مختصر خطبتي الحرمين 17 من رجب 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

الاعتِبارُ بطبائِعِ المخلُوقات، واستِكشافِ حِكَمها وصِفَتها، والتفكُّر في بديعِ صُنعِها، غايتُه وثمَرَتُه توحيدُ الله - عزَّ وجل- وعبادتُه وطاعتُه، فالتفكُّرُ في مخلُوقاتِ الله عبادةٌ، والاعتِبارُ بهذه المخلُوقات يَزيدُ المُسلِمَ إيمانًا، ويَزيدُه رُسُوخًا في اليقين، والتفكُّرُ والاعتِبارُ يُثبِّتُ المُرتاب، ويُحيِي القلوبَ، ويُنوِّرُ البصائِرَ، ويُقيمُ السُّلوكَ، والإعراضُ عن التفكُّر والاعتِبار يُقسِّي القلبَ، ويُورِثُ الغفلةَ، ويقُودُ إلى النَّدامة، ويُوقِعُ في المعصِيةِ..

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ ماهر المعيقلي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "نبذ التفرُّق والاختِلاف"، والتي تحدَّث فيها عن اجتِماع كلمةِ المُسلمين وتوحيدُ صفِّهم، وبيان أن هذا كان من أولوياتِ دعوةِ النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قدِمَ المدينةَ، كما ذكرَ أبرزَ الأدلَّة مِن الكتابِ والسنَّة على ضرورةِ الائتِلافِ والاعتِصامِ بحبلِ الله تعالى، وذمِّ الاختِلافِ والتفرُّق، كما أوردَ بعضَ النماذِج المُنيرَة من أحوالِ سلَفِنا الصالِحِ في ذلك.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: اتقوا الله يا عباد الله؛ فإن تقوى الله سبيل النجاة.

 

أضاف الشيخ: لقد بعثَ الله تبارك وتعالى أنبياءَه لإقامةِ الدين والأُلفَةِ والجماعة، وتركِ الفُرقةِ والمُخالفَة، وكان من أولويَّاتِ دعوةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- حين وطِئَت قدمُه الشريفةُ المدينةَ النبويَّة: بِناءُ مسجِد قُباء، والمُؤاخاةُ بين المُهاجِرين والأنصار، فانتقَلَ الناسُ من العداوَةِ في الجاهلِيَّة إلى الأُلفةِ في الإسلام، وأصبحَ غُرباءُ الدار إخوةً للأنصار، يُقاسِمُون دُورَهم وأموالَهم، ولم يكتَفِ -صلى الله عليه وسلم-، بتأسِيسِ أواصِرِ المحبَّة والأُخُوَّة بين أصحابِه؛ بل اعتنَى بها، وأوصَى بتعاهُدِها، وبيَّن فضلَها؛ حِرصًا على دوامِ الأُلفةِ وبقاءِ المحبَّة.

 

وقال حفظه الله: ولا يتحقَّقُ اجتِماعُ القلوبِ ودوامُ الأُلفةِ إلا بلِينِ الجانِبِ، وشيءٍ من التطاوُعِ والتنازُلِ، وإن مِن دواعِي اجتِماع الكلِمةِ: التنازُلَ عن شيءٍ من حُطامِ الدنيا. وكان مِن سِياسةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أنه يقضِي على أي بادِرةِ اختِلافٍ في مَهدِها، ويُطفِئُ فَتيلَها قبل اشتِعالِها؛ كلُّ ذلك لجَمع الكلِمة. بل نجِدُه -صلى الله عليه وسلم- وهو الرَّؤوفُ الرحيمُ يُغلِظُ المقالَ لمَن يُريدُ تفريقَ وحدة الأمة، ورفعَ شِعاراتِ الجاهلِيَّة؛ لعلمِه -صلى الله عليه وسلم- أن نارَ الخِلاف والفُرقةِ والفِتنةِ إذا أُوقِدَت فمِن العَسِير إطفاؤُها.

 

وقال وفقه الله: ونفَى -صلى الله عليه وسلم- الإيمانَ عمَّن لا يُحبُّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لنفسِه، ووعَدَ المُتحابِّين في الله بأنَّ لهم منابِرَ مِن نُورٍ يوم القيامة، وأنَّ الله يُظِلُّهم في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه. ولا شيءَ أكثرُ إخلالًا بالأمنِ والأمانِ مِن اختِلافِ الكلِمةِ وافتِراقِ القلوبِ، فلذا أمَرَ -صلى الله عليه وسلم- بالسَّمعِ والطاعةِ لوُلاةِ الأُمُور. ولذا حرِصَ -صلى الله عليه وسلم- على سلامةِ الأمة ووحدتها، وشدِّ بُنيانِها واجتِماع كلِمتِها إلى آخر لحَظاتِ حياتِه.

 

وتابع  الشيخ: لئِن كان اجتِماعُ الكلِمة ضرورةً في كل وقتٍ وحِين، فالمُسلِمون اليوم أحوَجُ إليه مِن أي وقتٍ آخر، ولكن إذا كُنَّا نُريدُ وحدةَ الأمةِ، فلا بُدَّ مِن استِيعابِ تعدُّد الآراء والاجتِهاداتِ في حُدودِ شرعِنا المُبارَك، نعم .. في حُدودِ شرعِنا المُبارَك. فهؤلاءِ أنبياءُ الله - تبارك وتعالى - قد اختَلَفُوا فيما بينهم، وهم خِيرةُ خلقِ الله، فالخِلافُ قد حصَل، ولكن كلٌّ منهما للآخر قد عذَرَ. ولا يجوزُ لأحدٍ أن يجعلَ مِن هذا الخِلافِ سببًا للفُرقةِ والنِّزاعِ واختِلافِ القلوبِ، وقد حذَّرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِن ذلك.

 

وكان أصحابُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- على ما بينهم مِن المودَّةِ والرَّحمةِ والأُلفةِ قد يحصُلُ بينهم خِلافٌ، ولكن كانت نفوسُهم صافِيةً نقِيَّةً. وعلى هذا النَّهجِ سارَ التابِعُون وتابِعُوهم عند اختِلافِهم؛ فحفِظُوا حُقوقَ الأخُوَّةِ الإيمانيَّة التي تجمَعُهم. فالمسائِلُ التي خالَفَ فيها الشافعِيُّ أبا حنيفَةَ في الفِقهِ كثيرةٌ، ومع ذلك قال: "الناسُ في الفِقهِ عِيالٌ على أبي حنيفَةَ". ويقولُ الإمامُ أحمد: "لم يعبُرِ الجِسرَ إلى خُراسان مثلُ إسحاق، وإن كان يُخالِفُنا في أشياء؛ فإن الناسَ لم يزَلْ يُخالِفُ بعضُهم بعضًا". وقال يُونسُ الصَّدفِيُّ: "ما رأيتُ أعقلَ مِن الشافعِيِّ، ناظَرتُه يومًا في مسألةٍ ثم افتَرَقنا، ولقِيَني، فأخذَ بيَدِي ثم قال: يا أبا مُوسَى! ألا يستَقِيمُ أن نكون إخوانًا وإن لم نتَّفِق في مسألةٍ؟!".

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على أن هذه المواقِف النيِّرة مِن تاريخِ سلَفِنا هي المُوافِقةُ للمقاصِدِ الشرعيَّة الآمِرةِ بالتآلُفِ والتراحُم الذي يجِبُ أن يسُودَ بين المُسلمين جميعًا، لا أن يكون الشِّقاقُ والنِّزاعُ هو الأصلُ في كل خِلافٍ، والله تعالى يقول: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].

 

قال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وأما الاختِلافُ في الأحكام فأكثَرُ مِن أن ينضَبِطَ، ولو كان كلما اختلَفَ مُسلِمان في شيءٍ تهاجَرَا، لم يبقَ بين المُسلمين عِصمةٌ ولا أُخُوَّة، ولقد كان أبو بكرٍ وعُمرُ - رضي الله عنهما - سيِّدَا المُسلِمين يتنازَعَان في أشياء، لا يقصِدَان إلا الخير".

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الاعتِبار والتفكُّر في خلق الله"، والتي تحدَّث فيها عن الاعتِبار والتفكُّر في ملَكُوت الله تعالى، وضرورة ذلك؛ مُستشهِدًا بالكثيرِ مِن آياتِ الله تعالى في كتابِه، وبعضِ أحاديثِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، مع ذِكرِه فضل الاعتِبار بقصصِ السابِقين من الأنبياء والمُرسَلين والمُؤمنين بهم، والمُكذِّبين لهم.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله بالعمل بمرضاته، وهجر مُحرَّماته؛ لتفوزُوا برِضوانه ونعيم جناته، وتنجُوا من غضب عقوباته.

 

وأضاف الشيخ: الاعتِبارُ مِن أعمالِ العقولِ المُستنِيرة، ومِن أعمال البَصِيرة الخَبِيرة، الاعتِبارُ يهدِي إلى الفَوزِ والنَّجاةِ مِن المُهلِكات، ويُوفَّقُ صاحِبُه إلى عملِ الصالِحات، ويرشُدُ به صاحِبُهُ إلى طريقِ الصالِحِين المُصلِحِين، وتكونُ عواقِبُه إلى الخيرات. ومَن حُرِمَ الاعتِبار لم ينفَعه الادِّكار، ووقعَ في الهلَكَات، واتَّبعَ الشهوات، واتَّبعَ سُبُل المُفسِدين، فصار مِن النادِمِين.

 

وقال حفظه الله: الاعتِبارُ هو الانتِقالُ مِن حالةٍ مُشاهَدة، أو حالةٍ ماضِية ذاتِ عقوبةٍ ونَكالٍ إلى حالةٍ حسنةٍ، باجتِنابِ أسبابِ العقوبةِ والنَّكالِ، أو الانتِقالُ مِن سِيرة الصالِحين وما أكرَمَهم الله به إلى العملِ بأعمالِهم، واقتِفاءِ آثارِهم، أو التفكُّرُ في طبائِعِ المخلُوقاتِ، ومعرفةِ أسرارِها وصِفاتِها، والحِكمةِ منها لعبادةِ خالقِها، وتخصيصِه بالتوحيدِ والطاعةِ - تبارك وتعالى-، وقد خلقَ الله - عزَّ وجل - الخلقَ، وجعلَ للكَون سُننًا، فجعلَ الطاعةَ سببًا لكلِّ خيرٍ في الدنيا والآخرة، وجعلَ المعصِيةَ سببًا لكلِّ شرٍّ في الدنيا والآخرة. وهل شقِيَ بطاعةِ الله أحد؟! وهل سعِدَ بمعصِيةِ الله أحد؟!

 

وأكد فضيلته أنه: لا ينتَفِعُ بأحداثِ التاريخِ والحِكَمِ مِن أحوالِه إلا المُعتَبِرُون المُتفكِّرون الذين يقتَدُون بأهلِ الصلاحِ والإصلاح، ويترُكُون أهلَ الفسادِ والإفسادِ، وأما مَن لا يعتَبِرُ ولا يتَّعِظُ، ولا يُحاسِبُ نفسَه، ولا يعمَلُ لآخرتِه، ولا يحجُزُه دينٌ ولا عقلٌ عن القبائِحِ والآثامِ فهو كالبَهِيمةِ.

 

وقال وفقه الله: وما ذكَرَ الله سِيرةَ الأنبياء والمُرسَلين، وخاتَمُهم نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- إلا لنَعتَبِرَ بتاريخِهم، ونقتَدِيَ بهَديِهم وأخلاقِهم، ونسلُكَ طريقَهم، وكما قصَّ الله تعالى علينا قصصَ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - والمُؤمنين بهم؛ لنقتَدِيَ بهم، ونسلُكَ طريقَ النجاةِ معهم، ونعتَبِرَ بسِيرتِهم، ونعلمَ أحوالَهم، قصَّ الله تعالى علينا أيضًا أخبارَ المُكذِّبِين لهم، والمُعانِدِين للحقِّ، والمُستكبِرين عن اتِّباعِهم، المُؤثِرين للحياة الدنيا على الآخرة، المُتَّبِعين للشهواتِ والملذَّات، لنعتبِرَ بعقوباتِهم، ونتَّعِظَ بما حلَّ بهم مِن خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة، ونحذَرَ مِن اللَّعنةِ التي حقَّت عليهم.

 

وأكد فضيلته أن تاريخ الرُّسُل -صلواتُ الله وسلامُه عليهم- مع المُكذِّبين المُحادِّين لله والرُّسُل يعلَمُها الناسُ، وتعرِفُها الأجيالُ الآخِرُ عن الأولِ، وهي مِن أكبَرِ حُجَجِ الله تعالى على خلقِه في تأييدِ الحقِّ وأهلِه، ومعرفةِ التوحيدِ والدعوةِ إليه، ونَصرِ المُوحِّدين وحُسن عاقِبَتهم، وفي إبطالِ الباطِلِ والشِّركِ، والتحذيرِ منه، وعقوباتِ المُشرِكين المُعرِضين.

 

وأضاف فضيلته: وأما الاعتِبارُ بطبائِعِ المخلُوقات، واستِكشافِ حِكَمها وصِفَتها، والتفكُّر في بديعِ صُنعِها، فغايتُه وثمَرَتُه توحيدُ الله - عزَّ وجل- وعبادتُه وطاعتُه، فالمُتفرِّدُ بالخلقِ هو المعبُودُ بحقٍّ، فالتفكُّرُ في مخلُوقاتِ الله عبادةٌ مِن المُسلم، والاعتِبارُ بهذه المخلُوقات يَزيدُ المُسلِمَ إيمانًا، ويَزيدُه رُسُوخًا في اليقين، والتفكُّرُ والاعتِبارُ يُثبِّتُ المُرتاب، ويُحيِي القلوبَ، ويُنوِّرُ البصائِرَ، ويُقيمُ السُّلوكَ، والإعراضُ عن التفكُّر والاعتِبار يُقسِّي القلبَ، ويُورِثُ الغفلةَ، ويقُودُ إلى النَّدامة، ويُوقِعُ في المعصِيةِ؛ فالغفلةُ بابٌ مِن أبوابِ الشيطانِ.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على أن يحاسب العبد نفسه، فقال: حاسِبُوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبُوا، ولينظُر أحدُكم في عواقِبِ الأمور، ونفادِ الأجَل؛ فمَن كثُر اعتِبارُه قلَّ عِثارُه، ومَن حذِرَ المعاصِي والآثام عاشَ في سلامٍ، ووُفِّق لحُسن الخِتام، والسعيدُ مَن اتَّعَظَ بغيرِه، والمغبُونُ مَن وُعِظَ به غيرُه.

 

ولقد ذمَّ الله تعالى مَن اتَّبَعوا الأهواءَ ولم يعتَبِرُوا، ولم يتَّعِظُوا بما أتاهم مِن الأنباء، قال الله تعالى: (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) [القمر: 3، 4].

 

ألا إن لله  –سبحانه وتعالى- سُننًا في الثوابِ والعقابِ؛ فمَن صادَمَ سُننَ الله سحَقَتْه واضمَحَلَّ، وانحَطَّ وذَلَّ، قال الله تعالى: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 62]. وفي الحديثِ: «أكثِرُوا ذِكرَ هاذِمِ اللذَّات الموت». فمَن ذكَرَ الموتَ حسُنَ عملُه، ومَن نسِيَ الموتَ ساءَ عملُه.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات