مختصر خطبتي الحرمين 14 من ذي الحجة 1437هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إنَّ من أجلِّ المقاصِدِ الشرعية والحِكَم المرعِيَّة، التي من أجلِها شرَعَ الله الحجَّ، وتكرَّر في كل عام: ترسِيخَ مبدأ وحدة المسلمين، واجتماعِ كلمتهم وتآلُفِهم، وتأكيد معاني الأخوَّةِ الإيمانية وإشاعَتها بين المسلمين؛ بحيث تنتَفِي الفوارِقُ بين المؤمنين في الحجِّ، وتختَفِي مظاهِرُ التمايُزِ بينهم؛ فلا شِعاراتٌ سياسيةٌ حزبِيَّة، ولا راياتٌ مذهبِيةٌ طائفية..

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ خالد بن علي الغامدي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "ما هو الحجُّ المبرُور؟"، والتي تحدَّث فيها عن مناسِك الحجِّ التي قارَبَت على الانتِهاء، مُبشِّرًا الحُجَّاج بما وردَ في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، من مغفِرة ذنوبِهم، وتكفير سيئاتهم، ورِفعة درجاتهم، وقد بيَّن في ثنايا خُطبته معنى الحجِّ المبرُور المذكُور في الحديث.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقُوا اللهَ - عباد الله - وراقِبُوه، واستشعِروا معيَّتَه وقُربَه.

 

وأضاف الشيخ: ما أروعَ عبادةَ الحج، وما أسمَى نفحاتِها، وأزكَى أوقاتها، وأنفع مقاصِدَها، تجرَّد فيها الحُجَّاجُ من حُظوظِ الدنيا ونعيمِها ومُتَعهِا الزائِلة، وأخلَصُوا لله قصدَهم وأعمالَهم، وتوجَّهوا لبيتِه الحرام، مُلبِّين طائِفِين خاضِعِين، راجِين رحمةَ ربهم ورِضوانَه. سكَبوا دموعَ المحبةِ والتوبةِ في صعيدِ عرفات، ولهَجَت ألسنتُهم بذكرِ الله وتعظيمه في مُزدلِفة ومِنَى وحين رَمي الجمرات، وطمَحَت نفوسُهم واشتاقَت إلى رحمة ربهم ومغفرتِه وعظيمِ عَفوِه، وهي تتنزَّلُ على أهل تِيك المواقف والمشاعر، فهل ترون أنَّ الكريم - سبحانه - يردُّهم أو يُخيِّب سعيَهم؟!

 

وقال حفظه الله: فهنيئًا لكم - يا حُجَّاج بيت الله الحرام -، هنيئًا لكم عفوُ الله ومغفِرَتُه ورِضوَانُه، وعودًا حميدًا إلى دِياركم سالِمِين غانِمِين، وأنتم مشكورٌ سعيُكم، موفورٌ أجرُكم، تستأنِفُون صفحةَ العمر بيضاءَ نقيَّة، وتستقبِلُون حياةً جديدةً، استلهَمتُم صفاءَها ونقاءَها، وروحانيَّتها من بين جَنَبَاتِ البيت الحرام، وزمزمَ والحَطيم، والمشاعر المقدسة، ونفَحَات المدينةِ النبويةِ المنورة، فلتفرَحُوا بهذا الفضلِ العظيم الذي خصَّكُم الله به، وأكرَمَكم ببُلوغِه والانتهاءِ منه.

 

وأكد الشيخ أن الله هو صاحبُ الفضلِ والنعمةِ ابتداءً وانتهاءً، إيجادًا وتوفيقًا وإمدادًا؛ فهو الذي حرَّك قلوبَكم شَوقًا وحُبًّا إلى الحجِّ والمشاعرِ المقدسة، ويسَّر لكم الوصولَ إلى هذه البلادِ المباركة، وهو الذي وفَّقَكَم وأعانَكم على أداءِ مناسِكِ الحجِّ والوقوف بهذه المشاعرِ المقدسة، وذلك فضلُ الله يُؤتِيه من يشاء، فاشكُرُوا له - سبحانه -، واحمَدُوه على نعمهِ الدينية والدنيوية، الظاهِرةِ والباطِنةِ، وعلى أن وفَّقَكم وأعانَكم على أداءِ مناسِككم في سابغةٍ من الأمنِ والأمانِ، واليُسرِ والراحةِ.

 

وقال وفقه الله: إن الحجَّ المبرورَ في الحقيقة هو منشُورُ الولاية، ومِفتاحُ دار السعادة، وميلادُ فجرٍ جديدٍ للعبدِ الصادقِ، يعيشُ بعده حياةً طيبةً مُشرِقةً بنُورٍ من الله، عامِرةً بطاعتِه - سبحانه -، مُكتسِيَةً حُللَ العبودية والرِّضا به - عزَّ وجل -.

 

إن الحجَّ المبرورَ هو الذي يُحدِثُ في النفسِ أثرًا ملمُوسًا، وتغيِيرًا إلى الأكمَلِ والأفضَلِ، عبادةً وسُلُوكًا، فيخرُجُ العبدُ الصادقُ من الحجِّ، وهو أقوىَ إخلاصًا وصِدقًا، وبُعدًا عن الشرك ووسائلهِ وأهلِه، وأعظمُ إخباتًا للهِ وخُضوعًا وخشيةً وإنابةً وذِكرًا لله تعالى.

 

وبيَّن الشيخ أن الزُّهد في الدنيا وقوة الرَّغبة في الآخرةِ عُنوانُ الأتقِيَاء الأخفِيَاء، وعلامةُ الصادقين الحُنَفَاء، وهو من أكبر وسائل الثَّباتِ على الدين، والاستمرار والمُداوَمةِ على عمل الصالحات، واجتِنَابِ السيئات.

 

وأكد الشيخ: أنَّ من أجلِّ المقاصِدِ الشرعية والحِكَم المرعِيَّة، التي من أجلِها شرَعَ الله الحجَّ، وتكرَّر في كل عام: ترسِيخَ مبدأ وحدة المسلمين، واجتماعِ كلمتهم وتآلُفِهم، وتأكيد معاني الأخوَّةِ الإيمانية وإشاعَتها بين المسلمين؛ بحيث تنتَفِي الفوارِقُ بين المؤمنين في الحجِّ، وتختَفِي مظاهِرُ التمايُزِ بينهم؛ فلا شِعاراتٌ سياسيةٌ حزبِيَّة، ولا راياتٌ مذهبِيةٌ طائفية.

 

وأشار الشيخ إلى أن وحدةَ المسلمين واتِّحادَ كلمتِهم واجتماعَ صفِّهم على منهجٍ واحدٍ، وسُنَّةٍ واحدة، من أهمِّ المعالمِ المُنجِية من الفتن المُدلهِمَّة، والأخطار المُحدِقة بالمسلمين في هذا العصر، الذي كثُرَ فيه قُطَّاعُ الطريق، والمُرجِفُون، والمفتُونُون من شياطينِ الإنس الذين يُوحِي بعضُهم إلى بعضٍ زُخرُفَ القول غرورًا.

 

وأكد الشيخ أن الاعتِصامَ بالكتاب والسنَّة ومنهجَ الصحابة -رضي الله عنهم- من مُحكَمَات الشريعة، التي لا يُمكنُ التنازُلُ عنها أبدًا؛ بل هي ضرورةٌ مُلِحَّةٌ في عصرِنا هذا أكثرَ من ذي قبل؛ لأن المسلمين اليوم يُواجِهُون تحدِّيًا عالميًّا، وحَربًا ضَرُوسًا، ضدَّ عقائِدِهم وسُنَّة نبيِّهم - صلى الله عليه  وآله وسلم -، ووحدَة كلمتهم، وأصولِ شريعتهم وثوابِتِها وأهلِها، خُصُوصًا ضد هذه البلاد المُبارَكة، التي هي حامِيَةُ الحرمين، وراعِيَةُ الشريعةِ والسنةِ النبوية.

 

وأشار فضيلته إلى أن هذا الهجوم المأفُون يتشكَّلُ في أشكالٍ مُختلفة، وأساليب مُتنوِّعة، واجتماعاتٍ مُتعدِّدة، ويسعَى لإلصاق تُهمة الإرهاب والتطرُّف والتكفير بالمُسلمين عُمومًا، وببلادِ الحرمين خُصوصًا، مما كان له أثرٌ سيءٌ في مُحاولة إضعاف المسلمين وتفريقِهم، وتمزيقِ وحدتهم لتحقيق توجُّهاتٍ سياسية، وتقوِيةِ انتِماءاتٍ فكريةٍ ومذهبِيَّة، وإثارةِ نَعَراتٍ طائفية حزبية.

 

وأكد الشيخ أننا في وقتٍ نحن أحوَجُ ما نكون فيه إلى اجتماعِ الكلمة، وتوحُّد الصفوف، ونَبذِ الخلافاتِ والنِّزَاعات، لا أن يكون البعضُ وَقودًا وحطَبًا، يزيدُ النارَ حريقًا واشتعالاً، ليخدِمَ توجُّهات الأعداءِ وخِطَطهم ضد عقائِدِ المسلمين وسُنَّة نبيِّهم - صلى الله عليه وآله وسلم - التي تربَّى عليها المسلمون منذ عهد الصحابة - رضي الله عنهم -، ونادَى بها كلُّ علماء السلفِ الراسِخِين إلى يومِنا هذا.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على اتحاد المسلمين وجمع كلمتهم، فقال: إن اجتماعَ المسلمين -يا أمة الإسلام- في هذه الأيامِ المُبارَكة في عبادةِ الحج، ووحدتهم وتآلُفهم، ورعاية المملكة العربية السعودية للحُجَّاج، واحتِضَانَها لهم، وحِرصَها على أمنِهم، ونجاحَها الباهِر في إدارةِ هذه الحشود المباركةِ - بفضل الله - لهو ردٌّ عمليٌ ناصِعُ البيان في أرضِ الواقع، على كل القلوبِ المريضة، والأبواقِ الموتُورَة، التي تمنَّت السُّوءَ والفشَلَ لحجِّ هذا العام. وهو في الحقيقةِ أيضًا رسالةٌ واضِحةٌ قويَّةٌ، تخترِقُ الحُجُب بأنه مهما كادَ الكائِدون والحاقِدُون، وتنادَوا وتآمَرُوا وائتَمَرُوا على المسلمين وبلادِ الحرمين؛ فإن ربَّك لهم بالمِرصَاد، ولن يجعَلَ الله لهم على المؤمنين سبيلاً.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "موسم الحج وتكفير الذنوب"، والتي تحدَّث فيها عن موسِم الحجِّ الذي كادَت أعمالُه على الانتِهاء، واستِعداد الحَجيج للعودة إلى ديارِهم، مُبيِّنًا أن من أعظم فاضلِ هذا الشَّعيرة هي تكفيرُ الذنوب، وأن الحاجَّ يعودُ كيوم ولدَتْه أمُّه ذي صفحةٍ بيضاء، مُذكِّرًا الحُجَّاج بضرورة المُحافظة على صفحاتهم نقيَّةً من الذنوبِ، كما ذكرَ العديدِ من فضائلِ الأعمال التي بسببِها يُكفِّرُ الله ذنوبَ العباد.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم ونفسي بتقوَى الله.

 

وأضاف الشيخ: أوشكَت أعمالُ الحجِّ على الانتِهاء، وبدأَت قوافِلُ الحَجيج تحزِمُ أمتِعتَها قافِلةً إلى ديارِها، بعد موسمٍ ناجحٍ وحافِلٍ بخدماتٍ مُتكاملةٍ، وإنجازاتٍ جليلة، وجهودٍ تعاضدَت فيها كلُّ القطاعات التي بذلَت عملاً دؤُوبًا، وطوَّرَت فِكرًا حديثًا لخدمةِ الحُجَّاج والزوَّار. وأُخرِسَت الأبواقُ الناعِقة التي تُشوِّهُ الحقائِق، وتُزيِّفُ الأحداث، وأشعةُ الشمس لا يحجُبُها غِربال.

 

وقال حفظه الله: لقد منَّ الله علينا بنعمةِ مواسِم الطاعات التي تترادِفُ خيراتُها، وتغمُرُنا فيها رحماتُ الربِّ - سبحانه - بالمغفِرة؛ فمن المُوفَّقين -جعلَنا الله وإياكم منهم- من رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه، ومنهم من غفرَ الله له ذنوبَ سنتين. تلك المرتبَةُ السنِيَّةُ التي بلغَها المُوفَّقُون، والصفحةُ البيضاءُ النقِيَّةُ التي نالَ شرفَها المُشمِّرون، تلفِتُ نظرَ العاقِلَ، وتجعلُه يسعَى للمُحافظةِ على هذا السُّمُوِّ، والبقاءِ ثابتًا في هذا العلُوِّ، الذي ينالُ به جلالَ المغفِرة ونقاءَ الرحمة.

 

وبيَّن فضيلته أن سلوك الأتقِياء في كل وقتٍ وحينٍ: مُدافعةُ السيئات بالحسنات، التنقِيةُ المُستمرَّة من لَوثات الحياة، والتطهيرُ الدائِمُ لصحيفة العمل لا ينقطِعان بانتِهاء المواسِم، ولا يقتصِرُ أمرُهما على مكانٍ مُحدَّد، أو زمانٍ معلُوم؛ ذلك أن شُؤم الذنوب يُورِثُ الحرمان، ويُعقِّبُ الخِذلان. وإن قيدَ الذنوبِ يمنعُ من المشيِ إلى طاعةِ الله والمُسارَعةِ إلى خِدمته. ولهذا يتلمَّسُ المُسلمُ الأعمالَ التي تُكفِّرُ الذنوبَ، وترفعُ الدرجات على مدارِ العام؛ تزكِيةً لنفسٍ تنشُدُ النقاءَ والارتِقاء.

 

وقال وفقه الله: ومن أجلِّ أسبابِ المغفِرة: توحيدُ الله وإفرادُه بالعبادة؛ فمن حقَّق كلمةَ التوحيدِ في قلبِه، أخرجَت منه كلَّ ما سِوى الله محبَّةً، وتعظيمًا، وإجلالاً، ومهابةً، وحينئذٍ تحرِقُ ذنوبَه كلَّها ولو كانت مثلَ زَبَد البحر، وربما قلَبَتها حسنات. وتُكفَّرُ الذنوبُ: بالتزوُّد بالتقوَى خيرِ زادٍ، وكلُّ فضائلِ الأعمال مُكفِّراتٌ للذنوبِ، وميدانٌ فَسيحٌ لتطهيرِ النفسِ من أدرانِ المعاصِي، وجلاءِ القلوبِ من لَوثات الغَفلة، ومن ذلك: إحسانُ الوضوء والطهارة، وتعظيمُ أداء الصلاة على وقتِها مع الجماعة؛ وتُكفَّرُ السيئاتُ، وتُرفعُ الدرجاتُ بالبَذلِ والإنفاقِ والصدقةِ.

 

وأشار فضيلته إلى بعض الأعمال الصالحة: القيامُ بالأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر من مُكفِّرات الذنوبِ ورِفعة الدرجات؛ الصِّدقُ مع الله ومع النفسِ، والعيشُ بصِدقٍ في الحياة من مُكفِّرات الذنوبِ. كما أن الإيمانَ الذي يثبُتُ في محلِّ الابتِلاء يُكفّرُ الذنوبَ، ويرفعُ الدرجات، وتنمِيةُ الحياة بعِمارة الأرض وإصلاحِها تُكفَّرُ بها الذنوبُ، وبَذلُ الخير بالإحسانِ إلى الناسِ يرفعُ الدرجات، وفي غَمرة الفَرحَة ببُلوغ هذه المواسِم، والاغتِرافِ من مَعينِ فضلِها وثوابِها، يبتهِلُ العبدُ إلى ربِّه أن يُلهِمَه الهُدى والثبات.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على ذكر الله تعالى فقال: ذِكرُ الله يُغدِقُ فيضًا غامِرًا من النَّفحات؛ فبكلماتٍ يسيرةٍ في لحظاتٍ وجيزَةٍ، وبنيَّةٍ صادِقةٍ تُمحَى الذنوبُ، وينالُ المُسلمُ أعلى الدرجات، والسَّعيدُ من ابتهَلَ المكرُمات، وسعَى في تكفيرِ ذنوبِه، ورفع درجاتِه؛ ليلقَى ربَّه بصحيفةِ أعمالٍ طاهِرةٍ نقِيَّة؛ فإن الله - عز وجل - يبسُطُ يدَه بالليل ليتُوبَ مُسيءُ النهار، ويبسُطُ يدَه بالنهار ليتُوبَ مُسيءُ الليل، حتى تطلُعَ الشمسُ من مغرِبِها.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات