مختصر خطبتي الحرمين 23 من ذي القعدة 1437هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن مكَّة التي حرَّمَها الله شاهِدةٌ على تلكمُ الآياتِ البيِّنات، يَستلهِمُ المؤمنون منها عظمةَ خالِقِهم - جلَّ شأنُه -، ثم قداسةَ هذا البيتِ العَتيق الذي أودَعَه الله آياتٍ بيِّنات ليعتَبرَِ أُولُو الأبصار. إنها آياتٌ في المسجد، وآياتٌ في المشاعِرِ والعرَصَات، يُقبِلُ الحاجُّ إلى البيت ليكونَ أوّلَ ما يبدأُ به الطَّواف، وليكون أولَ ما يبدأُ به من الطوافِ: الحجرُ الأسودُ الذي جعلهُ الله من آياتِه البيِّنات في بيتهِ الحرام، إنه لآيةٌ شاهِدةٌ على نبيٍّ كريمٍ، نبيِّ الحكمةِ والصدقِ والأمانةِ - صلواتُ الله وسلامُه عليه -، نبيٍّ يَجمعُ ولا يُفرِّق، يرحَمُ ولا يقسُو، يُصلِحُ ولا يُفسِد.

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "المسجد الحرام والآياتُ البيِّنات"، والتي تحدَّث فيها عن بيت الله الحرام وما حبَاه الله من مكانةٍ ومنزلةٍ ليست لغيرِه من المساجِد، وقد عرَّج في خُطبتِه على نُبذةٍ يسيرةٍ من الآياتِ البيِّناتِ التي ذكرَها الله - جل وعلا - في سُورة آل عمران.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله - عبادَ الله -، والبدارَ البدارَ للهِ بالتقوَى، والاستِمساك بالعُروةِ الوُثقى، (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه: 123].

 

وأضاف الشيخ: مشهدٌ يتكرَّرُ كلَّ عامٍ بصورةٍ فريدةٍ، تتعاقَبُ عليه الأجيال قرونًا عَديدة، وأزمنةً تَليدة، تلبيةٌ وطواف، وسعيٌ ووقوف، ومَبيتٌ ورميٌ للجِمار، وعَرَصاتٌ قصَدَها أنبياءُ الله ورسُلُه، والخُلفاء، والمُلوك، والرؤساء، والعلماء، وخلقٌ من الناس لا يُحصِي عددَهم إلا الله، كلُّهم يَفِدُون إليها، مُشرئبِّين إلى ما عندَ الله من فَضْلٍ، إنها مَكّة، وبَكّة، والبيتُ الحرام الذي أُسَّسَ للعبادة والتوحيد والطاعة.

 

وأكد فضيلته أن البيت الحرام فيه: آياتٌ بيِّنات، نعم، إنها آياتٌ بيِّناتٌ لا يَمحُوها طولُ الزَّمن، ولا تَقادُمُ العُهود، آياتٌ بيِّناتٌ شاهدةٌ بفضلِه وقَداستِه، وشُموخه الذي يُطاوِلُ الزمان.

 

وبيَّن  الشيخ أن فيه آيات بيِّنات بارزةً في السعي بين الصفا والمروة، ليستشعرَ الناسُ ما بذَلَته هذه الأسرة الصغيرة المُكوَّنةُ من أمٍ وطفلها، في وادٍ غير ذي زرعٍ، يُودِعُها فيه زوجُها، فتقولُ له: "آللهُ أمَرَك بهذا؟، فيقولُ: نعم، فتقول: إذًا لا يُضيِّعُنا".

 

وقال حفظه الله: إنه السعيُ شِعارُ القوة والبَذل والتوكُّل، إنه الاعتمادُ على الله والتوكُّل عليه، الذي غمَرَ قلبَ هاجرَ - عليها السلام - ليُكرِمَها الله بجبريل يبحَثُ بجناحَيهِ في الأرض، حتى ظَهرَ لها الماءُ فشَرِبَت منه، وأرضَعَت وليدَها.

 

وأشار الشيخ إلى فضل زمزم، فقال: إنه الزمزمُ الماءُ المبارك، إنه طعامُ طُعم، وشفاءُ سُقم. إنه الزمزمُ الذي لا يَغيضُ ولا يَنضَب، الماءُ المُعجزة الذي أدهَشَ العُلماءَ والخبراءَ، إنه الماء الذي قال عنه المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «ماءُ زمزمَ لما شُرِبَ له».

 

وأكد الشيخ على مكانة البيت فقال: إنه البيتُ الحرام الذي فيه آياتٌ بيِّنات، إنها آيةُ البركة التي وهَبَها الله بيتَه العتيق، بركةٌ في الأرض، وبركةٌ في العَيشِ، وبركةٌ في الطعام والشراب.

 

وقال وفقه الله: إن مكَّة التي حرَّمَها الله شاهِدةٌ على تلكمُ الآياتِ البيِّنات، يَستلهِمُ المؤمنون منها عظمةَ خالِقِهم - جلَّ شأنُه -، ثم قداسةَ هذا البيتِ العَتيق الذي أودَعَه الله آياتٍ بيِّنات ليعتَبرَِ أُولُو الأبصار. إنها آياتٌ في المسجد، وآياتٌ في المشاعِرِ والعرَصَات، يُقبِلُ الحاجُّ إلى البيت ليكونَ أوّلَ ما يبدأُ به الطَّواف، وليكون أولَ ما يبدأُ به من الطوافِ: الحجرُ الأسودُ الذي جعلهُ الله من آياتِه البيِّنات في بيتهِ الحرام، إنه لآيةٌ شاهِدةٌ على نبيٍّ كريمٍ، نبيِّ الحكمةِ والصدقِ والأمانةِ - صلواتُ الله وسلامُه عليه -، نبيٍّ يَجمعُ ولا يُفرِّق، يرحَمُ ولا يقسُو، يُصلِحُ ولا يُفسِد.

 

وذكر الشيخ فضل الحجر الأسود فقال: إنه لآيةٌ بيِّنة، يمُرُّ طيفُها على كلِّ من شاهَدَ الحجَرَ، أو استلَمَه أو قبَّلَه، وهذا الحجرَ له بركةٌ خاصَّة، أو أنه يَضُرُّ أو ينفَع، كما أنها لا تعنِي أن يقتَتِلَ الناسُ على تقبيله واستلامِه، فقد قال الفاروق - رضي الله عنه -: "إني لأعلَمُ أنك حجرٌ لا تضرُّ ولا تَنفعُ، ولولا أني رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقبِّلُك ما قبَّلتُك".

 

ورحب فضيلته بالحجاج فقال: لقد حلَلتُم أهلاً، ووطِئتُم سهلاً، هذه مكةُ أمُّ القرى، والبلدُ الأمين، جعَلَ الله فيها هذا النُّسُك، جامِعًا فيه حُرمةَ الزمان وحُرمةَ المكان، وفي الحُرمَتَين قِوامُ الأمن المُفرِزَ للسكينة، والتواضُع، والتراحُم. وما الحجُّ - عباد الله - إلا طوافٌ وسعيٌ، ووقوفٌ ومَبيتٌ ورميٌ، وحَلقٌ أو تقصيرٌ.

 

وأكد الشيخ في ختام خطبته سعي بلاد الحرمين لخدمة الحجيج فقال: إنَّ من فَضلِ اللهِ على عِباده: أن هيَّأَ لهذا البيت عبرَ الأزمان من يقومون بوِفادَة الحُجَّاج، وهيَّأَ الله لبيتهِ بلادَ الحَرمين الشريفين، المملكةَ العربية السعودية، راعِيةً أمرَه، وهي تشرُفُ بخدمتِه، مُدلِّلةً ما من شأنه التسهيلُ على الحَجيج في غُدُوِّهم وروَاحِهم ومَرَاحِهم، باذِلةً وُسعَها في التشييد والإِعمار بما يشهَدُ به القاصِي والدانِي. وإن لكم على هذه البلاد - حُجَّاج بيت الله الحرام - التَّرحاب، وبذلَ العَون، والأمنَ والراحةَ، منذ قُدُومِكم سالِمين، إلى رواحِكم غانِمِين، وإن لها عليكم استِشعارَ هَيبة المشاعر، والتِزامَ الأناة والرفق، والأنظمة والتعليمات التي تصُبُّ في مصلحة الحَجِيج، وعدمَ الإخلال براحتهم وأذيَّتهم في نُسُكهم. فلا مجالَ لمُزايَدَاتٍ بشِعاراتٍ لا صلةَ لها بالحجِّ، ولا مجالَ لشَرخِ نُسُك العبادة بما ليس منها.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "فضل مكة والمسجد الحرام"، والتي تحدَّث فيها عن مكة أم القرى وفضائلِها، مع ذكرِ فضائل المسجد الحرام، وما يحتوي ذلك من ماء زمزم، والحجر الأسوَد، والرُّكن اليمانِيِّ، والصفا والمروة، وغير ذلك، في ضوء نصوص الوحيَين.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعروة الوُثقى.

 

وأضاف الشيخ: تَفرّد اللهُ بالخلقِ والتدبيرِ والاصطِفاء، واختيارُه دالٌّ على ربوبيَّته تعالى ووحدانيتِه، وكمالِ حكمتِه وعلمِه وقُدرتِه، وقد فاضَل - سبحانه - بين الأمكِنة والذواتِ والأعمالِ والشهورِ والليالِي والأيام: فخيرُ الخلقِ محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، وأفضلُ الأعمالِ توحيدُ الله وإفرادُه بالعبادة، وأشرفُ الشهورِ شهرُ رمضان، وأعزُّ الليالي ليلةُ القدر، وأفضلُ الأيامِ يومُ النَّحر، وخيرُ البِقاعِ عندَ اللهِ وأحبُّها إليه مكَّة؛ هي أمُّ القُرى، وما سِواهَا تبعٌ لها، أقسَم الله بها إشارةً لعظَمَتِها فقال: (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) [البلد: 1]، ومع القَسَمِ سمّاها البلدَ الأمين، فقالَ: (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [التين: 3].

 

وقال حفظه الله: مسجِدُها أشرفُ المساجِد، وهو أولُ بيتٍ وُضع في الأرضِ مُباركًا وهدايةً للناس، (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) [آل عمران: 95]، قال أبو ذرٍّ - رضي الله عنه -: يا رسول الله! أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرضِ أوَّل؟ قال: «المسجدُ الحرام»، قال: قُلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «المسجدُ الأقصَى» (متفقٌ عليه).

 

وقال وفقه الله: هدَى الله إبراهيمَ لبناءِ البيتِ فيها، (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ) [الحج: 26]، فرفَعَه مع ابنه إسماعيل، ودعا الخليلُ بمحبَّةِ قلوبِ الناسِ لمكةَ، وفرحهِم بالقُدُومِ إليها، فقال: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم: 37].

 

وبيَّن الشيخ أن الله اختارَها لأكرمِ رُسُلِه، ففيها وُلد نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم -، وفيها نشَأ ومنها بُعِث، وبدأَ نُزُولُ الوحي والقرآن عليهِ فيها، وعاشَ - عليه الصلاة والسلام - فيها أكثرَ من خمسين عامًا، ومنها انطلَقت الدعوة، وفيها نشأَ خيرُ رجالٍ وهم الصحابة بعد الأنبياء، ومنها أُسرِيَ - عليه الصلاة والسلام - إلى المسجدِ الأقصى. أحبَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حبًّا جَمًّا وأُخرِجَ منها مُكرَهًا، ولما نَزلَ المدينةِ كان يدعو: «اللهمَّ حَبِّبْ إلينَا المدينةَ كما حَبَّبتَ مكةَ أو أَشَدَّ» (متفقٌ عليه).

 

وأكد فضيلته أن مكة: بلدٌ آمِنٌ دعا إبراهيمُ له بالأمنِ فقال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا) [البقرة: 126]، فامتَنَّ الله بذلك وقال: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت: 67]. قال القرطبيُّ - رحمه الله -: "إن مكَّةَ لم تزَل حرَمًا آمنًا من الجبابرةِ، ومن الزلازل، وسائرِ المثُلات التي تحُلُّ بالبلاد". والداخِلُ إلى مسجدِها يشعُرُ بأمنِها، قال - سبحانه -: (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) [آل عمران: 97]،  وكان نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - مُعظِّمًا لها، قال يومَ الحديبية: «والذي نفسي بيدِه؛ لا يسألُوني خُطَّةً يُعظِّمُون فيها حُرُمات الله إلا أعطيتُهم إياها» (رواه البخاري).

 

وبيَّن الشيخ أن من حُرمَتها: أن سَفكَ الدم فيها بغير حقٍّ أشدُّ حُرمةً من غيرها، ولا يُخافُ أهلُها بحملِ سلاحٍ فيها، والحيواناتُ آمنةٌ بأمان الله في العَرَاء، والطيورُ سابِحةٌ في الفَضاء، وأشجارهُا تُرفرِفُ بالأمنِ فلا تُقطَع، والأمْوالُ المفقودةُ لا تُلتقَطُ كسائرِ البُلدان، شبّه -عليه الصلاة والسلام- حُرمةَ الأموالِ والأعراضِ والدماءِ بحُرمَتها، لعلوِّ منزلَتِها عند الله، ومن همَّ بسوءٍ فيها عذَّبَه الله، ولعظيم حُرمَتها لا يطَأُ أرضَها مُشرِكٌ، والدجالُ كافرٌ بالله يفتِنُ الناسَ في دينِهم، فيمنَعُهُ الله من دخولِ مكَّةَ والمدينة.

 

وبيَّن الشيخ أن حفِظَ اللهُ مكةَ، وستبقَى محفوظةً بحفظِ الله، ومن أرادَها بسُوءٍ أهلكَهُ الله، فأصحابُ الفيلِ أرادُوها بشرٍّ، فحبَسَهم الله عنها، وجعَلَهم عبرةً إلى يومِ الدين، وكما أحلَّ الله فيها الأمنَ، تكرَّمَ على أهلِها بالخيراتِ والثِّمار، مع أنها وادٍ بين جبَلَين غيرُ ذي زَرعٍ، والجبالُ مُحيطةٌ بها من كلِ جانبٍ، وأرضُها مظِنَّةٌ للمجاعة، فدعَا إبراهيمُ لأهلها أن يُرزَقُوا من الثَّمرات كما رزَقَ الله البُلدانَ ذوات الماء والزُّرُوع، وكان من دُعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم اجعَلْ بالمدينةِ ضِعفَي ما جعَلْتَ بمكةَ من البرَكةِ» (متفقٌ عليه).

 

وأشار الشيخ إلى أن الله سقَى أهلَها ماءً لا يُوجدُ في الأرضِ مِثلُه، ويتمنَّى الناسُ قطَرَاتٍ منه؛ فماءُ زمزمَ مباركٌ وهو طعام، وهو شفاءٌ من جميعِ الأسقام، قال - عليه الصلاة والسلام -: «زَمزَمَ طعامُ طُعمٍ، وشِفاءُ سُقْمٍ» وصَدرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - شقّه المَلَكُ وغسَلَه بماء زمزم. (رواه البخاري).

 

وقال وفقه الله: وحُلُولُ الرزقِ فيها والأمنِ مُوجِبانِ لعبادةِ اللهِ وحده، قال تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [قريش: 3- 4]، والله يدفعُ السوءَ عن أهلِها بسبب تعظيمِهم البيتَ وتوحيد الله، قال تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ) [المائدة: 97]. قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "أي: يرفعُ عنهم بسببِ تعظيمِها السوء".

 

وبيَّن الشيخ أن مكّة بلدةٌ مباركةٌ وخيرُها عَميم، ومن بركاتِها مُضاعفةُ الصلاةِ فيها، والطوافُ بالبيت عبادةٌ لا يُمنع عنه أحدٌ أيَّ ساعةٍ من ليلٍ أو نهار، ومشاعِرُها مناسِكُ للمسلمين، فرَضَ الله عليهم قصدَها وجعَلَه أحدَ أركانِ الإسلام، وإلى مسجدِها يُثابُ المسافرُ إليه، وليس في الأرضِ بقعةٌ يُطافُ حوله سِوَى البيت، وليس في الدنيا موضعٌ يُشرع تقبيلُه واستلامُه غيرُ الحَجَر الأسود من الكعبة، والرُّكنُ اليمانِيُّ منها يُستلَم.

 

وأكد الشيخ أن الله جعلَ البيتَ فيها مثابةً للناسِ وأمنًا، فإليه يفِدُ الخلقُ على تعاقُبِ الأعوامِ من كلِّ فجٍّ عميقٍ، تشتَاقُ له الأرواحُ، وتحِنُّ إليه النفُوس، وإن زارُوه زادَ شوقُهم إليه. قصَدَه الأنبياء؛ وشرَّفَ الله البيتَ، فأضافَه إلى نفسهِ، وجعَلَه منارةً للتوحيدِ، وأمَرَ بتطهيرِه مما يُضادُّ ذلك من الأصنام وعبادةِ الأوثان، وجعَلَ قصدَه مُكفِّرًا لما سَلَفَ من الخطايا والذنوب ولم يرضَ الله لقاصِدِه ثوابًا دونَ الجنة.

 

وقال حفظه الله: وهو قِبلةُ أهلِ الأرضِ جميعًا، يتوجَّهُ كلُّ مسلمٍ إلى جِهتِه كل يومٍ مرارًا، وعَظَّم - سبحانه - حُرمَتَه، فلا تُستقبَلُ جهةُ البيتِ الحرامِ حالَ البولِ أو الغائِطِ، وإليه يُساق الهديُ والقرابين، وفي البيتِ آياتٌ بيِّناتٌ أنه من بناء إبراهيم، منها مقامُه - عليه السلام - وأمرَنا الله أنْ نتَّخِذَ منه مُصلَّى، وفي بيتِ اللهِ الحرامِ الحجرُ الأسودُ، وفي المسجدِ الحرام الصفا والمروةُ، وهما من شعائِرِ الله، وواجِبٌ تعظيمُهما والسعيُ بينهما. وفي بيتِ الله ماءُ زمزمَ عبرةٌ وآيةٌ في كثرتهِ وبركتِهِ ونفعِهِ.

 

وأكد الشيخ أن بَيت الله إنما أُسِّسَ لعبادةِ اللهِ وحدَه لا شريكَ له، وهو من مواطِن التوبةِ والرجوعِ إلى الله، فعلى العبدِ أن يقصِدَ المسجدَ الحرام وهو خاضِعٌ ذليلٌ لله للتقرُّبِ إليه - سبحانه - وحطِّ الأوزَار، وواجِبٌ على العبادِ تعظيمَ بيتِ الله، فتعظيمُ ما عظَّمه الله من التقوَى، وبذلك صلاحُ المسلمين في دينِهم ودنياهم.

 

وختم الشيخ خطبته بالوصية باغتنام أيام المناسك، فقال: في البلد المُبارَك الآمِن يُؤدِّي المسلمون حجَّهم مُتجرِّدين عن الدنيا وأطماعِها، مُسَلِّمين أنفسَهم لله عبوديةً ورِقًّا، يجمعُهم التوحيدُ ويُؤلِّفُ بين قلوبهِم الإيمانُ، مُظهِرين الطاعةَ لله ذُلاًّ وانقِيادًا، مُفتقِرِين إليه طلبًا وسؤالاً، مُكثِرين من ذكرِ الله، إقامةً وارتِحالاً. في مشاعِرِ الحجِّ العِبَرُ والعِظات، الكلُّ عند الله سواء، والميزانُ هو التقوَى، وفي الإحرامِ واجتماعِ الناسِ تذكيرٌ بالمحشَر، والمقبولُ من كان عملُه خالِصًا لله صوابًا، لم يَشُبْه شركٌ أو رياءٌ أو عدمُ اتِّباع، ولحظاتُ الحجِّ ثمينة، والمُوفَّقُ من اغتنَمَها بالإكثارِ من ذكرِ الله وعملِ الصالحات.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات