مختصر خطبتي الحرمين 18 من جمادى الآخرة 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

وإن مِن أسبابِ تفريجِ الكُروبِ وإزالة الهُموم: أن الإنسانَ متى استبطَأَ الفرَجَ، وأيِسَ منه بعد كثرة دُعائِه وتضرُّعه، ولم يظهَر عليه أثرُ الإجابة، فعليه حينئذٍ أن يرجِعَ إلى نفسِه باللائِمَةِ، ويُحدِثُ عند ذلك توبةً صادِقةً، وأوبَةً إلى الله مُخلِصةً، وانكِسارًا للمولَى، واعتِرافًا له بأنه عبدٌ أهلٌ لما نزَلَ مِن البلاء، وأنه ليس بأهلٍ لإجابةِ الدعاءِ، وإنما يرجُو رحمةَ ربِّه، ويطلُبُ عفوَه..

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الاستجابة لله ورسولِه صلى الله عليه وسلم"، والتي تحدَّث فيها عن وجوبِ الاستِجابةِ لأوامِرِ الله تعالى وأوامِرِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -؛ ففيه النجاةُ في الدنيا والآخرة.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصِي نفسِي وإياكم بتقوَى الله - جلَّ جلالُه -.

 

وأضاف الشيخ: لئِن كان لكل امرِئٍ وِجهةٌ هو مُولِّيها، وجادَّةٌ هو سالِكُها، فإن المُوفَّقين من أُولِي الألبابِ الذي يمضُون في حياتِهم على هُدًى من ربهم، واقتِفاءٍ لأثَرِ نبيِّهم - صلواتُ الله وسلامُه عليه - لا يملِكُون وهم يأسُون الجِراح، ويتجرَّعُون مَرارةَ الفُرقة، وغُصَص التباغُض والتدابُر، لا يملِكُون إلا أن يذكُروا آياتِ الكتابِ الحكيمِ وهي تدلُّهم على الطريقِ، وتقُودُهم إلى النجاة.

 

وبيَّن الشيخ أن آياتِ الكتابِ الحكيم لتُذكِّرُ أيضًا أن الاستِمساكَ بدينِ الله، والاستِقامةَ على منهَجِه، واتِّباعَ رِضوانِه، وتحكيمَ شَرعِه لا يقتصِرُ أثرُه على الحَظوَة بالسعادة في الآخرة فحسب؛ بل يضمَنُ كذلك التمتُّعَ بالحياةِ الطيبة في الدنيا بطُمأنينة القلبِ، وسُكُون النفسِ، وبلُوغِ الأمل. وتلك سُنَّةٌ من سُنن الله في عبادِه لا تتخلَّفُ ولا تتبدَّلُ، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].

 

وحذَّر الشيخ من مخالفة الشرع فقال: فحين تكون حَيدةُ الخلقِ عن دينِ الله، وتكون الجَفوةُ بينهم وبين ربِّهم بالإعراضِ عن صِراطِه، ومُخالفةِ منهَجِه، والصدِّ عن سبيلِه يقَعُ الخلَلُ، ويثُورُ الاضطرابُ المُفضِي إلى شرٍّ عظيمٍ، وفسادٍ كبيرٍ عانَت مِن وَيلاتِه الأُمم مِن قبلِنا، فحلَّ الخِصامُ بينهم، واستعَرَت نارُ العداوة والبغضاء بعد ما كانت المحبَّةُ والأُلفةُ تُظِلُّهم، وهو خلَلٌ يتجاوَزُ أثَرُه، وتتَّسِعُ دائِرتُه فتعُمُّ الأرضَ كلَّها، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

 

وأكد الشيخ أن الصِّلةَ وثِيقةٌ بين هذه الأرض وبين ما نعمُرُها به، وما نُقدِمُ عليه من أعمالٍ؛ فإن مَت على طريقٍ قَويمٍ، وسبيلٍ مُستقيمٍ، قائِمٍ على إدراكِ الغايةِ مِن خلقِ الإنسانِ، وتحقيقِ العبوديَّةِ لله ربِّ العالمين، والمُسارَعَة إلى رِضوانِه، فإن الله يُفِيضُ عليهم مِن خزائِنِ رحمتِه، ويُنزِّلُ عليهم بركاتٍ من السماء، ويُفيءُ عليهم مِن خيراتِ الأرض.

 

وأوضح فضيلته أن أصحابَ البصائِرِ لا يملِكُون وهم يسمَعون نداءَ الله تعالى يُتلَى عليهم في كتابِه إلا أن يُصِيخُوا ويستَجيبُوا لله وللرسولِ - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ هي دعوةٌ تحيَا بالاستِجابة لها القلوبُ التي لا حياةَ لها إلا بالإقبالِ على الله تعالى، وتحقيق العبودية له بمحبَّته، وطاعته، والحَذَر من أسبابِ غضَبِه، وبمحبَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، والاهتِداء بهَديِه، واتِّباع سُنَّته، وتحكيم شرعِه.

 

وقال حفظه الله: إن المُؤمنَ حين يقِفُ على مُفترَقِ طُرقٍ، وحين تُعرضُ عليه شتَّى المناهِج، وحين تتجاذَبُه الاتجاهات، وتُثقِلُه الضُّغوطُ والمُطالَبات، لا تعتَرِيه حَيرةٌ، ولا يُخالِجُه شكٌّ أبدًا في أن منهَجَ ربِّه الأعلَى وطريقَه هو وحدَه سبيلُ النجاة، وطريقُ السعادة في حياتِه الدنيا وفي الآخرة.

 

وختم الشيخ خطبته ببيان مآل الصالحين والعصاة فقال: وفي آياتِ الذِّكر الحكيم مِما قصَّ الله علينا مِن نبأ أبِينا آدم - عليه السلام -، حين أُهبِطَ من الجنة أوضَحُ الأدلَّة على ذلك، فأما المُتَّبِعُ هُدَى ربِّه فهو السعيدُ حقًّا، وأما المُعرِضُ عن ذِكرِ ربِّه بمُخالَفة أمرِه وأمرِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، فهو الشقِيُّ الخاسِرُ حقًّا.

 

وما أحسنَ ما قالَ الإمامُ ابنُ القيِّم - رحمه الله -: "في القلبِ شعَثٌ لا يلُمُّه إلا الإقبالُ على الله، وفيه وَحشةٌ لا يُزيلُها إلا الأُنسُ بالله، وفيه حُزنٌ لا يُذهِبُه إلا السُّرورُ بمعرفتِه وصِدقِ مُعاملتِه، وفيه قلقٌ لا يُسكِّنُه إلا الاجتِماعُ عليه، والفِرارُ إليه". وتلك حقيقةُ المعِيشة الضَّنك، أعاذَنا الله منها، ومن العمَى بعد الهُدى، وجعلَنا مِمن أنابَ إلى ربِّه وتابَ إليه فهدَى.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "أهمية لا حول ولا قوة إلا بالله"، والتي تحدَّث فيها عن ضرورة اللُّجوء إلى الله تعالى لاسيَّما في المُدلهِمَّات التي تُحيطُ بالأمة من كل جانبٍ، كما أوصَى المُسلمين بفضل قولِ: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله في استِجلاب النِّعَم، ودفع النِّقَم، والنصر والتمكين.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله فقال: فأُوصِيكم - عباد الله - ونفسِي بتقوَى الله في السرِّ والنجوَى.

 

وأضاف الشيخ: في مثلِ هذا الزمنِ الذي عمَّت فيه الفِتَن، وكثُرَت فيه المصائِب، وتسلَّط فيه الأعداءُ على أمة الإسلام، مما تولَّدَ عليه آلامٌ مُتنوِّعةٌ، وكُروبٌ مُختلِفةٌ؛ فإن الحاجةَ ماسَّةٌ إلى تذكيرِ المُسلمين بالمخارِجِ اليقينيَّة من كل همٍّ وغمٍّ، وبالأسبابِ الحقيقيَّة للخلاصِ مِن كل الكُروبِ والخُطُوبِ. وإن الأصلَ العظيمَ للخُروجِ من مصاعِبِ هذه الحياةِ، والخُروجِ مِن هُمومِها يكمُنُ في تحقيقِ التقوَى لله سِرًّا وجَهرًا، والرُّجوعِ إليه، والإنابةِ لجَنابه ليلًا ونهارًا، والتضرُّع لعظَمَتِه، والانكِسار له في السرَّاء والضرَّاء.

 

وقال حفظه الله: وإن مِن صُور هذا الانكِسار والتضرُّع والاستِسلامِ لله - جلَّ وعلا -: ما أرشدَ إليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- جُملةً مِن الصحابة، وأوصَاهم به قَلبًا وقالَبًا، قَولًا وفِعلًا، سُلُوكًا وحالًا. فقد أرشدَ أبا مُوسى -رضي الله عنه-، بقولِه -صلى الله عليه وسلم- له: «قُل: لا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله؛ فإنها كنزٌ من كُنوز الجنة» (رواه الشيخان).

 

وأكد فضيلته أنها الوصيَّةُ الجليلةُ بذِكرٍ عظيمٍ، وَجِيزِ المبنَى، عظيمِ المعنَى، يلهَجُ به اللِّسانُ، ويستَيقِنُ بمعنَاه الجَنان بأنه لا مُعينَ على تحقيقِ مصالِحِ الدارَين إلا الله - جلَّ وعلا -، مَن أعانَه فهو المُعانُ، ومَن خذلَه فهو المخذُولُ.

 

ذِكرٌ يتيقَّنُ به العبدُ أنه لا تحوُّلَ له ولا لغيره مِن حالٍ إلا حالٍ، ولا قُوَّةَ له على شأنٍ مِن شُؤونِه أو تحقيقِ غايةٍ مِن غاياتِه إلا بتقوَى المَتِين العليِّ العظيم. ذِكرٌ يُظهِرُ فيه العبدُ فقرَه الحقيقيَّ، وذِلَّه لربِّه، وأنه في أشدِّ ضرورةٍ وافتِقارٍ إلى خالِقِه العزيزِ القهَّار.

 

قال ابنُ القيِّم - رحمه الله -: "وهذه الكلمةُ - أي: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله - لها تأثيرٌ عجيبٌ في مُعاناةِ الأشغالِ الصعبةِ، وتحمُّل المشاقِّ، والدخولِ على المُلُوكِ ومَن يُخافُ، ورُكوبِ الأهوال".

 

وقال وفقه الله: وإن مِن أسبابِ تفريجِ الكُروبِ وإزالة الهُموم: أن الإنسانَ متى استبطَأَ الفرَجَ، وأيِسَ منه بعد كثرة دُعائِه وتضرُّعه، ولم يظهَر عليه أثرُ الإجابة، فعليه حينئذٍ أن يرجِعَ إلى نفسِه باللائِمَةِ، ويُحدِثُ عند ذلك توبةً صادِقةً، وأوبَةً إلى الله مُخلِصةً، وانكِسارًا للمولَى، واعتِرافًا له بأنه عبدٌ أهلٌ لما نزَلَ مِن البلاء، وأنه ليس بأهلٍ لإجابةِ الدعاءِ، وإنما يرجُو رحمةَ ربِّه، ويطلُبُ عفوَه.

 

فعندها تسرِي حينئذٍ إجابةُ الدعاء، وتفريجُ الكُروب، فإنه تعالى عند المُنكسِرَة قلوبُهم مِن أجلِه، كما قرَّره عُلماءُ السلَف. فما أحوَجَ الأمة اليوم إلى أن يسِيرُوا على هذا المنهَج العظيم.

 

وختم الشيخ خطبته بالوصية من الإكثار من هذا الذكر المبارك فقال: حافِظُوا على مثلِ هذا الذِّكرِ العظيمِ في كل وقتٍ وحينٍ، حافِظُوا عليه بقُلوبِكم وألسِنَتكم، وتُصدِّقُ ذلك أحوالُكم؛ فخيراتُ مثلِ هذا الذِّكر خَيراتُه مُتنوِّعة، وأفضالُه مُتعدِّدة.. ذِكرٌ يقتَضِي الاستِسلامَ لله - جلَّ وعلا -، وتفويضَ الأمورِ إليه، والاعتِرافَ بأن العبدَ مُنقطِعٌ لا يملِكُ شيئًا من الأمر؛ فأزِمَّةُ الأمور بيَدِ الله - سبحانه -، وأمورُ الخلائِقِ معقُودةٌ بقضائِه وقَدَره، لا رادَّ لقضائِه ولا مُعقِّبَ لحُكمه.

 

فكُن - أيها المُسلم - بتوحيدِك مُطمئِنَّ القلبِ، مُرتاحَ البالِ، مُستيقِنًا بالفرَجِ والمخرَج، ولتَكُن الأمةُ هذا شأنُها، فكُلُّ ما في الكَون خاضِعٌ لأمرِ الله، وجميعُ ما في هذا العالَم مهما عظُمَت قوَّتُها، وتناهَت شِدَّتُها، فهي خاضِعةٌ لقُوَّةِ الله وأمرِه، وقضائِه وقدَرِه، وكلُّ قويٍّ ضعيفٌ في جَنبِ الله - جلَّ وعلا -، واقرأوا تاريخَ الأُمم.

 

فأشغِل نفسَك - يا عبدَ الله - بسائِرِ الطاعات، وأنواع الخيرات، والزَم ذِكرَه بأصنافِ الأذكار المُتنوِّعة في السرَّاء والضرَّاء، في الشدَّة والرَّخاء. وما أحوَجَ الأمة اليوم وهم يُعانُون الآلام المُتنوِّعة أن يتفطَّنُوا لمثلِ هذا الكلام العظيم، ويعمَلُوا به صِدقًا وإخلاصًا لله - جلَّ وعلا -.

 

فكُن - أيها المُسلم - لاهِجًا بـ "لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله"، فهي مُعِينةٌ على تحمُّل الأثقالِ، وتكابُدِ الأهوال، وبها يُنالُ رفيعُ الأحوال. ومَن يكُن اللهُ معه فمعَه الفِئةُ التي لا تُغلَب، والحارِسُ الذي لا ينامُ، والهادِي الذي لا يضِلُّ، كما قال قتادةُ. فهي معِيَّةٌ تقتَضِي النَّصرَ والتأييدَ، والحِفظَ والإعانةَ، والإخراجَ مِن دهالِيزِ الكُرُوب ومُدلهِمَّات الخُطُوب.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات