مختصر خطبتي الحرمين غرة ربيع الآخر 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

ومتى أيفعَ الغلام، وشارَفَ الاحتلام، وجبَ إعطاؤه مزيدًا من الرعايةِ والاهتمام، وولدُك لك، ما تألَّفتَه وصاحَبتَه ولاينتَه، وبالحبِ غَمرتَه، وبالعطاءِ وصَلتَه، وبالشفقةِ نصَحتَه، وهو لعدوِّك ما صغَّرتَه وحقَّرتَه وأهَنتَه وأبعدته، فكُن لحديثهِ مُستمعًا، ولكلامِه مُنصتًا، وعلِّمه إذا أتاك مُستفهمًا، وقابِله حين يقصدُك مُستعلِمًا، وأفِضْ عليه من تجاربِك حين يأتيك مُستلهِمًا.

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ خالد بن علي الغامدي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "صفاتُ المنافقين في القرآن والسنة"، والتي تحدَّث فيها عن التحذير من النفاقِ وأهلِه، مُبيِّنًا أنه ينقسِمُ إلى قسمَين: أكبر، وأصغَر، كما أوردَ أشهرَ صفاتِ المُنافِقين، والتي نزلَت آياتُ الكتاب المُبين في فضحِهم وهَتك أستارهم، وذكر بعضَ خِصال النفاق الأصغَر؛ لئلا تصِلَ بالعبدِ إلى النفاقِ الأكبر - عياذًا بالله -.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله - عبادَ اللهِ -، وراقِبوه في السرِّ والعلانية.

 

وأضاف الشيخ: قدَرُ الله على هذهِ الأمةِ المُحمدية، في هذه الأزمانِ المُتأخِّرة، أن يتكالَبَ عليها الأعداءُ من كل حدَبٍ ينسِلُون، ويتنادَوا على خيراتِها، ويتكاتَفُوا لتمزيقِها وتعويقِها وتأخير نهضَتِها.

 

وقال حفظه الله: ومن رحمةِ الله أنه لم ترُك الأمةَ بدون بيانٍ وتحذيرٍ من هؤلاءِ الأعداء، وهَتكِ أستارِ مكرِهم وكَيدِهم، وكان من بيانِ الله - سبحانه - أن أعداءَ الأمةِ على قِسمَين، هما: كُفَّار صُرحاء، ظاهرةٌ عدواتُهم، وبيِّنٌ كيدُهم، وهؤلاء الكُفَّار الصُّرحاءُ لم تُعانِ الأمةُ كثيرًا من التعرُّف عليهم، واتِّقاءِ شرِّهم؛ لوُضوحِهم وظُهورِهم. وإنما عانَتِ الأمةُ الأمَرَّين منذ عهدِ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وذاقَت العلاقِمَ المرائِر من النِّفاق وأهلِه، الذين هم أعداءُ الأمة حقًّا، المُتلوِّنون المُخادِعُون، الطاعِنون الأمةَ بخناجِرَ مسمُومةٍ في دينِها وعقيدتِها ووحدتِها، واجتِماعِ كلمتِها، المُتربِّصُون بها الدوائِر مكرًا وكيدًا، وإثارةً للفتنِ والقلاقِل.

 

وأشار الشيخ إلى أنه: لم تكُنْ هناك حاجةٌ لكَي ينشَأ النفاقُ في العهدِ المكيِّ في زمن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لوُضوحِ عداوَة الكُفَّار وصراحَتهم. وإنما نشَأَ في أوائِلِ ما نشَأَ بعد غزوة بدرٍ الكُبرى، حينما رأى اليهود ومن في قلبِه مرضٌ أن أمرَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد توجَّه، وأن رايةَ الإسلام آخِذةٌ في الظُّهور، ولسُوء أفعالهم، وخُبث طويَّتهم، وإضمارهم الشرَّ للأمة تولَّى الله - سبحانه - بنفسِه فضحَ هذه الطائفة المُندسَّة، وبيَّن - سبحانه - خُطُورتَهم وعلاماتهم وصفاتهم، وخصائِص سُلوكيَّاتهم، وبواعِثَ تحرُّكاتهم، والمنهجَ الصحيحَ في التعامُل معهم في آياتٍ مُحكَماتٍ عظيماتٍ، كأنَّها الصواعِقُ المُحرِقةُ تهتِكُ أستارَهم.

 

وقال وفقه الله: آياتٌ حيَّةٌ نابِضةٌ لكأنَّها أُنزِلَت اليوم، من حيويَّتها وتدفُّق معانِيها، كما في صدر سُورة البقرة في ثلاث عشرة آية، وفي سُورة آل عمران، والنساء، والأنفال، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والمُنافِقُون، وما أعظمَ بيانَ الله في سُورة التوبة التي تُسمَّى "الفاضِحة" لأحوال المُنافِقين وصفاتِهم؛ حيثُ ما زالَ الله تعالى يقولُ فيها: ومنهم، ومنهم، ومنهم، حتى ظنَّ الصحابةُ أنه لا يبقَى أحدٌ إلا ذُكِرَ فيها.

 

وأوضح أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – قد بيَّن بيانًا مُشرِقًا كثيرًا من صفاتهم، وملامِح شخصياتهم والتعامُل معهم، في سنُنه القولية والفعلية والعملية، وسيرته التطبيقيَّة التي تَفيضُ بها دواوينُ السنَّة النبوية، وكل ذلك - يا عباد الله - حتى يحذَر المسلمون، ويعُوا خطرَ النفاق الداهِم، وأن أهلَه هم العدوُّ حقًّا، هم العدوُّ على الحقيقة، فاحذَرُوهم - يا عباد الله -، قاتَلَهم الله أنَّى يُؤفَكون.

 

وأوضح الشيخ أن النفاق الذي ذمَّه الله ورسولُه - صلى الله عليه وآله وسلم - على نوعَين، وهو في حقيقته وأصله يرجِعُ إلى اختِلاف حالة السرِّ عن حالة العلانية وتغايُرهما، فإن كان هذا الاختِلاف والتغايُر يرجِعُ سببُه إلى أن يُظهر العبدُ الإسلامَ والإيمانَ بأصول الاعتقاد، ويُبطِن الكفرَ والعقائِدَ الباطلة، فهو النفاقُ الأكبرُ الاعتقادِيُّ المُخرِجُ من الملَّة، وأهل هذا النفاق، آمَنُوا بأفواهِهم ولم تُؤمِن قلوبُهم. ولهم علاماتٌ وصفاتٌ بيَّنها الله أتمَّ بيان، وهي تظهَرُ منهم - أعني: هذه العلامات - في لَحن القول والعمل، وإسرارهم إلى أوليائهم إذا خلَوا إليهم.

 

وأضاف الشيخ: والقرآن العظيم لم يتعرَّض لذِكر أسمائهم وأعيانهم، بل كان حديثُه عنهم مُركَّزًا في بيان صِفاتهم وأفعالهم، وهذا المنهجُ القرآنيُّ الفريدُ هو أعظَمُ نفعًا، وأبقَى أثرًا، وأسلَم عاقبة؛ لأن النفاق وأهله ليسُوا مرحلةً تاريخيةً مرَّت وانتَهَت، بل هم نموذجٌ يتكرَّر في كل زمانٍ ومكانٍ.

 

أكد الشيخ أن النفاق الأكبر هو الذي كان عليه المنافقون في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، الذين نزَلَ القرآنُ بتكفيرهم وتخلِيدهم في النار، وقد كان على رأس المنافقين آنَذَاك عبدُ الله بن أُبَيٍّ، الذي حقَدَ على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما قدِمَ المدينة مُهاجرًا، وأشرَقَت المدينةُ بأنوَاره - صلى الله عليه وآله وسلم -، والْتَفَّ الناسُ حولَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وفرِحُوا به فرحًا شديدًا. فأغاظَ ذلك ابنَ أُبَيٍّ، فأضمَرَ للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - العداوةَ أبدًا، وبدأ هو ومن معه من اليهود ومرضَى القلوب يكِيدُون للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصحابته المكائِدَ والدسائِسَ.

 

وأوضح الشيخ أن النوعَ الثاني من النفاقِ الذي ذمَّه الله ورسولُهُ - صلى الله عليه وآله وسلم -: هو النفاقُ الأصغر نفاقُ العمل، وهو التخلُّقُ بشيءٍ من أخلاق وأعمال المنافقين، مع بقاءِ أصلِ الإسلام في القلبِ، وهو لا يُخرِجُ من الملَّة، لكن صاحِبه على خطرٍ عظيمٍ، وعلى شفَا هلَكَة؛ لظهور علامات المنافقين عليه التي تدُلُّ على اختِلاف حالة السرِّ عن حالة العلانية.

 

ومن علامات صاحب هذا النفاقِ: أنه يُظهِر للناس علانيةً صالحةً وتقوَى، فإذا خلاَ بنفسه، اختَلَفت حالتُه، وقَلَّ خوفه وحياؤه من ربه، وهو يُرائِي الناسَ بأعماله، ويسعَى للتسميع بما يفعَل، وإذا صلَّى بين الناس جوَّدَ صلاتَه وأتقَنَها، وإذا خلاَ بنفسه فرَّط فيها ونقَرَها وأخَّرَها عن وقتها، يتخلَّفُ عن الصلوات بالمساجِدِ دائمًا بلا عُذر، وأثقَلُ الصلوات على المنافقين صلاةُ العشاء والفجر، ومن تَرَك ثلاث جُمَعٍ بلا عُذرٍ كُتِب من المنافقين، كما ثبَتَ عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -.

 

وبيَّن فضيلته أن: من خُطورة هذا النفاقِ الأصغر: أنه سُلَّمٌ وجسرٌ إلى النفاق الأكبر، إذا استمَرَّ صاحبُه على أخلاق المنافقين، وأكثَرَ من شُعب النفاقِ ولم يدَعْها، ويُخشَى عليه  أن يُسلَب الإيمان عند الموت، ويُختَم له بخاتمةٍ سيئةٍ. وهذا دليلٌ على ضعفِ الإيمان في القلب، وقِلَّة تعظيمِ الله والرغبةِ في الدار الآخرة، فلذلك ترَى صاحِبَه في علاقته بالناس، إذا حدَّث كذَب، وإذا وعدَ أخلَف، وإذا خاصَمَ فَجَر، وإذا عاهَدَ غدَر، وإذا اؤتُمِن خانَ الأمانةَ، وغشَّ المسلمين، وإذا عامَلَهم داهَنَهم وعامَلَهم بوجهَين، فهو مُتردِّدٌ مُتحيِّرٌ في أمره، لا تستقِرُّ شخصيَّتُه على مبدأٍ أصيلٍ، ومنهجٍ واضحٍ، بل هو مع مصالحه الشخصية، وأغراضه النفعِيَّة المادية، وحيث كانت توجَّهَت إليها ركائِبُه.

 

أيها المسلمون: هذا النفاقُ الأصغرُ العمليُّ هو الذي كان الصحابةُ والسلفُ يخافُون منه ويُحاسِبون أنفسَهم؛ لئلا يقَعُوا في خصلةٍ من خِصاله، فقد امتَلأت قلوبُهم بتعظيمِ الله - سبحانه -، والإخلاص له، والصدقِ معه ومُراقبَته، وعلِمُوا أن النفاقَ أساسُ بنائِه على الكذِبِ والخِداعِ والتلوُّن، فلذلك عمَرُوا بواطِنَهم بالخيرات، وأصلَحُوا سرائِرَهم، وحرصوا على لُزُوم جماعة المسلمين وإمامهم، والنُّصح لكل مسلمٍ؛ فإن ذلك يُصفِّي القلوب، ويُطهِّرها من الدَّغَل والغشِّ.

 

تم الشيخ خطبته بالحث على المشاركة في دعم إخواننا السوريين في محنتهم، فقال: إن إخوانَنا في سوريا، وخاصَّةً في حلَب، يتعرَّضُون لأبشَع العُدوان والظُّلم وسفك الدماء، وتسلُّط الأعداء من الباطنية والخوارج وغيرهم، وإن من علامات المؤمن الصادق: أنه يحزَنُ لمُصاب إخوانه، ويهتمُّ بأمرِهم، ويسعَى لإغاثَتِهم.

 

ومن هنا أمَرَ خادمُ الحرمين الشريفين - وفَّقه الله وأيَّده - بإقامة حملةٍ شعبيةٍ لإغاثة إخوانِنا في سوريا والوقوفِ معهم وإسعافهم، وإننا لنحُثُّ المسلمين جميعًا على المشاركة الفاعِلَة في هذه الحملة، ومُساعَدة أهلنا في سوريا، والوقوف معهم في كَربهم، وإدخال السُّرور على قلوبهم، والله في عَون العبدِ ما دام العبدُ في عَون إخوانه.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "تربية الأولاد بين المراقبة والإهمال"، والتي تحدَّث فيها عن تربية الأولاد والعناية بهم وفقَ تعاليم الإسلام، مُنوِّهًا إلى كثرة المُتربِّصين بالنشءِ، وضرورة انتِباه الآباء والأولياء لما يُحاك ضدَّ أولادهم من مُؤامرات يجبُ على الأولياء أن يئِدُوها في مهدِها.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: اتَّقوا الله بالسعيِ إلى مراضِيه، واجتِنابِ معاصِيه.

 

وأضاف الشيخ: صلاحُ النَّشءِ أعظمُ ذخيرةٍ وأجلُّ غنيمة، والتوجيهُ وسيلةٌ إلى كلِّ فضيلة، وحداثةُ السنِّ كنايةٌ عن الشبابِ وأولِ العمر، وحدَثُ السنِّ قليلُ التجربة، ضعيفُ الإدراك، ناقصُ التدبيرِ والتفكير، أسيرُ التأثرِ والإعجاب، سريعُ المُحاكاةِ والمُماثلةِ والتشبُّه، لا يعبُرُ الصعابَ غالبًا إلا بإشارةِ مُشيرٍ وتسديدِ كبيرٍ ومعاونةِ نصير.

 

وقال حفظه الله: ومتى أُعجب الشابُ الحدثُ أو الفتاةُ الحدثةُ بشخصٍ انحازَ إليه واقتبسَ منه، واحتذىَ مثالَه ونحَا فِعالَه، وأكثَرَ من ذكرِه، ونظر من محجرِه، ونَطق بنغمَتِه، وحاكاه في هيئتِه وطريقتِه، وماثَلَه في صورتِه وحركتِه ولِبستِه، واقتَدىَ به في فكرِه وسلوكه.

 

وبيَّن الشيخ أن الفتاء والصغر وحداثة السن قرينةُ الطهارةِ والغرارة، وقلةُ الفِطنةِ والحنكةِ والتجربة، ومتى صاحَبَ الحدثُ من لا يُوثقُ بمودتِه وعقيدتِه، وأمانته وديانته، خَتَلَه الخبيثُ من حيث لا يعلَم، وأطعمَه الباطلَ من حيثُ لا يدري، وسَقاه السمَّ من حيثُ لا يحتسب، وجنَّدَه ضدَّ دينِه ووطنِه وأهلِه وعشيرتِه وهو لا يشعر. وفي الناسِ سِباعٌ عادِية، وذِئاب ضارِية، وأجادِلُ خاطِفة، تنتظرُ غيابَ الوليِّ الحامي، وغفلةَ الأبِ الحانِي.

 

وحذر الشيخ من إهمال الأبناء فقال: ومن تركَ ولدَه يقطعُ وادي السِّباع، ويلهُو بين الوحوشِ الجِياع، ويسيرُ في الظُّلَم، ويعبُر المفاوِز في السَّحم، فقد باعَه وأضاعَه، وجعلَه نهبًا لشرار الخلق، وهدفًا لمآربهم الخبيثة. ومن تركَ أولادَه يضربون في غَمرةِ اللهوِ والإثم، ويتسكَّعون في مراتِع الفتن، ويقتحِمُون غُمار الناس، وينغمسون في زحمةِ الخلقِ وكثرتهم، يُصاحِبُون من شاءوا دون رقابة، ويبيتُونَ خارج البيوت دون تَحفُّظ، ويمكثون بعيدًا دون مُساءَلة، فقد عقَّهم وظلمَهم.

 

وأوصى الشيخ الشاب قائلاً: إياكَ أن تُستَجرَّ وتُخدَع .. إياكَ أن تُصغيَ للفتَّان وتسمَع .. إياكَ أن تُسلَب من أهلِك ووطنِك، وشرفِك وخُلقِك ودينِك وتُنزع. يا مَن يسيرُ في فلاةٍ غطشَاء، بعينٍ عمشَاء .. يا مَن يقطعُ أرضًا يَهمَاء، بلا زادٍ ولا ماء .. أقصِرْ وأبصِرْ، وانظر واعتبر، وارجِع إلى رشدِك وعقلِك، وأقبِل على مولاك، وتُبْ مما جنَتْه يداك، وأقلِع عن ذنوبِك وخطاياك، والتائبُ من الذنبِ كمَن لا ذنبَ له.

 

وتابع الشيخ نصائحه للآباء والأولياء فقال: خُذُوا العبرةَ والعِظة، وكونوا الرعاةَ الحفَظَة، وأديموا الحذرَ واليقظة، وحاذِرُوا المُتسلِّلَ الخطَّاف، الذي حامَ حول بيوتكم وطاف، حاذِرُوا الخدَّاعَ المكَّار، الذي يصنعُ الأوكار، ويُسمِّمُ الأفكار، ويُغرِّرُ الصغار، ويخطَفُ الأغرار.

 

ومتى أيفعَ الغلام، وشارَفَ الاحتلام، وجبَ إعطاؤه مزيدًا من الرعايةِ والاهتمام، وولدُك لك، ما تألَّفتَه وصاحَبتَه ولاينتَه، وبالحبِ غَمرتَه، وبالعطاءِ وصَلتَه، وبالشفقةِ نصَحتَه، وهو لعدوِّك ما صغَّرتَه وحقَّرتَه وأهَنتَه وأبعدته، فكُن لحديثهِ مُستمعًا، ولكلامِه مُنصتًا، وعلِّمه إذا أتاك مُستفهمًا، وقابِله حين يقصدُك مُستعلِمًا، وأفِضْ عليه من تجاربِك حين يأتيك مُستلهِمًا.

 

ولا تكُن ممن إذا سُئِلَ طاشَا، وصدَّر الإبلَ عِطاشًا، ولا تكُن كالريحِ العاصفة، والزلزلةِ الراجفة، تتحطَّمُ غضبًا، وتتوقَّد لهبًا، وكلمةُ الحب أصفَى، وحديثُ الحكمة أشفَى، وحوار العقلِ أوفَى، واللهُ سائِلٌ كلَّ عبدٍ عما استرعَاه أدَّى أم تعدَّى. فعن أنسٍ - رضي الله عنه -: قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه حفِظَ أم ضيَّع، حتَّى يسأَلَ الرَّجلَ عن أهلِ بيتِه»؛ أخرجه ابن حبان.

 

وناشد فضيلته رجالَ التعليم فقال: لن يستفحلَ الداء، ولن يُعوِز الدواء وأنتم الأساتذة الفضلاء، والمُعلِّمون الأوفياء، والمُربُّون النبلاء. فاللهَ اللهَ في رعايةِ نشئِنا، وحماية شبابِنا وأولادِنا ومُجتمعِنا من كلِّ فكرٍ دَخيل، وخُلق ذميم.

 

ثم ختم الشيخ خطبته بالحث على المساهمة في حملة دعم المستضعفين والمشردين في ليالي الشتاء القارصة، فقال: لقد نزلَ الشتاءُ بحدتِّه وشدَّتِه وقسوتِه، على إخوانِكم اللاجئين والنازحين والمُشرَّدين، في الشامِ وغيرِها من البُلدان، الجليدُ وِطاؤهم، والثلوج غطاؤهم، تجمَّدَ تحتها أطفالُهم، وفاضَتْ على بِساطِها أرواحُهم، الخوفُ يضرِبهم، والعدو يُحاصِرُهم، والعواصِفُ تحُوطهم، تُغيِّرُ الألوان، وتُيبِّسُ الأبدان، وتُجمِّدُ الريقَ في الأشداق، والدمعَ في الآماق.

 

أُسرٌ وأطفال في العراءِ والبلاء، لا مساكِن تُؤيهم، ولا دُورَ تقِيهم، سِوى خيامٍ تُمزِّقها الريح، وتقتلِعُها العواصف، وتجرِفُها السيول، يُقاسُون شدَّة الجوع، وقسوة الشتاء، وخطر المرض والبلاء، في زمنٍ قاتِمٍ بالقسوة والعنفِ والرُعب.

 

فيا أهل الرخاء والثراء! أدرِكُوا الحيارَى الملهوفين، وأسعِفُوا المرضَى والمكلُومين، وواسُوا المُشرَّدين والمظلومين، وأعينُوا الفقراءَ والمحتاجين والمساكين.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات