مختصر خطبتي الحرمين 10 من ربيع الأول 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

الإيمان بالقضاء والقَدَر لا يعني الاستِسلامَ لأسْرِ الواقع، والرُّكُونَ إلى رُوتِين الحياة، والرِّضا باليأسِ والتثبيط؛ بل يقتَضِي الإيمانُ بالقضاء والقَدَر: دفعَ الأقدار بالأقدار، والأخذَ بالأسبابِ بصبرٍ وثباتٍ، والعملَ على تغيير الحال نحو الأفضل. فكم من فقيرٍ قلَبَ اللهُ حالَه غِنًى؟! وكم من مكرُوبٍ جعَلَ الله له كربَه فرَجًا؟! وكم من مهمُومٍ صيَّر الله همَّه سُرورًا؟! وكم من مريضٍ ألبَسَه الله ثوبَ الصحةِ والعافيَةِ؟! وكم من مظلُومٍ رأَى في الدنيا انتِقامَ الله له من ظالِمِه؟! يُصابُ الإنسانُ بالهَلَع إذا حلَّ به تغييرٌ مُفاجِئٌ إلا المُصلِّين....

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "العمل التطوُّعيُّ وآثارُه في المُجتمع"، والتي تحدَّث فيها عن العمل التطوُّعيِّ وفوائِده وأهميَّته وآثاره العظيمة في النُّهوض بالمُجتمع المُسلم، مُبيِّنًا الفرق بينَه وبين العمل الخيريِّ، كما ذكرَ أن هناك مُشكلةً في توضِيح آثارِه لعُموم المُسلمين، مما أدَّى إلى وقوعِ خلَلٍ مُقارنةً بالعمل التطوُّعيِّ في دول الغربِ.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فإن الوصيةَ المبذولةَ لي ولكم -أيها الناس- هي تقوى الله -سبحانه-؛ فما خابَ من عضَّ عليها بالنواجِذ، واتَّقى ربَّه في منشطِه ومكرهِه، وغضبِه ورِضاه.

 

وأضاف الشيخ: إن من أهم سِمات المُجتمع الناجِح المُتكامِل: أن يكون في بُنيانِه مُتماسِكًا، تجمعُه لبِناتٌ مرصوصة تُمثِّلُ حقيقةَ أفرادِه وبَنِيه، لا تختلِفُ فيه لبِنَةٌ عن أخرى، ولا فرقَ فيها بين ما يكونُ منها أسفلَ البِناءِ أو أعلاه؛ لأن البِناءَ لن يكون راسِيًا يسندُ بعضُه بعضًا إلا بهذا المجموع، ومتى كان التصدُّع أو الإهمال لأي لبِنَةٍ من لبِنَاته فإنه التفكُّكُ والانفِطار ما منه بُدٌّ، فضلاً عن أن هذا بدايةُ تساقُطه شيئًا فشيئًا. وهذه حالُ كل مُجتمع وواقعُه.

 

وهنا يأتي دورُ المُجتمع المُترابِط المُتماسِك، حينما تُذكَى بين جَنَبَاته روحُ العمل التطوُّعي الذي يُعدُّ رُكنًا أساسًا من أركان رأبِ صَدع الشُّعوب المادِّي، والاجتِماعيِّ، والغذائيِّ، والأمنيِّ، والفِكريِّ، وغير ذلكم من الضرورات والحاجيَّات والتحسينَات.

وأكد الشيخ أنه حينما يعُمُّ العملُ التطوُّعيُّ جنَبَات المُجتمع، ويفرِضُ نفسَه شُعورًا ساميًّا لذَوِيه وبنِي مُجتمعه ليقضِيَنَّ على الأثَرَة والشُّحِّ والاحتِكار والمَسْكَنة، شريطةَ أن لا تغتالَ صفاءَه أبعادٌ مصلحيَّةٌ أو حِزبيَّةٌ أو إقليميَّةٌ، وليس هناك حدٌّ لمن يحقُّ له أن يستفيدَ من العمل التطوُّعيِّ.

 

وبيَّن الشيخ أن العمل التطوُّعيّ لا يُحدُّ بحدٍّ، ولا ينتهِي بزمنٍ، وامتِدادُ حدِّه بامتِدادِ طبيعتِه؛ فكلُّ عملٍ احتِسابيٍّ لا نظرةَ فيه للأُجرة والمِنَّة فهو تطوُّعيٌّ إذا كان في وجهِ خيرٍ، وهو مُمتدٌّ ومُتَّسِعٌ بامتِداد واتِّساع كلمةِ "خيرٍ"، وهو هنا يختلفُ بعضَ الشيء عن العملِ الخيريِّ؛ لأن العملَ التطوُّعيَّ يكونُ بالمُبادَرة قبل الطلَب، بخلافِ العملِ الخيريِّ؛ فإنه -في الغالب- لا يكون إلا بعد الطلَب، وكلا العَمَلَيْن وجهان لعُملةٍ واحِدةٍ. مُحصِّلتُهما: بذلُ المعروف للناس دون أُجرةٍ أو مِنَّةٍ، وإنما احتِسابًا لما عند الله.

 

وقال حفظه الله: ولا أدلَّ على ذلكم من قولِ خديجَة -رضي الله تعالى عنها- تصِفُ حالَ النبي -صلى الله عليه وسلم- قبلَ البِعثة حينما جاءَها من دار حِراء، بعد أن رأى جبريلَ -عليه السلام-، فقال لها: "لقد خشيتُ على نفسي". فقالت له: "كلا، أبشر؛ فوالله لا يُخزيكَ الله أبدًا، والله إنك لتصِلُ الرَّحِمَ، وتصدقُ الحديثَ، وتحمِلُ الكلَّ، وتكسِبُ المعدومَ، وتقرِي الضيفَ، وتُعينُ على نوائِبِ الحقِّ". رواه البخاري ومسلم.

 

وأشار فضيلته إلى أن العمل التطوُّعيّ إنما هو ترجمانٌ لصورةٍ من صُور الإسلام الرَّاشِدة الخالِدة التي تتَّصِفُ بالشُّموليَّة وتنوُّع مجالات العمل التطوُّعيِّ، لتشملَ الأهدافَ التنمويَّة؛ ففي المجالِ الاقتصاديِّ يُمثِّلُ العملُ التطوُّعيُّ الاهتمامَ الدقيقَ من خلال بذل الأوقاف وتفعيل الوعيِ للأنشِطة الوقفيَّة؛ لأن لها أثرًا بالِغًا في تنميَة الاقتصاد؛ حيث تتَّسعُ الحركةُ الماليَّة مع حفظِ الأصول المُثمِرة من الاندِثار.

 

ولو نظرنا نظرةً خاطِفةً إلى مجالٍ واحدٍ من مجالات العمل التطوُّعيِّ، وهو: سدُّ العَوز والفقر، وإكساب المَعدومين؛ لوَجَدنا أن الذي يُنفِقُه المُوسِرُون على الترفُّه والتحسينات رُبَّما سدَّ حاجات فُقراء بلدةٍ بأكملها.

 

ولو نظَرنا إلى كُلفَة فرحٍ من أفراح الأغنياء لأدرَكنا أن نِصفَها لو كان لإطعام يتيمٍ ذي مقرَبةٍ، أو مِسكينٍ ذي مترَبَةٍ لكان في ذلك من البركةِ للزوجَين، وجَبْر كسرِ قلوبِ الفقراء، واتِّقاءً للعين والحسد، والعقوبة على السَّرَف والبَذْخ.

 

وقال وفقه الله: هذا هو دينُنا، وهكذا علَّمَنا نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم-، إنه يُريدُ منا جميعًا أن نكونَ أيادِيَ خيرٍ وبناءٍ وسدادٍ، نعملُ ولا نقعُدُ، ونشعُر بالآخر لا نصُمُّ عنه ونعمَى؛ فقد قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "على كل مُسلمٍ صدقةٌ". قيل: أرأيتَ إن لم يجِد؟! قال: "يعملُ بيدَيْه، فينفعُ نفسَه ويتصدَّق". قيل: أرأيتَ إن لم يستطِع؟! قال: "يُعينُ ذا الحاجَة الملهُوف". قيل له: أرأيتَ إن لم يستطِع؟! قال: "يأمُرُ بالمعروف أو الخير". قال: أرأيتَ إن لم يفعَل؟! قال: "يُمسِكُ عن الشرِّ؛ فإنها صدقةٌ". رواه البخاري ومسلم.

 

فما قيمَةُ مُجتمعٍ قليلِ الخير إذًا؟! وما ظنُّكم بمُجتمعٍ شرُّه طغَى على خيرِه؟! وأيُّ عقَبَةٍ كئُودٍ أعظمُ من ذلكم؟! ومن هو التقيُّ النقيُّ الذي سيقتحِمُ هذه العقَبَة؟! (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) [البلد: 11- 18].

 

وأكد الشيخ أن كلَّ مُؤمنٍ غَيُورٍ على أمَّته لتستوقِفُه ظاهرةُ العمل التطوُّعيّ في هذه الآوِنة؛ حيث باتَت من أبرَز الظواهِر الإنسانيَّة العالميَّة، فقد بلغَت في ديار غير المسلمين مبلغًا عظيمًا، مُحاطًا بالدقَّة والإتقان، والتفانِي، ورُوح الرجُل الواحد، في حين أنه ليستوقِفُ المُسلِمَ المُراقِبَ ما يُقارِنُه بين العمل التطوُّعيِّ في الغرب وما وصلَ إليه، وبين العمل التطوُّعيِّ في بلاد الإسلام، وما يُعانِيه من نقصٍ في المفهوم الحقيقيِّ له، والإعداد المُتقَن، ونسبة التأخُّر والتراجُع عما هو عليه المفهومُ عند الآخرين.

 

فإن من المُؤسِف جدًّا أن تكون جُملةٌ من النماذِج للعمل التطوُّعيِّ في المُجتمعات المُسلِمة تُقدَّمُ لهم على صورةِ عملٍ إجباريٍّ، أو واجبٍ لا يُمكنُ التراجُع عنه قبل أن يسبِقَ ذلكم تهيِئَةٌ نفسيَّةٌ، ودينيَّةٌ، واجتِماعيَّةٌ لفهم هذا العمل الجليل.

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على حاجة المجتمع إلى العمل التطوعي فقال: ولا يُمكنُ لنا أن نتصوَّر حبًّا بلا عطاءٍ، ولا أن نتصوَّرَ عطاءً بلا حبٍّ، كما أنه لا يكونُ مُكتمِلاً ناجِحًا دون أن يكون عملاً مدرُوسًا ومُنظَّمًا، يعمُّ في الفهم والإدراك للدوافِع والمهارات، والمُقوِّمات الشخصية، والمبادئ المُعرِّفة بالعمل التطوُّعيّ ونُبْلِه وأثره على المُجتمع المُكوَّن مني ومنك، وقرابَتي وقرابَتك، وجيراني وجيرانك. والمُجتمعُ الناجِحُ الكريمُ البارُّ هو من لا ينتظرُ أحدًا يقول له: أعطِني؛ لأن يدَه تسبِقُ سمعَه، وفعلَه يُغنِي عن قولِه.

 

وما أحوجَنا جميعًا في هذا الزمن الذي كثُرَت فيه الحروبُ والكُرُوب والمُدلهِمَّات، وطالَت نيرانُها إخوةً لنا في الدين، سُقوفُهم قد وكَفَت، وجُدرانُهم قد نزَّت، لا تكادُ تمنعُ عنهم بردًا ولا بلَلاً. في سوريا، وفي بورما، وفي غيرهما من بلاد المسلمين ما يستدعِي شحذَ الهِمَم، وإذكاءَ العمل التطوُّعيِّ بكل وجوهِه وصُوره، وعلى رأسِها شُريان الحياة الذي هو المال.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "منهج إصلاح النفوس"، والتي تحدَّث فيها عن النفس وكيفيَّة إصلاحها، وسُبُل التغيير التي ينبغي على المُسلمين أن يسلُكُوها لتغيير أحوالها نحو الأفضل، مُبيِّنًا أن هذا سُلُوك نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث غيَّر أمورًا كثيرًا في حياتِه وحياةِ أصحابِه - رضي الله عنهم -.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم ونفسي بتقوَى الله؛ فهي الحَصانَةُ والنجاةُ والفلاحُ.

 

 

وأضاف الشيخ: التغييرُ سِمةُ الحياة التي لا ثابِتَ فيها؛ صحةٌ ومرض، ارتِفاعٌ وانحِفاضٌ، عِزٌّ وذُلٌّ، جُوعٌ وشِبَع، فقرٌ وغِنى، زواجٌ وطلاقٌ، أمنٌ وخوفٌ، حزنٌ وفرحٌ، وتقلُّباتٌ اقتصادية. هذه المُتغيِّرات سُنَّةُ الحياة التي لا مفرَّ منها، ونقرؤُها في أحداثِ التاريخِ على مرِّ العصور، وعندما تتغيَّرُ الحياةُ على نحوٍ سلبِيٍّ تستَدعِي النفسُ الهزيلةُ مشاعِرَ الحزنِ والألم والتشاؤُم، التي تُضعفُ همَّتَها، وتُقعِدُها عن السيرِ في الحياة بجدٍّ ونشاط.

 

وبيَّن الشيخ أن من أصولِ عقيدةِ المسلم: الإيمان بالقضاءِ والقدر خيرِه وشرِّه، واليقين بأن الأمرَ والتدبيرَ لله، وأن تغيُّرات الحياة شأنٌ ربانيُّ لا يُحيطُ بها البشَر. الإيمانُ بالقدَر أقوَى حافزٍ لتجاوزِ المِحَن، والإقدامِ على العمل بعزيمةٍ وثقةٍ، وطلبِ الرزق، ويقِي حياةَ العطاءِ من التعطُّل. ويُحسِنُ العبدُ ظنَّه بربِّه، مُعتقِدًا أن قضاءَ الله وقدَرَه مبنيَّان على حكمةِ الربِّ، وكمالِ عدلِه، وكمالِ رحمتِه، الذي يُفقِرُ من يشاء، ويُغنِي من يشاء، يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء. المؤمنُ يعيشُ بالرِّضا على كلِّ حالٍ، وإذا رضِيَ عن نفسه وربِّه، اطمأنَّ إلى يومِه وحاضِرِه، وإذا تشرَّبَ اليقينَ بالله، اطمأنَّ إلى غدِه ومُستقبَلِه.

 

وأشار الشيخ إلى أن الإيمان بالقضاء والقَدَر لا يعني الاستِسلامَ لأسْرِ الواقع، والرُّكُونَ إلى رُوتِين الحياة، والرِّضا باليأسِ والتثبيط؛ بل يقتَضِي الإيمانُ بالقضاء والقَدَر: دفعَ الأقدار بالأقدار، والأخذَ بالأسبابِ بصبرٍ وثباتٍ، والعملَ على تغيير الحال نحو الأفضل. فكم من فقيرٍ قلَبَ اللهُ حالَه غِنًى؟! وكم من مكرُوبٍ جعَلَ الله له كربَه فرَجًا؟! وكم من مهمُومٍ صيَّر الله همَّه سُرورًا؟! وكم من مريضٍ ألبَسَه الله ثوبَ الصحةِ والعافيَةِ؟! وكم من مظلُومٍ رأَى في الدنيا انتِقامَ الله له من ظالِمِه؟!

 

يُصابُ الإنسانُ بالهَلَع إذا حلَّ به تغييرٌ مُفاجِئٌ إلا المُصلِّين، قال الله تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) [المعارج: 19- 23].

 

وقال حفظه الله: يُدركُ المؤمنُ العاقلُ البصيرُ أن وجودَ المُتغيِّرات في الحياةِ نعمةٌ عظيمة، تفتَحُ أبواب التفاؤُل، وتُشرِعُ نوافِذَ الأمل، وفيها فرصٌ للنجاح والرُّقيِّ والبناء، وإذا اشتَدَّ البلاءُ والكربُ فإن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُبَشِّرُ ويبُثُّ الأملَ في النفوس بكلماتِ الثقةِ بموعُودِ الله ونصرِه.

 

وقال وفقه الله: المسلمُ مأمورٌ بصناعةِ التغييرِ إلى الأفضلِ، في نفسِه وسلُوكِه، وحياتِه باختيارِ طريقِ الهُدى والخير، ودفعِ التغييراتِ السلبيَّة، اقتِداءً بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد غيَّرَ كثيرًا من شؤُونِ حياتِه، وحياةِ أصحابِه القوليةِ والفعلية.

 

سمّى حربًا: سَلمًا، وشِعبَ الضلالة سمَّاه: شِعبَ الهُدى، وسمَّى بني مُغوِيَة: بني رِشدَة، وكان يكرَهُ الأمكِنَةَ المُنكرَة الأسماء، ولما قدِمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ واسمُها "يثرب"، غيَّره بطَيبَة.

 

غيَّر المفاهيم الخاطِئَة، ومنها: حين قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما تعدُّون الرَّقُوبَ فيكم؟»، قالوا: الَّذي لا يُولَدُ له، قال: «ليس ذاك بالرَّقوبِ، ولكنَّه الرَّجلُ الًّذي لم يُقدِّم من ولدِه شيئًا»، قال: «فما تَعُدُّون الصُّرَعةَ فيكم؟»، قالوا: الذي لا يصرَعُه الرجالُ. قال: «ليس بذلك، ولكنَّه الَّذي يملِكُ نفسَه عند الغضبِ».

 

وأضاف فضيلته: وتأسُرُ المسلمَ أحيانًا قناعاتٌ سلبيَّةٌ تُسيطِرُ على تفكيرِه بأنه عاجِزٌ عن تغييرِ نفسِه نحو الأفضل، وهذه عقبَةٌ كأْداء، تجلِبُ الفردَ بأكملِه إلى الخلف، ولا بُدَّ من تغييرها بقناعاتٍ إيجابية، تُرسِّخُ في قلبِه وعقلِه أنَّ الحياةَ تستحِقُّ العمل، وأن لكل مُشكلةٍ حلاًّ مهما عظُمَت.

 

ولهذا يصنَعُ أهلُ العزائِمِ التغييرَ الإيجابيَّ في شؤُون حياتهم، فيُحوِّلُون الخصُومات والعداوات إلى محبَّةٍ وأُخُوَّة وصداقةٍ، ويستبدِلُون أصدقاءَ السُّوءِ بالصُّحبَةِ الصالحةِ، ويتغلَّبُون على العاداتِ السيئةِ والتقاليد التي تُخالِفُ الدينَ ولا تدُورُ في فَلَكِه.

 

وبيَّن الشيخ أن أهم خطوات التغيير في حياةِ الإنسان: تغييرُ الذات والنفس، ومن هنا يبدأُ التغييرُ في حالِ الأمة، التي تشكُو مظاهرَ التخلُّفِ والفقرِ والرجعيَّة، ثم يأتي التسلُّح بالعلم، الذي هو عمُودُ بناء الحضارات وتقدُّمها في كل زمانٍ، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد: 11].

 

ومن مُقتضَيَات التغيير نحو الأفضل: صلاحُ النيَّة، قال تعالى: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ) [فصلت: 23].

وفي الحديثِ: يقولُ الله - عزَّ وجل -: «أنا عِند ظنِّ عبدِي بي وأنا معَه حين يذكُرُني».

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من التغيير الذي يؤدي إلى شر وفوضى فقال: ومن المُستقِرِّ في الأذهان: أنَّ الإسلام نهَى عن كلِّ تغييرٍ يُحدِثُه الإنسانُ تفسُدُ به حياتُه، ويُضعِفُ دينَه، وينتهِكُ شعائِرَه.

 

ومن ذلك: الاعتِداءُ على الأموالِ والأرواح، وإخلالُ الأمن، وأكلُ أموال الناس بالباطِلِ، والرِّشوةُ، والفسادُ الإداري، وإشاعَةُ الفاحشةِ، وإثارةُ الفِتن.

 

والمسلمُ بداهَةً لا يقبَلُ بتغييرٍ يُفضِي إلى شرٍّ، ولا يُسهِمُ بحالِه أو مقالِه في تغييرٍ يقُودُ إلى زوالِ النعم، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) [إبراهيم: 28].

 

ولنا في رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أسوةٌ حسنة؛ فقد كان يلتَجِئُ إلى الله، ويستَعِينُه من كلِّ تغييرٍ فيه سُوءٌ وبلاءٌ، يستَعيذُ بالله من الفقرِ، والذلَّةِ، والجُبنِ، والعَجزِ، والكسلِ، وغلَبَةِ الدَّينِ، وقهرِ الرجالِ، وسيِّئِ الأسقام، ويسألُ اللهَ العافيةَ والمُعافاةَ في الدنيا والآخرة، وأن يُجنِّبَ المسلمين الفتَنَ، ويُخلِّصَهم من المِحَن.

 

وليس بنا غِنىً عن تثبيتِ الله لنا طَرفةَ عينٍ، قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) [إبراهيم: 27].

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات