اقتباس
علينا جميعًا أن نعلَمَ بأن وسائلَ التواصُلِ غِيبتُها غِيبَة، ونَميمَتُها نَميمَة، وبُهتانُها بُهتانٌ، وقَذفُها قَذفٌ، وسِبابُها سِبابٌ، والإثارةُ إثارةٌ، فمن ظنَّ أن هذه الوسائِلَ تُغيِّرُ المعانِي والمقاصِدَ والحقوقَ فهو يعيشُ تصوُّرًا ذهنيًّا نشأَ من ضِيقِ فِكرِه وعدمِ اكتِراثِه بالحقوقِ والواجِباتِ..
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "وسائل التواصُل الاجتماعيِّ"، والتي تحدث فيها عن كثرة نعم الله على العباد، ومن ذلك وسائل التواصل الاجتماعي بما تحمله من فوائد للمجتمع، ووجوب الحذر من سلبياتها.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقُوا اللهَ - عباد الله -، وأطيعُوا ولا تعصُوا، واجمَعُوا ولا تُفرِّقُوا، وتعاطَفُوا ولا تباغَضُوا، وكونُوا عبادَ الله إخوانًا.
وأضاف الشيخ: إنَّ نعَمَ الله على عبادِه تَترَى لا ينقلِبُون في نعمةٍ من نِعَم الدنيا إلا تبِعَتها أختُها، نِعَمٌ في الماء، ونِعَمٌ في المعيشَة، ونِعَمٌ في وسائل مُراغَمَة الحياة الحديثة التي قرَّبَت البعيد، واختصَرَت الزمن. إنَّ أحدَنا يجلِسُ مُتَّكِئًا على أريكتِه في مجلسِه، أو مُستلقِيًا على سريرِه في غُرفتِه تصِلُ إليه الأخبارُ في المشارِقِ والمغارِبِ، ويتحدَّثُ مع العشرات أو المِئات أو الآلاف أو الملايين، تتوالَى إليه الأخبارُ حثيثةً بتحريكِ إبهامِه قبل أن يقومَ من مقامِه.
وقال حفظه الله: إنها لنِعمةُ وسائل التواصُل الاجتماعيِّ منها وغير الاجتماعيِّ، التي أذهَلَت العقول، وأدهَشَت الأسماعَ، وخطَفَت الأبصارَ بسُرعتها ودقَّتها وتكامُلِها. إنها لقَفزةٌ هائِلةٌ في التواصُل، جعلَت من سَكرةِ حداثَتها وهيَجانها تغييبًا لوَعيِ كثيرٍ من الناس عن تمييز خيرِها من شرِّها، فلم يستحضِروا إبَّانَ غَمرتِهم أنها في الحقيقةِ كغيرها من الوسائلِ فيها خيرٌ وشرٌّ، وإثمٌ كبيرٌ ومنافِعُ للناس، وأنَّ حسَنَها حسَنٌ، وقبيحَها قبيحٌ.
وأكد الشيخ أن سهولةَ الوصولِ إلى هذه الوسائِل وسهولةَ استِعمالها قد أفرزَت غيابًا لهَيبَة الكلِمة، وعدمَ استِشعار عِظَمها وخُطورتها؛ حتى إنها أصبحَت لدَى كثيرٍ من الناسِ في مقامِ حديثِ النفسِ لا زِمامَ له ولا خِطام. فلقد أزالَت هذه القَفزةُ العجيبةُ كثيرًا من التحفُّظات والحواجِز التي لا يجرُؤُ أحدٌ أن ينطِقَ بها بشفَتَيه في مجلسٍ ما، لكن يُمكن أن تجرُؤ عليها أنامِلُه من خلال لمسِهِ لوحةَ المفاتيحِ الرقميَّة.
وأوضح فضيلته أننا: نرَى في وسائلِ التواصُلِ بين ظهرانِينَا من كثرَة القِيلِ والقالِ، وسَفسافِ الكلام، والهَمز واللَّمز، والسُّخرية والشَّماتَة إلا مَن رحِمَ ربي. لقد كنَّا قبل وسائلِ التواصُلِ الحديثة نسمَعُ بحديثِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، الذي يقولُ فيه: «إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلِمةِ ما يتبيَّنُ فيها، يزِلُّ بها إلى النار أبعَدَ مما بين المشرِقِ والمغرِبِ» (متفق عليه).
وتابع الشيخ: إن بعضَ الناس ليتوهَّمُ أن وسائلَ التواصُل الاجتماعيِّ تُمثِّلُ طريقًا مُعبَّدًا للثقافة، لا ترَى فيها عِوَجًا ولا أَمْتًا، في حين إن الأمر خلاف ذلكم تمامًا؛ لأننا نُكابِدُ في زمننا هذا واقِعًا مُتسارِعَ الخُطَا، تتدفَّقُ إلينا معلُوماتُه تدفُّقًا شديدًا عبرَ هذه الوسائلِ. ما يُؤكِّدُ اليقَظَةَ والحذَرَ لِما يُمكن أخْذُه من بين سُطورِها، وما يجِبُ رفضُهُ؛ حتى لا نقعَ في شَرَكٍ كنَّا نفِرُّ منه، فنكون صيدًا ثمينًا لمآرِبِ للاعبين بالمُجتمعات، المُتربِّصِين بها الدوائِر، ليضرِبُوا وعيَها في مقتَل، أو على أقلِّ تقديرٍ لينجَحُوا في تأجِيجِ إرهابٍ فكريٍّ يتنازعُهُ طرَفُ الغلُوُّ وطرَفُ الجفاء.
وحذر الشيخ من أن استِسهال لمسَةٍ واحدةٍ للوسيلَةِ بتفضيلِ عبارةٍ، أو إعادة تدويرِها، أو التَّثنِيَة عليها، كلُّ ذلك جديرٌ في إرباك الفِكر، وتشويشِ المفاهِيم، وإثَارَة الاحتِقان سبَهلَلا دون خِطامٍ ولا زِمامٍ، ولا ترَوٍّ في صحَّةِ المعلُومة أو عدَمِها، فتُصبِحُ القُدرةُ على بَثِّ الإشاعَةِ حينئذٍ أقوَى بمراحِلَ من القُدرة على تمحيصِها، ويُصبِحُ الاستِعدادُ لقَبُولها أقوَى كذلك من القُدرة على نفيِها، أو الردِّ عليها.
وأكَّد الشيخ أن أكبرَ خطأٍ تقعُ فيه المُجتمعات حين تتجاوَزُ نظرتَها إلى تلك الوسائِلِ من كَونِها مُجرَّد وسائِل، إلى جَعلِها أصولاً أو غاياتٍ، ولا تسألُوا حينئذٍ عن نُشوءِ أجيالٍ مُشوَّشةَ التفكير، هشَّةَ التأصيلِ، يسهُلُ اختِراقُها والتسلُّلُ إليها بغسيلٍ فِكريٍّ، وتَوطِينِ مَن ينشُدُ الثقافةَ على أن يكون إِمَّعةً إن فسَدَ الناسُ فسَدَ، وإن ظلَمُوا ظَلَمَ.
وبيَّن فضيلته أن وسائلَ التواصُلِ الحديثة واقِعٌ لا مفَرَّ منه، ولا إنكارَ لِما تحمِلُه من أوجُهِ الخَير وأوجُهِ الشرِّ، ما يُوجِبُ على العُقلاء وذوِي العلمِ والفهمِ السليمِ أن يُزاحِمُوا أهلَ الشرِّ والطَّيشِ، والغفلَةِ والتهوُّر، وإنه لا مناصَ من ذلكم لإطفاءِ حرِّ الطَّيشِ واللامُبالاة ببَرْد الأناة، واستِحضار المسؤوليَّة.
كما أن علينا جميعًا أن نعلَمَ بأن وسائلَ التواصُلِ غِيبتُها غِيبَة، ونَميمَتُها نَميمَة، وبُهتانُها بُهتانٌ، وقَذفُها قَذفٌ، وسِبابُها سِبابٌ، والإثارةُ إثارةٌ، فمن ظنَّ أن هذه الوسائِلَ تُغيِّرُ المعانِي والمقاصِدَ والحقوقَ فهو يعيشُ تصوُّرًا ذهنيًّا نشأَ من ضِيقِ فِكرِه وعدمِ اكتِراثِه بالحقوقِ والواجِباتِ.
وختم الشيخ خطبته بالتحذير من أضرار وسائل التواصل الاجتماعي فقال: إن وسائلَ التواصُلِ على ما فيها من خيرٍ ونفعٍ للأمَّةِ في مجالاتٍ شتَّى، إلا أن فيها شرًّا كثيرًا، ومع كثرة ذلكم الشرِّ إلا أن جِماعَه في ثلاث شُرورٍ: الأولُ: بَثُّ ما يُذكِي الفُرقةَ والتباغُضَ والتدابُرَ بين أبناء المِلَّة الواحِدة، والمُجتمع المُسلم الواحِدِ. وثانِيها: نقلُ الأخبار والإشاعات المُرجِفة أو المُخذِّلة التي تُثمِرُ التشويشَ والتهويشَ، وبناءَ فروعٍ على أصولٍ لا صحَّةَ لها. وثالِثُها: الحديثُ في الأعراض وتتبُّع العورَات، والوِصايةِ على الخلق بالأهواء لا بالشرعِ، وبالتعيِير لا بالنصيحة.
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "فضلُ كلمة التوحيد، والتي تحدَّث فيها فضائل التوحيد وآثاره وبركاته وخيراته ونتائجه العجيبة.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله فقال: فاتَّقوا الله حقَّ التقوى، واستمسِكُوا من الإسلامِ بالعُروَةِ الوُثقَى.
وأضاف الشيخ: الفرحُ والسُّرورُ واللذَّةُ وطِيبُ الوقت والنَّعيم إنما هو في معرفةِ اللهِ وتوحيدِه والإيمانِ به، وأفضلُ الكلام وأحَبُّه إلى اللهِ ما كان ثناءً عليه ومَدحًا له، وخيرُ الثناءِ على الله: كلمةُ التوحيد "لا إله إلا الله". كلمةٌ قامَت عليها الأرضُ والسماوات، ولأجلِها خُلِقَت الموجُودات، وبها أنزلَ الله كتبَه وأرسلَ رُسُلَه، قال - تعالى -: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25].
وأنذرَ بها الرُّسُلُ أقوامَهم، قال - سبحانه -: (أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) [النحل: 2]. شهِدَ الله بها لنفسِه وأشهَدَ عليها أفضلَ خلقِه، قال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران: 18].
وقال حفظه الله: جميعُ الشرائعِ مبناها على هذه الكلمة، والدينُ كلُّه من حقوقِها، والثوابُ كلُّه عليها، والعقابُ كلُه على تركِها أو التقصيرِ فيها، كلمةٌ عاليةُ المنازِل، كثيرةُ الفضائِل، فهي رأسُ الإسلامِ مُطلقًا، وأولُ أركانِه ومبانِيه العِظام، وعليها تقوم جميعُ الأركان، وهي ركنُ الإيمانِ باللهِ وجانِبُه الأعظَم، فلا يصِحُّ الإيمانُ بدونها ولا يستقيمُ إلا عليها.
عليها أُسِّسَتْ الملَّة ونُصِبَت القبلَة، وهي محضُ حقِّ اللهِ على جميعِ العباد، كلمةُ الإسلام، ومفتاحُ دارِ السلام، وبها انقسمَ الناسُ إلى شقيٍّ وسعيدٍ، ومقبولٍ وطَريدٍ، فارِقةٌ بين الكفرِ والإسلام، ما نطَقَ الناطِقُون بأحسَنَ منها قولاً، ولا عمِلَ العاملون بأفضلَ من مدلولِها فعلاً.
وقال وفقه الله: وهي دعوةُ الحقِّ الذي لا باطِلَ فيه، والقولُ السديدُ الذي لا اعوِجاجَ فيه، وشهادةُ صِدقٍ لا كذِبَ فيها، وهي المثَلُ الأعلى الذي اختَصَّ الله به دون خَلقِه، كلمةٌ تعدِلُ الدنيا وما فيها، وهي أولُ واجبٍ على العبادِ علمًا وعملاً، إذا صدَقَت هذه الكلمة تطهَّرَ القلبُ من كل ما سِوَى الله، ومن صَدَقَ فيها لم يُحِبَّ سِوَى الله، ولم يَرْجُ إلا إياه ولم يَخشَ سِواه، ولم يتوكَّلْ إلا عليه، ولم يَبقَ بقيةٌ من آثارِ نفسِه وهواه.
وتابع فضيلته: كلمةُ التوحيد كلمةٌ سواء، عليها يجتمِعُ الخلقُ، وبدونِها الفُرقةُ والاختِلافُ، من قالها بحقٍّ أفلَح، المُتمسِّك بها آخِذٌ بأعلى شُعبِ الإيمان، هي أكثرُ الأعمال مُضاعفةً وأجرًا، وهي نجاةٌ للعبدِ في قَبرِه، وعليها يُثبَّتُ عند السؤال، وسجلاتُ الذنوب تَطِيشُ بثِقَل هذه الكلِمَة، أهلُها شُفعاء، ولهم عهدٌ عند الرحمن، وأسعدُ الناسِ بشفاعةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - المخلصون الصادقون في قولِها.
وأضاف فضيلته: والجنةُ جزاءُ من قالَها بصدقٍ، خالِصًا من قلبه، مُوقِنًا دون شكٍّ، عامِلاً بها، مُبتعِدًا عما يُناقِضُها، وتُفتحُ لقائِلها أبوابُ الجنةِ الثمانية، يدخُلُ من أيِّها شاء؛ بل من كان صادقًا فيها عامِلاً بمُقتضاها، لم تمَسَّه النار، ويُخرِجُ اللهُ من النارِ من قالَها وكان في قلبِه مِثقالُ ذرَّةٍ من إيمان. ولأهميةِ كلمةِ التوحيدِ في كلِّ لحظةٍ من حياةِ العبد جاءت الشريعةُ بالحثِّ على مُلازمتِها في كلِّ أحوالِه وشؤونه.
وختم الشيخ خطبته بالحث على تفهم حقيقة التوحيد والعلمُ بمعنى كلمةِ التوحيدِ والعملِ بها، والبُعد عما يُضادُّها أو يُناقِضُها شرطٌ لحُصولِ مُقتضاها الوارِدِ في النُّصوص، فمعناها: نفيُ الإلاهيةِ بحقٍّ عما سِوَى الله، وإثباتُها لله وحدَه، وكلُّ مَن كان بمعناها أعرَف، وبمُقتضاها أقوَم كان ميزانُه أثقَل، وتفاوُتُ الناس فيها على قَدرِ تحقيقِ شُروطِها، ورُوحُ هذهِ الكلمة وسِرُّها إفرادُ الله بالعبادة؛ فمَن أشركَ مخلُوقًا في حقِّ الله وعبادتِه كان ذلك ناقِضًا لقولِ: لا إله إلا الله. والسعيدُ من حافَظَ على توحيدِه وماتَ عليه، ولم يتدنَّس بناقِضٍ من نواقِضِه أو قادِحٍ عليه، أو بما يُنقِصُه، وهي أُمنيةُ عبادِ الله الصادِقِين: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف: 101].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم