مختصر خطبتي الحرمين 11 من جمادى الآخرة 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

ولا ينبَغِي لصالِحٍ فضلًا عن مُصلِحٍ أن يعتبِرَ العملَ للإسلام عِبئًا وهَمًّا، أو يغتَمَّ لأجلِ تراجُعِ أفرادٍ أو جماعاتٍ عن بعضِ الإسلام أو كلِّه، فالهَمُّ والغَمُّ يُحبِطانِ المرءَ ويُضعِفان سعيَهُ أو يقطَعانِه، ومقادِيرُ الله نافِذةٌ في المآلاتِ، وليس على المرءِ إلا أن يسعَى في إصلاحِ نفسِه ومَن حولَه مع بَذلِ الدعاءِ لهم، والرِّفقِ بهم، ومحبَّةِ ما لدَيهم من خيرٍ..

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الثبات على الصراط المستقيم"، والتي تحدَّث فيها عن دينِ الله تعالى وأنه هو المنصُورُ مهما اعترَى أهلَه من بأساء وضرَّاء، ومهما نزلَ بهم من أقدارِ الله تعالى، مُبيِّنًا أن المِحنَ والابتِلاءات هي وحدَها التي تكشِفُ دينَ العبدِ وثباتَه على الحقِّ، كما حثَّ المُسلمين على التمسُّك بالوحيَين؛ لأن ذلك من أهم العوامِلِ المُعينة على الثباتِ على الصراط المُستقيم.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصِي نفسِي وإياكم بتقوَى الله - جلَّ جلالُه -.

 

وأضاف الشيخ: لما أرادَ الله - عزَّ وجل - أن يبلُوا المُؤمنين ومَن الْتَحَقَ برِكابِ الإسلام، وشاءَ أن يمتَحِنَ فيهم بَردَ اليقينِ وصِدقَ الإيمان، فاوَتَ بين أحوالِه، وداوَلَ بين أيامِه، فما بين علُوٍّ وانكِسار، وعزٍّ وانحِسار. ولو دامَ أمرُ الإسلام رخاءً وانتِصارًا للحِقَ به مَن يطرَبُ للرَّخاء ويعبُدُ النَّصر، ولو لم يعبُدِ الله، وهي مشاهِدُ تكرَّرَت في مسيرات الأنبِياء وتوارِيخِ أُممهم.

 

وقال حفظه الله: وحين ضعُفَ الحالُ بالمُسلمين رأَيتَ كثرةَ المُتحلِّلين من بعضِ تكالِيفِ الإسلام، أو مَن يعُودُ على بعضِ أحكام الشريعة بالتهذيبِ أو التأويلِ، بزَعم مُواكَبَةِ العصرِ والاتِّساقِ مع العالَم وحضارَتِه، ونسِيَ أولئك أو تناسَوا أن عُمر الإسلام يفُوقُ ألفًا وأربعمائةِ عامٍ كان في أكثر من ألفٍ منها هو المُسيطِر والمُتمكِّن سُلطانًا وحضارةً، وعِزًّا وغضَارة، كان مخطُوبَ الوُدِّ، مُهابَ الجَنابِ.

 

وأردف الشيخ: ومع كل تلك الخيريَّة، فإنه يقَعُ الضَّعفُ وضِيقُ الحالِ بسببِ التجافِي عن الدين، واستِرخاءِ القبضَةِ على تعالِيمِ الشريعة، وعليه فإن الإسلام كلُّ الإسلام وعلى الصُّورة التي أنزلَها الله، وعمِلَ به سلَفُنا الصالِحُ هو قَدَرُنا الذي لا محِيصَ غنه، وهو الذي يُنتِجُ موعُودَاتِ الله من النَّصرِ والبرَكاتِ في الدنيا، ورِضا الله والفوزَ بجنَّاته في الآخرة، (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[البقرة: 211].

 

وأكد فضيلته أن أعظمُ نعمةٍ هي نعمةً الدين، والثباتُ على ما أنعَمَ الله به من هدايةٍ هي أُمنيَةُ الصالِحين، ورجاءُ العارِفِين، ودُعاءُ المُخبِتِين. ومزِلَّةُ القدَم هو خَوفُ المُتعبِّدين، وإشفاقُ المُتألِّهِين، ومُتأوَّهُ المُحسِنين. وكان نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما يقولُ: «يا مُقلِّبَ القلوبِ! ثبِّت قلبِي على دينِك».

 

وأوضح فضيلته: أن هذا الدينَ العظيمَ نُقِلَ إلينا على أكتافِ رِجالٍ عِظامٍ اختارَهم الله لهذا الحِملِ الثَّقِيلِ، صدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عليه، ولم يتوانَوا أو يستكِينُوا، وكان لرباطَةِ جأشِهم وثباتِهم في المُلِمَّات، وبَذلِهم الغالِيَ والنَّفِيس وتضحِياتهم الأثرُ الكبيرُ في حِفظِ المِلَّة وبقاءِ الشريعة.

 

وحذر الشيخ من أن انهِزاميَّة الفَردِ المُسلمِ من الداخِلِ داءٌ عُضالٌ، ومرضٌ فتَّاك، ينخَرُ في قوَّة الأمةِ ووحدَتِها وعِزَّتها، ويُضعِفُ حصَانَتَها من تسلُّل شُبُهات الأعداء، وتنفيذِ مُؤامراتهم ومُخطَّطاتهم ومكرِهم المُتواصِل الذي تكادُ تزولُ منه الجِبال، والمُنهزِمُ داخِليًّا عالَةٌ وعِبْءٌ على مُجتمعه.

 

ولا ينبَغِي لصالِحٍ فضلًا عن مُصلِحٍ أن يعتبِرَ العملَ للإسلام عِبئًا وهَمًّا، أو يغتَمَّ لأجلِ تراجُعِ أفرادٍ أو جماعاتٍ عن بعضِ الإسلام أو كلِّه، فالهَمُّ والغَمُّ يُحبِطانِ المرءَ ويُضعِفان سعيَهُ أو يقطَعانِه، ومقادِيرُ الله نافِذةٌ في المآلاتِ، وليس على المرءِ إلا أن يسعَى في إصلاحِ نفسِه ومَن حولَه مع بَذلِ الدعاءِ لهم، والرِّفقِ بهم، ومحبَّةِ ما لدَيهم من خيرٍ يتمثَّلُ في أصلِ الإسلامِ لدَيهم وفرائِضِه التي يقُومُون بها وتجنُّبِهم لكثيرٍ من المُحرَّمات ولو قارَفُوا بعضَها.

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على أن الأمة فيها خيرٌ كثيرٌ، والواجِبُ رِعايةُ هذا الخير وتنمِيَتُه، وحِراسَتُه من عادِيات السُّوء، وتربِيةُ النفسِ والنَّشءِ على خَوفِ الله وتقوَاه، والعلمِ به وبحُدودِه وشريعتِه علمًا يُورِثُ العملَ والزكاءَ، ويبقَى زادًا ورِدءًا في النَّعماءِ والبأساء، فإن هذه النَّظرةَ تُعينُ المُصلِحَ على التوازُنِ في سعيِهِ للإصلاحِ، وتُبعِدُه عن الطَّيشِ في تعامُلِه، أو المُبالَغةِ في رُدودِ أفعالِه.

 

وللابتِلاءاتِ حِكَمٌ يُريدُ اللهُ إظهارَها كَونًا، كما أرادَها قدَرًا؛ وتسقُطَ أقنِعةُ الزٍّيفِ عن الباطِلِ والمُبطِلِين، وتعُودَ الأمةُ إلى مصدرِ عِزِّها، وتتمسَّكُ بكتابِ ربِّها وسُنَّةِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، وتجتمِعَ على الحقِّ وتتَّحِد.

وإن مع العُسْر يُسرًا، ومع الفَرَجِ شِدَّة، ورحمةُ الله قريبٌ من المُحسِنِين، فاعمَلُوا وأبشِرُوا وأمِّلُوا، ومَن كان له زادٌ من تقوَى وعملٍ صالِحٍ كان حرِيًّا بالنجاةِ، وسُنَّةُ الله ألا يُخيِّبَ عبدًا أقبَلَ عليه.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الاستشرافُ للمُستقبل"، والتي تحدَّث فيها عن المُستقبَل وأهمية الاستِشراف له، وبعض الأدلَّة على ذلك من الكتاب والسنَّة، مُبيِّنًا أنه لا يجوزُ أن يسلُك المُسلمُ في استِشرافِه للمُستقبَل مسالِك مُخالِفة لمنهَج الله تعالى؛ كالكِهانة والشَّعوَذة.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله فقال: فأُوصِيكم - عباد الله - ونفسِي بتقوَى الله في السرِّ والنجوَى.

 

وأضاف الشيخ: عُمرُ الإنسان يتنقَّلُ بين ماضٍ مفقُود، وحاضِرٍ مشهُود، ومُستقبَلٍ موعُود، والذي يشغَلُ عقلَ الإنسان ويملَأُ عليه وقتَه هو التفكيرُ في المُستقبَل. ولقد تقرَّرَ في عقيدة المُسلم: أن المُستقبَل من علمِ الغيبِ الذي لا يُحيطُ به إلا الخالِقُ - سبحانه -، قال الله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل: 65]، وحوادِثُ المُستقبَل علمُها عند الله، قال الله تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان: 34].

 

لكن التطلُّع إلى المُستقبَل والشَّوقَ إلى معرفتِه، واستِشرافَه من فِطرةِ الله التي فطَرَ اللهُ الناسَ عليها، والنفوسُ مجبُولةٌ عليه، وهو مِن صَميمِ الإسلام، ورِسالةُ الأنبياء؛ فنبيُّ الله يُوسف - عليه السلام -، استشرَفَ المُستقبَلَ، وبه أحسنَ التخطيطَ والتدبيرَ، فأنقَذَ الله به البلادَ والعبادَ من أزمةٍ اقتصاديَّةٍ طاحِنةٍ.

 

وقال حفظه الله: استِشرافُ المُستقبَل يُوقِظُ النفوسَ الحيَّة، ويُوقِدُ الهِمَم، يطرُدُ اليأسَ، يُقاوِمُ الإحباطَ، يدفَعُ إلى التأمُّلِ لاستِثمارِ إمكاناتِ الحاضِرِ في سَبيلِ بناءِ مُستقبلٍ مُشرِقٍ، ولا يعنِي استِشرافُ المُستقبَل طُولَ الأمل والتسويفَ الذي يقتُلُ الهِمَّة، ويُضعِفُ العزيمةَ، ويُورِثُ الخُمولَ وتأجيلَ الأعمال، قال الله تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر: 3].

 

وقال وفقه الله: لا يُبنَى المُستقبَل ولا يُستشرَف بالأمانِي الفارِغة التي لا رَصِيدَ لها من الواقِعِ، ولا تُغيِّرُ فيه شيئًا، وهناك مَن يتنكَّبُ الطريقَ في استِشرافِ المُستقبَل بالوُقوعِ فيما حرَّم اللهُ مِن كِهانةٍ، وسِحرٍ وشعوَذةٍ، يذهَب أحدُهم إلى الكهنَةِ الذي يتكلَّمُون رَجمًا بالغَيبِ، ويستحضِرُون الشياطِينَ، فيخضَعُ لطلاسِمِهم، وقراءاتِ الكَفِّ والفِنجان والأبراجِ، هؤلاء خطَرهم جَسيم، ومُنكَرُهم عظيم، وهم كذَبَةٌ مُحتالُون. قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن أتَى عرَّافًا فسألَه عن شيءٍ، لم تُقبَل له صلاةٌ أربعين ليلةً». وقال: «مَن أتَى عرَّافًا أو كاهِنًا فصدَّقَه بما يقولُ، فقد كفَرَ بما أُنزِلَ على مُحمدٍ».

 

وأكد الشيخ أن استِشراف المُستقبَل طريقُ العُقلاء، ومسلَكُ النُّجباء، لكن الحذَرَ من أن يتحوَّل هذا التفكيرُ إلى هَمٍّ يُنغِّصُ مضجِعَ صاحبِه، وغَمٍّ يُفسِدُ عليه حياتَه، وقلَقٍ يُزعِجُه في حِلِّه وتَرحالِه؛ خوفًا من مرضٍ، أو فقرٍ، أو بلِيَّةٍ، أو تغيُّر حالِه. قال الله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا) [البقرة: 268].

 

وبيَّن فضيلته أن العمل للمُستقبَل يبدأُ بالاعتِبارِ بمواقِفِ التاريخِ، ودُروسِ الماضِي، وقصَص السابِقين، وأن استِشراف المُستقبَل يُبنَى على الحاضِرِ، ومَن أحسنَ في حاضِرِه أشرقَ مُستقبَلُه، ومَن ضيَّعَ حاضِرَه عجزَ عن صِناعةِ مُستقبلِه، مَن ضيَّعَ بِناءَ عقلِه وفِكرِه وجسَدِه، حصَدَ فقرًا وبطالةً ومرضًا، ومَن ضيَّعَ تربيةَ أبنائِه، حصَدَ انحِرافًا وعُقوقًا.

 

استِشرافُ المُستقبَل والتأثيرُ فيه على أُسسٍ سليمةٍ يقتَضِي أن يستثمِرَ الفَردُ عُمرَه في تنمِيةِ عقلِه، وبناءِ فِكرِه، لا يَيأَسُ حين تدلهِمُّ الخُطُوب، بل يجعَلُ من الحُزن سُرورًا، ويزرَعُ في الصِّعابِ أملًا، كما يكونُ صَبُورًا لبلوغِ أهدافِه، قَنُوعًا بما يقسِمُه الله له، مُؤمِنًا بما يُقدِّرُه له. قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن قامَت الساعةُ وفي يَدِ أحدِكم فسِيلَة، فإن استطاعَ ألا يقُومَ حتى يغرِسَها فليغرِسها».

 

وقال وفقه الله: ولا شكَّ أن خُطوات المُسلمِ في سَيرِه نحو مُستقبلِه تتطلَّبُ أن تكون محفُوفةً باليقَظَةِ في مراحِلِ انتِقالِه مِن طَورٍ إلى طَورٍ، بمُحاسبَةِ نفسِه على صَعيدِ الحياةِ الدنيا، مع التأمُّل في مِشوارِ حياتِه، مُحكِّمًا القلبَ والعقلَ والعاطِفةَ في منهجيَّة نظرتِه إلى مُستقبَلِه، مُستثمِرًا مواسِمَ العباداتِ التي تَزيدُ المُستقبَل نُورًا، وتَزيدُه بركةً، وتَزيدُه سعادةً وحصانَةً وتوفيقًا.

 

فالزَّواجُ الناجِحُ المبنِي على أهدافٍ سامِيةٍ مُستقبَلٌ منشُودٌ لكل مُسلمٍ، يتحقَّقُ به الأمانُ والطُّمأنينةُ والراحةُ والنعيمُ، كما أن نِعمةَ الأُبُوَّة والأُمومة مرحَلةٌ في الحياةِ تُضفِي على المُستقبَل زينةً وبهجةً، والأولادُ عِمادُ مُستقبَلنا، وبهم يحلُو العُمر، ويُستجلَبُ الرِّزق، وتنزِلُ الرحمةُ، ويُضاعَفُ الأجرُ.

 

مُستقبَلُ الأُمم والمُجتمعات، وفلاحُ الغَد يبنِيه ويرسمُه شبابُ الحاضِر، وإذا عمِلَت الأمةُ على بناءِ جِيلٍ صالِحٍ، فإن مُستقبلَها إلى خيرٍ؛ فالمجدُ ينتظِرها، والقوةُ تحرُسُها، والأخلاقُ تصُونُها.

 

وختم الشيخ خطبته بذكر بعض الأعمال التي تؤمِّن مستقبل العبد، فقال: ومن الأعمال التي تُؤمِّنُ هذا المُستقبَل: قولُه - صلى الله عليه وسلم -: «سَبعٌ يجرِي للعبدِ أجرُهنَّ بعد موتِه وهو في قَبرِه: مَن علَّمَ علمًا، أو أجرَى نهرًا، أو حفَرَ بِئرًا، أو غرَسَ نَخلًا، أو بنَى مسجِدًا، أو ورَّثَ مُصحفًا، أو تركَ ولدًا صالِحًا يستغفِرُ له بعد موتِه».

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات