مختصر خطبتي الحرمين 20 من جمادى الأولى 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن خشيةَ الله تعالى بالغيبِ سعادةٌ وسَكينةٌ، وراحةٌ وطُمأنينة، وحِصنٌ من الفِتَن، ولذَّتُها في القلبِ لا يعرِفُها من ذاقَها؛ فالعزمَ العزمَ، والجِدَّ الجِدَّ، والحِرصَ على توطينِ النفس على الخشيَةِ بالغيبِ، وكفِّها عن العيبِ، وتروِيضِها قبل الشَّيبِ، فإن القلبَ إذا امتلأَ بالخوفِ والمهابَةِ والإجلالِ لله -عزَّ وجل- أحجَمَت الأعضاءُ عن ارتِكابِ المعاصِي.

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ ماهر المعيقلي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الفوز برِضا الله تعالى"، والتي تحدَّث فيها عن كيفية فوز العمل وبلوغه رِضا الله - سبحانه وتعالى -، مُبيِّنًا أن هذه المنزلة هي أعظمُ من الجنَّة، كما وردَ في السنَّة النبوية، وذكرَ بعضَ مُوجِبات رِضا الله تعالى على عبادِه.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصِي نفسِي وإياكم بتقوَى الله - جلَّ جلالُه -.

 

وأضاف الشيخ: إن الرِّضا عن الله تعالى مقامٌ جليلٌ من مقامات أولياءِ الرحمن، ومنزلةٌ عالِيةٌ يُحقِّقُها المُوفَّقُون من عبادِ الكريمِ المنَّان، وهو يعنِي: رِضا العبد بفعلِ ما أُمِرَ به، وتركِ ما نُهِيَ عنه، وقبولَه بما هو فيه من السرَّاء والضرَّاء. وذلك لأن الله تعالى لا يختارُ لعبدِه الصالِحِ إلا ما فيه خيرٌ له، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].

 

وقال حفظه الله: والجزاءُ من جِنسِ العملِ؛ فمن رضِيَ عن الله رضِيَ الله عنه، ورِضوانُ الله على عبدِه أعظمُ من الجنَّة ونعيمِها. وإنَّ من ينظُرُ في سِيَر أنبِياء الله تعالى يجِدُ أن مدارَ حياتهم كلِّها في طلَبِ مرضَاة الربِّ - جلَّ جلالُه-.

 

وأما نبيُّنا - صلواتُ ربي وسلامُه عليه - فهو أرضَى الناسِ بالله، وأرضَاهم لله، وأكثَرُهم طلَبًا لمرضَاة الله، وكان ذلك جلِيًّا في أقوالِه وأفعالِه؛ فمع ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من كمال الرِّضا، فقد كان دائِمَ الدُّعاء به. ففي "صحيح مُسلم": عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: فقَدتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ليلةً من الفِراش، فالتَمَستُه، فوقَعَت يدِي على بطنِ قدَمِه وهو في المسجِدِ - وهما منصُوبَتَان - وهو يقولُ: «اللهم أعوذُ برِضاك من سخَطِك، وبمُعافاتِك من عقوبتِك، وأعوذُ بك منك لا أُحصِي ثناءً عليك أنت كما أثنَيتَ على نفسِك».

 

وقال وفقه الله: فلا أحبَّ ولا أكرَم، ولا أكبرَ ولا أعظمَ من رِضوانِ الله - جلَّ جلالُه، وتقدَّسَت أسماؤُه -؛ فمن أجلِه بكَت عيونُ الخاشِعين، ووجِلَت قلوبُ الصالحين، فباعُوا أنفسَهم ليشتَرُوا رِضا ربِّهم، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [البقرة: 207].

 

وأكد الشيخ أن الرِّضا عن الله تعالى مقامٌ عظيمٌ، يُوجِبُ الله تعالى لصاحبِهِ الجنَّة؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي سعيدٍ الخُدريِّ: «يا أبا سعيدٍ! مَن رضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلام دِينًا، وبمُحمدٍ نبيًّا وجبَتْ له الجنَّة» (رواه مسلم).

 

وإن مَن رضِيَ بالله تعالى ربًّا - يا عباد الله - وجدَ حلاوةً في طاعته، ولذَّةً في البُعد عن معصيتِه، ومن رضِيَ بالإسلام دِينًا وجدَ سعادةً في اتِّباع شريعتِه والعمل بأحكامِه، ومن رضِيَ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - رسوُلاً وجدَ انشِراحًا في اتِّباع سُنَّته والتِزام هَديِه.

 

وبيَّن فضيلته أن الفوزَ برِضا الرحمن هو أسمَى المطالِبِ وأعظمُها، وأجَلُّ الغايات وأكمَلُها، وما من مُسلمٍ رضِيَ بالله تعالى ربًّا إلا وهو يلتمِسُ الطُّرقَ التي تُقرِّبُه من رِضَا ربِّه. وإن من أعظَم أسبابِ رِضا الرحمن: توحيدَه - جلَّ جلالُه -، والاعتِصامَ بكتابِه وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -.

 

وتابع الشيخ: وأما ذِكرُ الله فهو أرضَى الأعمالِ لله، وإن الذاكِرَ ليجِدُ السعادةَ في قلبِه، والطُّمأنينةَ والرِّضا في نفسِه مهما تكالَبَت عليها الهُمومُ والغُمومُ.

 

وأوضح فضيلته أن من مُوجِباتِ رِضا الله على العبدِ: المُحافظة على الصلواتِ، وأمر الأهلِ بأدائِها؛ وللمُعاملة الحسنة والكلمة الطيبةِ أثرٌ بالِغٌ في النفوسِ، يكتُبُ الله لصاحبِها رِضوانَه إلى يوم القيامة. وأوَلَى الناس بحُسن المُعاملة وطِيبِ الكلام مَن كانا سببًا في وجودِك بين الأنام، فأقصَرُ طريقٍ لرِضا الرحمن هو رِضا الوالدَين. وكيف ينسَى المُسلمُ هذا البابَ، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: «رِضا الربِّ في رِضا الوالِد، وسَخَطُ الربِّ في سَخَطِ الوالِد».

 

وختم الشيخ خطبته بأن الحمد من مفاتيح الرضا فقال: ومن فضلِ الله ومِنَّتِه على عبادِه: أن جعلَ تحصيلَ رِضاه بأسَرِ العبادات؛ فمن حمِدَ اللهَ وشكَرَ على النِّعَم فازَ برِضا المُنعِم. ففي "صحيح مُسلم" من حديث أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه -، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله ليرضَى عن العبدِ أن يأكُلَ الأكلَةَ فيحمَدَه عليها، أو يشرَبَ الشَّربةَ فيحمَدَه عليها». الله أكبر! عملٌ يسيرٌ، وأجرٌ كبيرٌ. وجِماعُ ذلك كلِّه: الإيمانُ بالله - جلَّ جلالُه -، وبذلُ النفس له - سبحانه -، ونُصرةُ دينِه ورسولِه - صلى الله عليه وسلم -.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البعيجان- حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "خشيةُ الله تعالى"، والتي تحدَّث فيها عن خشيَة الله - جلَّ وعلا -، وأنها عبادةٌ من أجلِّ العبادات، وقُربةٌ من أعظم القُرُبات؛ فهي تحُولُ بين المرءِ وبين محارِم الله تعالى، مُستشهِدًا بآياتِ الكتابِ العزيز والسنَّة النبوية المُطهَّرة الدالَّة على فضلِها وعِظَم أجرِها في الدنيا والآخرة.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله فقال: فأُوصِيكم - عباد الله - ونفسِي بتقوَى الله - جلَّ وعلا - في السرِّ والنجوَى؛ فهي وصيَّةُ الله للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].

 

وأضاف الشيخ: مع الانفِجار المعرفيِّ، والتقدُّم التِّقنِيِّ، وانفِتاح العالَم، وتغلغُل الغزو الثقافِيِّ، وتنوُّع وسائِلِ التواصُلِ الاجتماعيِّ التي اقتحَمَت البيوتَ، وأصبحَت بيدَ الصغيرِ والكبيرِ، والذَّكَر والأُنثَى، فإن المُسلم يحتاجُ في نفسِه وفي تربيةِ أهلِ بيته إلى خُلُقٍ عظيمٍ، وعبادةٍ جليلةٍ هي من أجَلِّ العباداتِ وأعظمِ القُرُبات، تحُولُ بين المرءِ وبين محارِمِ الله ومعاصِيه، وبها ينزَعُ العبدُ عن الحُرُمات ويُقبِلُ على الطاعات. هي أصلُ كل فضيلةٍ، وباعِثُ كل قُربةٍ، وهي التي تزرَعُ في القلبِ هيبَةَ الله - عزَّ وجل-، إنها خشيَةُ الله في الغيب والشهادة.

 

فلله ما أعظمَها! ولله ما أحوَجَنا إليها! هي أساسُ صلاح الدنيا والآخرة، ومنَاطُ التقوَى، وبُرهانُ الإيمان، وثمرَةُ التوحيد والإخلاص، ومنبَعُ حُسن الخُلُق، يحتاجُ إليها الإنسانُ عمليًّا؛ لكي يعيشَ بشَرًا سوِيًّا.

 

خشيَةُ الله بالغيبِ هي مُقتضَى الإحسان: أن تعبُدَ اللهَ كأنَّك تراه، فإن لم تكُن تراه فإنه يرَاكَ.

 

ومن لوازِمِها: الشعورُ برَقابةِ الله -عزَّ وجل-، والعلمُ بأنه شهيدٌ رقيبٌ على قلوبِ عبادِه وأعمالِهم، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19].

 

وأكد الشيخ أن مَن علِمَ الله أن الله يرَاهُ حيث كان، وأنه مُطَّلِعٌ على باطنِه وظاهِرِه، وسِرِّه وعلانيتِه، واستحضَرَ ذلك في خلَواتِه أوجَبَ له ذلك تركَ المعاصِي في السرِّ.

 

وقال حفظه الله: خشيَةُ الله بالغيبِ مِفتاحٌ لأبوابِ المغفِرَة، فيها خيرٌ كثيرٌ وأجرٌ كبيرٌ، (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [الملك: 12]. وخشيَةُ الله تعالى بالغيبِ سببٌ لحلُول مرضَاتِه ودخول جنَّاته، (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) [ق: 33، 34]،  وخشيَةُ الله تعالى بالغيبِ تُهيِّئُ القلوبَ للخير وقبُول التذكِرة والنُّصح، (إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) [فاطر: 18]، وخشيَةُ الله تعالى تجعلُ من الموعِظةِ والتذكِرةِ والنُّصحِ أثَرًا في القلوبِ والأحاسِيسِ، (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) [الزمر: 23].

 

وأكد الشيخ أن الحجارةَ وهي صُمٌّ جمادٌ تخِرُّ وتتصدَّعُ وتهبِطُ من خشيَةِ الله، لم يمنَعها الجُمودُ، وسَلبُ العقل والأحاسِيس، وعدمُ التكليفِ من الشُّعور والتأثُّر من خشيَةِ الله، ولم تنفَعها القوةُ والجلادَةُ والصَّلابَةُ لمُقاومة هذا التأثُّر، (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) [البقرة: 74]. فحرِيٌّ بنا - عباد الله - أن ندَّكِر، وبقلوبِنا أن تخشَى وتعتبِر.

 

ختم الشيخ خطبته بالتأكيد على ثمرات خشية الله تعالى فقال: إن خشيةَ الله تعالى بالغيبِ سعادةٌ وسَكينةٌ، وراحةٌ وطُمأنينة، وحِصنٌ من الفِتَن، ولذَّتُها في القلبِ لا يعرِفُها من ذاقَها؛ فالعزمَ العزمَ، والجِدَّ الجِدَّ، والحِرصَ على توطينِ النفس على الخشيَةِ بالغيبِ، وكفِّها عن العيبِ، وتروِيضِها قبل الشَّيبِ، فإن القلبَ إذا امتلأَ بالخوفِ والمهابَةِ والإجلالِ لله - عزَّ وجل - أحجَمَت الأعضاءُ عن ارتِكابِ المعاصِي. صحَّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ثَلاثٌ مُنجِياتٌ: العدلُ في الغضَبِ والرِّضَا، والقصدُ في الفقرِ والغِنَى، وخشيَةُ الله في السرِّ والعلانِية».

إن تزكِيةَ النفوسِ وخشيَةَ الله منُوطةٌ بصلاحِ القلوبِ: «ألا وإن في الجسَدِ مُضغَة إذا صلَحَت صلَحَ الجسَدُ كلُّه، وإذا فسَدَت فسَدَ الجسَدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ».

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات