافتِتانِ بأشياء مُخالِفةٍ للوحيِ، يُروِّجُون لها، ويُلبِّسُون على الناسِ بها، ويزعمُون أنها من الدين.

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من المعاصي، فقال: علينا أن نتأكَّد ويستقِرَّ في قلوبِنا أن كلَّ ما يلحَقُ الأمةَ المُسلمةَ من ذِلَّةٍ ومهانةٍ وتخلُّفٍ فهو نتيجةُ مُخالفَة الوحيَين، وما تُصابُ به الأمةُ من الهزيمةِ والمصائِبِ فيه عِظةٌ وتذكِرةٌ، فلعلَّ العبادَ يؤوبُون إلى رُشدِهم، ويعُودُون إلى الحقِّ الذي ترَكُوه، ومتى رجعَ العبادُ، وغيَّرُوا ما بأنفسِهم من عقائِد باطِلة، ومفاهِيمَ خاطِئة، واستبدَلُوا بها ما جاء في كتابِ الله وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، إذا فعلُوا ذلك أصلحَ الله حالَهم، وأحسنَ مآلَهم، وأما إذا تمرَّدُوا ولجُّوا في طُغيانِهم، أخذَهم الله أخذَ عزيزٍ مُقتَدِر، وسُنَّةُ الله ماضِيةٌ لا تُحابِي أحدًا، وما أهونَ الخلقِ على الله إذا هم عصَوا أمرَه وخالَفُوا شرعَه.

 

علينا أن نتمسَّك بشرعِ ربِّنا، ونعملَ بالكتابِ والسنَّة في واقعِنا، ولا نَحيدَ عنهما قِيدَ أُنملةٍ؛ إذ إن حياةَ الأمة مُرتبطةٌ ثباتًا ونمُوًّا وارتِقاءً بقَدر ما نُحيِيه من العملِ بالوحيَين الشريفَين.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "ما ينفعُ العبدَ بعد موته"، والتي تحدَّث فيها عن الآثار النافعة التي يترُكُها العبدِ بعد موتِه، وكيفيَّة صِناعة هذه الآثار في حياتِه، كما حذَّر من تركِ آثارٍ سيئةٍ تكون شاهِدةً على العبدِ يوم القيامة، مُحبِطةً لحسناتِه.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله بالعمل بمرضاته، وهجر مُحرَّماته؛ لتفوزُوا برِضوانه ونعيم جناته، وتنجُوا من غضب عقوباته.

 

وأضاف الشيخ: من أعظم نِعَم الله على العبدِ: أن يجعلَ له أثرًا طيبًا يُحيِي ذِكرَه، ويُجرِي به أجرَه، ويُمِدُّ به عُمرَه، بدوامِ حسناتِه بعد موتِه، قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس: 12].

 

وتابع فضيلته: الأثرُ الطيبُ الذي يصنعُه الإنسانُ في مسيرةِ حياتِه يُورِثُه معيَّةَ الله وحِفظَه، وإذا فتحَ الله لعبدِه أبوابَ رحمتِه وفَّقه لعملٍ له أثرٌ طيبٌ، وبارَك له فيه، وضاعَفَ نفعَه وفضلَه، وأخلَف عليه في قليلِه وصغيرِه، وإذا جهِلَ الناسُ جُهدَ صانِعِ الأثر وسعيَه، فإن ذلك لا يَضِيرُه؛ فعلمُ الله يُحيطُ كلَّ خفِيٍّ وجلِيٍّ، وكلما أصلحَ العبدُ قلبَه، واقتربَ من خالقِه أثرمَ أثره، وأزهرَت ثِمارُه.

 

وأوضح سماحته: العملُ الطيبُ المُؤسَّسُ بنيَّةٍ صالحةٍ يجعلُ الأثرَ يزدادُ رُسُوخًا وعُمرًا وقبُولًا؛ وكلُّ أثرٍ لم يُبنَ على الإيمان، فمصيرُه الزوالُ والاندِثار مهما عظُمَ ونمَا. والإسلامُ يُرسِّخُ صِناعةَ الأثَر؛ لبِناءِ الحياة، والقيامِ برسالتِها، وليستمرَّ بناؤُها؛ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن قامَت الساعةُ وفي يدِ أحدِكم فسِيلَة، فإن استطاعَ ألا تقومَ حتى يغرِسها فليغرِسها».

 

وأضاف الشيخ: ومَن عرفَ أثرَ صناعةِ الأثَر سمَا في آفاقِ الاجتِهاد والتنافُس؛ فالمُسلمُ حسنُ الإيمان، صاحبُ السيرة الحسنة هو النموذجُ المُثمِر، حيثما حلَّ نفَع؛ فسلُوكُه قُدوة، وسِيرتُه منارةُ إشعاع. وظهورُ أثر المُسلم في حياتِه وبعد مماتِه من عاجلِ بِشارات توفيقِ الله وقبُولِه.

 

وقال حفظه الله: ومجالاتُ صِناعة الأثر مُتنوِّعة، وأشكالُه مُتعدِّدة، يختارُ كلُّ فردٍ ما يُلائِمُ إمكاناتِه، وما يتوافَقُ مع قُدراتِه ومواهِبِه، كما كان صحابةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الذين ترَكُوا أثرًا فاعلًا في شتَّى مجالاتِ الحياةِ؛ في الإصلاح، في القضاء، في الإنفاق، في الجهاد، وفي العلم. وكلُّ نفعٍ مُتعدٍّ يغرِسُ خيرًا، وتصلُحُ به الحياة يكون أثرًا طيبًا وأجرًا دائمًا؛ كالتعليمِ، والدعوةِ، وقضاءِ الحوائِج، ونُصرة المظلُوم، وأفضلُ العباداتِ أكثرُها نفعًا.

 

فالعاقِلُ الحَصِيفُ اللَّبيبُ هو الذي يترُكُ أثرًا بعد الرَّحيل؛ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن مما يلحَقُ المُؤمنَ من عملِه وحسناتِه بعد موتِه: علمًا علَّمَه ونشرَه، وولدًا صالِحًا تركَه، ومُصحفًا ورَّثَه، أو مسجِدًا بناه، أو بيتًا لابنِ السَّبيلِ بناه، أو نهرًا أجرَاه، أو صدقةً أخرجَها من مالِه في صحَّتِه وحياتِه يلحَقُه من بعد موتِه».

 

وقال وفقه الله: ومن سِماتِ صانِعِ الأثر: أنه يجعلُ الآخرةَ نُصبَ عينَيه، يبني باطنَه وظاهرَه، ويُزكِّي نفسَه وعملَه، ويُوافِقُ قولُه فعلَه. ومن سِماتِ صانِعِ الأثر: أن مبادِئَه وقِيمَه راسِخة، وحياتَه مُتوازِنة، ينطلِقُ واثِقًا من نفسِه مُعتزًّا بهويَّته. والذين يترُكون أثرًا في الناسِ والحياةِ هم الذين يزرعُون المحبَّةَ والأُلفةَ في القلوب.

 

هناك مَن يصنَعُ أثرًا له برِيقٌ، لكنَّه مجهُولُ الطريق، لا هدفَ من ورائِه يُنشَد، ولا قيمةَ فيه تُؤسَّس، مُحتوًى زائِف، ومبنًى زائِغ، وأفظَعُ مِن هذا أن يُحدِثَ الأثرُ خرابًا، ويُثمِرَ دمارًا، ويُفسِدَ أخلاقًا، (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 104].

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من شرّ صُنَّاع الأثر أولئك الذين أوصَدُوا على أنفسِهم بابَ الحسنات، وفتَحُوا في سجلَّاتهم سيلًا من السيئات، يمُوتُ صانِعُ الأثر، ويبقَى أثرُه وِزرًا عليه. صانِعُ السوء يضُرُّ مُجتمعَه، ويهتِكُ سِترَ وطنِه، وينتَهِكُ حُرمةَ أمَّته؛ لما يُحدِثُه من إغواءٍ وخِداعٍ وتزيينِ السُّوء، من خلال مواقِع إلكترونية يُزيِّنُ بها الشهوات، أو منصَّاتٍ ينشُرُ منها الشُّبهات، ودعوةٍ للإثمِ والعُدوانِ، أو ترويجٍ للجرائِمِ، أو قنواتٍ مُخِلَّةٍ بالآدابِ والأخلاق. قال - صلى الله عليه وسلم -: «ومَن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثلُ آثام مَن تبِعَه، لا ينقُصُ ذلك من آثامِهم شيئًا».

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات