مختصر خطبتي الحرمين 13 من جمادى الأولى 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إذا حدَثَت حادِثة أسرَعُوا إلى الشبَكات العنكبوتية ومواقِع التواصُل التي تُضرِمُ نارَ الأراجِيف، وتتولَّى كِبرَها، وتُشعِلُ أُوارَها، وكم من حدَثَ لو حصلَ لدُفِنَ وماتَ في مَهدِه، لولا استِغلالُ المُرجِفين لهذه المواقِع في أسوَأ ما وُجِدَت له، في صُورٍ من التهويلِ والمُبالَغاتِ الممقُوتة، ينشُرون مقالاتٍ عورَاء طائِشة يسُوقُون بها الدَّهمَاءَ إلى مجهَلَة، ومهلَكَةٍ ومفسَدَة، هَمُّهُم إيقاظُ الشرِّ وإيقاظُ الفتَن، وإيقاعُ الخُصُومة بين الناسِ.

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "حذارِ من المُرجِفين"، والتي تحدَّث فيها عن الإرجافِ والنِّفاقِ وانتِشاره في صفوف الأمة، مُحذِّرًا شبابَ المُسلمين من سُبُلهم ومسالِكهم، كما حثَّ العلماء والدعاة والإعلاميين على وجوبِ التصدِّي لهذه الانحِرافات بشتَّى الوسائِل المُجدِية النافِعة.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فيا عباد الله: اتَّقُوا الله حقَّ تُقاتِه؛ فإن خيرَ الوصايَا وصيَّةُ ربِّ البرَايَا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].

 

وأضاف الشيخ: تماسُكُ المُجتمع واستِقرارُه، وتلاحُمُ أفراده وأطيافِه أمامَ الأزماتِ والتحديات، والتصدُّعات والانقِسامات مطلَبُ أُولِي النُّهى والطُّمُوحات. ولقد عانَى أهلُ كل زمانٍ من المُرجِفين، ولم يسلَم من غُلوائِهم أحدٌ من الأنبياء والمُرسَلين، والعلماء والدعاة والمُصلِحين؛ فهم لا يترُكون حادِثةً أو واقِعةً إلا كانوا أولَ من يركَبُ ثبَجَها، ويستغلُّوا حدَثَها.

 

وقال حفظه الله: لقد أرجَفَ المُرجِفون في غزوة أُحُد بأن الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - قد قُتِل، وأرجَفُوا أن المُسلمين لن يعُودوا من تبُوك سالِمين، وأن الروم سيأخُذونهم أسْرَى، ولما تمَّ تحويلُ القِبلَة أخذَ المُرجِفون يقُولُون: ما حالُ المُسلمين الذين ماتُوا قبلَ التحويل؟ وكيف نحكُمُ على صلاتِهم وإيمانِهم؟ كانوا يتحدَّثُون عن سرايَا المُسلمين فيقُولُون: هُزِمُوا، أو أسرعَ فيهم القتل، أو نحو ذلك؛ لإيقاع الشكِّ والخوفِ والذُّعرِ في نفوسِ الناس.

 

وها هو التأريخُ يُعيدُ نفسَه، فما أشبَهَ الليلَةَ بالبارِحة، فكما لم تسلَم خيرُ القُرون من نَزَغات المُرجِفين، فإن فِئامًا من الخوالِفِ سارُوا على دربِ أسلافِهم؛ إذا حدَثَت حادِثة أسرَعُوا إلى الشبَكات العنكبوتية ومواقِع التواصُل التي تُضرِمُ نارَ الأراجِيف، وتتولَّى كِبرَها، وتُشعِلُ أُوارَها، وكم من حدَثَ لو حصلَ لدُفِنَ وماتَ في مَهدِه، لولا استِغلالُ المُرجِفين لهذه المواقِع في أسوَأ ما وُجِدَت له، في صُورٍ من التهويلِ والمُبالَغاتِ الممقُوتة، ينشُرون مقالاتٍ عورَاء طائِشة يسُوقُون بها الدَّهمَاءَ إلى مجهَلَة، ومهلَكَةٍ ومفسَدَة، هَمُّهُم إيقاظُ الشرِّ وإيقاظُ الفتَن، وإيقاعُ الخُصُومة بين الناسِ.

 

ينشُرون الأخبارَ الكاذِبة، ويُروِّجُون الإشاعاتِ المُغرِضة دون تمحيصٍ أو روِيَّة، كحالِ أسلافِهم إذا (جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ) [النساء: 83].

إن يسمَعُوا هَفْوَةً طارُوا بها فرَحًا *** وما علِمُوا من صالِحٍ كتَمُوا

 

فكم تجنَّوا على أبرِياء، وأشعَلُوا نارَ الفتنة بين الأصفِياء، وكم نالُوا من رُموزٍ وعلماء وعظماء، وكم هدَمَت الأراجِيفُ من وشائِج، وتسبَّبَت في جرائِم، وفكَّكَت من أواصِرَ وعلاقات، وحطَّمَت من أمجادٍ وحضاراتٍ، وكم دمَّرَت من أُسرٍ وبيُوتات، وأهلَكَت من حواضِرَ ومُجتمعات! ينفُخُون في الهِنَات، ويُضخِّمُون الهيِّنَات.

 

وأكد الشيخ أن الإرجافَ والمُرجِفين صنائِعُ استِخباراتيَّة، وأغرارٌ وأدواتٌ شيطانيَّة، يقِفُ وراءَها أجِنداتٌ مشبُوهة، وأيديولوجيَّاتٍ تخدِمُ أعداءَ الإسلام، وتنضَوِي تحت تنظيماتٍ إرهابيَّة، وميليشيَّاتٍ طائفِيَّة بدَعوَى الخلافة المزعُومة، والجِهاد الموهُوم، تسعَى إلى تفكِيكِ الأوطان، والتشكيكِ في الأديَان، وتمَسُّ الثوابِتَ والمبادِئَ والأُصولَ، وتُفرِزُ مُسُوخًا من الهوِيَّة والفِكرِ والثقافةِ الأصيلَةِ، تعملُ على زعزَعَةِ الأمن، وخَلخَلَة النَّسيجِ الاجتماعيِّ المُتميِّز.

 

وحذر فضيلته من أن عشرات الوسائِلِ الإعلاميَّة، والقنوات الفضائيَّة، والشبكَات المعلُوماتيَّة تتولَّى كِبْرَ نشر الأخبار الكاذِبة، والأراجِيفِ المُغرِضَة، والحمَلات الإعلاميَّة المحمُومة، في صُورٍ من صُور الإرهابِ النفسيِّ، والتحطيمِ المعنَوِيِّ، له دوافِعُه الشائِنَة، وأغراضُه المشبُوهة ضدَّ عقيدة الأمة ومُثُلها وثوابِتِها وقِيَمها.

 

وبيَّن الشيخ أن على علماء الأمة ودعاتِها بيان ضلالِ هذه الفِئاتِ الجانِحة عن الرُّشدِ وشناعَةِ فعلِهم، وهذا دَيدَنُ أهلِ العلمِ على مَرِّ الزمانِ. إن الجميعَ مُطالَبٌ بالقضاءِ على هذه الظاهِرة - كلٌّ في مجالِه - التي لها آثارُها المُدمِّرة ضدَّ أمن الأمة، واستِقرار الأوطان والمُجتمعات.

 

ليس أمضَى للتصدِّي للإرجافِ والمُرجِفين، ومُثبِّطِي الهِمَم والعزائِم والمُعوِّقِين من إعمالِ سَيف الحَزم البتَّار؛ حتى لا يقضُوا على البقِيَّة الباقِية من المنظُومة الفِكريَّة والاجتماعيَّة في الأمة، وأن يتوارَدَ الجميعُ على مواثِيقِ شرفٍ مُلزِمةٍ للحِفاظِ على الدين والقِيَم، والأوطان ومُقدَّراتها ومُكتسَبَاتها، والوقوف بحَزمٍ وعَزمٍ أمامَ الأدعِياء والمُرجِفين، واستِئصالِ شأَفَتهم، واجتِثاث جُذُورهم، حتى لا يُنالَ من المُحكَمات المُسلَّمات، ولا يُسخَرَ من الثوابِتِ القطعِيَّات.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على لزوم الجماعة فقال: وجِماعُ الخير كلِّه، وأقوَمُ سبيلٍ وأهدَى طريقٍ للنجاةِ من الإرجافِ والفتنِ الحوالِك، والمُرجِفين والكُرَبِ الهوالِك، هو الحذَرُ من الفتَن ودُعاتها، ولُزُومُ الجماعة، وحُسنُ السمع للإمام والطاعة، وتركُ التفرُّق والتحزُّب والطائفيَّة والتعصُّب.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "توجيهات للأزواج والزوجات"، والتي تحدَّث فيها عن المُعاشَرة بين الزوجَين ووجوب مُراعاة حقوقِّ كلٍّ منهما وواجِباته، مُوجِّهًا نصائِحَه للأزواج والزوجات بحُسن العِشرة، والسعي إلى مرضَاة الله تعالى، والكَفِّ عن الشِّقاق وطلَب المرأة الطلاق من الرجل في غير ما بأسٍ، مُحذِّرًا الرجالَ من استِعمال حقِّ الله لهم في الطلاق في غير سبيلِه، أو الحلِف بالطلاق.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله فقال: اتَّقوا الله فإن تقوَاه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب.

 

وأضاف الشيخ: عقدُ النِّكاح مناطُ الحقوق بين الزوجَين، يُلزِمُ كلاًّ منهما مُعاشرةَ الآخر بالمعرُوفِ وألا يمطُلَه بحقِّه ولا يتكرَّهَ لبَذلِه، وتحسينَ خُلُقه لصاحبِه، والرِّفقَ به واحتِمالَ أذاه.

 

والمُعاشرةُ الحسنةُ والصُّحبةُ الجميلةُ أقَرُّ للعَين، وأهدَاُ للنفسِ، وأهنَأُ للعَيش، عندما تكون ببِشْرٍ وطلاقَةٍ، وأداءٍ للحقُوقِ المفروضَة من المَهر والنَّفقَة والقَسْم، وتركِ أذاها بالكلامِ الغَليظِ والإعراضِ عنها والمَيل إلى غيرِها، وتركِ العُبُوسِ والقُطُوبِ في وجهِها بغيرِ ذنبٍ.

 

وأكد الشيخ أن الإنسانَ لا يكادُ يجِدُ محبوبًا ليس فيه ما يكرَه، فليصبِر على ما يكرَه لما يُحبُّ، وقلَّ أن ترَى مُتعاشِرَين رضِيَ كلُّ واحدٍ منهما جميعَ خُلُقِ الآخر، وما تعاشَرَ اثنان إلا وأحدُهما يتغاضَى عن صاحبِهِ.

 

وأوصى الشيخ الأزواج فقال: أمسِكُوا نساءَكم، ولا تُبادِرُوا إلى المُنازعَة والمُشاجَرة، ولا تتعجَّلُوا إلى المُفارقَة، ولا تُسارِعُوا إلى الطلاق، ولا تُبالِغُوا في تصنُّع الكراهِيَة والبُغض؛ فكم من رجُلٍ استبَدَّ به الطَّيش، وأخذَه الغضَب، وحاطَ به الحُمقُ، وعجِلَ وطلَّق، ثم استرجَعَ وندِم، وقد فاتَتْه الرَّجعةُ، وتعذَّرَت عليه العودةُ.

 

ونصح الزوجات فقال: لا تكُونِي ممن تأكُلُ لَمًّا وتُوسِعُ ذمًّا، صَخُوبٌ غَضُوبٌ، لا تُطِيعُ لزوجِها أمرًا، ولا تَبَرُّ له قَسَمًا. أحسِنِي إلى زوجِك، كُونِي قريبةً من مودَّتِه، مُسعِفةً له عند حاجتِه، مُلبِّيةً لندائِه ودعوتِه، نازِلةً عند رغبَتِه، ذاكِرةً لفضلِه وحسَنَتِه. ولا تكُونِي المُسيئةَ لعِشرتِه، ولا تُجادِليه عند غضَبِه وسَورَتِه، ولا تُطاوِلِيه عند حِدَّتِه وثَورَتِه.

 

وقال حفظه الله: جعلَ الله الطلاقَ وحلَّ العِصمةِ المُنعقِدَة بين الزوجَين بيدِ الرجُلِ، ولكن يحرُمُ على الرَّجُلِ إساءةُ استِعمال حقِّه في الطلاقِ، واتِّخاذُهُ وسيلةً وأداةً لاستِغلال الزوجةِ وابتِزازِها، وجَعلُه سَوطًا يُلوِّحُ به في وجهِ المرأة لإخضاعِها وتهديدِها وإهانَتِها. ومن عضَلَ زوجتَه وضارَّها بالضربِ والتضيِيق عليها، أو منَعَها حقوقَها من النفقَة والقَسْم ونحو ذلك؛ لتفتَدِيَ نفسَها منه، ففعَلَت، فالخُلعُ باطِلٌ، والعِوَضُ مردُودٌ.

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من الاستهانة بالحلف بالطلاق، فقال: ومن الرِّجال من جعلَ التلفُّظَ بالطلاقِ والإكثارَ منه دَيدَنَه ودأبَه، ومن العاداتِ الذَّمِيمَة: كثرة الحَلِف بالطلاقِ، وتلك استِهانةٌ بالحياةِ الأُسريَّة، واستِخفافٌ بحُقوقِ الزوجةِ والأولادِ، وتلاعُبٌ بالطلاقِ وأحكامِه. ويجِبُ على الزوجِ أن يصُونَ لِسانَه عن الإكثارِ من التلفُّظِ بالطلاقِ، والتهديدِ به، والتلوِيحِ بإيقاعِه.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات