مختصر خطبتي الحرمين 27 من جمادى الأولى 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

والمُسلمُ العاقلُ الحَصِيفُ هو من يسعَى إلى التعرُّفِ على هذه السُّنن الإلهيَّة، ويتفقَّهُ في دلالاتها وآثارِها، من خلالِ الآياتِ والنُّذُر، وأيامِ الله، والتأمُّل في القصَص القرآنيِّ والتاريخِ الغابِر، وقراءَتِه قراءةَ عِبرةٍ وعِظةٍ، ويتفكَّرُ في الأحداثِ والمواقِف؛ ليستكشِفَ هذه السُّنن التي هي غايةٌ في العدلِ والثَّباتِ والاضطِراد، وفي ذلك فوائِدُ كثيرةٌ، وثمراتٌ عُظمَى لا تُحصَى..

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ خالد بن علي الغامدي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "حقيقةُ السُّنَن الإلهيَّة"، والتي تحدَّث فيها عن السُّنن الإلهيَّة التي تملأُ الكَون والآفاقَ وحياةَ الأُمم والشعوب، وحثَّ على وجوبِ التفكُّر والتأمُّل فيها وفيما تحوِيه من عِبَرٍ وعِظاتٍ، مُستشهِدًا على ذلك ببعضِ ما وردَ في كتابِ الله تعالى وسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصِي نفسِي وإياكم بتقوَى الله - جلَّ جلالُه -.

 

وأضاف الشيخ: إن هذا الكونَ الفَسيحَ وما حوَاه من عظيمِ صُنعِ الله، وبَديعِ آياتِه، وحكيمِ أفعالِه يَسيرُ وفقَ سُننٍ ربَّانيَّةٍ وقواعِد مُتقَنَة، لا يَحيدُ عنها ولا يَمِيلُ، في إحكامٍ وثباتٍ واستِقرارٍ، لو اختَلَّ شيءٌ منها طَرفةَ عينٍ لفسَدَت السماواتُ والأرضُ ومَن فيهنَّ.

 

إن السُّنَن الإلهيَّة التي بثَّها الله في الكَون والأنفُسِ والمُجتمعاتِ سُننٌ ثابِتةٌ مُستقِرَّة، ومُضطرِدةٌ لا تتبدَّلُ ولا تتحوَّلُ، وذلك من أعظم صِفاتِها، كما قال ربُّنا - سبحانه -: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) [فاطر: 43]، سُننٌ شامِلةٌ للعالَم كلِّه علويِّه وسُفلِيِّه، شامِلةٌ للحياةِ كلِّها وأحداثِها وتقلُّباتها، فربُّنا - سبحانه - في كل لحظةٍ وفي كل يومٍ هو في شأنٍ، وكلُّ شيءٍ عنده بمِقدار، (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 3].

 

وأكد الشيخ أن السُّنن الإلهيَّة الثابِتة المُضطرِدة الشامِلة لا تُحابِي أحدًا دُون أحدٍ، ولا تُجامِلُ أمَّةً دُون أُخرى، فكلُّ من حقَّت عليه سُنَّةُ الله فهي واقِعةٌ به ولا شكَّ، عصَى الرُّماةُ أمرَ رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في أُحُد، فهُزِمُوا مع أنهم كانُوا على الحقِّ؛ لأن سُنَّةَ الله لا تُحابِي أحدًا.

 

ونصرُ الله وإعزازُه وإكرامُه ينزِلُ إلى الناس وفقَ سُننٍ دقيقةٍ مُحكَمةٍ، والهزيمةُ والذِّلَّةُ يستحِقُّها الناسُ وفقَ سُننٍ مُحدَّدةٍ واضِحةِ المعالِم، بيِّنةٍ لا خفاءَ بها ولا غُموضَ، وتلك صِفةٌ أُخرى من صِفات السُّنن الربَّانيَّة لمَن تأمَّل وتفكَّر، وأحسنَ استِعمالَ عقلِه في استِخراج واستِنباطِ السُّنن، ورأَى كيف أن أحداثَ الحياةِ والتاريخِ والأُمم تَسِيرُ وفقَ هذه السُّنن العَجيبةِ الواضِحة البيِّنة.

 

وقال حفظه الله: أما الغافِلُون عن هذه السُّنن الإلهِيَّة، اللاهُون عنها فسوف تفجَؤُهم الأحداثُ، وتحِقُّ عليهم سُننُ الله، وسيعُضُّون أصابِعَ النَّدَم، ولاتَ ساعةَ مندَم، (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ) [غافر: 85].

 

وقد بيَّن الله - سبحانه وتعالى - كثيرًا منها في كتابِه، وعلى لِسانِ رسولِه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأمرَنا - سبحانه - أن ننظُرَ ونتأمَّلَ في الآياتِ والنُّذُر، وأحداثِ التاريخ والقصص القُرآنيِّ؛ لكَي تنشَأَ عقولٌ ناضِجةٌ مُدرِكةٌ لهذه السُّنن التي تحكمُ المُجتمعَ الإنسانيَّ وطبائِعَ الأشياء، ولتكون مُؤهَّلةً لتفسيرِ ظواهِرِ الكون، والنظَر والاعتِبار بمآلاتِ الأمورِ وعواقبِها، وموازِينِ النُّهوض والسُّقوطِ، والتداوُل الحضاريِّ، (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران: 137]، وقال - سبحانه -: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [النساء: 26].

 

فالله - عزَّ وجل - قد أوضحَ هذه السُّنن أيَّما إيضاح، وأرادَ منَّا - سبحانه - أن نتعلَّم علمَ السُّنن، ونتفقَّهَ فيه؛ لكَي نُحسِنَ الاستِفادةَ منه في حياتِنا وأمورِنا، وتقدُّمِنا وحضارتِنا.

 

وأوضح الشيخ أن هداياتِ القرآن وقواعِد السنَّة قد تضمَّنَت خُلاصَةَ السُّنن الربَّانيَّة التي تحكُمُ الحياةَ والكَون، وتربِطُ الأسبابَ بالمُسبَّباتِ، والمُقدِّمات بالنتائِجِ، في سِياقاتٍ وأُطُرٍ دقيقةٍ مُحكَمة، تظهرُ في حديثِ القرآن والسنَّة عن أخبارِ الأولين ومصارِعِ المُكذِّبين، وأحوال الأُمم والممالِك، والنصر والهزيمة، حديثًا مبنيًّا على هذه السُّنن الإلهيَّة القاطِعة الصارِمة التي لا تستَثنِي أحدًا.

 

وأكد فضيلته أن هذه السُّنن الربَّانيَّة منها ما هو عامٌّ يُمكنُ لكل البشريَّةِ أن يستفيدُوا منها، وهي ليسَت حِكرًا على أحدٍ، وقد يفتَحُ الله على البشريَّةِ في زمنٍ من معرفةِ هذه السُّنن العامَّة ما لم يفتَحه على مَن كان قبلَهم. وهذه السُّنن الربَّانيَّةُ العامَّةُ هي الأكثَرُ عددًا، والأوسَعُ مساحةً في التاريخ البشريِّ؛ كالسُّنن الآفاقيَّة والنفسيَّة، والسُّنن المُتعلِّقة بهذا الكَون وجرَيَان أمورِه على وفقِ تدبيرِ الله - سبحانه وتعالى -، وتعاقُبِ الليل والنهار، وسَير الشمس والقمر، وسُنن الخلق والاجتماع، والإنشاء والبِناء، والعُمران والحَضارات، والاستِفادة من خيراتِ الأرض ومفاتِيح عِمارتها في التقدُّم العلميِّ والحضاريِّ. فكلما أحسَنَت البشريَّةُ فِقهَ هذه السُّنن الربَّانيَّة العامَّة وأتقنَت التعامُلَ معها، عاشَت عيشةً حسنةً، وهنِئَت هناءً في حياتها لا نظيرَ له.

 

ولقد أبدعَ المُسلمون الأوائِلُ في الحضارة والتقدُّم والرُّقِيِّ؛ لاكتِشافهم هذه السُّنن، ولحُسن تعامُلهم معها والاستِفادة منها، فلما تخلَّوا عن ذلك، وغفَلَت الأجيالُ المُتعاقِبةُ عن سُنن الله، ولم يُحسِنُوا التعامُلَ معها، جاءَت الأُمم الأُخرى فأمسَكَت بناصِيةِ الحضارة والقوَّة، مُستفيدةً من علومِ المُسلمين وتجاربِهم، واكتِشافهم سُنن الله في الكَون والحياة، فعمِلُوا على وفقِ هذه السُّنن الربَّانيَّة، فاستحَقُّوا طرَفًا من العطاء الربَّانيِّ المفتُوح لكلِّ من وافَقَ هذه السُّنن، وأحسنَ الاستِفادةَ منها، (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) [الإسراء: 20].

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على التأمل في سنن الله في الكون وفقهها، فقال: إنَّ أحداثَ الكَون والحياة والتاريخِ، وسِيَر الأُمم وارتِفاعها وانخِفاضِها، ورَغَد عيشِها وبُؤسِه، وضِيقِه وبحبُوحَته، وقيامِ الممالِكِ وزوالِها، وازدِهارِ العُمران وتخلُّفِه، كلُّ ذلك يتمُّ ويمضِي وفقَ سُننٍ ربَّانيَّةٍ صارِمةٍ قاطعةٍ، لا تتبدَّلُ ولا تتغيَّرُ، وهي مُتكرِّرةٌ مع وجودِ الحالِ المُقتضِي لذلك.

 

والمُسلمُ العاقلُ الحَصِيفُ هو من يسعَى إلى التعرُّفِ على هذه السُّنن الإلهيَّة، ويتفقَّهُ في دلالاتها وآثارِها، من خلالِ الآياتِ والنُّذُر، وأيامِ الله، والتأمُّل في القصَص القرآنيِّ والتاريخِ الغابِر، وقراءَتِه قراءةَ عِبرةٍ وعِظةٍ، ويتفكَّرُ في الأحداثِ والمواقِف؛ ليستكشِفَ هذه السُّنن التي هي غايةٌ في العدلِ والثَّباتِ والاضطِراد، وفي ذلك فوائِدُ كثيرةٌ، وثمراتٌ عُظمَى لا تُحصَى.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "حقوق الوالدَين"، والتي تحدَّث فيها عن الحقوق التي أوجبَها الشرعُ فيما بين العبادِ بعد حقِّ الله تعالى، وذكرَ منها: حقوقَ الوالِدَين، وأفاضَ في ذكرِها، مُبيِّنًا عِظَمَ ذلك في القُرآن الكريم، والسنَّة النبويَّة المُطهَّرة.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله فقال: فأُوصِيكم - عباد الله - ونفسِي بتقوَى الله - جلَّ وعلا - في السرِّ والنجوَى؛ فهي وصيَّةُ الله للأولين والآخرين.

 

وأضاف الشيخ: أداءُ الحقوق الواجِبة على العبدِ نفعُها في أولِ الأمرِ وآخرِه يعودُ إلى المُكلَّفِ بالثوابِ في الدنيا والآخرة، والتقصيرُ في بعض الحقوقِ الواجِبة على المُكلَّف، أو تضييعُها وتركُها بالكلية، يعودُ ضرَرُه وعقوبتُه على الإنسانِ المُضيِّع للحقوق المشروعة في الدين؛ لأنه إن ضيَّع حقوقَ ربِّ العالمين فما ضرَّ إلا نفسَه في الدنيا والآخرة، فالله غنيٌّ عن العالمين.

 

وقال حفظه الله: وحقُّ الربِّ الذي يجبُ حفظُه هو التوحيدُ، وقد وعَدَ الله عليه أعظمَ الثوابِ، ومن ضيَّع حقَّ الله - عزَّ وجل - بالشركِ به، واتِّخاذ وسائِط من دُون الله يعبُدهم ويدعُوهم لكشفِ الضُّرِّ والكُرُبات، وقضاءِ الحاجاتِ، ويتوكَّلُ عليهم؛ فقد خابَ وخسِرَ وأشركَ، وضلَّ سعيُه، لا يقبَلُ الله منه عدلًا ولا فِديةً، ويُقال له: ادخُلِ النارَ مع الداخِلِين، إلا أن يتوبَ من الشركِ.

 

وأكد الشيخ أن أعظم الحقوقِ بعد حقِّ الله ورسولِه: حقوقُ الوالِدَين، ولعِظَمِ حقِّهما قرَنَ الله حقَّه بحقِّهما، وعظَّمَ الله حقَّ الوالِدَين؛ لأنه أوجَدَك وخلَقَك بهما، والأمُّ وجَدَت في مراحِلِ الحمل أعظمَ المشقَّات، وأشرَفَت في الوَضعِ على الهلَكَات، قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) [الأحقاف: 15]، فلا تعجَب - أيها الوَلَد - من كثرةِ الوصيَّة بالوالدَين، ولا تعجَب من كثرةِ الوَعيدِ في عقوقِهما.

 

وقال حفظه الله: وبرُّ الوالدَين هو طاعتُهما في غير معصِيَةٍ، وإنفاذُ أمرِهما ووصيَّتهما، والرِّفقُ بهما، وإدخالُ السُّرور عليهما، والتوسِعةُ عليهما في النفَقَةِ، وبَذلُ المالِ لهما، والشفقَةُ والرحمةُ لهما، والحُزنُ لحُزنهما، وجَلبُ الأُنس لهما، وبرُّ صديقِهما، وصِلةُ وُدِّهما، وصِلةُ رحِمِهما، وكَفُّ جميع أنواع الأذَى عنهما، والكفُّ عما نَهَيَا عنه، ومحبَّةُ طولِ حياتهما، وكَثرةُ الاستِغفار لهما في الحياةِ وبعد الموتِ. والعقوقُ ضدُّ ذلك كلِّه.

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على أن حقوقَ الوالدَين مع ما في القيام بها من عظيمِ الأجُور والبَرَكَة، فهي من مكارِمِ الأخلاق، وأكرَمِ الخِصال التي يقومُ بها من طابَتْ سريرتُه، وكرُمَ أصلُه، وزكَت أخلاقُه، وطابَت أعمالُه، وجزاءُ الإحسانِ الإحسانُ، والمعروفُ حقُّه الرعايةُ والوفاءُ، والجميلُ يُقابَلُ بالجميلِ، ولا يُنكِرُ المعروفَ والجميلَ إلا مُنحَطُّ الأخلاقِ، ساقِطُ المُروءةِ، خَبيثُ السريرَةِ.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات