مختصر خطبتي الحرمين 25 من جمادى الآخرة 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن ثباتَ قُلوبِ المُؤمنين وقُوَّةَ نفوسِهم في أوقاتِ الشدائِدِ والمِحَن هَدْي قُرآنيٌّ عظيم، يُفيدُ منه أهلُ العلم والإيمان والنُّهَى عبرَ القُرون والأجيالِ. وأهلُ الثَّباتِ والرُّسُوخ هم أصبَرُ الناسِ على البلاء، وأقوَاهم في الشدائِد، وأرضَاهم نفسًا في المُلِمَّات، وليس أضَرَّ على الثَّباتِ مِن اليأسِ بنَصرِ الله، وسُوء الظنِّ بالله، وأنه خاذِلٌ دينَه وتارِكٌ أولياءَه..

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "وسائل الثبات على الدين"، والتي تحدَّث فيها عن الثَّباتِ على دينِ الله تعالى، مُبيِّنًا أهميته في هذه الآونةِ التي شاعَت فيها الشُّبُهات والشَّهوات، وطارَت كلَّ مطار، وأوردَ بعضَ أبرز الوسائل المُعينة على الثَّبات على الدين، ثم عرَّج على ذِكر نُبَذ من ثَباتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابتِه الكرام - رِضوانُ الله عليهم - في المُدلهِمَّات.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصِي نفسِي وإياكم بتقوَى الله - جلَّ جلالُه -.

 

وأضاف الشيخ: موضُوعٌ يحتاجُه كلُّ مُسلمٍ، كما تحتاجُه جميعُ الأمةِ في كلِّ حِينٍ وآنٍ، وفي كل زمانٍ ومكانٍ، والحاجةُ إليه في أوقاتِ الفتَنِ أشد والمِحَن أعظَم، هو كنزٌ عظيمٌ مَن وُفِّق لكَسبِه، وأحسنَ توظِيفَه، واستمسَكَ به، فقد غنِمَ وسلِم، ومَن حُرِمَه فقد حُرِم؛ ذلكُم هو الثَّباتُ، ومُلازمةُ الاستِقامة على الدِّين الحقِّ، ولُزومُ التقوَى والصراطِ المُستقيم من غير عِوَجٍ ولا انحِرافٍ، واجتِنابُ صواِف الشيطان والهوَى ونوازِع النفسِ، مع مُداومةِ التوبَةِ والأَوبَةِ والاستِغفار.

 

وقال حفظه الله: الثَّباتُ هو دواءُ الفتَن وعلاجُها، والثَّباتُ فوزٌ عظيمٌ، ونصرٌ كبيرٌ حين تعلُو النفوسُ على الخوفِ والجُبن والتردُّد، وتتسامَى على نوازِع النفسِ والشهوةِ وإرجافِ المُرجِفِين. ولقد وعدَ الله بالنصرِ والتثبيتِ لمَن ينصُرُه ويستقِيمُ على أمرِه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، هذا هو الشرطُ، وهذا هو الجزاءُ. التمسُّكُ بدينِ الله، والإيمانُ برسولِه: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)؛ إن نصرَ الله مُدَّخرٌ لمَن يستحِقُّه، ولا يستحِقُّه إلا الثابِتُون في السرَّاء والضرَّاء والبأسَاء، الصامِدُون في الزلازِل، المُوقِنُون ألا نصرَ إلا نصرُ الله، وهو آتٍ لا محالةَ متى شاءَ وكيف شاءَ.

 

وبيَّن الشيخ أن الثَّباتَ يكونُ في القلبِ، وفي النفسِ، وفي العقلِ، وفي اللِّسانِ، وفي الأقدامِ، كما يكونُ في الحياةِ الدنيا، وعند المماتِ، وفي القَبر، وفي البرزَخ، وفي الآخرة، وفي القِيامة، وعلى الصِّراط، ويكونُ الثَّباتُ على الدينِ، والطاعة، والحقِّ، والحُجَّة، ومواطِن القِتال. كما يكونُ الثَّباتُ في فِتنِ الشُّبُهات، والشَّهوَات، والمصائِبِ، والجاهِ، والمناصِبِ، والمالِ، والأولاد؛ فهم المجبَنةُ، المبخَلَةُ، المَحزَنَةُ.

 

وقال وفقه الله: يُحصِّنُ الثَّباتَ ويحفَظُه حُسنُ الظنِّ بالله والثِّقةُ به، والاعتِمادُ عليه، والتوكُّلُ عليه، وكمالُ الإنابةِ إليه، واستِشعارُ معيَّتِه، والرَّغبةُ فيما عنده، وخشيَتُه والخوفُ منه، ودوامُ مُراقبتِه، وحُسن النيَّة والإخلاص، والإقبالُ على الله، ودوامُ الطاعةِ. ومَن كان أثبتَ قَولًا كان أثبتَ قلبًا، والقولُ الثابِتُ هو القولُ الحقُّ والصِّدقُ، وضِدُّه الكذبُ والباطِلُ، وأثبتُ القولِ كلمةُ التوحيدِ بلوازِمِها ومُقتضيَاتها؛ فهي أعظمُ ما يُثبِّتُ اللهُ به عبدَه في الدنيا والآخرة.

 

وأشار الشيخ إلى أن مِن أعظم وسائِلِ الثَّبات: الدعوةُ إلى الله، ومُحاسبةُ النَّفسِ، والأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عن المُنكَر، مع استِجماعِ مكارِمِ الأخلاقِ، من الصَّبر، والرِّفق، والتحمُّل، والتجمُّل، واليقين بأن مهمة المُسلم - ولا سيَّما طالِب العلم والداعِي إلى الله - مهمَّتُه هي الاستِمرارُ والمُداومةُ، أما النتائِجُ فهي إلى الله - سبحانه -، ينصُرُ مَن يشاءُ، وكيف شاء، ومتى شاء، ويُضِلُّ الله الظالِمِين ويخذُلُهم ويمكُرُ بهم كيف شاء، ومتى شاء.

 

وختم الشيخ خطبته بوصف حال أهل الثبات فقال: إن ثباتَ قُلوبِ المُؤمنين وقُوَّةَ نفوسِهم في أوقاتِ الشدائِدِ والمِحَن هَدْي قُرآنيٌّ عظيم، يُفيدُ منه أهلُ العلم والإيمان والنُّهَى عبرَ القُرون والأجيالِ. وأهلُ الثَّباتِ والرُّسُوخ هم أصبَرُ الناسِ على البلاء، وأقوَاهم في الشدائِد، وأرضَاهم نفسًا في المُلِمَّات، وليس أضَرَّ على الثَّباتِ مِن اليأسِ بنَصرِ الله، وسُوء الظنِّ بالله، وأنه خاذِلٌ دينَه وتارِكٌ أولياءَه.

 

ومِن أجل هذا - حفِظَكم الله - فإنه يقتَرِنُ بالثَّباتِ التَّثبِيتُ، بل إن الذي يحفَظُ الثَّباتَ هو التثبيتُ، وهذه وظيفةُ أهل العلم والإيمان والحِكمة، وهذه وظِيفتُهم، فهم لا ينشُرون الباطِلَ ولا يُردِّدُونَه، ولا يُخذِّلُون، بل يُثبِّتُون الناسَ، ويُدخِلُون الطُّمأنينةَ إلى قلوبِهم، ويُزيلُون مخاوِفَهم.

 

وإن على أهل العلمِ والعقلِ أن يُثبِّتُوا الناسَ في أزمانِ الفِتَن والأزماتِ، وأن يملأُوا قلوبَهم يقينًا وثباتًا وفَأْلًا. وأُولو العلمِ مُثبِّتُون أوتادٌ راسِخة، تدفَعُ إرجافَ المُرجِفين، وتُمزِّقُ نسيجَ المُبطِلين، وتُبدِّدُ إشاعاتِ المُخذِّلين، وأعظمُ الناس عِلمًا، وأرجَحُهم عَقلًا أشدُّهم للناسِ تثبِيتًا رِجالًا ونِساءً. يقولُ الحافظُ ابنُ القيِّم عن شيخِه شيخِ الإسلام ابن تيمية - رحِمَهما الله ورحِمَ علماءَ المُسلمين أجمعين -، يقولُ ابنُ القيِّم: "وكنَّا إذا اشتَدَّ بِنا الخَوفُ، وساءَت بِنا الظُّنُون، وضاقَت الأرضُ، فما هو إلا أن نراهُ ونسمَعُ كلامَه فيذهَبُ ذلك كلُّه، وينقلِبُ انشِراحًا وقوةً ويقينًا وطُمأنينةً".

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "آثارُ محبَّة الله عزَّ وجل"، والتي تحدَّث فيها عن محبَّة الله تعالى وكيفية تحصِيلِها، مع ذِكرِ كثيرٍ من الأدلَّة من الكتابِ والسنَّة على ذلك.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله فقال: فأُوصِيكم - عباد الله - ونفسِي بتقوَى الله - جلَّ وعلا - في السرِّ والنجوَى؛ فهي وصيَّةُ الله للأولين والآخرين.

 

وأضاف الشيخ: محبَّةُ الله من أعظم واجِبات الإيمان وأكبر أصُولِه، بل هي مقصُودُ الخلق والأمر، وأصلُ كل عملٍ من أعمال الإيمان والدين، وغايةُ العبادة إنما هو كمالُ الحبِّ والخُضوعِ لله تعالى، ولأجلِها تنافسَ السابِقُون، ولا شيء أحبَّ إلى القلوبِ السليمة مِن خالقِها وفاطِرِها. وأصلُ التوحيدِ ورُوحُه إخلاصُ المحبَّة لله وحدَه، ولا يتِمُّ حتى تكمُلَ محبَّةُ العبد لربِّه، وتسبِقُ محبَّتُه جميعَ المحابِّ، فأصلُ الدين الإخلاصُ فيها، ومنشَأُ الشِّرك وأصلُه من التَّشرِيكِ فيها.

 

وقال حفظه الله: وامتدَحَ الله عبادَه المُؤمنين بإخلاصِ المحبَّة له، وذمَّ المُشرِكين بالتندِيدِ فيها، فقال: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة: 165]. وجعلَها أخصَّ خِصال أوليائِه فقال: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة: 54].

 

وإذا أخلصَ العبدُ محبَّتَه لله ذاقَ حلاوةَ الإيمان وطعمَه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بهنَّ حلاوةَ الإيمان وطعمَه: أن يكون اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سِواهما، وأن يُحِبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلا لله، وأن يكرَهَ أن يعودَ في الكُفر كما يكرَهُ أن يُقذَفَ في النار» (متفق عليه).

 

وقال وفقه الله: ومنازِلُ العباد عند الله على قَدر حبِّهم وخضُوعِهم له، ومَن ذاقَ مِن خالصِ محبَّة الله شغلَه ذلك عن جميعِ المحابِّ، فلا يأنَسُ إلا بربِّه، ولا يتعلَّقُ بغيرِه، وتحصِيلُ هذه المحبَّة يكونُ بما سنَّه الله وشرَعَه، وأعظمُ الأسباب المُوجِبَة لمحبَّة العبدِ ربَّه: العلمُ بأسمائِه وصفاتِه، فهو المحبُوبُ لذاتِه وكمالِ صِفاتِه، فجمالُه تعالى وكمالُه وأسماؤُه وصفاتُه تقتَضِي مِن عبادِه غايةَ الحبِّ والخُضُوعِ والطاعةِ له.

 

وبيَّن الشيخ أن مِن مُوجِباتِ محبَّة الله: كثرةُ ذِكرِه؛ فدوامُ الذِّكر يُورِثُ المحبَّة، وسُنَّةُ الله في خلقِه أن مَن أكثَرَ مِن ذكرِ شيءٍ أحبَّه، ومَن أحبَّ شخصًا أكثرَ ذِكرَه، والله أحقُّ مَن يُحبُّ، وأجَلُّ مَن يُذكَر. والنفوسُ تُحبُّ مَن أحسنَ إليها، والله هو المنعِمُ المُحسِنُ إلى عبادِه بالحقيقةِ، وهو المُتفضِّلُ بجميعِ النِّعَم، وإن جرَت بواسِطةٍ فهو المُيسِّرُ لها، ومُسبِّبُ الأسبابِ وحدَه، والتفكُّرُ في ملَكُوت السماوات والأرض يدعُو صاحِبَه لمحبَّة الله وتعظيمِه؛ فالقلوبُ مفطُورةٌ على محبَّة الكمال، ولا كمالَ على الحقيقةِ إلا له - سبحانه -.

 

وأكد الشيخ أن الإقبالَ على الطاعةِ بصِدقٍ وإخلاصٍ سببٌ لفضلِ الله على عبدِه، فيُثيبُه لذَّةَ محبَّته وأُنسَ مُناجاتِه. وتلاوةُ كِتابِ الله وتدبُّرُ آياتِه حياةٌ للقلوبِ وطهارةٌ للنفوسِ؛ ذِكرٌ، وهُدًى، وموعِظةٌ، وشِفاءٌ، ومَن لزِمَه أحبَّ ربَّه وأعرضَ عمَّا سِواه. ولا سبيلَ للوصولِ إلى حبِّ الله والتقرُّبِ منه إلا على سبيلِ الذلِّ له - سبحانه -، وانكِسار القلبِ بيد يدَيه، والدعاءُ يجمَعُ ذلك كلَّه. والبُعدُ عن الشُّبُهات والشَّهوات سبيلُ الصلاحِ والاستِقامة، والصُّحبةُ الصالِحةُ خيرُ عَونٍ على ما يُحبُّه الله ويرضَاه.

 

وأكَّد الشيخ أنه إذا تمكَّنَت المحبَّةُ في القلبِ أقبلَ على الله راجِيًا رحمتَه، خائِفًا مِن سخَطِه، فيصلُحُ بذلك الجسَدُ كلُّه، لا يمَلُّ قُربةً، ولا يسأَمُ مِن طاعةٍ، راضِيًا بقضاءِ الله وقَدَرِه، مُوقِنًا بأن اختِيارَ الله خيرٌ مِن اختِياره، فيترقَّى في درجاتِ الإحسان؛ حتى يصِيرَ الغَيبُ عنده كالشهادة. وكما يُحبُّ الله الطاعةَ والعملَ، فإنه يُحبُّ الطائِعَ والعامِلَ؛ فيُحبُّ أنبياءَه ورُسُلَه وعبادَه الصالِحين؛ وَدُودٌ ذُو حبٍّ شديدٍ لأوليائِه وعبادِه المُؤمنين، لذا فمَن عاداهم فقد آذنَه الله بحَربٍ.

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على أن محبَّة الله للعبدِ هي غايةُ ما تسمُو إليه النفوس؛ فتبقَى القلوبُ عامِرةً بالخَوفِ والرَّجاءِ، ومِن رحمةِ الله أن جعلَ لمحبَّته علاماتٍ تسُرُّ المُؤمنَ ولا تغُرُّه: فالهدايةُ لا تكونُ إلا لمَن أحبَّ، والعِصمةُ مِن فتنةِ الدنيا أمارةُ حبٍّ وإكرامٍ، والقَبُولُ في الأرضِ بمحبَّة المُسلمين للعبدِ دليلُ محبَّة الله له؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن الله تعالى إذا أحبَّ عبدًا دعَا جِبريلَ: إني أحبُّ فُلانًا، فأحِبَّه، فيُحبُّه جِبريلُ، ثم يُنادِي في السماءِ: إن الله يُحبُّ فُلانًا فأحِبُّوه، فيُحبُّه أهلُ السماء، ثم يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرض» (متفق عليه).

 

وحُسن الخاتمة مِنحةٌ من الله لمَن يُحبُّ مِن عبادِه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إذا أرادَ الله بعبدٍ خيرًا يُوفِّقُه لعملٍ صالحٍ ثم يقبِضُه عليه» (رواه أحمد).

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات